ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (56-95) - العقيدة والتوحيد : حقيقة التوحيد ولوازمه
صفحة 1 من اصل 1
ندوات تلفزيونية – قناة سوريا الفضائية – الايمان هو الخلق – الدرس (56-95) - العقيدة والتوحيد : حقيقة التوحيد ولوازمه
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
يسعدنا أن نكمل ما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
كنا قد تحدثنا في حلقات سابقة عندما توقفنا عند مسألة هامة من مسائل مقومات التكليف ، مسألة الاختيار ، وأفردنا للاختيار حلقات عدة ، ووصلنا إلى أن الله عز وجل وبالدليل القطعي يخير عبده فيما كلف فيه ، الله خيره في أن يفعل ، وفي ألا يفعل .
أنواع الإضلال :
ثم تبينا في نهايات الحلقات أن هنالك من الإضلالات أشكال معينة ، منها الإضلال الجزائي ، ومنها الإضلال الحكمي ، ومنها الإضلال عن الشركاء .
1 ـ الإضلال الجزائي :
الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
( سورة الصف : 5)
هذا في الإضلال الجزائي ، حينما رفض الإنسان منهج الله حجبت عنه كل خصائصه وثماره .
2 ـ الإضلال عن الشركاء :
الله يحب أن يتوجه إليه العبد بالكلية
وأيضاً هناك آخر نوع من أنواع الإضلال ، هو الإضلال عن الشركاء ، الله يغار على عبده ، ويحب عبده ، ويحب هذا العبد أن يتوجه إليه بالكلية ، لا أن يشرك به سواه ، كمن يعتمد على جاهل ، أو مال ، أو على قرابة ، أو على ذوي نفوذ وسلطان ، الله عز وجل يقطع عليه الطريق ، ويفسد عليه حتى ما يحل بالمال ، يأتي بمصيبة لا تحل بأموال الأرض .
إذاً : هذا يوصلنا إلى موقع حتمي ، ومربع حتمي ، هو التوحيد لله عز وجل ، والتوجه إلى الله عز وجل ، وأن تكون علائق المرء كلها مرتبطة بحبل الله عز وجل ، والله عز وجل لا يقبل أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك ، هذا التوحيد ، هل تحدثنا عن حقيقته وكذلك عن لوازمه .
لدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التوحيد : حقيقتُه ولوازمه :
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، إذا أردنا أن نضغط الدين كله بكلمة واحدة أقول : إنه التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والدين هو التوحيد ، ونهاية العلم هو التوحيد ، أن ترى أن الله بيده كل شيء .
1 ـ كلُّ شيءٍ وقع أراده الله :
هناك نقطة دقيقة جداً ، لا بد من توضيحها ، لكن مع التوضيح ، فقد تكون بعض الملابسات ، فلا بد من بيان دقائق هذا التعريف ، كل شيء وقع أراده الله ، معنى أراد أي سمح به ، لأن الإنسان مخير ، الإنسان في الأصل مخير ، فإذا وقع شيءٌ في مُلك الله فلا يعقل ، ولا يقبل ، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد .
الإنسان في الأصل مخير
إذاً الحقيقة الأولى : كل شيء وقع أراده الله .
الأستاذ علاء :
أي سمح به ربنا .
الدكتور راتب :
فالمؤمن حينما يرى شيئاً قد وقع ينبغي أن يقف منه موقفا ، إذا كان عدوانًا فينبغي أن يرد العدوان ، إذا كان تجريدا للحقائق فينبغي أن توضح الحقائق ، وقوع الشيء لا يعني أنه كامل ، لكن الله سمح به لحكمة بالغة .
الأستاذ علاء :
ولا يعني أن الذي يرتكبه معفى من المسؤولية .
الدكتور راتب :
2 ـ كلُّ إنسانِ مسؤولٌ عن أعمالِه :
مثل واضح : حديث الإفك : السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين اتهمت بأشرف ما تملكه امرأة ، وهي زوجة رسول الله ، سيد الخلق ، وحبيب الحق ، هذا الشيء وقع ، لماذا وقع ؟ قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ ﴾
( سورة النور : 11)
3 ـ الشرُّ نِسبيٌ ، موظَّفٌ للخير :
الله يسمح للشر أن يقع
مادام وقع فليس شراً مطلقاً ، مادام قد وقع فهو شر نسبي ، موظف للخير المطلق ، مادام الشيء قد وقع ، وقد يكون المُوقِع مخطئاً ، بل قد يكون الموقِع مجرماً ، لمجرد أن الله سمح للذي وقع أن يقع هناك حكمة ، عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ، هذه الفكرة تلقي في قلب المؤمن البرد والسلام ، كل شيء وقع أراده الله ، بمعنى سمح به ، لأن ملك الله لا يعقل أن يكون فيه ما لم يرد خالق الأكوان ، قال تعالى :
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ﴾
( سورة الأنفال : 59)
فعلوا شيئاً ما أردناه ، أو هل يستطيعون التفلت من عقاب الله ؟ هذا معنى سبقوا في القرآن الكريم ، كيف يسبق الكافرُ ربَّه ؟ أي أنه فعل شيئاً ما أراده الله ، أو أنه تفلت من عقاب الله ، قال تعالى :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة الحجر)
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾
( سورة آل عمران)
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
( سورة إبراهيم)
كل شيء وقع أراده الله ، لأنه لا يليق بألوهية الإله ، ولا يقبل ، ولا يعقل أن يقع في ملكه ما لا يريد .
الآن مدير مؤسسة حازم ، ومعه معلومات دقيقة عن كل مرافق مؤسسته ، من الصعب أن يقع في هذه المؤسسة ما لا يريد ، المدير على مستوى أرضي ، إذا كان متابعاً وإدارياً ، وعنده ضبط ، وعنده معلومات دقيقة ، وعنده عزم ، وعنده توجيهات صحيحة ، وعنده محاسبة دقيقة ، مستحيل ، إذاً : لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد ، مبدئياً كل شيء وقع أراده الله ، أي سمح به .
4 ـ الشرُّ نِسبيٌ ، موظَّفٌ للخير :
هذه المقولة قد نعكسها ، وكل شيء أراده الله وقع ، قال تعالى :
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة يوسف )
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾
( سورة الطارق)
وكل شيء أراده الله وقع ، الله عز وجل فعّال لما يريد ، أنا كإنسان قد أتمنى أشياء كثيرة ، لكني لا أملك أن تكون واقعاً .
الأستاذ علاء :
من هنا سيدي نفهم من خلال هذا المعنى :
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾
الدكتور راتب :
معنى : وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ
الإنسان هو يختار أن يسرق وبه يؤدب المسروق
لأن الإنسان مخير ، فإذا شاء شيئاً ، وأصر عليه سمح الله له به لحكمة بالغة لمن فعل الشيء ، ولمن وقع عليه الفعل ، قال تعالى :
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
( سورة الأنعام)
الإنسان مخير أن يسرق ، مثلاً ، هو اختار أن يسرق فقط ، أما ممن يسرق فالله عز وجل يختار لهذا السارق مَن تكون سرقة ماله تأديباً له ، الظالم سوط الله ، ينتقم به ، ثم ينتقم منه .
تفضلتم بكلمة ( حكمة )، هذه أدق ، قد يكون المسروق مؤمنا ، لكن يحتاج إلى بعض التأديب ، فأقول : حينما يختار الإنسان إيقاع آذى بإنسان آخر فوقوع هذا الفعل من الأول عليه ، هناك حكمة بالغة نعرفها في وقتها ، أو لا نعرفها ، فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، لكن النقطة الدقيقة جداً أن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، هو الحكيم ، وأسماء الله الحسنى منها الحكمة ، فالحكمة تعني أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، الحكمة تعني أن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والدليل ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة القصص)
المصائب رسائل الله إلينا
الآية بينت أن المصيبة من الله رسالة ، والآن في الإعلام الحديث مصطلح جديد ، أن هذا العرض العسكري رسالة ، هذه المناورة رسالة ، هذا الاعتقال لفلان وفلان رسالة لبقية من ينتمون لهذا الاتجاه ، فالله عز وجل جميع مصائبه رسائل ، لكن من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، أصبح هو المصيبة ، وحينما أفهم على الله أكون قد قطعتُ إليه أربعة أخماس الطريق ، وما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يعفو الله أكثر .
لو طبقنا هذه الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب ، هذا الذي يقع في العالم بالمسلمين الله عز وجل لا يعلم ما يقع ، هل يستقيم إيمان أيِّ مؤمن على وجه الأرض أن الذي وقع لا يعلمه الله ، قال تعالى :
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾
( سورة الأنعام : 59)
فكيف بالصاروخ ؟ إذاً : الله يعلم هذا الذي وقع لا يستطيع أن يرده ؟ الله على كل شيء قدير ، كن فيكون ، زل فيزول ، هذا الذي يقع لا يعني الله ؟ كيف يكون رباً وإلهاً في السماء والأرض ، ولا يعنيه ما يقع ؟ فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، لكنني أتمنى من أعماق أعماقي ألا يفهم الإخوة المشاهدون أن هذا الذي وقع ينبغي أن أستسلم له .
الأستاذ علاء :
قد يفهم بعض المشاهدون الآن أن هذا أراده الله فأستسلم له ، وأخلد إلى النور .
الدكتور راتب :
مفهوماتُ التوحيد لا تلغي مسؤوليةَ الفاعل :
الله يسمح للشر أن يقع ليمتحن بطولتنا
لكن الله أعطاني فرصة لأن أكون بطلاً حينما وقع الذي وقع ، والذي وقع لا يرضي الله ، لكن الله سمح به كي يمتحن بطولتي ، كي يعطيني عملاً صالحاً أسعد به إلى الأبد ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾
( سورة محمد : 4)
فأنا حينما يأتي شيء فيه ظلم يجب أن أرد الظلم ، والدليل :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور : 11)
دقق أستاذ علاء :
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
( سورة النور )
أي أن مفهومات التوحيد بأكملها لا تلغي المسؤولية ، كمواطن جاء إلى المستشفى بحالة إسعاف ، الطبيب يدير حديثاً لطيفاً مع ممرضة ، فأهمل إسعاف المريض ، فمات ، فإذا قال الطبيب : مات بوقته ، وبقضاء الله وقدره ، هذا كلام غير مقبول ، ويحاسَب ، أنا ما أريد إطلاقاً أن يفهم من أن كل شيء وقع أراده الله ، وأن كل شيء أراده الله وقع أن أستسلم ، لذلك ورد في الحديث الصحيح عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود ]
أن أستسلم ، هذا قدري ، ماذا أفعل ، انتهيت ، أعدائي أقوياء ، لا ، قال تعالى :
﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
( سورة البقرة : 249)
وإذا كان الله معك فمن عليك ، قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال : 60)
لذلك حينما قال تعالى :
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
( سورة النور )
لايمكن التنصل من مسؤوليته الإهمال بدعوى القضاء والقدر
لا يقبل من إنسان أن يتنصل من مسؤوليته بدعوى القضاء والقدر ، لذلك : عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ ))
[ النسائي ]
أخي مات بأجله ، أنت قصرت بمعالجته ، معلوماتك غير كافية ، تنطعت لمعالجته ، وأنت لست مختصاً بهذا المرض ، فأسأت إليه ، فأنت تحاسب .
إن الله تعالى يلوم على العجز ، هكذا الإنسان يستسلم لعدوان ، لعدو ، لتخلف ، لجهل ، يجب أن أنهض ، ولكن عليكم بالكيس ، التدبير ، متى نستسلم ؟ قال : فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل .
أضرب مثلا يوضح هذه الحقيقة ، طالب ما اجتهد ، ولا درس ، فلم ينجح ، وقال : هذا ترتيب الله عز وجل ، أراد الله لي ألاّ أنجح ، نقول له : كذبت ، يقال هذا الكلام في حالة نادرة ، لمرض مفاجئ جاء وقت الامتحان لمجتهد فلم ينجح ، يقول : حسبي الله ونعم الوكيل الإنتحار ملجأ الفاشلين في الحياة بينما المؤمن في سعي دائم
حتى الإنسان في عالَم الكفر لا ينتحر ، الانتحار عند الذي يفشل في الحياة ، قد يكون تعبيرا عن إخفاقه في شيء معين ، أما المؤمن فيسعى ويسعى ، ويأخذ بكل الأسباب ، فإذا غلبه القضاء والقدر يقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، لا تقال هذه إلا عندما تأخذ بكل الأسباب ، أو حينما تستنفذ الأسباب ، عندئذ تبقى متماسكا لا تنهار .
على الإنسان أن يسعى ، وليس عليه إدراك النجاح ، لذلك الله عز وجل في موضوع العدوان الخارجي له توجيهات رائعة جداً ، قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
( سورة الأنفال : 60)
أنتم ما كلفتم أن تعدوا لأعدائكم القوة المكافئة ، وقد يكون هذا مستحيلاً ، لكن الله أمرنا أن نعد القوة المتاحة ، وعليه الباقي ، قال تعالى :
﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
( سورة البقرة : 249)
الأستاذ علاء :
ومن هنا نفهم غزوة بدرٍ ، ثلاثمئة وأربعة عشر صحابياً قاتلوا ألفا ومئتين .
الدكتور راتب :
يجب الأخذُ بالأسباب ، ثم التوكُّلُ على الله :
إعقلها وتوكل
نقطة مهمة جداً ، هذه النقطة أن من مقتضيات الإيمان ، من مسلَّمات الإيمان أن آخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم أتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء ، هذا هو المنهج .
أنا مثلاً : أراجع مركبتي قبل أن أسافر ، أراجع كل شيء فيها ، العجلات ، المكابح ، كل شيء أراجعه ، ومن أعماق قلبي أقول : يا رب ، سلِّم ، أقول له : أنت الحافظ ، متى ؟ بعد أن أخذت بكل الأسباب ، الآن كأن الإنسان يمشي على طريق على يمينه واد سحيق ، وعن يساره واد سحيق ، فإذا أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألّهها ، واعتبر أن إرادته تحقق كل ما يبغي ، واستغنى عن الله وقع في وادي الشرك ، وإن لم يأخذ بها كما يفعل ضعاف المسلمين ، ترتيب سيدك ، الله ينصرنا بمعجزة ، لا معجزة ، أقول : أعدّوا لهم ، وقد سأل سيدنا عمر أناساً يتكففون الناس في الحج : مَن أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ! المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله .
الأستاذ علاء :
سنكمل إن شاء الله في الحلقة القادمة ، والآن حان موعد الفقرة العلمية ، فماذا اخترت لنا ؟
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : الدلفين :
1 ـ الدلفين صديق الإنسان :
الحقيقة عندنا حيوان مستأنس إلى درجة لا تعقل ، إنه الدلفين ، والحديث عنه يلفت النظر .
الدلفين هو صديق الإنسان
تغطي المحيطات سبعين بالمئة من الكرة الأرضية ، وتعيش في هذه المحيطات الزرقاء الواسعة كائنات متنوعة كثيرة ضمن ترتيب مدهش ، قال بعض علماء البحار : عدد أنواع الأسماك في البحار يتجاوز المليون ، وأحد هذه الكائنات الدلفين صديق الإنسان المحبوب في البحر ، هذه الخصائص للحيوانات من خلق الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾
( سورة يس )
الإنسان يخرج من جلده من عقرب صغير ، ويقود جملا وزنه ستة أطنان ، والبقر حينما جن وقعنا في إشكال كبير ، اضطرت بريطانيا أن تحرق ثلاثة ملايين بقرة ، ثمنها ثلاثة وثلاثون مليون جنيه ، لذلك :
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾
هذا الدلفين صديق الإنسان المحبوب في البحر .
2 ـ كيف تعيش الدلافين ؟
الدلافين تقضي معظم وقتها في الأعماق
الدلافين أذكى الحيوانات البحرية ، وهي كائنات محببة وأليفة ، خلقها الله ، وأحسن خلقها وتصميمها لتتلاءم مع الحياة .
نحن نرى الدلافين أحياناً على سطح البحر ، ولكنها تبقى معظم وقتها في الأعماق ، وذلك لتبحث عن طعامها في أماكن مظلمة يصعب فيها الرؤية ، وعلى الرغم من ذلك تُبصر هذه الدلافين في هذه الأعماق المظلمة وفي وضوح تام كما يبصر الإنسان في وضح النهار .
3 ـ قاصمة ظهر الدارونيين :
إدراك الدلافين يكون عبر ارتداد الموجات الصوتية
يرى داروين أن هناك تطورا وانزلاقا ، الحقيقة أنه لا انزلاق ، فهناك حيوانات تمتلك من الحواس أعلى من الإنسان ، فالصقر يرى ثمانية أضعاف الإنسان ، الكلب يشم مليون ضعف عن الإنسان ، فهذه الحيوانات ترى في أشد الأماكن ظلمة كما يرى الإنسان في وضح النهار .
4 ـ نظامُ الموجات الصوتية عند الدلافين :
كيف تتحقق هذه الرؤية لهذا الحيوان وهو في أعماق البحار ؟ لقد خلق الله تعالى للدلافين بتصميم إلهي رائع نظاماً معقداً جداً يؤمّن لها إدراك طريقها من خلال موجات صوتية ، وقد سمى العلماء هذا النظام إيكو لوكشين
image
نظام الارتداد الصوتي يكمن في رأس الدلفين
ويكمن سر هذا النظام في رأس الدلفين نفسه ، إذ يعمل على إرشاده إلى ما يريد بيسر وسهولة ، ولندقق في هذا الرأس ، إذ يحتل ثقب التنفس مكاناً في القسم العلوي من رأس الدلفين ، تحت هذا الثقب تماماً يوجد كيسات مليئة بالهواء ، وفي أثناء مرور الهواء من هذه الكيسات تصدر الدلافين أصواتاً عالية ، هذه الأصوات تحول إلى الكيس المليء بالشحم في القسم الأمامي للرأس إلى موجات صوتية ، ثم ترسل موجات الصوت من خلال فواصل قصيرة ، يعود صدى هذه الموجات من خلال الفواصل نفسها بعد اصطدامها بالأشياء المحيطة ، إنها آلية معقدة جداً لتصغي إليها الدلافين باهتمام ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة طه)
تصل موجات الصوت أولاً إلى القسم الموجود تحت الفك السفلي ، وبعد نقلها للأذن الداخلية تعير من قبل الدماغ والصدى الراجع من محيط الدلافين فيعطيها معلومات مفصلة عن أبعاد المواد وأحجامها وحركاتها ، على هذا الحال فالدلافين التي تتجول في مساحات واسعة تستعرض خريطة البحر أمامها بفضل هذا النظام الرائع ، وبكل يسر وسهولة ، هذا النظام يعرف في الأوساط العلمية بنظام سونر .
والدلافين تتصرف في عرض البحر من خلال هذا الجهاز المدهش المتقن ، فتطلع على كل شيء فترى ، وكأنها في وضح النهار .
5 ـ هذَا خَلْقُ اللهِ :
إن وجود نظام تقني فائق متقن في جسم كائن من لحم ودم بهذا الشكل البديع لهو دليل واضح على روعة خلق الله سبحانه وتعالى للكائنات .
وإذا كانت الغواصات الحديثة قد استخدمت هذا النظام في القرن العشرين فإن الدلافين قد استخدمته منذ ملايين السنين ، وعلى هذا فإنه من المحال أن ينشئ الدلفين بنفسه هذا النظام الفريد المتقن ، هناك تفسير واحد فقط ؛ إنه من صنع الله وحده .
6 ـ نظامُ الموجات الصوتية عند الدلافين :
تجلب الدلافين الأسماك نحوها عبر الموجات الصوتية لتأكلها
نظام الغواصات تماماً كنظام الدلافين ، والأمر يبدو مهماً أكثر إذا علمنا أن هذا النظام لا تستخدمه الدلافين فقط من أجل إنارة الطريق والتعرف عليه ، بل تستخدمه أيضاً لهدف آخر ، وهو اجتذاب الأسماك نحوها لاصطيادها بعد تدويخها ، والطيور تستفيد من هذا السلاح الفتاك أيضاً ، فتقدم لها الدلافين خدمة كبرى إذ يصبح صيداً سهلاً لها ، وهكذا يستفيد الاثنان معاً.
مهمة أخرى يقدمها هذا النظام للدلافين فهو يُستخدم كجهاز اتصال فيما بينها ، مثل هاتف خلوي ، فتتفاهم مع بعضها بعضاً ، وتستطيع الاتصال مع بعضها من مسافة مئتين وعشرين كيلو متراً ، وعلى هذا يمكن اتصال دلفين في مضيق استنبول مع دلفين آخر في مضيق الدردنيل .
والأمر الأهم والأهم إذا علمنا أن هذا النظام يساعد البحث عن زوج ، وكذلك نظام إنذار من الخطر إذا أحس الدلفين باقترابه ، إنه شيء يشبه الخيال ، هذا من دقة خلق الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة طه)
والتفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله ، وأقصر طريق على الله ، لأنه يضعنا أمام عظمة الله .
الأستاذ علاء :
شكراً لك سيدي الكريم ، الوقت أدركنا ، لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إن شاء الله نكمل في حلقة قادمة عن حقيقة التوحيد .
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
يسعدنا أن نكمل ما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
كنا قد تحدثنا في حلقات سابقة عندما توقفنا عند مسألة هامة من مسائل مقومات التكليف ، مسألة الاختيار ، وأفردنا للاختيار حلقات عدة ، ووصلنا إلى أن الله عز وجل وبالدليل القطعي يخير عبده فيما كلف فيه ، الله خيره في أن يفعل ، وفي ألا يفعل .
أنواع الإضلال :
ثم تبينا في نهايات الحلقات أن هنالك من الإضلالات أشكال معينة ، منها الإضلال الجزائي ، ومنها الإضلال الحكمي ، ومنها الإضلال عن الشركاء .
1 ـ الإضلال الجزائي :
الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
( سورة الصف : 5)
هذا في الإضلال الجزائي ، حينما رفض الإنسان منهج الله حجبت عنه كل خصائصه وثماره .
2 ـ الإضلال عن الشركاء :
الله يحب أن يتوجه إليه العبد بالكلية
وأيضاً هناك آخر نوع من أنواع الإضلال ، هو الإضلال عن الشركاء ، الله يغار على عبده ، ويحب عبده ، ويحب هذا العبد أن يتوجه إليه بالكلية ، لا أن يشرك به سواه ، كمن يعتمد على جاهل ، أو مال ، أو على قرابة ، أو على ذوي نفوذ وسلطان ، الله عز وجل يقطع عليه الطريق ، ويفسد عليه حتى ما يحل بالمال ، يأتي بمصيبة لا تحل بأموال الأرض .
إذاً : هذا يوصلنا إلى موقع حتمي ، ومربع حتمي ، هو التوحيد لله عز وجل ، والتوجه إلى الله عز وجل ، وأن تكون علائق المرء كلها مرتبطة بحبل الله عز وجل ، والله عز وجل لا يقبل أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك ، هذا التوحيد ، هل تحدثنا عن حقيقته وكذلك عن لوازمه .
لدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التوحيد : حقيقتُه ولوازمه :
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، إذا أردنا أن نضغط الدين كله بكلمة واحدة أقول : إنه التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والدين هو التوحيد ، ونهاية العلم هو التوحيد ، أن ترى أن الله بيده كل شيء .
1 ـ كلُّ شيءٍ وقع أراده الله :
هناك نقطة دقيقة جداً ، لا بد من توضيحها ، لكن مع التوضيح ، فقد تكون بعض الملابسات ، فلا بد من بيان دقائق هذا التعريف ، كل شيء وقع أراده الله ، معنى أراد أي سمح به ، لأن الإنسان مخير ، الإنسان في الأصل مخير ، فإذا وقع شيءٌ في مُلك الله فلا يعقل ، ولا يقبل ، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد .
الإنسان في الأصل مخير
إذاً الحقيقة الأولى : كل شيء وقع أراده الله .
الأستاذ علاء :
أي سمح به ربنا .
الدكتور راتب :
فالمؤمن حينما يرى شيئاً قد وقع ينبغي أن يقف منه موقفا ، إذا كان عدوانًا فينبغي أن يرد العدوان ، إذا كان تجريدا للحقائق فينبغي أن توضح الحقائق ، وقوع الشيء لا يعني أنه كامل ، لكن الله سمح به لحكمة بالغة .
الأستاذ علاء :
ولا يعني أن الذي يرتكبه معفى من المسؤولية .
الدكتور راتب :
2 ـ كلُّ إنسانِ مسؤولٌ عن أعمالِه :
مثل واضح : حديث الإفك : السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين اتهمت بأشرف ما تملكه امرأة ، وهي زوجة رسول الله ، سيد الخلق ، وحبيب الحق ، هذا الشيء وقع ، لماذا وقع ؟ قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ ﴾
( سورة النور : 11)
3 ـ الشرُّ نِسبيٌ ، موظَّفٌ للخير :
الله يسمح للشر أن يقع
مادام وقع فليس شراً مطلقاً ، مادام قد وقع فهو شر نسبي ، موظف للخير المطلق ، مادام الشيء قد وقع ، وقد يكون المُوقِع مخطئاً ، بل قد يكون الموقِع مجرماً ، لمجرد أن الله سمح للذي وقع أن يقع هناك حكمة ، عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ، هذه الفكرة تلقي في قلب المؤمن البرد والسلام ، كل شيء وقع أراده الله ، بمعنى سمح به ، لأن ملك الله لا يعقل أن يكون فيه ما لم يرد خالق الأكوان ، قال تعالى :
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ﴾
( سورة الأنفال : 59)
فعلوا شيئاً ما أردناه ، أو هل يستطيعون التفلت من عقاب الله ؟ هذا معنى سبقوا في القرآن الكريم ، كيف يسبق الكافرُ ربَّه ؟ أي أنه فعل شيئاً ما أراده الله ، أو أنه تفلت من عقاب الله ، قال تعالى :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة الحجر)
﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾
( سورة آل عمران)
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
( سورة إبراهيم)
كل شيء وقع أراده الله ، لأنه لا يليق بألوهية الإله ، ولا يقبل ، ولا يعقل أن يقع في ملكه ما لا يريد .
الآن مدير مؤسسة حازم ، ومعه معلومات دقيقة عن كل مرافق مؤسسته ، من الصعب أن يقع في هذه المؤسسة ما لا يريد ، المدير على مستوى أرضي ، إذا كان متابعاً وإدارياً ، وعنده ضبط ، وعنده معلومات دقيقة ، وعنده عزم ، وعنده توجيهات صحيحة ، وعنده محاسبة دقيقة ، مستحيل ، إذاً : لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد ، مبدئياً كل شيء وقع أراده الله ، أي سمح به .
4 ـ الشرُّ نِسبيٌ ، موظَّفٌ للخير :
هذه المقولة قد نعكسها ، وكل شيء أراده الله وقع ، قال تعالى :
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة يوسف )
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾
( سورة الطارق)
وكل شيء أراده الله وقع ، الله عز وجل فعّال لما يريد ، أنا كإنسان قد أتمنى أشياء كثيرة ، لكني لا أملك أن تكون واقعاً .
الأستاذ علاء :
من هنا سيدي نفهم من خلال هذا المعنى :
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾
الدكتور راتب :
معنى : وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ
الإنسان هو يختار أن يسرق وبه يؤدب المسروق
لأن الإنسان مخير ، فإذا شاء شيئاً ، وأصر عليه سمح الله له به لحكمة بالغة لمن فعل الشيء ، ولمن وقع عليه الفعل ، قال تعالى :
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
( سورة الأنعام)
الإنسان مخير أن يسرق ، مثلاً ، هو اختار أن يسرق فقط ، أما ممن يسرق فالله عز وجل يختار لهذا السارق مَن تكون سرقة ماله تأديباً له ، الظالم سوط الله ، ينتقم به ، ثم ينتقم منه .
تفضلتم بكلمة ( حكمة )، هذه أدق ، قد يكون المسروق مؤمنا ، لكن يحتاج إلى بعض التأديب ، فأقول : حينما يختار الإنسان إيقاع آذى بإنسان آخر فوقوع هذا الفعل من الأول عليه ، هناك حكمة بالغة نعرفها في وقتها ، أو لا نعرفها ، فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، لكن النقطة الدقيقة جداً أن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، هو الحكيم ، وأسماء الله الحسنى منها الحكمة ، فالحكمة تعني أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، الحكمة تعني أن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والدليل ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة القصص)
المصائب رسائل الله إلينا
الآية بينت أن المصيبة من الله رسالة ، والآن في الإعلام الحديث مصطلح جديد ، أن هذا العرض العسكري رسالة ، هذه المناورة رسالة ، هذا الاعتقال لفلان وفلان رسالة لبقية من ينتمون لهذا الاتجاه ، فالله عز وجل جميع مصائبه رسائل ، لكن من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، أصبح هو المصيبة ، وحينما أفهم على الله أكون قد قطعتُ إليه أربعة أخماس الطريق ، وما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يعفو الله أكثر .
لو طبقنا هذه الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب ، هذا الذي يقع في العالم بالمسلمين الله عز وجل لا يعلم ما يقع ، هل يستقيم إيمان أيِّ مؤمن على وجه الأرض أن الذي وقع لا يعلمه الله ، قال تعالى :
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾
( سورة الأنعام : 59)
فكيف بالصاروخ ؟ إذاً : الله يعلم هذا الذي وقع لا يستطيع أن يرده ؟ الله على كل شيء قدير ، كن فيكون ، زل فيزول ، هذا الذي يقع لا يعني الله ؟ كيف يكون رباً وإلهاً في السماء والأرض ، ولا يعنيه ما يقع ؟ فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، لكنني أتمنى من أعماق أعماقي ألا يفهم الإخوة المشاهدون أن هذا الذي وقع ينبغي أن أستسلم له .
الأستاذ علاء :
قد يفهم بعض المشاهدون الآن أن هذا أراده الله فأستسلم له ، وأخلد إلى النور .
الدكتور راتب :
مفهوماتُ التوحيد لا تلغي مسؤوليةَ الفاعل :
الله يسمح للشر أن يقع ليمتحن بطولتنا
لكن الله أعطاني فرصة لأن أكون بطلاً حينما وقع الذي وقع ، والذي وقع لا يرضي الله ، لكن الله سمح به كي يمتحن بطولتي ، كي يعطيني عملاً صالحاً أسعد به إلى الأبد ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾
( سورة محمد : 4)
فأنا حينما يأتي شيء فيه ظلم يجب أن أرد الظلم ، والدليل :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور : 11)
دقق أستاذ علاء :
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
( سورة النور )
أي أن مفهومات التوحيد بأكملها لا تلغي المسؤولية ، كمواطن جاء إلى المستشفى بحالة إسعاف ، الطبيب يدير حديثاً لطيفاً مع ممرضة ، فأهمل إسعاف المريض ، فمات ، فإذا قال الطبيب : مات بوقته ، وبقضاء الله وقدره ، هذا كلام غير مقبول ، ويحاسَب ، أنا ما أريد إطلاقاً أن يفهم من أن كل شيء وقع أراده الله ، وأن كل شيء أراده الله وقع أن أستسلم ، لذلك ورد في الحديث الصحيح عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
[ أبو داود ]
أن أستسلم ، هذا قدري ، ماذا أفعل ، انتهيت ، أعدائي أقوياء ، لا ، قال تعالى :
﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
( سورة البقرة : 249)
وإذا كان الله معك فمن عليك ، قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال : 60)
لذلك حينما قال تعالى :
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
( سورة النور )
لايمكن التنصل من مسؤوليته الإهمال بدعوى القضاء والقدر
لا يقبل من إنسان أن يتنصل من مسؤوليته بدعوى القضاء والقدر ، لذلك : عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ ))
[ النسائي ]
أخي مات بأجله ، أنت قصرت بمعالجته ، معلوماتك غير كافية ، تنطعت لمعالجته ، وأنت لست مختصاً بهذا المرض ، فأسأت إليه ، فأنت تحاسب .
إن الله تعالى يلوم على العجز ، هكذا الإنسان يستسلم لعدوان ، لعدو ، لتخلف ، لجهل ، يجب أن أنهض ، ولكن عليكم بالكيس ، التدبير ، متى نستسلم ؟ قال : فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل .
أضرب مثلا يوضح هذه الحقيقة ، طالب ما اجتهد ، ولا درس ، فلم ينجح ، وقال : هذا ترتيب الله عز وجل ، أراد الله لي ألاّ أنجح ، نقول له : كذبت ، يقال هذا الكلام في حالة نادرة ، لمرض مفاجئ جاء وقت الامتحان لمجتهد فلم ينجح ، يقول : حسبي الله ونعم الوكيل الإنتحار ملجأ الفاشلين في الحياة بينما المؤمن في سعي دائم
حتى الإنسان في عالَم الكفر لا ينتحر ، الانتحار عند الذي يفشل في الحياة ، قد يكون تعبيرا عن إخفاقه في شيء معين ، أما المؤمن فيسعى ويسعى ، ويأخذ بكل الأسباب ، فإذا غلبه القضاء والقدر يقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، لا تقال هذه إلا عندما تأخذ بكل الأسباب ، أو حينما تستنفذ الأسباب ، عندئذ تبقى متماسكا لا تنهار .
على الإنسان أن يسعى ، وليس عليه إدراك النجاح ، لذلك الله عز وجل في موضوع العدوان الخارجي له توجيهات رائعة جداً ، قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
( سورة الأنفال : 60)
أنتم ما كلفتم أن تعدوا لأعدائكم القوة المكافئة ، وقد يكون هذا مستحيلاً ، لكن الله أمرنا أن نعد القوة المتاحة ، وعليه الباقي ، قال تعالى :
﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
( سورة البقرة : 249)
الأستاذ علاء :
ومن هنا نفهم غزوة بدرٍ ، ثلاثمئة وأربعة عشر صحابياً قاتلوا ألفا ومئتين .
الدكتور راتب :
يجب الأخذُ بالأسباب ، ثم التوكُّلُ على الله :
إعقلها وتوكل
نقطة مهمة جداً ، هذه النقطة أن من مقتضيات الإيمان ، من مسلَّمات الإيمان أن آخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم أتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء ، هذا هو المنهج .
أنا مثلاً : أراجع مركبتي قبل أن أسافر ، أراجع كل شيء فيها ، العجلات ، المكابح ، كل شيء أراجعه ، ومن أعماق قلبي أقول : يا رب ، سلِّم ، أقول له : أنت الحافظ ، متى ؟ بعد أن أخذت بكل الأسباب ، الآن كأن الإنسان يمشي على طريق على يمينه واد سحيق ، وعن يساره واد سحيق ، فإذا أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألّهها ، واعتبر أن إرادته تحقق كل ما يبغي ، واستغنى عن الله وقع في وادي الشرك ، وإن لم يأخذ بها كما يفعل ضعاف المسلمين ، ترتيب سيدك ، الله ينصرنا بمعجزة ، لا معجزة ، أقول : أعدّوا لهم ، وقد سأل سيدنا عمر أناساً يتكففون الناس في الحج : مَن أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ! المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله .
الأستاذ علاء :
سنكمل إن شاء الله في الحلقة القادمة ، والآن حان موعد الفقرة العلمية ، فماذا اخترت لنا ؟
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : الدلفين :
1 ـ الدلفين صديق الإنسان :
الحقيقة عندنا حيوان مستأنس إلى درجة لا تعقل ، إنه الدلفين ، والحديث عنه يلفت النظر .
الدلفين هو صديق الإنسان
تغطي المحيطات سبعين بالمئة من الكرة الأرضية ، وتعيش في هذه المحيطات الزرقاء الواسعة كائنات متنوعة كثيرة ضمن ترتيب مدهش ، قال بعض علماء البحار : عدد أنواع الأسماك في البحار يتجاوز المليون ، وأحد هذه الكائنات الدلفين صديق الإنسان المحبوب في البحر ، هذه الخصائص للحيوانات من خلق الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾
( سورة يس )
الإنسان يخرج من جلده من عقرب صغير ، ويقود جملا وزنه ستة أطنان ، والبقر حينما جن وقعنا في إشكال كبير ، اضطرت بريطانيا أن تحرق ثلاثة ملايين بقرة ، ثمنها ثلاثة وثلاثون مليون جنيه ، لذلك :
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾
هذا الدلفين صديق الإنسان المحبوب في البحر .
2 ـ كيف تعيش الدلافين ؟
الدلافين تقضي معظم وقتها في الأعماق
الدلافين أذكى الحيوانات البحرية ، وهي كائنات محببة وأليفة ، خلقها الله ، وأحسن خلقها وتصميمها لتتلاءم مع الحياة .
نحن نرى الدلافين أحياناً على سطح البحر ، ولكنها تبقى معظم وقتها في الأعماق ، وذلك لتبحث عن طعامها في أماكن مظلمة يصعب فيها الرؤية ، وعلى الرغم من ذلك تُبصر هذه الدلافين في هذه الأعماق المظلمة وفي وضوح تام كما يبصر الإنسان في وضح النهار .
3 ـ قاصمة ظهر الدارونيين :
إدراك الدلافين يكون عبر ارتداد الموجات الصوتية
يرى داروين أن هناك تطورا وانزلاقا ، الحقيقة أنه لا انزلاق ، فهناك حيوانات تمتلك من الحواس أعلى من الإنسان ، فالصقر يرى ثمانية أضعاف الإنسان ، الكلب يشم مليون ضعف عن الإنسان ، فهذه الحيوانات ترى في أشد الأماكن ظلمة كما يرى الإنسان في وضح النهار .
4 ـ نظامُ الموجات الصوتية عند الدلافين :
كيف تتحقق هذه الرؤية لهذا الحيوان وهو في أعماق البحار ؟ لقد خلق الله تعالى للدلافين بتصميم إلهي رائع نظاماً معقداً جداً يؤمّن لها إدراك طريقها من خلال موجات صوتية ، وقد سمى العلماء هذا النظام إيكو لوكشين
image
نظام الارتداد الصوتي يكمن في رأس الدلفين
ويكمن سر هذا النظام في رأس الدلفين نفسه ، إذ يعمل على إرشاده إلى ما يريد بيسر وسهولة ، ولندقق في هذا الرأس ، إذ يحتل ثقب التنفس مكاناً في القسم العلوي من رأس الدلفين ، تحت هذا الثقب تماماً يوجد كيسات مليئة بالهواء ، وفي أثناء مرور الهواء من هذه الكيسات تصدر الدلافين أصواتاً عالية ، هذه الأصوات تحول إلى الكيس المليء بالشحم في القسم الأمامي للرأس إلى موجات صوتية ، ثم ترسل موجات الصوت من خلال فواصل قصيرة ، يعود صدى هذه الموجات من خلال الفواصل نفسها بعد اصطدامها بالأشياء المحيطة ، إنها آلية معقدة جداً لتصغي إليها الدلافين باهتمام ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة طه)
تصل موجات الصوت أولاً إلى القسم الموجود تحت الفك السفلي ، وبعد نقلها للأذن الداخلية تعير من قبل الدماغ والصدى الراجع من محيط الدلافين فيعطيها معلومات مفصلة عن أبعاد المواد وأحجامها وحركاتها ، على هذا الحال فالدلافين التي تتجول في مساحات واسعة تستعرض خريطة البحر أمامها بفضل هذا النظام الرائع ، وبكل يسر وسهولة ، هذا النظام يعرف في الأوساط العلمية بنظام سونر .
والدلافين تتصرف في عرض البحر من خلال هذا الجهاز المدهش المتقن ، فتطلع على كل شيء فترى ، وكأنها في وضح النهار .
5 ـ هذَا خَلْقُ اللهِ :
إن وجود نظام تقني فائق متقن في جسم كائن من لحم ودم بهذا الشكل البديع لهو دليل واضح على روعة خلق الله سبحانه وتعالى للكائنات .
وإذا كانت الغواصات الحديثة قد استخدمت هذا النظام في القرن العشرين فإن الدلافين قد استخدمته منذ ملايين السنين ، وعلى هذا فإنه من المحال أن ينشئ الدلفين بنفسه هذا النظام الفريد المتقن ، هناك تفسير واحد فقط ؛ إنه من صنع الله وحده .
6 ـ نظامُ الموجات الصوتية عند الدلافين :
تجلب الدلافين الأسماك نحوها عبر الموجات الصوتية لتأكلها
نظام الغواصات تماماً كنظام الدلافين ، والأمر يبدو مهماً أكثر إذا علمنا أن هذا النظام لا تستخدمه الدلافين فقط من أجل إنارة الطريق والتعرف عليه ، بل تستخدمه أيضاً لهدف آخر ، وهو اجتذاب الأسماك نحوها لاصطيادها بعد تدويخها ، والطيور تستفيد من هذا السلاح الفتاك أيضاً ، فتقدم لها الدلافين خدمة كبرى إذ يصبح صيداً سهلاً لها ، وهكذا يستفيد الاثنان معاً.
مهمة أخرى يقدمها هذا النظام للدلافين فهو يُستخدم كجهاز اتصال فيما بينها ، مثل هاتف خلوي ، فتتفاهم مع بعضها بعضاً ، وتستطيع الاتصال مع بعضها من مسافة مئتين وعشرين كيلو متراً ، وعلى هذا يمكن اتصال دلفين في مضيق استنبول مع دلفين آخر في مضيق الدردنيل .
والأمر الأهم والأهم إذا علمنا أن هذا النظام يساعد البحث عن زوج ، وكذلك نظام إنذار من الخطر إذا أحس الدلفين باقترابه ، إنه شيء يشبه الخيال ، هذا من دقة خلق الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
( سورة طه)
والتفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله ، وأقصر طريق على الله ، لأنه يضعنا أمام عظمة الله .
الأستاذ علاء :
شكراً لك سيدي الكريم ، الوقت أدركنا ، لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إن شاء الله نكمل في حلقة قادمة عن حقيقة التوحيد .
مواضيع مماثلة
» الايمان هو الخلق – الدرس (07-95) الفرق بين العالم والعابد
» العقيدة - العقيدة والإعجاز - الدرس (19-36) مقومات التكليف : الشهوة -5- الفرق بين اللذة والسعادة
» العقيدة - العقيدة والإعجاز - الدرس (30-36) مقومات التكليف : الاختيار -3- الإنسان مسير ومخير -3- التمييز بين القضاء والقدر
» العقيدة - العقيدة والإعجاز - الدرس (00-36) : تمهيد للكتاب
» العقيدة - حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس (28-30) ب : قانون السببية والغائية والتناقض - الخلية
» العقيدة - العقيدة والإعجاز - الدرس (19-36) مقومات التكليف : الشهوة -5- الفرق بين اللذة والسعادة
» العقيدة - العقيدة والإعجاز - الدرس (30-36) مقومات التكليف : الاختيار -3- الإنسان مسير ومخير -3- التمييز بين القضاء والقدر
» العقيدة - العقيدة والإعجاز - الدرس (00-36) : تمهيد للكتاب
» العقيدة - حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس (28-30) ب : قانون السببية والغائية والتناقض - الخلية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى