mountada el samare
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مقدمة -1- معرفة السيرة النبوية فرض عين على كل مسلم

اذهب الى الأسفل

 مقدمة -1- معرفة السيرة النبوية فرض عين على كل مسلم Empty مقدمة -1- معرفة السيرة النبوية فرض عين على كل مسلم

مُساهمة من طرف Admin الأحد فبراير 01, 2015 1:51 am

هذه هي السيرة :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الأول من دروس فقه السيرة، واليوم سيكون الموضوع تمهيدًا للسيرة .
الكون كما تعلمون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي، فإن تحدثنا عن الكون كان التفكر في خلق السموات والأرض، وإن تحدثنا عن القرآن كان الحديث تفسيراً وتحليلاً واستنباطاً، وإذا وصلنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي، كانت السيرة .
دعوة القرآن إلى دراسة السيرة النبوية من حيث :
1- أن النبي صلة الوصل للمسلم في ثبوت إيمانه :
قصص الأنبياء زادت من تثبيت قلب النبي
أيها الأخوة، بادئ ذي بدء، هل نحن بحاجة إلى تعلم سيرة سيد الخلق؟ الجواب الأول : أن الله جل جلاله حينما قال:
﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾
( سورة هود الآية : 120 )
فإذا كان قلب سيد الأنبياء يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، فلأن تزداد قلوبنا إيماناً ويقيناً بمساع قصة سيد الأنبياء، هذا دليل .




2- أن النبي قدوة في نقل الإنسان من صحراء الوجود إلى واقعية الحياة ورقيها :
والدليل الثاني: أن الله سبحان الله حينما قال:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾
( سورة المؤمنون الآية : 69 )
الإسلام بمجمله كلمتان: كلمة التوحيد وكلمة الرسالة، لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذاً: الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام شطر الدين، بل هو جزء لا يتجزأ من الدعوة إلى الله، ذلك لأن في الحياة مثالية حالمة لا أحد يعبأ بها، وفي الحياة واقعية مقيتة لا أحد يلتف إليها، ولكن الناس يشدهون بمثالية واقعية أو بواقعية مثالية، هذا ما نجده في سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
3- دعوة القرآن للإنسان في التفكر بشمائل النبي :
شيء آخر، أن الله سبحان الله حينما قال:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾
( سورة سبأ الآية : 46 )
فالتفكر في كمال رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتفكر في شمائله، وفي فضائله، وفي منهجه جزء من الدين .
4- تعلم السنة القولية فرض عين على كل مسلم :
شيء آخر، أن في علم الأصول قاعدة ذهبية دقيقة جداً، وهي أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة, أرأيت إلى الصلاة إنها فرض، لكن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء، فإذا كان الوضوء من لوازم الصلاة فهو فرض مثلها، ما علاقة هذا المثل بضرورة تعلم السنة؟ الله عز وجل حينما قال:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
كيف نأتمر بما أمر؟ وكيف ننتهي عما عنه نهى وزجر إن لم نعرف ما الذي أمر, وما الذي زجر؟ وكتعقيب دقيق، هو أن كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة تصرفه عن الوجوب، فإذا قال الله عز وجل:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾
( سورة البقرة الآية : 187 ) .
هذا أمر إباحة، وإذا قال الله عز وجل:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾
( سورة النور الآية : 32 ) .
هذا أمر ندب، وإذا قال الله عز وجل:
﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
( سورة الكهف الآية : 29 )
كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب
هذا أمر تهديد .
إذا لم تقم قرينة تصرف عن الوجوب فكل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، إذاً: معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، تنفيذاً لأمر الوجوب:
﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
ومعرفتك المنهيات التي نهى عنها النبي فرض عين على كل مسلم كي تنتهي عما عنه نهى وزجر، وحينما قال الله عز وجل:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
( سورة الأحزاب الآية : 21)
الرسول أسوة لنا
كيف يكون النبي e أسوة لنا، أي قدوة لنا، إن لم نعرف ماذا فعل في بيته؟ وكيف عامل زوجته؟ وكيف عامل أصحابه؟ وكيف كان في السلم؟ وكيف كان في الحرب؟ إذاً: معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين على مسلم تحقيقاً, لقوله تعالى:
﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين تحقيقاً, لقوله تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 21)
وقالوا: الحديث عن الكمال البشري حديثاً نظرياً لا يؤثر، أما الحديث عن الكمال البشري إذا كان مجسّداً في إنسان يؤثّر، لأن هذا كمال واقعي، نعيشه إنسانًا بيننا, وعاش مع الناس، ولولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر غير أنه بشر، وتجري عليه كل خصائص البشر، فلذلك أنت حينما ترى إنسانًا يشتهي ما تشتهي، ويخاف مما تخاف، ويرجو كما ترجو، ويتألم كما تتألم، هكذا قال النبي عن نفسه:
" اللهم إني بشر أرضى كما يرض البشر، وأغضب كما يغضب البشر " .
( أخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن أنس)
لأنه بشر، ولأنه تجري عليه كل خصائص البشر، وانتصر على بشريته كان سيد البشر .
النبي أسوة حسنة لنا معاشر المؤمنين :
طموحك يمثل الشخصية التي تتمنى أن تكونها
فلذلك البند الأول في هذا الدرس الأول هو أن معرفة رسول الله عليه الصلاة والسلام فرض عين على مسلم، بل معرفة سيرته العطرة فرض عين على كل مسلم، ليكون النبي e قدوة لكل مسلم، ذلك في حياة كل منا شخصية يتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، وشخصية يكونها، فالشخصية التي تكونها هي أنت، والشخصية التي تتمنى أن تكونها هي طموحك وانتماؤك واتجاهك، قل لي أي شخصية تتمنى أن تكونها أقل لك من أنت، الله عز وجل يبين أن المؤمنين أسوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 21)
دخل إنسان إلى البيت, ولم يكن الطعام جاهزاً، هل يغضب؟ هل يزمجر؟ هل يعنف؟ هل يصبر كما كان النبي e يصبر؟ يصبر، المؤمن في كل موقف يتفكر كيف كان النبي e يفعل؟ كيف يفعل لو كان في ظرف كهذا الظرف؟ لذلك:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 21)
إن أردت الدنيا فقدوتك الأغنياء، وإن أردت الدنيا فقدوتك الأقوياء، أما إذا أردت الله واليوم الآخر فقدوتك الأنبياء، هذه حقيقة أولى .
من خصائص رسالة الإسلام عصمة نبيها عن الخطأ :
عصم الله نبيه وحماه
أن في حياة المسلمين إنسان واحد عصمه الله من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، هذه العصمة تتماشى مع أمر الله عز وجل أن نأخذ منه كل شيء، وأن ننتهي عما عنه نهانا، لو أن النبي e ليس معصومًا لكان الأمر بالأخذ عنه أمر بمعصية، إذاً:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية : 3-4)
لكن البشر ينطقون عن الهوى، أحياناً يخترع قاعدة ليروج سلعته، أحياناً يتكلم لصالح مكاسبه، أحياناً لا يتكلم بالحق حفاظاً على مكاسبه، لكن هذا الإنسان الذي عصمه الله عز وجل، وصفه الله عز وجل بأنه:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية : 3-4)
كيف نعزو هذا الاجتهاد إلى النبي ؟
ولكن قد تقرأ في القرآن الكريم :
﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾
( سورة التوبة الآية : 43 )
وقد تقرأ في القرآن الكريم:
﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾
( سورة عبس الآية : 1-2 )
الحقيقة أيها الأخوة, أنه لحكمة بالغة تُرك للنبي صلى الله عليه وسلم هامش ضيق جداً ليجتهد فيه، فإن أصاب في اجتهاده أقره الوحي على هذا الاجتهاد، وكان اجتهاده وحيًا يوحَى، وإذا اجتهد النبي عليه الصلاة والسلام اجتهاداً صعباً هذا الاجتهاد وسام شرف له .
ابن أم مكتوم من أصحابه الكرام، من محبّيه، ممن يذوب شوقاً له، لم يجلس معه، بل جلس مع زعماء قريش الألداء الأعداء المستكبرين، اجتهد النبي e أن هؤلاء إذا أسلموا أسلمت قريش، اجتهد اجتهاداً صعباً، لكن الله بين له أن هذا الرجل الأعمى هو أفضل عند الله من هؤلاء الصناديد، إذاً: الله عز وجل لم يعتب عليه، بل عتب له، وفرق كبير بين أن تعتب على ابنك إن رأيته يلهو والامتحان على الأبواب، وبين أن تعتب على ابنك إن رأيته حتى الساعة الرابعة يدرس، تقول: لا يا بني، نم واسترح، إن لجسمك عليك حقاً، أنت في الحالتين تعتب عليه، لكن الحالة الأولى تعتب عليه، وفي الثانية تعتب له, فإذا عاتب الله النبي صلى الله عليه وسلم فهو عتب له لا عليه، فجاء الوحي وبيّن للنبي e أن هذا أولى من هذا .
بالمناسبة، لا معصية إلا بالتكليف، لم يكن هناك تكليف خالفه النبي عليه الصلاة والسلام, لكنه اجتهاد، وكان اجتهاده وسام شرف له، واجتهد الأصعب، لكن هذا الهامش الضيق جداً الاجتهادي ليكون هناك فرق بين مقام الألوهية ومقام النبوة، فرق توحيدي، لأن أنبياء كثر أُلِّهوا من بعدهم، ومعظم أنبياء الصين هم عند أهل الصين آلهة، هم في الحقيقة أنبياء كرام، لأن الله عز وجل قال:
﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾
( سورة غافر الآية : 78 )
من هنا نفهم لماذا سيدنا الصديق، وهو أقرب الخلق إلى رسول الله ، وهو أحب الناس إليه حينما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى علا صياحه, فقال: " مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْكُمْ مُحَمَّداً ـ محمداً هكذا ـ فَإِن مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ " .
( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة)
نفي العصمة لغير الأنبياء :
غير الأنبياء غير معصومين
الله أمرنا أن نأخذ عن النبي كل أقواله وكل أفعاله، إذاً: هو معصوم، ولو لم يكن معصوماً لكان الله قد أمرنا باتباع غير المعصوم، وهذا مستحيل، ولكن كما يقال: الشيء بالشيء يذكر، كما أننا نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بأقواله وأفعاله وإقراره وصفاته لا نعتقد العصمة لغيره، ومن بديهيات العقيدة الإسلامية أن غير النبي e مهما يكن عالي القدر فليس بمعصوم، وهذه القاعدة مريحة جداً، أنت إذا تعاملت مع كل المؤمنين فأكبرت مؤمناً تألق نجمه، تقول في نفسك: هذا من أتباع النبي e، وإن رأيت زلة قدم آلمتك من أخيك, تقول: هذا من عدم عصمته، وتبقى تحبه، لذلك من الخطأ الكبير أن نعتقد العصمة لغير النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نعتقد العصمة لغير النبي هذا مزلق خطير .
مثلاً:  لاتسلم عقلك لمخلوق فلا أحد معصوم غير الأنبياء
النبي عليه الصلاة والسلام عيّن صحابياً أنصارياً ذا دعابة على سرية كقائد لها في الطريق، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: " بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا ، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا ، فَجَمَعُوا حَطَبًا ، فَأَوْقَدُوا نَارًا ، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنْ النَّارِ ، أَفَنَدْخُلُهَا ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ " .
( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن علي)
العقل لا يعطَّل أبداً، هذا الذي يقول: يجب أن تكون كالميت بين يدي الغاسل، لا، يجب أن تكون صاحياً، لأنه ما من إنسان بعد النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بالعصمة، لكن على تفاوت، هذه حقيقة، أنت بإمكانك أن تحب كل المؤمنين، وأنت تتعامل مع كل المؤمنين، وأن تقيم علاقة متينة ومثمرة مع كل المؤمنين، بشرط ألا تعتقد عصمتهم، فأي خطأ آلمك بكل بساطة هذا من عدم عصمته، وأي شيء أكبرته هذا من اتباعه .
دليل آخر على أن النبي لا ينطق عن الهوى :
ثمة طرفة تشير إلى أن الإنسان أحيانا ينطق عن الهوى، مرة أردت أن أشتري ستائر ، دُللت على تاجر هنا في الحريقة، قال لي وقد ألقى محاضرة: إن عرض الستيرة يجب أن تكون ضعف الحائط, أي زائد متر، كي تكون جميلة جداً، أنا استسلمت له، اخترت ثوبًا، لما قاسه وجده أقل بمتر من ضعف عرض الحائط، وأنا أعجبني، قال لي: هذا المطرز على الفرد يأتي أجمل، هو ينطق عن الهوى، مصلحته أن يبيع هذا الثوب، لا أبالغ أن تسعين بالمئة من كلام الناس في تجارتهم, وفي بيعهم, وفي شرائهم ينطقون عن الهوى .
لذلك مرة النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة بدر, قال كلاماً موجزاً: لا تقتلوا عمي العباس، واحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكر في كلامه لم يقبل هذا الكلام، قال : أحدنا يقتل أباه و أخاه، وينهانا عن قتل عمه، أقرباؤه لهم قواعد خاصة، النتيجة أنه بعد حين تبين أن عمه العباس في مكة كان مسلماً، وكان عين النبي e، وكان ينقل للنبي e كل شيء في قريش، إدارة النبي e إدارة ذكية جداً، تعتمد على معلومات دقيقة، فعمه العباس أسلم سراً ، وبقي في مكة عيناً للنبي صلى الله عليه وسلم على قريش، لو أن النبي e قال: لا تقتلوا عمي العباس لأنه مسلم، كشفه، وانتهت مهمته، ولو أنه لم يقل: لا تقتلوا عمي العباس وهو في صفوف المشركين الصحابة يقتلونه، الحل أن يقول النبي e كلامًا موجزًا، لا تقتلوا عمي العباس فقط، بعد حين اتضحت لهذا الإنسان هذه الحقيقة، فقال: والله بقيت عشر سنين أتصدق رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله e، قال تعالى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية : 3-4)
لما قال:
" والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا "
( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة)
المنهج الدعوي الذي نستنبطه من سيرة النبي :
أيها الأخوة، كما أن للسيرة النبوية المطهرة منهج فيما ينبغي أن نفعل، وما ينبغي ألا نفعل, فالسيرة النبوية المطهرة منهج دعوي، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كيف عامل أصحابه؟ كيف علمهم؟ كيف التقى بهم؟ كيف نصحهم؟ كيف أثنى عليهم؟ هل استشارهم؟ هل تواضع لهم؟ هل كان في خدمتهم؟ هل بنى مجده على أنقاضهم؟ هل أحبهم؟ هل أحبوه؟ هذا جانب مهم جداً من سنة النبي العملية، وهو الجانب الدعوي، وما من داعية يقلد النبي في دعوته إلا ويتألق، ويعلو مجده في أوساط الأمة، وما من داعية يخالف سنة النبي e الدعوية إلا ويثير حوله جدلاً كبيراً .
ثمرة الكلمة الطيبة تطبيقها :
الكلمة الطيبة تفعل فعل السحر بالناس
أيها الأخوة, نحن بحاجة إلى قرآن يمشي، ونحن بحاجة إلى مسلم يمشي، الكلام النظري تأثيره ضعيف، لماذا؟ لأن الناس كفروا بالكلمة، لماذا كفر الناس بالكلمة؟ لأن كل الممارسات التي يمارسها الناس تتناقض مع كلامهم، تأتي إلى بلد، وتتفنن في إيقاع الأذى، وهدم البيوت، وقتل الأبرياء, وتقول: أنا جئت من أجل الحرية، من أجل أن تنعموا بالحرية، هذا الكلام مع هذه الممارسات يحمل الناس على أن يكفروا بالكلمة كفرًا كاملاً، نحن الآن في مشكلة، الناس كفروا بالكلمة، ولا يمكن أن تستعيد الكلمة قدسيتها إلا بالتطبيق، الأنبياء بماذا جاؤوا؟ هل جاؤوا بالصواريخ, هل جاؤوا بالطائرات؟ هل جاؤوا بحاملات الطائرات؟ هل جاؤوا بالغواصات؟ هل جاؤوا بالأقمار الصناعية؟ جاؤوا بالكلمة, قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 24-25 )
الكلمة الطيبة تفعل فعل السحر في الناس، لكن الناس اليوم كفروا بالكلمة، لأن كل الذي يقال معه ممارسات تتناقض معه، مجلس يأمر بلدًا بعيدًا أن يطبق الديمقراطية، جيد، لكنه هو يمارس القهر والقمع عن طريق حق الفيتو، أو حق النقض، المجلس قمعي، وأمره ديمقراطي، كلام مضحك، لذلك كفر الناس بالكلمة، لا يمكن أن نعيد للكلمة مكانتها إلا بالتطبيق، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: " اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ " .
( أخرجه السيوطي الجامع الصغير عن سمرة)
نماذج من البشرية اعتنقوا الإسلام من وراء السلوك العملي للإسلام :
كنا في الحج مرة، ورأينا رجلا تبدو على ملامحه أنه غربي, علمت بعد حين أن سبب إسلامه هو أن طالباً من سورية أقام في بيته، واستأجر غرفة، ولهذا الرجل فتاة جميلة، لم ير أن هذا الشاب مرة نظر إلى ابنته، كلما وقعت عينه عليها غض بصره، هذا شيء ما استوعبه، ما هذا الإنسان؟ فحاوره، انتهى الحوار بإسلام هذا الإنسان, هذه الكلمة ينبغي أن تكتب بماء الذهب: " اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ " .
( أخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن سمرة)
رجل في أمريكا اسمه جفري لنك، هذا الرجل من أكبر ملحدي أمريكا، دكتور في الرياضيات، بجامعة سان فرانسيسكو، سبب إلحاده أنه كان في التعليم الثانوي يدرس، وعنده مدرس للديانة المسيحية، وجاء إلى البيت، وانتقض هذا المدرس أمام أبيه، ما كان من أبيه إلا أن طرده من البيت، فلما طرده من البيت اعتنق الإلحاد، وتابع دراسته، وكان ذكياً إلى درجة غير عادية، كان أستاذه بالجامعة, يقول له: اخرج من القاعة، ولك العلامة التامة، كان يربك أستاذه، استقر به المقام إلى أن أصبح أستاذاً للرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو، كانت له مكانة كبيرة في الجامعة، حتى إن أستاذه كان يستشيره أحياناً في بعض رسالات الدكتوراه، عند أستاذه طالبة من الشرق الأوسط، نشأت مشكلة في أطروحتها، فأرسلها إلى هذا الدكتور البروفيسور جفري لنك، ليأخذ رأيه، هذا الأستاذ الجامعي الملحد الذي اعتنق الإلحاد رأى فتاة محجبة حجاباً كاملا، وفي أيام الصيف، والفتيات في أمريكا عرايا في الصيف، فقال: لا بد أن هذه الفتاة تعتنق ديناً عظيماً، وعندها قناعات كبيرة جداً حملتها على أن تخالف كل الفتيات في هذه البلاد، فقال هذا الأستاذ: والله لم أجرؤ على أن أحدق في وجهها، لقدسيتها، واندفعتْ بكلي إلى مساعدتها, وعكفت في اليوم نفسه على قراءة القرآن، قرأ القرآن، لكن عنده شعور أنه ليس كلام الله، فهو يبحث عن بعض الأخطاء، فلما وصل إلى قوله تعالى:
﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً﴾
( سورة يونس الآية : 92 )
قال: هنا الخطأ، له صديق في فرنسا اسمه موريس بوكاي، اتصل به هاتفياً، وقال له : تعال وانظر، هذا فرعون مات، فكيف قال الله عز وجل:
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾
( سورة يونس الآية : 92 )
قال: فرعون الذي قالت عنه الآية أنا رممت جثته بيدي، هو الآن في متحف مصر الفرعوني، وأسلم هذا الرجل، وقد لا تصدقون أنه اليوم من أكبر الدعاة الإسلاميين في أمريكا، وقد ألف كتاباً، وترجم إلى العربية يجيب فيه ابنته الصغيرة، قالت له: يا أبت, لماذا أسلمت؟ فأجابها بكتاب، ودرست بعض الكتاب في الجامع العثماني، وإذا قرأتم الكتاب ترون هذا الإنسان أقرب إليكم من أهلكم، الإيمان يجمع، ما سبب إسلام هذا الداعية؟ فتاة محجبة، قال عليه الصلاة والسلام: " اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ " .
( أخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن سمرة)
نحن بحاجة إلى مسلم يمشي، إذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف,
في حديث جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِلنَّجَاشِيِّ: " أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، ونسيء الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ " .
( أخرجه أحمد في مسنده عن أم سلمة)
أسباب تخلف المسلمين في هذا العصر :
أخواننا الكرام، حال واحد مستقيم في ألف، واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد ، ألف داعية على طالب علم واحد، إذا تكلموا كلاماً رائعاً، ولم يكونوا كما يقولون, فحال واحد في ألف خير من قول ألف في واحد .
إن أردت مجتمع ينهض كن قدوة، كان أصحاب النبي e الواحد كالألف، والمسلمون في عصور التخلف والشهوة والشرك الألف كأف، هل يُعقل أن يستنجد سيدنا خالد بسيدنا الصديق بمدد في معركة نهاوند، هو يحتاج خمسين ألف مقاتل، أرسل له الصديق واحدًا؟ هو القعقاع بن عمرو، فلما وصل إليه، قال له: أين المدد؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت! معه كتاب، فتح الكتاب، يقول سيدنا الصديق: يا خالد، لا تعجب أن أرسلت لك القعقاع بن عمرو، فو الذي نفس محمد بيده لا يهزم جيش فيه القعقاع، وانتصروا، بين واحد كألف، وبين ألف كأف، مليار وثلاثمئة مليون مسلم لا وزن لهم اليوم، وليس أمرهم بأيديهم، ولا يملكون شيئاً, قال تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
هل نحن مستخلفون الآن؟ لا والله, والحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح, قال تعالى:
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
هل نحن ممكَّنون في الأرض؟ لا والله, أين التمكين؟ قال تعالى:
﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
هل نحن آمنون؟ كل يوم فيه تهديد، لماذا؟ ماذا نفعل بهذه الآيات؟ وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، ماذا نفعل بهذه الآيات؟ قال تعالى:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾
( سورة مريم الآية : 59)
وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها, ليس كل مصلي يصلي, " إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي, وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي, وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي " .
( ورد في الأثر)
مقام النبوة عند الله :
أيها الأخوة, أن الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين الاستجابة لله، لشفافية النبي عليه الصلاة والسلام يشف عن الحقيقة الإلهية .
للتقريب: بللور من أرقى الأنواع، ونظيف جداً، من شدة إتقان صنعته، ومن شدة نظافته يكاد لا يرى أبداً، لا ترى إلا الذي وراءه، الآن في حالات كثيرة إذا كان البللور نظيفًا جداً يخشى أن تصطدم به، فقد كنت في فندق الأسبوع الماضي الألواح فيه نظيفة جداً، لكن مكتوب عليها عدة كلمات كي تشعر أن هنا لوح بللور، لئلا تتابع السير, فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا استجبت إليه فاستجابتك إليه عين استجابتك لله، الدليل:
﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾
( سورة التوبة الآية : 62 )
لم يقل: يرضوهما، لأن إرضاء رسول الله عين إرضاء الله، ولأن إرضاء الله عز وجل عين إرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إليكم بيان المنهج النبوي في وصف حالة المؤمن المحب لله ولرسوله :
أيها الأخوة, أن الله لا يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، لو قبلت دعوى من دون دليل لادعى كل إنسان محبة النبي صلى الله عليه وسلم, صدق القائل:
كل يدعي وصل بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكَا
فكرة دقيقة جداً، أرجو الله أن تكون واضحة لديكم،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" .
( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك)
بربكم لو سألتم مليارًا وثلاثمئة مليون مسلم: أتحب رسول الله ؟ يقول لك: نعم، إذاً: هذا سؤال ليس له معنى، ما دام كل إنسان يدعي محبة رسول الله ، يريد النبي أن يقول:
" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " .
( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك)
أن يكون الله في قرآنه, والنبي في سنته أحب إليك من الدنيا وما فيها عند التعارض، حينما تتعارض مصلحتك مع الحكم الشرعي، وتقف مع الحكم الشرعي، وتقول: معاذ الله أن أعصيه ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، وحلاوة الإيمان شيء لا يعرفه إلا من ذاقه، وبين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان بون شاسع .
معك خارطة لقصر, صالون 8 بـ 12 ممتاز، لكن هذا ورق، هذا ليس بيتًا، غرفة النوم 6 بـ 8 أيضاً جيد، الشرفة واسعة، ورق، فحقائق الإيمان ورق، لكن حلاوة الإيمان قصر، تسكن هذا القصر، فرق كبير بين أن تقتني خارطة للقصر، وبين أن تكون مالكًا لهذا القصر، هذا بين حلاوة الإيمان, وبين حقائق الإيمان, قال رسول الله :
" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا " .
( أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك)
حينما تتعارض مصلحتك مع الحكم الشرعي, مع حكم قرآني، أو مع حكم نبوي، تقف مع الحكم الشرعي، وتضع مصلحتك المتوهمة تحت قدمك، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، ذاق حلاوة الإيمان، من آمن بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، لذلك الله جل جلاله لا يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 31 )
بالمناسبة يمكن أن تصدق أن هناك اليوم الآخر، لكن لو تتبع الناس أعمالك لا يجدون أنك تؤمن باليوم الآخر، هذا التكذيب العملي أبلغ وأخطر، الذي يكذب بلسانه هناك سبيل إلى محاورته، أما الذي يكذب بعمله فهذا لا يحاور، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، ولكن بمعنى أن يأخذ بأسباب محبة النبي صلى الله عليه وسلم .
ينبغي على المسلم فهم شخصية النبي فهماً علمياً وأن يتعالى على الفهم السطحي:
نرتقي فقط عندما يرقى علمنا وعملنا
أيها الأخوة, مرة كنت في العمرة، تمنيت أن أصلي في مكان النبي في الحرم النبوي، المحراب العام كهذا المحراب، ومحراب النبي الذي صلى فيه بأصحابه هذه بالروضة الشريفة، وفيه ازدحام كبير جداً، وانتظرت حتى تمكنت أن أصلي ركعتين في المكان الذي صلى به النبي عليه الصلاة والسلام، والله لقد بكيت كثيراً، لكن جاءني خاطر علمي أن مستخدماً عند أستاذ كبير في الجامعة له مئتا مؤلَّف، لو أنه في غيبة هذا الأستاذ قفز وجلس مكانه على كرسي مكتبه, هل ترتقي مرتبة هذا المستخدم؟ لو أن هذا المستخدم نال المسابقة الابتدائية ارتقى، نال الشهادة الإعدادية ارتقى، نال الثانوية ارتقى، فالذي يرفعك أن تحرص على الاتباع، إنك إن اتبعت النبي e ارتقيت عند الله، أما إذا تبركت، وأنا لا أنكر التبرك، لكن أنكر أن نكتفي به، ابن غير متعلم، له أب من أعلى العلماء، أينما جلس يتحدث عن أبيه العالم، العالم في مكانه، والابن الجاهل في مكانه، أما إذا سار هذا الابن على منهج أبيه يرتقي، فنحن ينبغي ألا نكتفي بالتبرك، ينبغي أن نهتم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم .
أخواننا الكرام، أن تقول: ألف مليون دولار شيء، وأن تملكها شيء آخر، أعتقد أن المسافة كبيرة جداً، والحديث عن الدين سهل جداً، لكن البطولة أن تكون في مستوى هذا الدين ، والحياة قصيرة، والسفر قريب، والمغادرة قريبة، ومن بلغ الأربعين فقد دخل في أسواق الآخرة، ومن عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت, وصدق القائل:
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال فلا بد مـن نزول القبر
وصدق القائل أيضاً:
كل ابن أثنى و إن طالت سلامته يومًا على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جــنازة فاعلم بأنك بعدها محـمـول
أخواننا الكرام، إنسان بلا هدف تافه، إنسان بلا هدف يعيش على هامش الحياة، إذا أردت أن تسعد فأسعِد الآخرين، إن خرجت من ذاتك، وحملت مبدأ، وحملت همّ المسلمين فأنت من أسعد الناس .
في دروس قادمة إن شاء الله :
أيها الأخوة الكرام، الطريق الطويل يبدأ بخطوة، وإن شاء الله في دروس أخرى سوف نتابع دقائق حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وسوف نستنبط منها منهج، لأن النبي e قرآن يمشي، وهذا المنهج يمكن أن يكون مناراً لنا في حركتنا في الحياة .
والحمد لله رب العالمين
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 835
تاريخ التسجيل : 29/03/2014
الموقع : gmail.forumalgerie.net

https://gmail.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 مقدمة -1- معرفة السيرة النبوية فرض عين على كل مسلم Empty مقدمة -2- القدوة الحسنة والتطبيق الصحيح

مُساهمة من طرف Admin الأحد فبراير 01, 2015 2:11 am

مقدمة عامة :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني من دروس فقه السيرة النبوية، نحن في باب كبير من أبواب العلوم الإسلامية، بل في هذه العجالة إن شاء الله سوف أتحدث لكم كمقدمة ثانية من نوع آخر حول قيمة هذا الموضوع الذي أعالجه أول مرة في تاريخ الدعوة .
تحدثت عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين درساً، وتحدثت عن سير الصحابة الكرام في أكثر من خمسين درساً، وتحدثت عن التابعين الأجلاء في أكثر من خمسين درساً، وتحدثت عن الخلفاء الراشدين في أكثر من ثلاثين درساً، وعن أهل بيت النبي زوجاته، وبناته، وأمهات المؤمنين، وتحدثت عن الأئمة الأربعة، هذا كله في دروس سابقة ، ولكن لم أتحدث عن السيرة النبوية بشكل متسلسل, ففي هذا المسجد الكريم إن شاء الله سوف نبدأ هذه السلسلة، ولكن لابد من إبراز قيمة هذه السيرة التي أُمرنا أن نأخذها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حاجة هذا العصر إلى تطبيق المسلمين الإسلام تطبيقاً عملياً لرد كيد الأعداء عنا :
أيها الأخوة الكرام، كلنا يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم مكلف أن يبلغ، لكن فيما يرى بعض العلماء أنه كما هو مكلف أن يبلغ بلسانه فهو مكلف أن يبلغ بأفعاله، هو مبلّغ في أقواله وقدوة في أفعاله، والذي أراه أن المهمة الثانية أكبر بكثير من الأولى، وأخطر بكثير، وأشد تأثيراً من التبليغ باللسان، لأن أي إنسان طليق اللسان يتمتع بذاكرة قوية يمكن أن يبلّغ، أما أن تكون في مستوى كلامك، أن تكون صادقاً، وقد دعوت إلى الصدق، أن تكون أميناً، وقد دعوت إلى الأمانة، أن تكون عفيفاً، وقد دعوت إلى العفة، هذا الذي ينقذنا الآن من مكر أعدائنا، الإسلام كمعلومات، كفكر، ككلمات، كمؤلفات، كدروس، شيء بلغنا ذروته، أمّا الإسلام كسلوك، كتطبيق، كاستقامة، كأمانة، كصدق، كعفة، نحن في أمسّ الحاجة إلى ذلك، ذلك أن الطرف الآخر الذي يتهمنا بأننا إرهابيون وقتلة ومتخلفون وجاهلون لا يرى الإسلام من مرجعياته، بل يرى الإسلام من المسلمين، أكاد أقول: إن أقوى دعوة الآن الدعوة الصامتة, أي أن تكون أمانتك دعوة، وصدقك دعوة، وعفتك دعوة، وإنصافك دعوة، وتواضعك دعوة، نحن في أمسّ الحاجة إلى مسلم يمشي على قدمين، نريد أن نرى عفة المسلم ، وصدق المسلم، وأمانة المسلم، الإسلام لا ينتشر إلا بهذه الطريقة، حال واحدٌ في ألف أبلغ في مقالة ألف في واحد، ألف متكلم، والذي يخاطبونه واحد قد لا يؤثرون فيه، وحال واحد موصول بالله، مطبق لِما يقول, يؤثر في ألف، لذلك قال بعضهم: كان أصحاب النبي e الواحد منهم كألف، والألف من المسلمين المتأخرين المقصّرين كأفّ .
هل يعقل أن يطلب سيدنا خالد النجدة من سيدنا الصديق، ويقصد بالنجدة خمسين ألف مقاتل، فيبعث له الصديق برجل واحد، هو القعقاع بن عمرو، يسأله سيدنا خالد: أين المدد؟ يقول: أنا، أنت؟! قال: أنا، وهذا الكتاب، قرأ الكتاب، يقول الصديق رضي الله عنه: والله يا خالد إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم .
نريد مسلماً كألف لا يكون إلا بالتطبيق، طبِّق يدخل الناس في دين الله أفواجاً، وتحدث عن الإسلام، وافعل عكسه يخرج الناس من دين الله أفواجاً، لذلك أرى أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في التبليغ بأفعاله أبلغ بكثير من مهمة في التبليغ بأقواله، هذه أول حقيقة، نحن بحاجة ماسّة إلى مسلم يمشي، إلى فتاة تلتزم بمنهج الله عز وجل، نحن بحاجة ماسة إلى أن نرى الإسلام متحركاً، بحاجة ماسة إلى أن نرى أن هذا الدين مطبقاً، هذه النقطة الأولى .
ما الهدف من دراسة السيرة النبوية ؟
1- أن سيرة النبي يجد الإنسان في دراستها ما يعينه على فهم كتاب الله :
أيها الأخوة، أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم كلام رائع، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ "
( أخرجهما البخاري ومسلم عن أبي هريرة في صحيحهما)
وقد علمونا في الجامعة أن أفصح كلام على الإطلاق هو القرآن الكريم، ويأتي بعده كلام سيد المرسلين، ويأتي بعد كلام سيد المرسلين كلام الإمام علي رضي الله عنه، قال مرة: " والله، والله لحفر بئرين بإبرتين, وكنس أرض الحجاز في يوم عاصف بريشتين, ونقل بحرين زاخرين بمنخلين, وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين, أهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين " .
أعلى كلامٍ كلامُ ربنا جل جلاله، يأتي بعده كلام نبينا صلى الله عليه وسلم إلا أن الكلام معرّض للتأويل، كيف؟ ولو أن واحد, قال: لله رجال إذا أرادوا أراد، يأتي إنسان يفكر في هذا النص، يقول: هذا عين الشرك، أنا أقول: معه حق، لأنه توهم أن هؤلاء الرجال لهم إرادة مستقلة عن إرادة الله، صحيح هذا عين الشرك، يأتي إنسان آخر يفهم هذا الكلام فهمًا آخر، يقول: لله رجال إذا أرادوا أراد، أي هم مستجابو الدعوة، هذا الكلام عين الإيمان، إذاً: نص واحد فهمناه فهماً هو عين الشرك، وفهمناه فهماً هو عين التوحيد، قال تعالى:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
( سورة الشمس الآية : 7-8 )
قد تفهم أن الله خلق فيها الفجور، وهذا مستحيل، لكن المعنى الدقيق أن الله فطرها فطرة حيث لو فجرت علمت ذاتياً أنها فجرت، هذه الفطرة، بونٌ شاسع بين أن تتوهم أن الله خلق في الإنسان الفجور، وسوف يحاسبه على ما خلقه فيه، وسوف يضعه في جنهم إلى أبد الآبدين، وبين أن يفهم الإنسان أن الله جل جلاله إنما فطر النفس فطرة عالية جداً حيث إنها إذا أخطأت تكتشف خطأها ذاتياً، وهذا ما يسمى الآن الكآبة، الكآبة معاقبة النفس لذاتها, قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾
( سورة طه الآية : 124)
النص يؤول، مثلاً: الله عز وجل إذا أرسل نبياً ألقى الشيطان في أمنيته، تنظر، أيعقل أن يستطيع الشيطان أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويلقي في أمنيته؟ هناك معنى آخر، هذا النبي الكريم إذا تمنى هداية خلقه، يتمنى الشيطان إضلالهم، كلام رائع، النص يحتمل تأويلات عدّة، لذلك كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم نص، يحتمل أن تفهمه فهماً بعيداً عن قصده، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا "
( أخرجه الترمذي عن المغيرة بن شعبة في سننه)
بعض المتفقهين استنبطوا من كلام النبي أن للخاطب أن ينظر إلى خطيبته كما خلقها الله، مستحيل، لا يقبل أيّ أب على وجه الأرض أن يري ابنته كما خلقها الله، النص عرضة للتأويل، لكن الأفعال حدية في الفهم، لذلك لو أن إنسانًا تحدث عن رأيه في حجاب المرأة، ندخل في مناقشات، وفي حوارات، وفي أدلة، وفي رد على الأدلة، وفي إثبات أدلة جديدة، وفي تضعيف أدلة، كيف تخرج زوجته، هو رأيه الحقيقي، السلوك حدي، فلذلك أول شيء أن السيرة النبوية هي التطبيق العملي للقرآن، والله عز وجل حينما قال:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
إذاً: أنا أرى أن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم أبلغ في التعبير عن فهمه لكتاب الله من كلامه، لأن كلامه يحتمل التأويل، بينما سلوك النبي صلى الله عليه وسلم سلوك حدي، له تفسير واحد لا يحتمل التأويل، ونحن الآن إن أردت أن تكون داعية, والله عز وجل قال:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
( سورة فصلت الآية : 33 )
فليس على وجه الأرض على الإطلاق بنص هذه الآية إنسان أفضل, قال تعالى:
﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
( سورة فصلت الآية : 33 )
ولكن قلت مرة في مؤتمر في القاهرة: ما من عمل يتذبذب بين أن يكون أقدس عملٍ على الإطلاق, وأن يكون أتفه عملٍ على الإطلاق كالدعوة إلى الله، تكون أقدس عملٍ إذا بذلت من أجلها الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، وتكون أتفه عملٍ إذا ارتزقت بها، لذلك حينما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " والله لأن أرتزق بالرقص أهون من أن ارتزق بالدين "، تغدو أقدس عملٍ ترقى إلى صنعة الأنبياء، وتغدو أتفه عملٍ لا يستأثر إلا ابتسامة ساخرة .
إذاً: أن السيرة النبوية هي فهم النبي العملي للقرآن الكريم، الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي، ونحن الآن في أمسّ الحاجة إلى مسلم يمشي، حديث شريف في البخاري في الأدب المفرد, يقول عليه الصلاة والسلام: " أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني، تريد أن تدخل الجنة قبلي ـ معقول ـ قلت من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاد فأبت الزواج من أجلهم " .
( أخرجه البخاري في الصحيح)
هذه المرأة التي تربي أولادها تنازع رسول الله دخول الجنة، إذاً: الإنسان يرتفع بعمله، يسمو باستقامته، يتألق بأعماله الصالحة، أما الكلام فلا يقدم ولا يؤخر، قال تعالى:
﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
( سورة فاطر الآية : 10 )
الآية الكريمة, قال تعالى:
﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ﴾

( سورة البقرة الآية : 151)
منكم، أي لولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر, قال تعالى:
﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
ما هي مهمة النبي
1- أن يتلو علينا آيات ربنا :
فمهمة النبي صلى الله عليه وسلم هي:
﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
قد تسألون: ما معنى آياتنا، أنا أجيب: آياتنا الكونية، لئلا يظن أحدكم أن الآيات هي القرآن، قال تعالى:
﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
الكتاب غير الآيات، إن أردتَ أن تعرفَ الله فتفكر في خلق السموات والأرض، هذه واحدة، قال تعالى:
﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
( سورة الشمس الآية : 9-10 )
الفلاح كل الفلاح، والفوز كل الفوز، والنجاح كل النجاح، والتألق كل التألق، والعقل كل العقل ، والذكاء كل الذكاء، أن تزكي نفسك، لماذا؟ لأن الله جل جلاله يقول:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
( سورة الشعراء الآية : 88- 89)
ما القلب السليم أيها الأخوة؟ أخطر آية بالقرآن الكريم:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾
( سورة الشعراء الآية : 88)
شخص معه 93 مليار دولار، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾
( سورة الشعراء الآية: 88)
قالوا: القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله، ولا يحتكم إلا إلى شرع الله، هناك نساء مسلمات كثيرات في العالم الغربي إذا اختلفن مع أزواجهن يحتكمن إلى محكمة غربية لتأخذ نصف أملاك زوجها، ولا ترضى بالحكم الشرعي الذي يعطيها مهرها، أبداً، القلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، لو قرأت في مجلة أن هناك دواء يطيل العمر، إن صدقت ذلك فقد اعتقدت شيئاً يتناقض مع وحي الله, قال تعالى:
﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 34 )
2- فحوى دعوة النبي التفكر في خلق السموات والأرض :
أيها الأخوة الكرام، فحوى دعوة النبي e التفكر في خلق السموات والأرض، المجموعة الشمسية أطول مسافة فيها، ثلاث عشرة ساعة، وأقصر مسافة القمر ثانية واحدة، والشمس ثماني دقائق، أريد أقرب نجم ملتهب إلى الأرض عدا المجموعة الشمسية، نجم يبعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية فقط، والحساب يسير جداً، الضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، بالدقيقة ضرب 60، بالساعة ضرب ,60 باليوم ضرب 24, في السنة ضرب 365، في أربع سنوات ضرب 4/ 37843200000000 /، هذا الرقم لو تخيلنا أن لهذا النجم طريقًا معبّدًا، وأنا معي مركبة سرعتها 100 بالساعة، لو قسمت هذا الرقم على 100، الناتج كم ساعة تستغرق رحلتي إلى هذا النجم, طيب على 24 كم يومًا، على 365 كم سنة، من أجل أن أصل إلى أقرب نجم ملتهب يعبد عنا أربع سنوات ضوئية أحتاج إلى /43200000/ عام؟ قلت: أربع سنوات ضوئية يعني الطريق يستغرق /43200000/ عام، سؤال الآن متى أصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ ومتى أصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليونين سنة ضوئية؟ ومتى أصل إلى إحدى المجرات التي تبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية؟ قال تعالى:
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة الآية : 75-76 )
لذلك قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
( سورة فاطر الآية : 28 )
العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشى الله عز وجل، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك، لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، لذلك يعجبني في بعض الأخوة العلماء تواضعهم، لا يقول عن نفسه إلا طالب علم .
أيها الأخوة الكرام، مهمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتلو علينا آيات ربنا, قال تعالى:
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾
( سورة الشمس الآية : 1-2)
﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفعِ وَالْوَتْرِ ﴾
( سورة الفجر الآية : 1-3 )
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ﴾
( سورة التكوير الآية : 1-2)
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾
( سورة النبأ الآية : 1-2 )
﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة، فهناك تفكر، واتصال بالله، ومعرفة بمضمون القرآن، والسنة شرح القرآن, قال تعالى:
﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
لكن آخر فقرة في الآية:
﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
إليكم هذا المثل للتوضيح :
أخواننا الكرام، اسمحوا لي بهذا المثل: لو أن طفلاً صغيراً زاره أحد أقربائه، فقال هذا الطفل لعمه: أنا معي مبلغ عظيم، أنت كعمّ لهذا الطفل الصغير كم تقدر هذا المبلغ؟ يأخذ في اليوم عشر ليرات، خمسًا وعشرين، قال: معي مبلغ عظيم، يعني مئة ليرة، إذا كان المسؤول كبير في البنتاغون, قال: أعددنا للعراق مبلغاً عظيماً، كم؟ 200 مليار دولار، طفل قال: عظيم ، فقدرنا كلامه بمئة ليرة، وموظف مسؤول كبير بدولة كبرى, قال: رصدنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً يقدر 200 مليار، الآن دققوا، واستعدوا للمفاجأة، فإذا قال الله عز وجل، وهو ملك الملوك، ومالك الملوك, قال:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء الآية : 113 )
فأعظم عطاء على الإطلاق أن تعرف الله، قال تعالى:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
( سورة النساء الآية : 113 )
إذاً: فحوى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم تفكر في خلق السموات والأرض، واتصال بالله، وتزكية النفس .
إليكم هذه المعادلة الرياضية للمقارنة :
بالمناسبة أيها الأخوة، هناك آية أنا أشبهها بالمعادلة الرياضية، معادلة رياضية بالتمام والكمال، قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
( سورة آل عمران الآية : 159)
أي بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، فلما كنت ليّنًا لهم التفوا حولك، وأقبلوا عليك، وأحبوك، وفدوك بأنفسهم وأرواحهم وأموالهم, قال تعالى:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
( سورة آل عمران الآية : 159)
فلو لم تكن متصل بهم لامتلأت قلوبهم قسوة، وإذا امتلأ القلب قسوة امتلأ غلظة، وإذا امتلأ غلظة انفض الناس من حولك, المعادلة هي: اتصال + رحمة + لين = التفاف .
انقطاع + قسوة + غلظة = انفضاض .
أتحب أن يلتف الناس حولك؟ أتحب إذا كنت أبًا، ودخلت البيت أن يكون دخولك إلى البيت عيداً؟ هناك آباء إذا دخلوا إلى البيت كان العيد، وهناك آباء إذا خرجوا من البيت كان العيد، من أي الأنواع أنت؟ إذا كنت رحيماً بأهلك لطيفاً يلتف أبناؤك حولك .
مرة إنسان متقدم في السن أصابه مرض، فجاؤوا بالطبيب، فالطبيب طمأنهم، فلما طمأن أولاده انزعجوا أشد الانزعاج، قال لهم: عرضية، قالوا: كيف عرضية؟ نتمناها القاضية ، هذا مقياس دقيق، هل إذا دخلت البيت يلتف أولادك حولك، أم يتفرقون في غرفهم؟ إذاً: الاتصال بالله رحمة، لين، الانقطاع عن الله قسوة، غلظة، انفضاض، قال تعالى:
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 151)
كيف تحب النبي عليه الصلاة والسلام؟
أخواننا الكرام، هل تستطيع إذَا أمرتُك أن تحب زيداً أن تحبه؟ هل الحب عمل إرادي ؟ عمل لا إرادي، لماذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث أَنَسٍ:
(( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))
( أخرجهما البخاري ومسلم عن أنس في صحيحهما )
هذا الحديث يؤكد أنه لا بد من أن تحب رسول الله ، ومن الثابت أن الحب ليس عملاً إرادياً، ماذا نفعل؟ قال بعض العلماء: أنت حينما تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ترى تواضعه تحبه,
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ, قَالَ: " كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا " .
( أخرجه أحمد عن عبد الله بن مسعود في مسنده)
قائد الجيش، وسيد الأنبياء والمرسلين، وزعيم الأمة، سوّى نفسه مع أقل جندي، فركب الناقة، ولما جاء دوره بالمشي توسلا صاحباه أن يضل راكباً, فقال عليه الصلاة والسلام:
(( مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي ـ كان قوياً صلى الله عليه وسلم ـ، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا ))
( أخرجه أحمد عن عبد الله بن مسعود في مسنده)
أخواننا الكرام، يمكن أن يدخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم, ويقول: أيكم محمد ؟ ليس هناك كرسي، ولا سرير خاص، أيكم محمد ؟ قال له: أنا، ألا تحب هذا التواضع؟
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ, قَالَ:" أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ "
( أخرجه ابن ماجه عن أبي مسعود في سننه)
أعرابي في فظاظة, قال له: اعدل يا محمد ،
فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ "
( أخرجهما البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري في صحيحهما )
الأقوياء يُنهون حياته بهذه الكلمة, قال تعالى:
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ﴾
( سورة التوبة الآية : 128 )
فكيف تحب النبي e؟ ينبغي أن تقرأ سيرته، لكن المشكلة الكبيرة أن قدوة الشباب لاعبو الكرة أحياناً، الفنانون والفنانات، أما المؤمن الصادق فيملأ قلبه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: إذا أُمرت أن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أُمرت أن يكون النبي أحب إليك من نفسك ومالك وولدك والناس أجمعين ينبغي أن تقرأ سيرته .
قُبيل وفاته صعد e المنبر, وقال:
" من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري ، فليقتد مني ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه, ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي ، ولا يخشى الشحناء ، فإنها ليست من شأني ولا من طبيعتي "
( ورد في الأثر)
ألا تذوب محبة لهذا النبي الكريم؟ متى تحبه؟ إذا درست حياته, وتواضعه، وصدقه, وأمانته، هذه السيرة مفتاح محبته، محبته فرض عين على كل مسلم، ولا ننجو إلا إذا أحببنا النبي عليه الصلاة والسلام، ذلك لأن في حياة كل منا شخصية نتمنى أن نكونها، وشخصية نكره أن نكونها، وشخصية نكونها، التي تكونها هي أنت، والتي تحب أن تكونها تعبر عن اتجاهك، إن كنت من أهل الدنيا تحب أرباب الدنيا، إن كنت من أهل المال تحب الأغنياء جداً، إن كنت من أهل المتع تحب المتع الرخيصة، إن كنت من أهل السلطان تحب المناصب العليا، فإن كنت من أهل الإيمان تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتمنى أن تكون على أثره مقتديًا بسنته
أنا أقول لك: قل لي من تحب؟ أقل لك من أنت، لذلك قالوا: هناك حب في الله، وهو عين التوحيد، وهناك حب مع الله، وهو عين الشرك، الحب في الله أصله أن تحب الله، فرعه الأول أن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرعه الثاني أن تحب أصحاب النبي جميعاً من دون استثناء، فرعه الثالث أن تحب التابعين، وأن تحب المؤمنين، وأن تحب طاعة الله، وأن تحب بيوت الله، وأن تحب كتاب الله، وأن تحب كل عمل يصلك بالله عز وجل، هذا الحب في الله، أما الحب مع الله، أن تحب جهة لا ينفعك حبها، بل يبعدك حبها عن الله، الحب مع الله عين الشرك، فقل لي من تحب؟ أقل لك من أنت, وقل لي: هل حبك في الله أم حبك مع الله؟ .
بشرى لك أيها المسلم :
أخواننا الكرام، هناك بشارتان، البشارة الأولى: أن الله سبحان الله يقول:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
( سورة الأنفال الآية : 33 )
هذه الآية فيها مشكلة، يعني ما دام النبي بين ظهراني أصحابه المعنى واضح جداً، لكن إذا انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى, فما معنى الآية؟ قال علماء التفسير:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 33 )
يعني ما دامت سنتك يا محمد مطبقة في حياتهم, في بيوتهم، في حجاب نسائهم، في كسب أموالهم، في إنفاق أموالهم، في أفراحهم، في أتراحهم، في حلهم، في سفرهم، في سلمهم، في حربهم، في إقبال الدنيا عليهم، وفي إدبارها عنهم, قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 33 )
أنت في بحبوحتين، بحبوحة أن تكون مطبق للسنة، وبحبوحة أن تستغفر، أما لم تطبق, ولم تستغفر فأنت في خطر .
2- يجد الدارس لسيرة النبي الحياة الفاضلة التي يرنو إليها :
أيها الأخوة، لا زلنا في التمهيد، التمهيد للسيرة النبوية أو لفقه السيرة النبوية، المثالية الحالمة شيء لا يطبق، بعض فلاسفة الإغريق رسموا المدينة الفاضلة، شيء غير موجد أصلاً ، وعندنا الواقعية المقيتة، واقع لا يحتمل، قد تقرأ قصة لأديب معاصر تحس بانقباض، لماذا؟ لأنك ترى سقوط الإنسان، دناءة الإنسان، نفاق الإنسان، قسوة الإنسان، انحراف الإنسان .
أيها الأخوة، بذكر الصالحين تتعطر المجالس، وبذكر اللؤماء تتعكر المجالس دون أن تشعر, اجلس في بيتك مع أصدقائك، لو أن الحديث دار حول أناس لؤماء منحرفين منافقين، يأخذون ما ليس لهم، تجد بعد ربع ساعة قد شعرت بضيق، أنك طالعت إنسانًا ساقطًا، هذا الإنسان الساقط أعطاك إحباطًا كبيراً، لكن لمجرد أن تستمع إلى قصة صحابي جليل، إلى قصة صحابية جليلة، إلى قصة تابعي، إلى قصة عالم متواضع، تحس بانتعاش، تحس كما يقولون بامتداد بنفسك، فلذلك عظمة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنها واقعية، لكن ليست واقعية فقط، بل واقعية مثالية، مثل أعلى مطبق، أو المطبق مثل أعلى، هذا ما يحتاجه الناس اليوم، الناس اليوم يرفضون المثالية الحالمة، ويرفضون الواقعية المقيتة, الواقعية المقيتة ينفرون منها، والمثالية الحالمة يستهزؤون منها، لماذا قال الله عز وجل:
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
( سورة يوسف الآية : 111 )
3- يجد الدارس للسيرة المنهاج الكامل لمبادئ الإسلام وتعاليمه :
أخواننا الكرام، في الأدب فنون، عندنا الشعر، وعندنا القصة، والآن المسرحية، والمقالة، والسيرة الذاتية، وهناك أشياء كثيرة، يجمع الأدباء على أن أقرب فن أدبي إلى النفس القصة، بدليل لو كان ابنك معك في خطبة جمعة، والخطبة ساعة فرضاً، وفيها طرح دقيق، وتحليل، وأدلة، وآيات، وأحاديث، وفيها قصة في ثلاث دقائق، اسأل ابنك: ماذا بقي في ذهنك من هذه الخطبة؟ لا يذكر إلا القصة، لأنها أقرب شيء للنفس، القصة أبطالها بشر، وفيها حوادث، وفيها تسلسل، وفيها حبكة، وفيها بداية، وفيها عقدة، وفيها نهاية، لذلك أمتع فن أدبي للنفس هي القصة، لكن مع الأسف الشديد القصة المعاصرة حين تثير في الناس شهواتهم المنحطة, وغرائزهم تثير فيهم الجانب المادي، والجانب الغريزي، أن مجتمعًا بأكمله يسقط بهذه القصة، أما إذا قرأت قصة، وشعرت أنها حركت روحك، وتفكيرك المرتفع فأنت أمام فن عظيم، لذلك أن أنصح أخوتنا الكرام، أن يضعوا بين أيدي أولادهم قصص الصحابة الكرام، لكن ليست أية قصة، قصة أدبية بأسلوب واضح أدبي جميل، لأن الصياغة الأدبية صياغة فنية جميلة، تقريباً ككأس ماء كريستال مزخرف جميل، وإذا كان المضمون راقيًا جداً كماء الزلال، فأجمل شيء يؤثر في الإنسان المضمون، فالقصة أسهل طريق للدعوة إلى الله .
بالمناسبة نحن في بلادنا نعلم اللغة، النحو، الصرف، الإملاء، البلاغة، العروض، كل هذه الدروس مملة، مملة جداً، هناك طرق في تعليم اللغة تقوم على القصة، نعلم الطالب مفردات هذه القصة، فغطينا جانب اللغة، نعلم الطالب حركات الكلمات، وموقع كل كلمة في الإعراب، علمناهم النحو، نعلم الطالب بنية الكلمات، هذا اسم فاعل واسم مفعول، صفة مشبهة باسم الفاعل، علمناهم الصرف، الآن نعلم الطالب بعض الصور البلاغية، علمناهم البلاغة، فلما يكون المحور قصة ممتعة يمكن أن نعلم كل شيء من هذه القصة، لذلك أسهل طريق، وأمتع طريق، وأقصر طريق، لنَقُلْ: هذا الدين أن تأتي بسيرة سيد المرسلين، نتعلم منها الأحكام الشرعية، نتعلم منها الآداب النبوية، نتعلم منها المواقف البطولية، نتعلم منها المواقف التي ينبغي أن نكونها، لذلك القصة تحتل المركز الأول، وأنا والله أقترح أن تكون كما في بعض البلاد السيرة النبوية، أو سيرة أصحاب رسول الله في المناهج الدراسية مادة بأكملها ، يمكن أن تتعلم الإسلام كله من السيرة النبوية، إذاً: فضلاً عن أن السيرة النبوية يمكن أن تكون مفتاح محبة رسول الله ، القصة أو السيرة النبوية يمكن أن تكون القدوة العملية لكل مؤمن يبحث عن الحقيقة، قلت لكم في درس سابق: إن الله سبحان الله حينما قال:
﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَُ﴾
( سورة هود الآية : 120 )
إذاً: قصص الأنبياء تُليت في القرآن لتثبت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فما قولكم في قصة سيد الأنبياء والمرسلين؟ من باب أولى أن نستفيد منها .
النبي مشرع :
أيها الأخوة, كلكم يعلم أن الله سبحان الله وتعالى أمرنا أن نطيعه، وأن نطيع رسوله استقلالاً، ما معنى نطيعه استقلالاً؟ قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾
( سورة النساء الآية : 59 )
يعني لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، طاعة أولي الأمر متعلقة بتوافقها مع طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يقل: أطيعوا الله ورسوله ، قال:
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾
( سورة النساء الآية : 59 )
معنى ذلك أن النبي e وحده مشرع، وأن التشريع له مصدران، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالنبي كلامه تشريع، لذلك قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية : 3-4 )
أنت حينما تقرأ حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تعلم أنه حق من الله تعالى، إليكم الدليل، يقول أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة أنا فيهن رجل"، ما معنى رجل؟ في القرآن والسنة والحديث؟
﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾
( سورة النور الآية : 37 )
يعني أبطالا, قال تعالى:
﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 23 )
" ثلاثة أنا فيهن رجل, وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس "، ما علامة بطولة سيدنا سعد؟ من هذه الثلاثة، " أنني ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى، ولا صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها " .
إذاً: أنت حينما يصلك حديث رسول الله الصحيح يجب أن تؤمن أنه حق من الله تعالى، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن هو ألا وحي يوحى، إذاً: لا بد في كل بيت من شريط يتحدث عن السيرة، أو من كتاب يتحدث عن السيرة، ومن كتاب فيه حديث رسول الله ، لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، لا بد في كل بيت مسلم من مكتبة صغيرة، تفسير، قرآن، كتاب حديث، شرح أحاديث، كتاب سيرة .
أهمية السيرة النبوية من حيث التاريخ :
أيها الأخوة، بقي شيء واحد، أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم جزء من التاريخ الإسلامي، فأنت حينما تقرأ السيرة تقرأ التاريخ، وسوف أضع بين أيديكم فقرة من سيرة رسول الله تبين أن الذي كان يعانيه أصحاب رسول الله من مشكلات معظم هذه المشكلات نعاني منها الآن .
لما جاء عدي بن حاتم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: من الرجل؟ قال: عدي بن حاتم, قال: كنت أظن أنني سألقى ملكاً، فلما التقيت رسول الله أخذني إلى بيته، في الطريق استوقفته امرأة فوقف طويلاً تكلمه في حاجتها، فقال عدي في نفسه: والله ما هذا بأمر ملك؟ ودفع إلي وسادة من أدم محشوة ليفاً، فقال: اجلس عليها، فلما دخل البيت, قال: علمت أنه نبي مرسل، قال: إيه يا عدي بن حاتم، ألم تكن ركوسياً؟ ", وهو دين بين النصرانية واليهودية, " قال: بلى، قال: أولم تسِر في قومك بالمرباع؟ قال: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل في دينك، قال: فعلمت أنه نبي مرسل، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عدي بن حاتم لعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم", يعني ما ترى من فقرهم، والعالم الإسلامي عالم فقير الآن، والعالم الغربي يكاد ينفجر بالمال، معقول لوحة صغيرة تباع بـ 50 مليون دولار، المليون دولار كالمئة ليرة عندنا، أموال لا تأكلها النيران، كلها ثروات والعالم الغربي يأخذ كل المواد الأولية بورق أخضر، يطبع ورق ويعطيك، لذلك أكبر دولة في العالم مديونة هي القطب الواحد الذي نزهو بعملته الخضراء, " وايم الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك في دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم" , لله عز وجل في خلقه شؤون، أحياناً يكون الكافر قوي جداً، يفعل ما يريد، ويقتل، ويقصف، ويهدم البيوت، والإعلام معه، والمال معه، والدول كلها معه، والمسلمون ضعاف, " لعله إنما يمنعك دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشك أن تسمع بالقصور البابلية مفتحة للمسلمين، ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم", العالم كله الآن يحارب الإسلام " وايم الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة البابلية تحج هذا البيت على بعيرها لا تخاف، وعاش عدي بن حاتم حتى رأى كل هذه البشارات .
المسلم في هذا العصر لا يزال بخير :
أخواننا الكرام، أخشى ما أخشى أن ننهزم من الداخل، أخشى ما أخشى أن نصاب بالإحباط, قال تعالى:
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
( سورة آل عمران الآية : 139 )
وهذه الشدة التي نحن فيها أنا أسميها نحن في العناية المشددة، لأن فينا بقية خير فقط، بقية الخير جعلتنا في العناية المشددة، بشكل أو بآخر المريض المصاب بورم خبيث انتشر المرض في كل جسمه، سأل الطبيب: ماذا آكل؟ يقول له: كل ما تشاء، لو أن إنسانًا معه التهاب معدة، وشفاؤه مضمون، لكن بحاجة ماسة إلى حمية قاسية جداً، يعطيه الطبيب ألف توجيه، إياك أن تأكل كذا، وإياك أن تأكل كذا، مادام هناك أمل في الشفاء فهناك تشديد، لذلك:
" أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي، وتضيقي، وتكدري على أوليائي حتى يحبوا لقائي، وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن، وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه "
(ورد في الأثر)
متابعة هذه الدروس في أيام مقبلة إن شاء الله :
أيها الأخوة الكرام، أتابع هذه الدروس إن شاء الله، وسوف نستنبط إن شاء الله تعالى من كل موقف من مواقف النبي حكمة، وقاعدة، ورؤية تعيننا على حل مشكلاتنا .
والحمد لله رب العالمين
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 835
تاريخ التسجيل : 29/03/2014
الموقع : gmail.forumalgerie.net

https://gmail.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 مقدمة -1- معرفة السيرة النبوية فرض عين على كل مسلم Empty الإسراء والمعراج - المعجزة خرق لنواميس الكون

مُساهمة من طرف Admin الأحد فبراير 01, 2015 2:23 am

الإسراء والمعراج:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ومع موضوع الإسراء والمعراج، ولقد بينت لكم في درس سابق أن كل محنة تصيب المؤمن وراءها منحة من الله عز وجل، وأن كل شِدّة تقع بالمؤمن وراءها شَدّة إلى الله عز وجل، فالشر المطلق في الكون لا وجود له، بل إن وجود الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، لكن هناك شر نسبي موظف للخير المطلق.
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
( سورة السجدة الآية: 21 ).
المحن وراءها منح
أيها الإخوة، ذهاب النبي إلى الطائف، وتكذيب أهل الطائف، وسخرية أهل الطائف، وإيذاء أهل الطائف كلها محنة جاء وراءها هذه المنحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الخلق جميعاً، وسيد ولد آدم، وسيد الأنبياء والمرسلين، وجاءت هذه المنحة فضلاً عن أنها جاءت بعد الطائف جاءت بعد موت زوجته الحبيبة خديجة، وكانت هذه الزوجة هي الزوجة المثالية التي أثنى الله عليها في نصوص كثيرة، وكانت هذه الزوجة أكبر سند لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الداخل، وحينما فتح النبي مكة المكرمة قال: انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر، وهذا يؤكد أن المرأة في الإسلام مكرمة أعظم التكريم، مشرفة أعظم التشريف، ومسؤولة أعظم المسؤولية.
الإسراء أيها الإخوة معجزة، والدليل:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾
( سورة الإسراء الآية: 1 ).
فكلمة ] سُبْحَانَ [ في مطلع الآية تعني أن هذه الحادثة ليست وفق قوانين الأرض ، في الأرض هناك مكان، وزمان، ومسافات، وسرعات، وإمكانات.
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾
( سورة القمر ).
لكن إذا قال الله عز وجل:
﴿ سُبْحَانَ ﴾
أي هذه الحادثة ليست وفق قوانين الأرض، بل هي وفق القدرة المطلقة لله عز وجل.
علاقة السبب بالنتيجة:
وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين
أيها الإخوة، هذا ينقلنا إلى أن ربنا جل جلاله جعل لكل نتيجة سببًا، بل جعل الكون وفق نظام السببية، ونظام السببية يعني أن الأسباب تأتي قبل النتائج، وعقل الإنسان لا يفهم شيئاً من دون سبب، ولكن لئلا يتوهم الإنسان أن السبب خالق النتيجة فأحياناً تعطَّل الأسباب، وأحياناً تُلغى.
سيدنا آدم جاء من دون أب ولا أم، ألغي سبب الولادة، وأحياناً يعطل السبب، فيلغى، فيأتي آدم عليه السلام من دون أب ولا أم، وأحياناً يلغى، تجد شاباً وشابة متزوجين ولا ينجبان، حينما تخرق هذه القواعد، وتلك القوانين لكي يعلم الإنسان أن السبب لا يخلق النتيجة، ولكن السبب يأتي قبل النتيجة، لكن الذي يخلق النتيجة هو الله جل جلاله، وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
لذلك أيها الإخوة، الغرب ألّه السبب، وعبده من دون الله، فوقع في الشرك ، والشرق لم يأخذ بالأسباب، فعصى، وكلاهما على خطأ، والصواب أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء، هذه بطولة، الحالات المتطرفة سهلة، أن تكون قاسياً سهل جداً، وأن تكون ليناً أسهل، لكن البطولة أن تجمع بين القسوة واللين، فهذا الذي أمامك يحار، يحبك ويخاف منك، المواقف المتوازنة صعب جداً.
لذلك أن تأخذ بالسباب، وتعتمد عليها اعتماداً كلياً شيء سهل، وهذا تفوق فيه الغرب، وألا تأخذ بالأسباب هذا أيضاً شيء سهل، وهذا تواكل، لكن أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وأن تتكل على الله، وكأنها ليست بشيء، هذا الموقف الكامل للمؤمن، يدرس ويفتقر في دعائه إلى الله، يراجع مركبته قبل أن يسافر، ويقول: يا رب، أنت الحافظ، يأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، ويتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.
المعجزات:
أيها الإخوة، الآن هناك سؤال: لماذا كانت المعجزات ؟ لأن الله سبحانه وتعالى كل هذا الكون يشهد بكماله، وحكمته، ورحمته، وقدرته، وعلمه، ورأفته، وكمال الخلق يدل على كمال التصرف، لا بد من أن برسل أنبياء ورسلاً لخلقه، والأنبياء معهم منهج الله، هناك أشياء مسموح أن تفعلها، وهناك أشياء ممنوع أن تفعلها، لذلك مع النبي منهج، وهذا المنهج يحد من حرية الإنسان، فردُّ الفعل الطبيعي التكذيب:
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
( سورة الرعد الآية: 43 ).
فلابد من أن يشهد الله بأنبيائه ورسله أن هؤلاء هم رسل الله عز وجل، من هنا كانت المعجزة، فالإسراء والمعراج أمرٌ غير مألوف عادة، ولكنه مقبول عقلاً، لأن:
﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة الحشر ).
كمال الخلق يدل على كمال التصرف
﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
( سورة النحل ).
لكن بحسب قوانين الأرض هو غير مألوف، غير مألوف أن ينطلق النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ثم يعرج إلى السماء، ويعود، ولا يزال فراشه ساخناً، هذا غير مألوف، لذلك قال تعالى:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
لذلك إذا اعتمد الإنسان على عقله فقط، ولم يعتمد على وحي السماء فقد لا يصدق المعجزات، لكن يجب أن نعلم جميعاً أن هذا العقل الذي أودعه الله في الإنسان هو كهذه العين تماماً، لا قيمة لها من دون ضوء يتوسط بينها وبين المرئي، وكذلك العقل لا قيمة له من دون وحي يستنير به، فحاجة العين إلى الضوء كحاجة العقل إلى الوحي، أو حاجة العقل إلى الوحي كحاجة العين إلى الضوء.
إذاً المعجزات مهمتها أن تعتقد أن النتيجة لا يخلقها السبب، ولكن السبب يرافق النتيجة، والذي يخلق النتائج هو الله، لذلك قال علماء العقيدة: عندها لا بها، يعني عند إرادة الله أن يفعل هذا الدواء فعله، لا أن الدواء وحده يفعل فعله.
الإسراء والمعراج تسلية للنبي :
شيء آخر، لماذا عانى النبي e ما عان قبل الإسراء والمعراج ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة لنا، قدوة في السراء وفي الضراء، قدوة في تصديق الناس، وفي تكذيبهم، هم كذبوه، ثم صدقوه، كان فقيراً، وكان غنياً، أصابه المرض، عانى من بعض زوجاته، مات بعض أبنائه، لولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر.
أيها الإخوة، وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعد هذه الغمر من المآسي والأحزان، والحزن خلاّق، والحزن يصنع الرجال، وهؤلاء الذين ربوا في النعيم، وألفوا النعيم، هؤلاء لا يملكون مقاومة للشدائد إطلاقاً، وإن ملكوا مقاومة فمقاومتهم هشة، لا تصمد لا أمام ضغوط الحياة، ولا أمام إغراءاتها، لكن الله سبحانه وتعالى يربي عباده المؤمنين، فالسراء ضروري، والضراء ضروري، والله عز وجل يذيقنا من رحمته، ويمتحننا أحياناً، فلذلك بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة كان ذلك تسلية لنفس النبي ، ومواساة له، وتكريماً، وتشريفاً، تماماً أيها الإخوة كيف أن الإنسان يمشي في الصحراء، والصحراء حارة، والسير فيها شاق، لكن بعد حين يصل إلى واحة، والواحة ظل نخلة، وغدير ماء، فيستريح، ومن سياسة الله جل جلاله مع عباده المؤمنين أنه تأتيهم بعد الشدائد واحات يستريحون فيها.
أحيانا يتجلى الله عز وجل عليك بالسرور، يكون فيك تعب سابق، وهموم، وضغوط، وامتحانات، وابتلاءات، لأن الله رب العالمين، وهو الحكيم، وهو الذي يحب عباده، فيريحهم أحياناً، هذه واحات في طريق الصحراء.
الإسراء والمعراج ثابتان بالكتاب والسنة:
أيها الإخوة، إن الإسراء والمعراج حادثتان متلازمتان ومترادفتان، وهما ثابتان في نص القرآن الكريم، الإسراء والمعراج، الإسراء من مكة إلى بيت المقدس، والمعراج من بيت المقدس إلى سدرة المنتهى، وقد وردت هاتان الحادثتان فضلاً عن أنها وردت في بعض آيات القرآن الكريم، وردت أيضاً في السنة النبوية الصحيحة، في صحيح البخاري، فلقد نص الكتاب العزيز على أن معجزة الإسراء قد تمت ليلاً حين تم انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف بأرض فلسطين، والآية التي تلوتها عليكم مرات عديدة:
الإسراء والمعراج آية من آيات الله
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
أما المعراج فهو انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا، وتجواله في ملكوت الله تعالى.
﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
( سورة النجم ).
أكبر كلمة تدل على الله آياتُه، وآيات الله عز وجل قد تكون كونية، وهي خَلقه، وقد تكون قرآنية، وهي كلامه، وقد تكون تكوينية، وهي أفعاله، إذاً المعراج انتقال النبي صلى الله عليه وسلم وتجواله في السماوات وفي ملكوت الله تعالى في رحلة تجاوز حدود التصور المادي، وتصل إلى حدود الإعجاز الإلهي.
الفرق بين المعجزة والإعجاز:
سألني أخ كريم: هل هناك فرق بين الإعجاز العلمي وبين المعجزة ؟ الفرق كبير جداً.
المعجزة أيها الإخوة خرق لنواميس الكون، أنت إنسان، وانتقالك من مكان إلى يكون مكان بحسب سرعتك، والسرعة القصوى التي صنعها الإنسان الطائرة، ألف كيلومتر في الساعة، والمركبة الأرضية مئة كيلومتر في الساعة، مركبات الفضاء 60 ألف كيلومتر في الساعة، هذه السرعة القصوى.
ضربت مثلا: أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بُعْده عنا أربع سنوات ضوئية، كم يبعد ؟ الضوء يقطع في الثانية 300 ألف كم، في الدقيقة ضرب 60 = " 18000000 "، في الساعة ضرب 60 = ” 1080000000 "، في اليوم ضرب 24 = "25920000000"، في السنة ضرب 365 = " 9460800000000"، في الأربع سنوات ضرب أربعة = "37843200000000 "، هذا هو الرقم، وهذه المسافة التي يبعد عنا فيها نجم يعدّ أقرب نجم إلى الأرض، لو أردنا أن نقطعها بمركبة أرضية لاحتجنا إلى خمسين مليون عام، لقطع مسافة تعدّ أقصر مسافة على الإطلاق بين الأرض وأقرب نجم ملتهب، عدا الشمس طبعاً، لكن هناك الآن نجوم تبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية، لذلك قال تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة ).
إذاً: تصل إلى حدود الإعجاز الإلهي، المعجزة خرق لنواميس الكون، العصا تصبح ثعباناً مبيناً، الميت يحيه سيدنا عيسى، الجبل ينشق عن ناقة، سيدنا إبراهيم يوضع في نار مشتعلة فلا يحترق، فالمعجزة خرق لنواميس الكون، أو تعطيل لنواميس الكون، أو إلغاء لنواميس الكون، والإسراء معجزة، وأنت لا تستطيع أن تصل إلى أمريكة بالطائرة إلا بعد 17 ساعة، أما أن تنتقل في ثانية واحدة فهذا خرق لقوانين الكون، لذلك الإسراء معجزة، أما الإعجاز العلمي فموضوع آخر.
إذا كان هناك إشارة في القرآن إلى قضية علمية لم تكن معروفة وقت نزول الوحي، إشارة إلى ظاهرة علمية، نحن في الأرض في مكان فيه ضوء، وفي مكان فيه أشعة شمس، ذلك أن أشعة الشمس حينما تنعكس على ذرات الهواء، تعكسها ذرات الهواء على ذرات أخرى، الذرات الأخرى التي انعكست عليها أشعة الشمس تضيء، وعندنا في الأرض مكان فيه ضوء، ومكان فيه أشعة شمس الشمس ، هذا واضح، هذه الظاهرة سماها العلماء انتشار الضوء، لكن لو انطلقنا إلى الفضاء الخارجي بعد أن تنتهي طبقة الهواء، وطبقة الهواء تزيد سماكتها عن 65 ألف كيلومتر، وهناك مركبات الفضاء إذا صعدنا إلى الفضاء الخارجي بعد أن نجتاز طبقة الهواء نجد ظلاماً دامساً، لا نرى شيئاً في سماء.
انطلق رائد فضائي بمركبته من الأرض، وصعد في أجواء الفضاء، بعد وقت من الزمن صاح عبر اللاسلكي أنني أصبحت أعمى لا أرى شيئاً، قال بالحرف الواحد: لقد أصبحنا عمياً، وكان بمركز المركبة الفضائية، وهو المكان التي انطلقت منه المركبة الفضائية عالم من علماء الفلك الكبار عربي مصري مسلم، سمع هذا العالم بأذنه رائد الفضاء يقول: لقد أصبحنا عمياً، إذاً بعد طبقة الهواء هناك ظلام دامس، افتح القرآن:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
( سورة الحجر ).
هذه آية في الإعجاز العلمي، وهي إشارة لشيء لم يكن على عهد النبي e، ولم تكن معروفة عند النبي e، وبعد 1300 عام تقريباً اتفق أن الفضاء الخارجي الأصل فيه الظلمة القاتلة، هذا هو الإعجاز.
لذلك الإسراء والمعراج معجزة، لكن هناك آيات تسمّى في علم العقيدة آيات الإعجاز العلمي، هذا واضح، وأما المعراج فهو انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وتجواله في ملكوت الله تعالى في رحلة تتجاوز حدود التصور المادي، وتصل إلى حدود الإعجاز الإلهي لتصل به إلى سدرة المنتهى، وليطلع بحواسه ودون شك على آيات الله الكبرى، وأعلى مكان وصل إليه إنسان هو سدرة المنتهى، هذا المكان بلوغه تكريم، وأيّ تكريم، واحتفاء بالنبي عليه أتم الصلاة والتسليم، وأيّ احتفاء، هذا المكان يبين للنبي أنه سيد الأنبياء والمرسلين، وأنه سيد ولد آدم ولا فخر، وأن الله سبحانه وتعالى وعده بمقام محمود ، وهذا المقام المحمود لا يتاح إلا لواحد من خلقه، ويرجو النبي عليه الصلاة والسلام كما يقول في بعض الأحاديث:
(( وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا ))
[ رواه مسلم وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ].
أيها الإخوة، لكن الذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى قال عن المعراج:
﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
( سورة النجم ).
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
لذلك سيدنا الصديق رضي الله عنه كان يمشي في الطريق، فرأى أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واسمه حنظلة، رآه يبكي، قال: يا حنظلة، ما لك تبكي ؟ قال: نافق حنظلة، قال: ولمَ يا أخي ؟ قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى، وهذه شكوى يشكو منها معظم المؤمنين، يقول لك: أنا في البدايات كان لي أحوال لا توصف، بعد حين ضعفت هذه الأحوال، سيدنا الصديق في أعلى درجات الأدب والتواضع قال له: أنا كذلك يا أخي، انطلق بنا إلى رسول الله، فانطلاقا إليه، وحدثاه بالمشكلة، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))
[ رواه أحمد في مسنده والترمذي عن حنظلة الأسيدي].
(( إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا ))
[ رواه ابن سعد عن عطاء مرسلا ].
إذاً النبي عليه الصلاة والسلام بلغ سدرة المنتهى، معنى ذلك أن مقام النبي هذا يدل على أن صاحبه لا ينقطع عن الله إطلاقاً، فهو في صلة دائمة بالله.
معنى شق صدر النبي :
أيها الإخوة، ورد أيضاً أنه في هذه الرحلة العجيبة أنه تمّ شق صدر النبي e مرة ثانية، ولكن لعلّي وقفت في درس سابق عند شق صدر النبي عليه الصلاة والسلام، وأحب أن أؤكد لكم أننا إذا فهمنا شق الصدر على أن الله سبحانه وتعالى شق صدره، وأخرج منه علقة سوداء هي حظ الشيطان منه، وأنه بهذا صار سيد الأنبياء والمرسلين، هذا كلام ليس مقبولاً إطلاقاً، لأن هذه الحادثة تشير إلى إرهاص للنبوة في وقت مبكر، أيْ إشارة إلى النبوة في وقت مبكر، ولا تعني كما يتوهم بعضهم أن هذا حظ الشيطان نزع من صدر سيد الأنام، وبقي في صدر الخلائق، فلو أن هذا الحظ من الشيطان نزع من كل منا لكنا أنبياء ومرسلين، هذا كلام مرفوض، بل هو إرهاص من إرهاصات النبوة، وإشارة مبكرة، لأن الشر ليس شيئاً مادياً، ولو أن نزع هذه العلقة يلغي الشر في الأرض لكان هذا لكل الناس، لأن الله يحب كل عباده، فلا تقف كل هذه الاستنباطات التي ما أرادها الله عز وجل على قدميها، هذا إذا أردت أن ترمز للشر بعلقة سوداء، وأن ترمز للخير بشيء آخر.
وبعد الانتهاء من شق الصدر، وغسله أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، وهو راكب ظهر البراق، والبراق ورد في صحيح البخاري، فقد ذكر انس قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ))
[مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
أيها الإخوة، هذه معجزة، أنْ تركب كائناً ليس مألوفاً عند البشر في وقت معلوم، تصل به إلى بيت المقدس، وفي بيت المقدس صلى النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الأنبياء، ووصف هيأتهم، ثم عرج به إلى السماء السابعة ماراً بما قبلها من السماوات، حيث التقى بالأنبياء آدم ويوسف وإدريس وعيسى ويحيى وهارون وموسى وإبراهيم عليهم السلام، طبعاً نبينا سيد الأنبياء والمرسلين قاطبة، لذلك هيأه الله للمقام المحمود، هذه نقطة تؤكد لنا أن الله سبحانه وتعالى اختص هذه الأمة بهذا النبي الكريم الذي هو سيد الأنبياء والمرسلين، وصلاته بالأنبياء تعني أنه إمامهم، وتعني أن كل الأنبياء والمرسلين يقتبسون من نوره صلى الله عليه وسلم، لذلك هو رحمة للعالمين.
دوائر الدين: حسية وعقلية وإخبارية:
بالمناسبة أيها الإخوة، نحن إيماننا باليوم الآخر إيمان تصديقي، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، نحن أمام نصوص في القرآن الكريم تشف عن حقيقة الدار الآخرة، وتصف نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، فنحن إيماننا بنعيم أهل الجنة، وبعذاب أهل النار إيمان تصديقي، أي صدقنا الخبر عن الله عز وجل.
وكما تعلمون أيها الإخوة، قضايا الدين يمكن أن توضع في حلقات ثلاث:
أول حلقة: الحلقة الحسية، أنا حينما أرى أشياء كثيرة ليست طاهرة في هذا الماء، لا أشربه، لأنني رأيت هذه الأشياء غير طاهرة في عيني، هذه قضية حسية، أو سمعت صوت امرأة في أذني، فلم أسمح لها بدخول البيت، لأن البيت الذي أنا فيه ليس معي أحد من محارمي، مثلاً، أسمع الصوت بأذني، وأرى الشيء بعيني، وألمس الثوب بيدي عند شراءه، هذه الدائرة الحسية أداة اليقين بها الحواس الخمس.
ولكن هناك دائرة عقلية أداة اليقين بها العقل، أنا حينما أرى آثار أقدام أقول: هذه الأقدام تدل على المسير، وحينما أرى جدول ماء أقول: هذا الماء يدل على الغدير، هذه الدائرة الثانية، الدائرة العقلية، وهي شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، أداة اليقين فيها العقل ، والإنسان بعقله يمكن أن يصل إلى الله، لا أن يحيط به، يؤمن بالله واحداً، وموجوداً وكاملاً، بعقله، ويؤمن أن القرآن الكريم كلام الله، لأن فيه آيات الإعجاز، وبعقله يدرك أن الذي جاء بكتاب الله عز وجل هو رسول الله.
لكن عندنا دائرة ثالثة، هنا الشاهد، هذه دائرة الإخباريات، ليس فيها شيء غابت عينه، وبقيت آثاره، ولا فيها شيء ظهرت عينه وآثاره.
الدائرة الثالثة تتحدث عن شيء غابت عينه، وغابت آثاره، ليس له أيّ دليل، لكن الله أخبر به، فالدليل الوحيد الخبر الصادق، هو الدليل الوحيد على قضايا الدين الكثيرة، فموضوع اليوم الآخر إخباري، وموضوع الجن إخباري، وموضوع الملائكة إخباري ، وموضوع الحوض يوم القيامة إخباري، وموضوع الجنة إخباري، وموضوع النار إخباري وموضوع قصة خلق العالم من آدم وحواء إخباري، هناك آلاف الموضوعات الإخبارية ليس لها أي دليل مادي إطلاقاً.
لذلك بالمناسبة، أنصح الإخوة الدعاة، وأيّ مؤمن ألا يطرح موضوعاً إخبارياً أمام إنسان لا يزال أصل الدين مهتزاً عنده، يلهيك، تقول له: الملائكة، يقول لك: أين الملائكة ؟ تقول له: الجن، يقول لك: أثبت أن هناك جناً، تقول له: الجنة، يقول لك: من دخلها، ثم عاد وأخبرنا ؟ تقول له: البشرية بدأت بآدم وحواء، يقول: لا، يقول داروين: بدأت بالقرد، مثلاً، فلذلك القضايا الثالثة القضايا الإخبارية هذه لا يمكن أن تثبتها بدليل، إلا دليل واحد أن الله أخبر بها.
إذاً كل قضايا اليوم الآخر إخباريات، أليس كذلك ؟ إلا عند النبي صلى الله عليه وسلم وحده من بين الخلائق، رآها في المعراج، رأى أهل الجنة يتنعمون، ورأى أهل النار يتصايحون، رأى كل شيء،
﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا ﴾
﴿ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
منزلة الصلاة في الإسلام:
لذلك قال كتاب السيرة: لقد رأى خلال هذه الرحلة السماوية الفريدة الجنة ونعيمها، ووصف أنهارها، وبخاصة الكوثر، كما رأى النار ومن يعذب فيها، وسمع صرير أقلام الملائكة الكاتبين، ورأى البيت المعمور في السماء السابعة، وما يدخله من الملائكة، كما وصف سدرة المنتهى، كما وصف جبريل عليه السلام، الذي قدم له خمراً ولبناً، فاختار e اللبن، فقال جبريل: هي الفطرة، وفرضت على أمته في المعراج خمسون صلاة في اليوم والليلة، ثم خفضت إلى خمس صلوات، ففريضة الصلاة هي الفريضة التي لا تسقط بحال، بل هي الفريضة التي تتكرر فرضت في المعراج، لأن:
(( الصلاة عماد الدين، مَن أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين ))
[الجامع الصغير عن ابن عمر بسند ضعيف]
ولا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة طهور، تطهر النفس من الأدران، والصلاة حبور، أي سرور، والصلاة معراج المؤمن، فهي طهور، وحبور، وسرور، ومعراج، والصلاة عقل.
(( ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها ))
[ ورد في الأثر ].
والصلاة ذكر، والصلاة قرب.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
( سورة طه ).
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
( سورة العلق ).
والصلاة ذكر لله عز وجل.
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 ).
قالوا: ذكر الله أكبر ما فيها، وقال بعض العلماء: ذكر الله لك في الصلاة أكبر مِن ذكْرك له، لأنك تذكره تعبّداً، لكنه يذكرك تفضلاً، لذلك الفريضة الأولى أداة اتصال المخلوق الضعيف الطارئ الجاهل مع أصل الوجود، وخالق الوجود هي الصلاة، لذلك أيها الإخوة إن صحت الصلاة صح الدين، وإن لم تصح لم يصح الدين، وأول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة صلاته، فإن صحت فاز وربح، وإن لم تصح خاب وخسر.
بالمناسبة أيها الإخوة، في الأثر:
(( ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها، ولا يتغير حالها ))
[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ].
يبدو أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أن أخطر فريضة في هذا الدين هي الصلاة، لذلك فرضت والنبي صلى الله عليه وسلم في سدرة المنتهى، فرضت مباشرة من قبل الذات الإلهية.
أيها الإخوة الكرام، الحديث عن الصلاة حديث يطول:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
( سورة المعارج ).
في أصل خَلقه.
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
( سورة المعارج ).
نحن الآن في هذه المحن التي تحيط بنا في أمسّ الحاجة إلى إحكام الاتصال بالله عز وجل، كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة:
(( أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلاَلُ ))
[أخرجه أبو داود ]
الصلاة عماد الدين
الصلاة طهور، الصلاة نور، ترى بها الحق حقاً والباطل باطلاً، الصلاة حبور، وسعادة كبيرة، الصلاة عقل، الصلاة عروج، الصلاة ذكر، الصلاة قرب، الصلاة بعد عن الفحشاء والمنكر.
إخواننا الكرام، مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تتصل برب الكائنات، وأن تكون في الظلمات، بل الآية الدقيقة جداً:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 159 ).
أيْ من خلال اتصالك بنا طهُر هذا القلب، وصار رحيماً، الصلاة تطهر، وتزكي، تخلّي وتحلّي، تزيل وتوجب:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 159 ).
معنى ذلك أنك إما أن تتصل بالله فيغدو القلب رحيماً، وتنعكس الرحمة ليناً، فيلتف الناس حولك، أما المنقطع عن الله عز وجل فيمتلئ قلبه قسوة وغلظة، فينفض الناس من حوله.
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 159 ).
أيها الإخوة الكرام، إن شاء الله في درس قادم نتابع فقرات الإسراء والمعراج، وأن الإسراء والمعراج أضخم حدث جاء بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معجزة تؤكد أن هذا الإنسان الذي أرسله الله هو رسول الله حقاً، وأن الكتاب الذي جاء به هو كتاب الله حقاً.
والحمد لله رب العالمين
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 835
تاريخ التسجيل : 29/03/2014
الموقع : gmail.forumalgerie.net

https://gmail.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 مقدمة -1- معرفة السيرة النبوية فرض عين على كل مسلم Empty كتاب الوحي : أهمية اللغة العربية .

مُساهمة من طرف Admin الأحد فبراير 01, 2015 2:38 am

ما الحكمة من أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أمياً ؟
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وننتقل اَليوم إلى كتاب الوحي، ولا بد من موضوعين:
الأول: أمية النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، موضوعان تمهيديان لموضع كتابة الوحي.
الموضوع الأول: ما الحكمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً؟ وقد يتبادر إلى الذهن أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، فلو أن النبي كان يقرأ ويكتب، وهو معلم البشرية فكيف نجمع بين أن الأمية نقص في شخصية الإنسان، وبين أن الأمية من صفة النبي عليه الصلاة والسلام؟
الكلام الجامع المانع المختصر المفيد أن أمية النبي وسام شرف له، وأميتنا وصمة عار بحقنا، لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبقى وعاء النبي طاهراً من كل ثقافة أرضية، لأن الله تولى بذاته العلية تعليمه, قال تعالى:
﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾
( سورة النجم الآية: 5-6 )
فلأن الله تولى تعليمه، ولأن هذا النبي مشرع، وقد أُمر الناس باتباعه، إذاً: هو معصوم، لذلك أميته أن وعاءه ليس فيه إلا وحي السماء، قال الله عز وجل:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية: 3-4)
لو أنه على ثقافة أرضية، وبدأ يدعو إلى الله, لكان السؤال المتكرر كل يوم: يا رسول الله! هذا الذي تقوله من وحي السماء أم من ثقافتك؟ قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم الآية: 3-4)
وما لم نعتقد اعتقاداً جازماً بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الله عصمه من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره لا نكون على عقيدة سليمة، ولأن الله عصمه أمرنا أن نأخذ عنه، قال تعالى:
﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
( سورة الحشر الآية: 7)
كيف عصمه؟ جعل كل وعائه المعرفي ممتلئاً من وحي السماء، هذه حقيقة أولى، أما نحن فقال عنا النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم ))
[ورد في الأثر]
لا أسمح أن يقول إنسان: أنا أتعلم من الله مباشرة، أما الآية التي يذكرها كل من يدعي هذه الدعوة فهي:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
( سورة البقرة الآية: 282)
ليس هذا هو معناها، لو أن المعنى كما يتوهم القائل لكانت الصيغة على الشكل التالي: واتقوا الله يعلمكم الله، جواب الطلب، واتقوا الله يعلمكم الله، لكن الآية لها معنى آخر:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 282)
لمَ لا تتقونه؟ لأنه يعلمكم دائماً، علمكم بالكون، وعلمكم بالوحي, وعلمكم بالأنبياء، وعلمكم بالرسل، وعلمكم بالدعاة، وعلمكم بأفعاله، وعلمكم بالتربية النفسية، هو يعلمكم دائماً لماذا لا تتقون الله؟
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾
( سورة البقرة الآية: 282)
لأن الله يعلمكم، أما أن تفهم أنه يكتفي أن تتقي الله فيأتيك العلم اللدوني، هذا مجال كبير للشطط والشطح هو أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم.
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام, قال: (( إنما ))، النبي أفصح العرب، فإذا قال: (( إنما ))، إنما أداة قصر، يعني ليس هناك من سبيل إلى العلم إلا بالتعلم بالنسبة لنا، أما النبي كان أمياًَ وأميته وسام شرف، تولى الله تعليمه, قال تعالى:
﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 48 )
لكن ما دام الموضوع قد تشعب، في الدين أصول وفروع، الأصول أن تعرف الله, والفروع أن تعرف منهجه، فأنت بآياته التكوينية والكونية والقرآنية تعرفه، وأنت في الأحكام الفقهية تعبده، بالكون تعرفه وبالشرع تعبده.
اللغة التي أنزل بها القرآن:
أيها الأخوة، ننتقل إلى موضوع آخر، وهو أن هذا القرآن نزل بلسان عربي مبين، قال تعالى:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
( سورة يوسف الآية: 2)
﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً ﴾
( سورة طه الآية: 113 )
﴿قُرْآَناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾
( سورة الزمر الآية: 28 )
﴿فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً﴾
( سورة فصلت الآية: 3 )
﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
( سورة الزخرف الآية: 3)
وآخر آية, قوله تعالى:
﴿حُكْماً عَرَبِيّاً﴾
( سورة الرعد الآية: 37 )
فالله سبحانه تعالى شرف هذه الأمة بأن جعل وحيه يتنزل باللغة العربية، وقد يسأل سائل: لماذا كانت العربية مشرفة بوحي السماء؟ الحقيقة أن الذي يدرس فقه اللغة يعلم علم اليقين أن الطرف الآخر الذي لا يحابي هذه الأمة إطلاقاً يعترف أن اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية، لكنها تضعف بضعف قومها، وتقوى بقوة قومها.
من خصائص اللغة العربية:
1- اﻹعراب:
أيها الأخوة, ما معنى اللغة العربية من أقوى اللغات الإنسانية؟ لها خصائص، من هذه الخصائص الإعراب.
إن الذي قتل زيداً هو عمرٌ، إذا قلت: قتل عمرٌ زيداً، ما دام رفعت عمر, إذاً: هو الفاعل، تتميز اللغة العربية بالإعراب، والإعراب في اختزال للمعاني، الضمة تعني أن هذا هو الفاعل، والفتحة تعني أن هذا المفعول به، فمن أولى خصائص العربية الإعراب، فلذلك الذي يقرأ العربية يفهم فيقرأ، في بعض اللغات الأخرى يقرأ فيفهم، أما نحن فينبغي أن تفهم حتى تستطيع أن تقرأ صحيحاً، هذا يحتاج إلى بديهة، وإلى أن تلقي نظرة إلى كلمة أو كلمتين قادمتين، كي تعرف أن هذا الفعل مبني للمجهول أو للمعلوم، وأن هذا هو الفاعل، لذلك تعد هذه اللغة من أرقى اللغات الإنسانية لأن فيها الإعراب.
2- الاشتقاق:
أخواننا الكرام، هناك ظاهرة الاشتقاق، اللغة العربية كلماتها كالأسرة، الجد هو المصدر، والأولاد الفعل الماضي والمضارع والأمر، والمجرد والمزيد، والزيادات لها معاني دقيقة، وزن فاعل غير فعل، وزن تفاعل غير فعل، وزن استفعل غير فعل، فصيغة استفعل لها معنى، على وزن استغفر، استرحم، استرشد، وفاعل فيها المشاركة قاوم، وناضل، وشارك واستكتب طلب الكتابة، فالأفعال لها أوزان، وأوزانها مجردة ومزيدة، وعندنا أحد أبناء الفعل الماضي، والفعل المضارع، والفعل الأمر، واسم المكان، واسم الزمان، واسم الآلة، والصفة المشبهة باسم الفاعل، واسم التفضيل، وعندنا صيغ كثيرة جداً، ثم صيغ مبالغة اسم الفاعل، فعول، فعيل، مفعال، عندنا اسم فاعل واسم مفعول، واسم آلة، واسم زمان، واسم مكان، وصيغة مشابهة اسم الفاعل، هذه كلها صيغ، فعندنا اللغة أسرة.
3- اتساعها في التعبير:
من خصائص العربية التي جعلها الله لغة لقرآنه اتساعها في التعبير, ضربت مثلاً مرة: هناك نظر, واستشف، يعني نظر مع التمطي، واستشف، نظر مع اللمس، و حدج، نظر مع المحبة، وفي الحديث الشريف:
(( حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم ))
[ورد في الأثر]
هناك نظر مع الاستمتاع، نظرت إلى منظر جميل، تقول: رأى، رأى بقلبه، رأيت العلم نافعاً، رأيت الأمانة غنى.
هناك لاح، السماء ملبدة بالغيوم، وفيها فجوات، فلاحت طائرة، يعني ظهرت، ثم اختفت، وأنت تمشي في الطريق رأيت باباً مفتوحاً، التفت إليه، فإذا امرأة فغضضت البصر، أي لمح، لاح شيء، ولمح شيء.
الآن حدق؛ اتسعت حدقت العين، حملق؛ ظهر حملاق العين، باطن الجفن أحمر، شخص نظر مع الخوف، سمع انفجارًا، فخاف، نقول: شخص، نظر إنسان على تاجر المخدرات بازدراء، نظر شزراً، شخص، ولاح، ولمح، وحدق، وحملق، واستشف، ورأى، العربية واسعة جداً في التعبير، وكلما اتسعت اللغة في التعبير جاءت العبارة لطيفة، قال الله:
﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾
( سورة طه الآية: 18 )
ما معنى أهش؟ أضرب, لا، أشير, لا، هناك لمس، لكن ما فيها ضرب، معنى دقيق جداً، قال تعالى:
﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ﴾
( سورة طه الآية: 18 )
إذاً: اللغة العربية متسعة بالتعبير.
4- الحروف تناسب بعض المعاني:
شيء آخر، الحروف فيها تناسب بعض المعاني، الحرف وحده فيه معنى، فكل كلمة فيها غين فيها اختفاء، غيبة، غاب، غريب، غيبوبة، وكل شيء فيه تكرار في راء، مر، جر، كر، خر، وكل كلمة فيها سين فيها شيء نفسي، حس، أنس، سر، سؤال، سرور، وكل كلمة فيها قاف فيه اصطدام طرق، لصق، سيدنا عمر, يقول: " تعلموا العربية فإنها من الدين ".
5- قابلة للاختزال أو الاختصار:
من هذه اللغة خصيصة أخرى، أنها قابلة للاختزال، لو وقف أربعة صحفيين ليأخذوا حديث مسؤول كبير باللغة العربية وحدها فقط يمكن أن تكتب كلامه، أما بأي لغة أخرى تحتاج إلى لغة أخرى اسمها لغة الاختزال، لن تستطيع بلغة أخرى أن تكتب ما يقال، إلا العربية بإمكانك أن تكتب ما يقال، عدد الحروف قليل، والمعاني كثيرة، والدليل اكتب باللغة الإنكليزية، محمد عشرة حروف، عدهم بالعربي أربعة حروف محمد( م ح م د )، لذلك هذه اللغة فيها اختزال.
المرأة لها جمال، أما الرجل فجماله فصاحته، فلا تعجب أن يدخل وفد على خليفة كبير كسيدنا عمر بن عبد العزيز يتقدمهم غلام، يغضب الخليفة، فيقول: أيها الغلام، اجلس وليقم من هو أكبر منك سناً، فيقول هذا الغلام: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه، قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكانت في الأمة أحق منك بهذا المجلس.
غلام آخر دخل على عبد الملك بن مروان، وكان من كبار خلفاء بني أمية، فوبخ حاجبه، وقال له: ما شاء أحد أن يدخل علينا إلا دخل, حتى الصبية, فابتسم هذا الغلام الصغير، وقال: أصلح الله الأمير، إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك، ولكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، ومعكم فضول أموال، فإن كانت لنا فعلامَ تحبسوها عنا؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لله فنحن عباده، فقال: والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً.
سيدنا عمر يمشي في طُرق المدينة، أطفال عدة يلعبون، فلما رأوه هابوا وفروا، واحد منهم بقي واقفاً، لفت نظره، قال: يا غلام، لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال: أيها الأمير، لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك.
يعني ما الذي يمنع أن نعلم أبناءنا اللغة الفصحى؟ أن نعلمهم المطالعة، أن نعلمهم الكتابة، أن نعلمهم إلقاء الكلمات، لأن جمال الرجل فصاحته.
عدد اللهجات التي تكلم بها القرآن:
فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، لكن ورد أن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، يعني على سبع لهجات، ولكل قبيلة لهجة، وكان عليه الصلاة والسلام يخاطب الرجال بلهجاتهم، سأله مرة واحد: هل من أمبر أمصيام من أمسفر؟ يعني هل من البر الصيام في السفر؟ فأجابه عليه الصلاة والسلام ليس من أمبرٍ أمصيامٌ في أمسفر، أجابه بلهجته، فتيسير على العرب الذين استقبلوا هذا الدين العظيم نزل هذا القرآن على سبعة أحرف، أي على سبعة لهجات.
لذلك قريش تسهل، وتميم تحقق, ما معنى ذلك؟ الهمزة إما أن تحقق، وإما أن تسهل، إذا قلت: ملايكة لهجة قريش، أما إذا قلت: ملائكة لهجة تميم، فتميم تحقق، وقريش تسهل، إذا قلت: تأريخ لهجة تميم، إذا قلت: تاريخ لهجة قريش، فكل همزة إما أن تحقق، وإما أن تسهل، بل إن كتابة الهمزة لها قاعدة تنتظمها، الهمزة تكتب على الحرف لو سهلت قرأ ذلك الحرف، تكتب الهمزة في بئر على نبرة، لو سهلتها تقول: بير، تكتب مؤمن على واو لو سهلتها تقول: مومن، تكتب تأريخ على ألف لو سهلتها تقول تاريخ.
إذاً: القرآن الكريم فضلاً عن أنه نزل عربياً نزل بلهجات العرب، وهذا تسهيلاً للذين أمروا أن يتلقوه بالإيمان والتعظيم، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أقرأني جبريل القرآن على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ))
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]
لكن هناك تعليق، الآن اللغة موحدة، أنا لا أرى حاجة كبيرة جداً إلى أن تقرأ كل القراءات، لأنه الآن نحن جميعاً, نقول: إبراهيم، لا داعي لأن تقول: إبراهام، هي قراءة، فالآن بعد ما توحدت اللغة فليس هناك من ضرورة أن تتحف الآخرين بكلمات غير مألوفة، مع أنها قراءات.
الحكمة الإلهية في اختيار الجزيرة العربية مكاناً لبعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام:
الحقيقة أن الذين يحسنون الكتابة كانوا قلة في مكة، وقلة في المدينة، والحقيقة أن الأمة التي اختارها الله لهذه الرسالة العظيمة أمة عاشت في الصحراء، وثقافتها محدودة جداً، وهناك حِكم قد لا نكشفها الآن، في هذه الأماكن الممتدة، وفي هذه الحياة البسيطة، ليس هناك نفاق، وليس هناك تعقيد، وليس هناك كذب، في بالصحراء حياة رائعة جداً، النبي أقرها، فيها المروءة، والشهامة، والشجاعة، والفصاحة، صفاء الذهن، وهناك حكم كثيرة أن الحياة ليست معقدة، تصور لو في هذا العصر جاء نبي، ماذا تقرأ في الأخبار؟ تصور الأخبار التي سوف تغطي ظهور نبي في هذا العصر، يتصلوا بعالم نفس, فيقول: هذا معه عقدة نفسية، يتصلون بعالم اجتماع، فيقول: هذا يحب أن يسيطر على مجموعة كبيرة، عنده شذوذ في علاقاته الاجتماعية.
أيها الأخوة، أحد كبار علماء النفس يتهم الأنبياء بالشذوذ، قال: لأنهم يحبون أن يجلسوا مع الرجال، لحكمة بالغة أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء في مكان، وفي زمان بسيط، لو أنه جاء في هذا الزمان لرأيت العجب العجاب من التكذيب والسخرية والاستهزاء، فلذلك لحكمة بالغةٍ بالغة كانت بعثة النبي عليه الصلاة والسلام في بلاد بسيطة، وفي علاقات اجتماعية بسيطة.
كاتبو الوحي:
اشتهر أيها الأخوة من كتاب الوحي زيد بن ثابت، مع أنه أسلم بعد الهجرة، واقتصرت الكتابة بذلك على ما نزل في المدينة من كتاب الوحي زيد بن ثابت، ولم يكتب من السور المكية شيئاً، وأول من كتب آيات التنزيه من مكة المكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش رجل اسمه عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ممن كتب في الجملة الخلفاء الأربعة، والزبير بن العوام، وخالد، وأبان ابنا سعيد بن العاص ابن أمية، وحنظلة ابن الربيع الأسدي، ومعيقل ابن أبي فاطمة، وعبد الله ابن الأرقم الزهري، وشرحبيل ابن حسنة, وعبد الله ابن رواحة، وغيرهم، وكان أُبي ابن كعب هو أول من كتب له بالمدينة، هؤلاء كتاب الوحي، كتاب قليلون لكن هذا الكتاب كُتب.
الفرق بين معجزة النبي وبين المعجزات السابقة:
هناك موضوع ثالث لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الكتب السماوية السابقة الله عز وجل أمر بحفظها بأمر تكليفي، ولا بد من التفريق بين الأمر التكليفي، والأمر التكويني, الأمر التكليفي لك أن تأتمر، أو ألا تأتمر، كما تقرأ لوحة: ممنوع المرور، والطريق سالك لك أن تسلك هذا الطريق مع أنه ممنوع، لكن إذا خالفت تدفع الثمن، ولك أن تأتمر، لكن الأمر التكويني فعل الله، والأمر التكليفي أمره، فالكتب السماوية السابقة أُمر الأنبياء بحفظها تكليفاً، والأنبياء حفظوها، والدليل:
﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾
( سورة المائدة الآية: 44 )
حفظوها تكليفاً، لكن أتباعهم ما حفظوها، لذلك أضيف على الكتب السماوية السابقة ما ليس منها، فيها إضافة، وتبديل، وتحوير، وتزوير، ذلك لأن المعجزة منفكة عن الكتاب، لا يوجد علاقة بين الكتاب والمعجزة، سيدنا عيسى أحيا الميت، والإنجيل كتاب الله، سيدنا موسى جعل البحر طريقاً يبساً، وكتابه التوراة، لكن القرآن الكريم له استثناء خاص، ذلك أنه كتاب لكل البشر, قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 107)
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾
( سورة البقرة الآية: 119 )
وهو آخر الكتب، وسيبقى إلى يوم القيامة، حتى إن السيد المسيح يتلو القرآن الكريم حينما يعود إلى الحياة, قال تعالى:
﴿يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾
( سورة البينة الآية: 2-3)
فالقرآن الكريم لأنه كتاب لكل البشر، ولأنه كتاب ينبغي أن تكون معجزته فيه، معجزة النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن، فإذا فقد الكتاب معجزته فقد قيمته، لذلك تولى الله بذاته حفظ كتابه، فقال:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
( سورة الحجر الآية: 9 )
أنت حينما آمنت بهذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وحينما آمنت بأن هذا القرآن كلامه من خلال إعجازه، وحينما آمنت بأن هذا الذي جاء به نبيه من خلال كتابه أخبرك القرآن أن الله تولى حفظه، وأنا لا أريد أن أدخل في متاهة الأدلة التفصيلة على أن هذا الكتاب حُفظ، أن تعتقد أنه محفوظ، وأن الذي تقرأه الآن هو الكتاب نفسه الذي جاء نبينا عليه الصلاة والسلام، هذه قضية إيمانية تؤكدها الآيات القرآنية، لذلك قال تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
( سورة الحجر الآية: 9)
المواضيع التي يضمها القرآن:
أيها الأخوة، هذا القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، والذي نزل على قلب سيد المرسلين، وهو آخر الكتب، نزل على آخر الأنبياء والمرسلين، هذا القرآن الموضوع الأول الذي عالجه هو التوحيد، لذلك يمكن أن تقول: إن كل الكتب السماوية جاءت بالتوحيد، والدليل:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
( سورة الأنبياء الآية: 25)
والتوحيد ألا ترى مع الله أحدا، التوحيد أن ترى أنه لا معطي ولا مانع إلا الله، ولا خافض ولا رافع إلا الله، ولا معز ولا مذل إلا الله، والتوحيد أن تعتقد أن الله لم ولن يسلمك إلى غيره, قال تعالى:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
وبعد التوحيد جاء التشريع، ومعظم القرآن المكي يؤكد معنى التوحيد، ومعنى الربوبية، ويؤكد اليوم الآخر، ثم جاءت آيات التشريع في المدينة المنورة تتحدث عن المعاملات التي إن صحت صحت العبادات.
وإن شاء الله نتابع هذا الموضوع في درس قادم.
والحمد لله رب العالمين
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 835
تاريخ التسجيل : 29/03/2014
الموقع : gmail.forumalgerie.net

https://gmail.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى