الشرع تعليمات الصانع
صفحة 1 من اصل 1
الشرع تعليمات الصانع
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ علاء :
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، أهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون بمعية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
أهلا بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء :
تذكير وتقرير :
سيدي الكريم ، منذ أن بدأ هذا البرنامج ، واخترت له هذا العنوان الرائع والجميل ، بدأنا بالتحدث عن مسألة هامة ، وهي أن الله عز وجل اختار الإنسان المكرم للرسالة والأمانة على هذه الأرض ، في هذا الكون الفسيح ، وكلفه بهذه الرسالة ، وكلفه بهذه الأمانة ، كلفه بمطلق التكليف ، وبينت لنا مقومات التكليف ، فأعطاه هذه المقومات لكي يقدر عليها ، ولكي تكون بين يديه حصيلة ، ولكي تكون ذخيرة يأخذ منها ، ويمشي بها ، ويؤدي الأمانة التي أؤتمن عليها .
من مقومات التكليف الكون وتحدثنا طويلاً عنه ، ثم العقل ، ثم الفطرة ، ثم الشهوة ، ثم الاختيار ، ونقف في هذه الحلقة بعد أن أشبعنا الاختيار بتفصيله الدقيق ، نقف عند الشرع ، وبقي في مقومات التكليف الشرع ، والوقت ، نقف عند الشرع ، ونقف عند هذه المسألة التي عرّفها الفقهاء كثيراً في كتب الفقه ، وفي كتب اللغة ، وفي كتب العقيدة ، نرى تعريفات الشرع الكثيرة ، لكن من خلال ما تفضلت ، تبين لنا بأن الإنسان هو أعقد آلة صنعها أو خلقها الله عز وجل ، وقلت لنا في أحاديث سابقة : إن الشرع فيه تعليل ، أو تعليمات الصانع لكي تعمل هذه الآلة بالشكل الأمثل ، والشكل الكفء ، فماذا عن الشرع ؟ وما علاقة الشرع بمقوم من مقومات التكليف ؟ أين يقع في مقومات التكليف ؟ وكيف يكون الشرع واتباع الشرع عبادة لله بعد أن نعتقد بالله وجوداً وربا .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الشرع :
1 – الشرع ضمان في زمن ضلال العقل :
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، بادئ ذي بدء : أعطانا الله عقلاً كأداة دفاع ، وأعطانا فطرة كأداة نفسية لاكتشاف الخطأ ، لكن العقل قد يضل ، والفطرة قد تنطمس ، فلذلك ضمانة ألا يضل العقل ، وألا تنطمس الفطرة ، أعطانا منهجاً نسير عليه .
تماماً لو كلفت طالباً أن يحل مسألة ، ثم أعطيته الجواب بشكل نظري ، فإذا جاء حله وفق هذا الجواب فحله صواب ، وإذا جاءت النتائج عنده بخلاف هذا الجواب فحركته في الحل مغلوطة .
الله أعطاك موازين ، أعطاك موازين العقل ، وأعطاك موازين الفطرة ، لكن العقل قد يُستخدم لغير ما صنع له ، قد نستخدم العقل لتبرير أخطائنا ، كالحرية والديمقراطية ، فالعقل التبريري ساقط ، قذر ، لأن هذا الجهاز العظيم ، الذي هو أعقد جهاز في الكون ، والذي منح الله الإنسان هذا الجهاز تكرمة عالية له استخدمه بخلاف ما صنع له .
تماماً كما لو اقتنيت آلة تصوير ملونة ، هذه الآلة يمكن أن تعمل بها أعمالا رائعة جداً ، وأن تكسب منها الملايين ، استخدمتها لتزوير العملة ، فكان هذا الاستخدام سبباً للسجن ، ومع الأسف الشديد أن العقل الآن مستخدم في العالم لتغطية الجرائم والطغيان ، ونهب الثروات ، وقهر الشعوب بطروحات براقة في ظاهرها ، ككلمة الشرق الأوسط الجزئي ، هو شرق أوسط ممزق ، منهوب الثروات ، مهدور الكرامة .
العقل التبريري قذر ، ومحتقر ، أما العقل الصريح فهو الذي أراده الله عز وجل ، فلئلا يضل العقل كانت أحكام الشريعة الضمانةَ له .
2 – الشرع ضمان في زمن انطماس الفطرة :
شيء آخر ، أعطاك فطرة تكشف الخطأ ذاتياً ، ولكن الفطرة مع الانغماس في المحرمات ، والملذات ، والشهوات المنحطة تنطمس ، فجاء الشرع ليكون حكماً على الفطرة ، وجاء الشرع ليكون حَكَماً على العقل ، فلذلك الحَسن ما حسَّنه الشرع ، والقبيح ما قبَّحه الشرع .
مثل ثالث : أنت تملك بيتًا له ثمن فلكي ، وبعته بالعملة الصعبة ، هناك احتمال أن تكون العملةُ مزوَّرة ، وفي جيبك الأيمن جهاز إلكتروني ، إن وضعت عليه هذه العملة أعطاك لونا يؤكد أنها صحيحة ، أو لونا آخر أنها مزوَّرة ، لكنك لم تستخدمه ، وفي الجيب الآخر ورقة لأرقام العملة المزورة ، هذا هو الشرع ، إما بطريقة رائعة تكشف العملة المزورة به ، أو بأرقام العملة المزورة .
حينما يقع الإنسان في شر عمله لا يستخدم عقله ، ولا يستخدم منهج الله عز وجل ، فيبيع بيته بعملة مزورة ، فيخسر الآخرة .
الخطأ في الوزن لا يتكرَّر ، والخطأ في الميزان لا يُصحَّح :
هناك ضوابط ، قال الله عز وجل :
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾
( سورة الرحمن )
هناك ميزان ، لكن هذا الميزان قد يزوّر ، لذلك أنا أقول : أفضل ألف مَرة أن نخطئ في الوزن مِن أن نخطئ في الميزان ، لأن الخطأ في الوزن لا يتكرر ، بينما الخطأ في الميزان لا يصحَّح .
تصور ميزانا في إحدى كفتيه خمسون غراما زيادة ، لو استخدمته مليون مرة كل الموازين خطأ ، أما إذا توهمت أنه كيلو أو كيلوين فهذا يحدث مرة واحدة ثم يُصحَّح ، فالخطأ في الوزن لا يتكرر ، والخطأ في الميزان لا يصحح .
الأستاذ علاء :
الخطأ في الوزن لا يتكرر ويحصل مرة واحدة ، أما الخطأ الثاني فيتكرر ، ولا يصحح .
الدكتور راتب :
أمران مهمَّان بهما سعادة الدارين يجنيهما المتَّبعُ لمنهج الله :
فلذلك الله عز وجل رحمة بنا ، وضماناً لسلامتنا وسعادتنا أعطانا عقلاً كأعظم عطاء ، أعطانا فطرة ، ولكن العقل قد يضل ، والفطرة قد تنطمس .
1 – فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
ماذا قال الله عز وجل ؟ قال :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ﴾
يعني الشرع :
﴿ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه )
لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه .
2 – فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
آية ثانية :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
لا خوف عليهم مما سيكون ، ولا هم يحزنون على ما كان ، فكأن الإنسان واقف بمكان ، الآية غطت الماضي السحيق والمستقبل البعيد ، فلا خوف عليهم في المستقبل ، ولا هم يحزنون .
لو جمعنا الآيتين :
الآية الأولى :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
والآية الثانية :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
أي : لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، ماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟
الأستاذ علاء :
هذا جميل ، فقد أحاط بكل الأمر ، ولذلك المشي وفق المهج ، وفق الشرع كما تفضلت ، وفق الطريق المستقيم ، كلما كان الإيقاع متسقاً مع الشرع كانت الحياة سعيدة ، وكانت الآخرة تنتظره بأجمل حلة لها .
الدكتور راتب :
الشرع ميزان للعقل والفطرة :
يمكن أن نقول : الشرع ميزان على ميزان العقل ، وميزان على ميزان الفطرة العقل قد يضل ، والفطرة قد تنطمس ، لكن الشرع ثابت .
في الشام مثلاً ملايين الموازين ، لكن هناك كيلو نظامي ، وكيلو آخر مزوَّر نقيسه بالنظامي ، الشرع هو الحسن المطلق .
لذلك فكر ، واجتهد ، وحلق ، وتأمل ، وحلل ، ودقق ، إذا انتهى بك المطاف إلى شيء بخلاف الشرع فأنت مخطئ حتماً .
فكِّر ، ودقق ، وحلل ، ووازن ، وناقش ، إذا انتهى بك المطاف إلى موقف متطابق مع الشرع فأنت على صواب ، لأن الشرع ميزان على ميزان العقل والفطرة ، لأنه من عند خالق السماوات والأرض ، من عند الذي لا يأتي كتابَه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه ، من عند المطلق .
الشرع هو المرجع النهائي لكل خلاف فيما بيننا .
القلب السليم هو القلب الذي لا يتناقض مع الشرع :
مثلاً : قال الله عز وجل :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
( سورة الشعراء )
أكبر إنجاز للإنسان على الإطلاق أن يلقى الله بقلب سليم ، فما تعريف القلب السليم ؟ هو القلب الذي لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، لا يقبل خبر بصحيفة ، بمجلة ، بفضائية يتناقض مع وحي الله .
الأستاذ علاء :
هل نستطيع أن ننقل قضية القلب إلى العقل بأن العقل السليم ، لا يتناقض مع الشرع ، أو النقل الصحيح ؟
الدكتور راتب :
العقل السليم لا يتناقض مع شرع الله :
طبعاً ، القلب مركز النفس ، نحن إذا قلنا : القلب صنوبري فهذا مضخة للدم ، أما الله عز وجل فقال :
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 179 )
قلب النفس مكان العقل :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم هو الذي لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يحكم غير شرع الله ، ولا يعبد إلا الله ، ولا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، هذا أدق تعريف للقلب السليم ، قلب لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يحكم إلا شرع الله ولا يعبد إلا الله :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
الأستاذ علاء :
إذاً : سيدي الكريم من خلال ما تفضلت بأن العقل بكل صراحته ، ومقوماته وباتِّقاده ، دون أن يكون يرزح تحت تأثير عامل من العوامل ، حيث يضعفه ، ويقلِّل ملكاته ، هو لا يتناقض مع شرع الله .
الدكتور راتب :
قد يكون صاحب العقل بريئًا ، لكن معلوماته قاصرة .
العقل مرتبط بالواقع :
أستاذ علاء العقل مرتبط بواقعك ، كيف ذلك ؟
لو أتيح لي أن أوقظ إنسانًا من قبره مات قبل خمسين عامًا ، ثن أطلعه على قرص مدمج فيه 7 آلاف عنوان ، لن أقول : 7 آلاف كتاب ، لم أقل 7 آلاف مجلد ، 7 آلاف عنوان ، فالصحابة الكرام وصلوا إلى الله ، وأنت حينما تغمس في ماء البحر ، وكل خلية في جسمك تشعر بماء البحر ، وأنفك يستنشق رائحة ماء البحر ، وعينك ترى امتداد البحر ، أنت في هذه الحالة لا تحتاج إلى دليل ، أنت وصلت إلى البحر ، وانغمست فيه .
الأستاذ علاء :
نكمل هذا إن شاء الله في الحلقة القادمة ، ولا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
شكراً سيدي الأستاذ ، نكمل إن شاء الله في حلقات قادمة .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركات
والحمد لله رب العالمين
الأستاذ علاء :
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، أهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون بمعية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
أهلا بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء :
تذكير وتقرير :
سيدي الكريم ، منذ أن بدأ هذا البرنامج ، واخترت له هذا العنوان الرائع والجميل ، بدأنا بالتحدث عن مسألة هامة ، وهي أن الله عز وجل اختار الإنسان المكرم للرسالة والأمانة على هذه الأرض ، في هذا الكون الفسيح ، وكلفه بهذه الرسالة ، وكلفه بهذه الأمانة ، كلفه بمطلق التكليف ، وبينت لنا مقومات التكليف ، فأعطاه هذه المقومات لكي يقدر عليها ، ولكي تكون بين يديه حصيلة ، ولكي تكون ذخيرة يأخذ منها ، ويمشي بها ، ويؤدي الأمانة التي أؤتمن عليها .
من مقومات التكليف الكون وتحدثنا طويلاً عنه ، ثم العقل ، ثم الفطرة ، ثم الشهوة ، ثم الاختيار ، ونقف في هذه الحلقة بعد أن أشبعنا الاختيار بتفصيله الدقيق ، نقف عند الشرع ، وبقي في مقومات التكليف الشرع ، والوقت ، نقف عند الشرع ، ونقف عند هذه المسألة التي عرّفها الفقهاء كثيراً في كتب الفقه ، وفي كتب اللغة ، وفي كتب العقيدة ، نرى تعريفات الشرع الكثيرة ، لكن من خلال ما تفضلت ، تبين لنا بأن الإنسان هو أعقد آلة صنعها أو خلقها الله عز وجل ، وقلت لنا في أحاديث سابقة : إن الشرع فيه تعليل ، أو تعليمات الصانع لكي تعمل هذه الآلة بالشكل الأمثل ، والشكل الكفء ، فماذا عن الشرع ؟ وما علاقة الشرع بمقوم من مقومات التكليف ؟ أين يقع في مقومات التكليف ؟ وكيف يكون الشرع واتباع الشرع عبادة لله بعد أن نعتقد بالله وجوداً وربا .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الشرع :
1 – الشرع ضمان في زمن ضلال العقل :
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، بادئ ذي بدء : أعطانا الله عقلاً كأداة دفاع ، وأعطانا فطرة كأداة نفسية لاكتشاف الخطأ ، لكن العقل قد يضل ، والفطرة قد تنطمس ، فلذلك ضمانة ألا يضل العقل ، وألا تنطمس الفطرة ، أعطانا منهجاً نسير عليه .
تماماً لو كلفت طالباً أن يحل مسألة ، ثم أعطيته الجواب بشكل نظري ، فإذا جاء حله وفق هذا الجواب فحله صواب ، وإذا جاءت النتائج عنده بخلاف هذا الجواب فحركته في الحل مغلوطة .
الله أعطاك موازين ، أعطاك موازين العقل ، وأعطاك موازين الفطرة ، لكن العقل قد يُستخدم لغير ما صنع له ، قد نستخدم العقل لتبرير أخطائنا ، كالحرية والديمقراطية ، فالعقل التبريري ساقط ، قذر ، لأن هذا الجهاز العظيم ، الذي هو أعقد جهاز في الكون ، والذي منح الله الإنسان هذا الجهاز تكرمة عالية له استخدمه بخلاف ما صنع له .
تماماً كما لو اقتنيت آلة تصوير ملونة ، هذه الآلة يمكن أن تعمل بها أعمالا رائعة جداً ، وأن تكسب منها الملايين ، استخدمتها لتزوير العملة ، فكان هذا الاستخدام سبباً للسجن ، ومع الأسف الشديد أن العقل الآن مستخدم في العالم لتغطية الجرائم والطغيان ، ونهب الثروات ، وقهر الشعوب بطروحات براقة في ظاهرها ، ككلمة الشرق الأوسط الجزئي ، هو شرق أوسط ممزق ، منهوب الثروات ، مهدور الكرامة .
العقل التبريري قذر ، ومحتقر ، أما العقل الصريح فهو الذي أراده الله عز وجل ، فلئلا يضل العقل كانت أحكام الشريعة الضمانةَ له .
2 – الشرع ضمان في زمن انطماس الفطرة :
شيء آخر ، أعطاك فطرة تكشف الخطأ ذاتياً ، ولكن الفطرة مع الانغماس في المحرمات ، والملذات ، والشهوات المنحطة تنطمس ، فجاء الشرع ليكون حكماً على الفطرة ، وجاء الشرع ليكون حَكَماً على العقل ، فلذلك الحَسن ما حسَّنه الشرع ، والقبيح ما قبَّحه الشرع .
مثل ثالث : أنت تملك بيتًا له ثمن فلكي ، وبعته بالعملة الصعبة ، هناك احتمال أن تكون العملةُ مزوَّرة ، وفي جيبك الأيمن جهاز إلكتروني ، إن وضعت عليه هذه العملة أعطاك لونا يؤكد أنها صحيحة ، أو لونا آخر أنها مزوَّرة ، لكنك لم تستخدمه ، وفي الجيب الآخر ورقة لأرقام العملة المزورة ، هذا هو الشرع ، إما بطريقة رائعة تكشف العملة المزورة به ، أو بأرقام العملة المزورة .
حينما يقع الإنسان في شر عمله لا يستخدم عقله ، ولا يستخدم منهج الله عز وجل ، فيبيع بيته بعملة مزورة ، فيخسر الآخرة .
الخطأ في الوزن لا يتكرَّر ، والخطأ في الميزان لا يُصحَّح :
هناك ضوابط ، قال الله عز وجل :
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾
( سورة الرحمن )
هناك ميزان ، لكن هذا الميزان قد يزوّر ، لذلك أنا أقول : أفضل ألف مَرة أن نخطئ في الوزن مِن أن نخطئ في الميزان ، لأن الخطأ في الوزن لا يتكرر ، بينما الخطأ في الميزان لا يصحَّح .
تصور ميزانا في إحدى كفتيه خمسون غراما زيادة ، لو استخدمته مليون مرة كل الموازين خطأ ، أما إذا توهمت أنه كيلو أو كيلوين فهذا يحدث مرة واحدة ثم يُصحَّح ، فالخطأ في الوزن لا يتكرر ، والخطأ في الميزان لا يصحح .
الأستاذ علاء :
الخطأ في الوزن لا يتكرر ويحصل مرة واحدة ، أما الخطأ الثاني فيتكرر ، ولا يصحح .
الدكتور راتب :
أمران مهمَّان بهما سعادة الدارين يجنيهما المتَّبعُ لمنهج الله :
فلذلك الله عز وجل رحمة بنا ، وضماناً لسلامتنا وسعادتنا أعطانا عقلاً كأعظم عطاء ، أعطانا فطرة ، ولكن العقل قد يضل ، والفطرة قد تنطمس .
1 – فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
ماذا قال الله عز وجل ؟ قال :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ﴾
يعني الشرع :
﴿ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه )
لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه .
2 – فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
آية ثانية :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
لا خوف عليهم مما سيكون ، ولا هم يحزنون على ما كان ، فكأن الإنسان واقف بمكان ، الآية غطت الماضي السحيق والمستقبل البعيد ، فلا خوف عليهم في المستقبل ، ولا هم يحزنون .
لو جمعنا الآيتين :
الآية الأولى :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
والآية الثانية :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
أي : لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، ماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟
الأستاذ علاء :
هذا جميل ، فقد أحاط بكل الأمر ، ولذلك المشي وفق المهج ، وفق الشرع كما تفضلت ، وفق الطريق المستقيم ، كلما كان الإيقاع متسقاً مع الشرع كانت الحياة سعيدة ، وكانت الآخرة تنتظره بأجمل حلة لها .
الدكتور راتب :
الشرع ميزان للعقل والفطرة :
يمكن أن نقول : الشرع ميزان على ميزان العقل ، وميزان على ميزان الفطرة العقل قد يضل ، والفطرة قد تنطمس ، لكن الشرع ثابت .
في الشام مثلاً ملايين الموازين ، لكن هناك كيلو نظامي ، وكيلو آخر مزوَّر نقيسه بالنظامي ، الشرع هو الحسن المطلق .
لذلك فكر ، واجتهد ، وحلق ، وتأمل ، وحلل ، ودقق ، إذا انتهى بك المطاف إلى شيء بخلاف الشرع فأنت مخطئ حتماً .
فكِّر ، ودقق ، وحلل ، ووازن ، وناقش ، إذا انتهى بك المطاف إلى موقف متطابق مع الشرع فأنت على صواب ، لأن الشرع ميزان على ميزان العقل والفطرة ، لأنه من عند خالق السماوات والأرض ، من عند الذي لا يأتي كتابَه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه ، من عند المطلق .
الشرع هو المرجع النهائي لكل خلاف فيما بيننا .
القلب السليم هو القلب الذي لا يتناقض مع الشرع :
مثلاً : قال الله عز وجل :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
( سورة الشعراء )
أكبر إنجاز للإنسان على الإطلاق أن يلقى الله بقلب سليم ، فما تعريف القلب السليم ؟ هو القلب الذي لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، لا يقبل خبر بصحيفة ، بمجلة ، بفضائية يتناقض مع وحي الله .
الأستاذ علاء :
هل نستطيع أن ننقل قضية القلب إلى العقل بأن العقل السليم ، لا يتناقض مع الشرع ، أو النقل الصحيح ؟
الدكتور راتب :
العقل السليم لا يتناقض مع شرع الله :
طبعاً ، القلب مركز النفس ، نحن إذا قلنا : القلب صنوبري فهذا مضخة للدم ، أما الله عز وجل فقال :
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 179 )
قلب النفس مكان العقل :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم هو الذي لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يحكم غير شرع الله ، ولا يعبد إلا الله ، ولا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، هذا أدق تعريف للقلب السليم ، قلب لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يحكم إلا شرع الله ولا يعبد إلا الله :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
الأستاذ علاء :
إذاً : سيدي الكريم من خلال ما تفضلت بأن العقل بكل صراحته ، ومقوماته وباتِّقاده ، دون أن يكون يرزح تحت تأثير عامل من العوامل ، حيث يضعفه ، ويقلِّل ملكاته ، هو لا يتناقض مع شرع الله .
الدكتور راتب :
قد يكون صاحب العقل بريئًا ، لكن معلوماته قاصرة .
العقل مرتبط بالواقع :
أستاذ علاء العقل مرتبط بواقعك ، كيف ذلك ؟
لو أتيح لي أن أوقظ إنسانًا من قبره مات قبل خمسين عامًا ، ثن أطلعه على قرص مدمج فيه 7 آلاف عنوان ، لن أقول : 7 آلاف كتاب ، لم أقل 7 آلاف مجلد ، 7 آلاف عنوان ، فالصحابة الكرام وصلوا إلى الله ، وأنت حينما تغمس في ماء البحر ، وكل خلية في جسمك تشعر بماء البحر ، وأنفك يستنشق رائحة ماء البحر ، وعينك ترى امتداد البحر ، أنت في هذه الحالة لا تحتاج إلى دليل ، أنت وصلت إلى البحر ، وانغمست فيه .
الأستاذ علاء :
نكمل هذا إن شاء الله في الحلقة القادمة ، ولا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
شكراً سيدي الأستاذ ، نكمل إن شاء الله في حلقات قادمة .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركات
والحمد لله رب العالمين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى