mountada el samare
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أصل الفرح في العيد

اذهب الى الأسفل

أصل الفرح في العيد Empty أصل الفرح في العيد

مُساهمة من طرف Admin الجمعة سبتمبر 16, 2016 6:01 pm


بكم أستاذ علاء ، وأنتم بخير .
الأستاذ علاء :
أستاذنا ، نحن كنا في مدرسة تعداد صفوفها أو أيامها ثلاثون يوماً ، وقسمت إلى ثلاث مراحل ، المرحلة الأولى العشر الأول الرحمة ، والعشر الثاني المغفرة ، والعشر الثالث كان فيه النتيجة العتق من النار ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، أوله رحمة ، و أوسطه مغفرة ، و آخره عتق من النار ، ثم أُتبع بيوم سمي بيوم الجائزة ، ألا وهو العيد ، العيد له مدلولات ، وله مفاهيم ، وله استهدافات ، منها النفسي ، ومنها المادي ، ومنها ما يتعلق بصلب هذا البرنامج ، و بعنوان هذا البرنامج : " الإيمان هو الخلق " ، لماذا كان العيد ؟ ولماذا شُرع العيد ؟ وما هي الأغراض من وراء العيد ؟
مدلولات العيد ومفهوماته :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ز
أستاذ علاء ، صعد النبي عليه الصلاة والسلام منبره فقال آمين ، الحديث طويل ، نأخذ منه فقرة واحدة ، فلما انتهت الخطبة قالوا : يا رسول الله ، علام أمّنت ؟ قال : جاءني جبريل فقال لي : رغم أنف عبد أدرك رمضان ، ولم يغفر له ، إن لم يغفر له فمتى ؟
1 – العيد خاتمة عبادة عظيمة :
العيد خاتمة عبادة عظيمة
معنى ذلك أن العيد في عالمنا الإسلامي يأتي عقب عبادة من أرقى العبادات ، فالذي أدى العبادة بالتمام والكمال ، و الذي صام رمضان إيماناً و احتساباً ، و الذي قام رمضان إيماناً واحتساباً ، والذي ابتعد في رمضان عن كل ما يسخط الله عز وجل ، ونوى أن يتابع هذه الاستقامة ليكون رمضان قفزة نوعية في سلوكه ، الذي فعل هذا يحق له أن يفرح ، فيغلب على العيد طابع السرور والسعادة .



2 – العيد أيام فرح وسرور :
الفرح في العيد انواع
ولكن كما أرى أن الفرح نفسه له منطلق فكري ، قل لي ما يفرحك أقل لك من أنت ، هناك من يفرح بالطعام ، هناك من يفرح بالشراب ، هناك من يفرح بجديد الثياب ، هناك من يفرح بشهادة عليا ينالها ، هناك من يفرح بعمل عظيم يقدره الله على يديه ، هناك من يفرح برضوان الله ، هناك من يفرح بأنه في طريق سعادته الأبدية ، فلذلك الفرح أنواع ، ولابد و نحن في هذا العيد أعاده الله على كل المسلمين باليمن والبركة ، لابد من أن نبحث في أصل الفرح ، و هذه عادتي في البحث عن الأصل العميق لما ينتاب الإنسان من مشاعر .
أستاذ علاء ، لحكمة بالغة قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
[ سورة المعارج ]
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
[ سورة النساء : 28]
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾
[ سورة الإسراء : 11]
الهلع والضعف والجزع من صفات الإنسان الجِبلِّية :
فالإنسان هلوع ، وعجول ، وضعيف ، وشيء يلفت النظر أن هذه نقاط ضعف في تكوينه ، ولا يحاسب عليها ، خلق الإنسان ضعيفاً ، و خلق عجولاً ، و خلق هلولاً ، إذا مسه الشر كان جزوعاً ، وإذا مسه الخير كان منوعاً ، الحقيقة هذه نقاط الضعف في أصل خلق الإنسان بمنزلة ما يسمى في الآلات بالفيوز ، وصلة ضعيفة جداً ، فإذا جاء تيار قوي لئلا يحرق الآلة ، وتخسر ثمنها ، هذه الوصلة الضعيفة تسيح ، وينقطع التيار ، وتنجو الآلة من العطب .
فهذه نقاط الضعف الثلاث التي في خلق الإنسان هي نقاط وقاية له ، أي عوامل أمان لأنه يخاف ، لأنه يجزع ، لأنه يحرص على ما في يديه ، لأنه يحب الشيء العاجل ، لأنه يشعر بالضعف ، إذاً : يبحث عن إيمان عظيم يقوي ضعفه ، يبحث عن إله عظيم يثبته ، يبحث عن إله عظيم يطمئنه ، يلجأ إليه ، يركن إليه ، يدعمه ، ينصره ، يوفقه ، هذا هو أصل التدين في الجنس البشري ، حاجة الإنسان إلى الدين كحاجته إلى الهواء ، لكن بين من عرف الإله الحقيقي ومن عبد حجراً أو شمساً أو قمراً أو بقرة فرق كبير جداً ، حتى الذي عبد الحجر هو يظن أنه ينجيه من الخطر ، أي يستقوي به :
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
[ سورة النساء : 28]
شقاء الإنسان باستغنائه عن الله :
من معبودات الإنسان الضعيف : الأبراج والتنجيم :
خلق ضعيفاً ليبحث عن إله عظيم يتقوى به ، يلجأ إليه ، يطمئنه ، يبشره ، يوفقه ، ينصره ، يدعمه ، حتى أولئك الذين ما عرفوا الله أصلاً يلجؤون إلى المنجمين عندهم خلل و ، قد يكون شخصية كبيرة في العالم الغربي يلجأ إلى منجم ، يقول له : ماذا سيصيبني ؟ والآن يوجد برامج كثيرة ، قضية الحظ ، و قضية التنجيم ، والأبراج .
الأستاذ علاء :
التنجيم والأبراج عند الأوربيين أيضاً ليس عندنا فقط .
الدكتور راتب :
معنى أن الإنسان خُلق ضعيفا :
خُلق الانسانُ ضعيفا
هذه عبارة عن تلبية حاجة الأساسية في الإنسان هي الضعف ، لكن أهم نقطة أن الإنسان خلق ضعيفاً ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره .
الأستاذ علاء :
إذاً : باستغنائه يشقى .
الدكتور راتب :
يشقى :
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾
[ سورة العلق ]
والحقيقة أن الدنيا إذا أقبلت على إنسان بمال وقوة وجمال ومكانة ينسى الله ، وحينما تزداد الضغوط على مجتمع ما هذا المجتمع يتجه إلى الله ، فتكون هذه الضغوط بشكلها الظاهر مؤلمة ، لكنها في نتائجها مسعدة ، لأن المجتمع الغارق في المتع الرخيصة ، الغارق في المعاصي والآثام ، والأمور ميسرة عنده ، يشعر بأمن ، يشعر بتفوق ، يشعر باستعلاء ، بغطرسة ، هذا المجتمع قد يستغني عن الله ، فيشقى باستغنائه ، بينما المؤمن حينما يشعر بضعفه يفتقر إلى الله فيسعد بافتقاره ، وحينما يشعر بقوته فيستغني بها عن الله ، فيشقى باستغنائه ، هذه حكمة أن الإنسان ضعيف ، وإذا دخلت إلى مسجد ، ورأيت آلافاً مؤلفة في المسجد أنا أعتقد ، ولا أبالغ أن تسعين بالمئة من هؤلاء الذين اصطلحوا مع الله بسبب ضعفهم ، وخوفهم من بعض المصائب ، بسبب خوفهم من شبح بعض المصائب اصطلحوا مع الله ، ولجؤوا إليه ، فأكرمهم الله .
إذاً : بالضبط ، كما لو أن ابناً في أمسِّ الحاجة إلى أبيه ، وأبوه عنده كل شيء ، فإذا أعطى ابنه مبلغاً يكفيه طوال حياته لن يأتي إليه إطلاقاً ، استغنى عن أبيه ، فكأن حاجة الإنسان إلى الله متجددة ، هذا معنى أنه خلق ضعيفاً .
معنى الهلع في الإنسان :
الجزع يسوق الانسان الى باب الله
أما :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ﴾
[ سورة المعارج]
كيف يؤدب الله الإنسان ؟ لأنه يخاف على صحته ، فإذا ظهر في التحاليل شيء مخيف ، ورم مثلاً ، نسبٌ زائدة ، يقلق أشد القلق ، يبادر إلى الصلاة ، هو خلق هلوعاً ، يقلقه جسده ، يقلقه دخله ، يقلقه عمله ، يقلقه من حوله ، إذاً قضية الجزع أيضاً طريق لتربية الإنسان ، لأنه يساق إلى باب الله .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ ))
[ البخاري ]
مراحل الدعوة الربّانية للإنسان :
من باب الطرفة ، مرة سألني أحدهم : ما ملخص دعوتك ؟ قلت له كلمتان : إما أن تأتيه مسرعاً ، أو أن يُؤتي بك مسرعاً ، فالبطولة أن تأتيه باختيارك ، بمبادرة منك ، وأنت محب له .
1 ـ الدعوة البيانية والموقف المناسب للعبد فيها :
بالمناسبة ، الله عز وجل حكيم ، يبدأ بالدعوة البيانية ، وأنت صحيح معافى ، في أعلى درجة من السعادة ، يدعوك الله إليه بكلمة ، بخطبة ، بلقاء ، بندوة ، بكتاب ، بصديق ، بنصيحة ، بموعظة ، يدعوك إليه ، فالبطولة في هذه المرحلة أن تستجيب ، فإن لم تستجب فهناك أسلوب أصعب ، يقول الطبيب للمريض : معك التهاب حاد في المعدة ، يشفى بالحمية ، فإن لم يستجب المريض ، وأجرى الحمية فهناك عمل جراحي ز
2 ـ التأديب التربوي :
المرحلة الثانية : التأديب التربوي :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
[ سورة السجدة : 21]
3 ـ الإكرام الاستدراجي :
يعطيه الدنيا .
4 ـ القصم :
كل البطولة أن نستجيب لله بدعوته البيانية فالإنسان خلق هلوعاً .
الآن معه مال ، كيف يرقى إلى الله ؟ لو أن المال لا قيمة له عنده سيرقى إلى الله ، لكنه حريص على المال ، فإذا أنفقه ارتقى إلى الله ، أيضاً هذا لصالح إيمانه ، هذه نقاط ضعف لصالح إيمانه ، لماذا خلق عجولاً ؟ يحب الشيء الموجود ، يحب أن يعيش لحظته ، أما حينما يلغي اللحظة الحالية ، ويبحث عن هدف بعيد يخالف أصل تكوينه ، فيرقى بهذه المخالفة .
الأستاذ علاء :
أي يستعجل الأشياء قبل أوقاتها ، وقبل أن تحين ، وهذا في الجبلة ، أي في أصل تكوينه ، لكن إذا غالب هذه الأشياء ، ونظر إلى البعيد ارتقى بهذه المغالبة ، وبمغالبة هذا المسألة في أصل تكوينه .
نوع الفرح في العيد :
الدكتور راتب :
أنا أقول : في العيد نفرح ، لكن ما نوع هذا الفرح ؟ هناك فرح بسيط جداً ، يوجد طعام طيب ، و ثياب جديدة ، ولقاءات ، وعطلة ، هذا فرح بسيط جداً ، هذا الفرح من مستوى الأطفال ، أما المسلم فيفرح بطاعة الله ، يفرح برضوانه ، يفرح أنه في الطريق إلى الجنة ، يفرح أنه في طريق خدمة الخلق .
بين الفرح والسعادة واللذة :
شعور اللذة متناقص
إذاً : قضية الفرح والسعادة واللذة تحتاج إلى وقفة متأنية .
أستاذ علاء ، يمكن أن أفرق بين شيئين كبيرين : بين اللذة و السعادة ، اللذة إحساس مادي يأتيك من طعام طيب ، من منظر جميل ، من بيت مريح ، من جو مكيف ، من مركبة فارهة ، من امرأة جميلة زوجة ، هذه لذائذ كلها ، إلا أن هذه اللذائذ مكلفة ، البيت الجميل غال جداً ، والمركبة الفارهة غالية جداً ، والبحث عن حياة مريحة يحتاج إلى دخل فلكي ، المشكلة الكبيرة أن اللذائذ أولاً آنية ومتناقصة ، لو اشتريت بيتاً بمبلغ فلكي أول أسبوع يختل التوازن من الفرح ، لكن بعد شهر يصبح البيت عاديا جداً ، هكذا في البيت والمركبة والزواج والدخل والطعام الطيب والثياب ، هذه الأشياء المادية لحكمة بالغة لم يسمح الله لها أن تمدك بشعور مستمر ، بل متناقص ، فإن كانت في معصية وعلى حساب الآخرين يعقبها كآبة ، وكل شخص منا بعد الزواج ، وبعد فترة طويلة يصير الزواج شيئاً عادياً ، المركبة ، البيت ، الشهادة العليا ، لقب دكتور ، هذا كله بعد حين يصبح شيئاً عادياً ، من أجل أن نتعلق بالهدف الكبير الذي خلقنا من أجله .
الوقت والصحة والمال :
النقطة الدقيقة والطريفة أن هذه اللذائذ تحتاج إلى شروط ثلاثة ، تحتاج إلى وقت ، و إلى صحة ، و إلى مال ، ولحكمة بالغة دائماً ينقص الإنسانَ أحدُ هذه الشروط ، ففي البداية الصحة جيدة ، والوقت كاف ، لكن لا يوجد مال ، و المواد تحتاج إلى مال ، في منتصف العمر يوجد صحة ، ويوجد مال ، لكن لا يوجد وقت ، على رأس عمله دوام مستمر ، في خريف عمره سلّم أولاده المعمل ، يوجد وقت ، ويوجد مال ، لكن لا يوجد صحة .
الأستاذ علاء :
لذلك دائماً هذه الأسس الثلاثة واحد منها غائب .
الدكتور راتب :
من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه ، وهو لا يشعر ، خذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هماً .
الأستاذ علاء :
سيدي ، تسمح لي إن تفضلت ، ونحن في العيد ، تكلمت عن اللذة ، نأتي إلى مبعث الفرح من السعادة ، السعادة تسمح لي أن أقدم لك هذا المثال العملي الذي ودعناه قبل أيام ، موائد الرحمن في المسجد الأموي التي تنصب يومياً على مائدة الإفطار ، بدأت بثلاثمئة صائم ، انتهت بحوالي تسعة عشر ألفاً من الصائمين يومياً على موائد الرحمن ، كانت تفترش رواق الجهة الغربية ، ثم الصحن بكامله ، وكل الأروقة الذين يقومون على هذا العمل المتطوعون من أهل الخير ، سعادتهم عندما كنت ألتقي بواحد منهم هو يدفع المال ، ويخدم الصائم ، ويعين العمال والمشرفين ، يقول لي : أنا أسعد إنسان الآن ، أنا ما شعرت بهذه السعادة طوال عمري ، رغم أنه لديهم من المال والإمكانات ما يستمتعون بها ، ليس في سورية ، في دول أوربا ، وفي دول اسكندنافية ، لكن هنا في هذه الموائد قال : لم أشعر بمثل هذه السعادة في حياتي ، يمكن أن تشرح لنا ما هذه الحالة يا سيدي ؟
مبعَث السعادة في الفرح :
يعطي الله السكينة للمؤمنين
الدكتور راتب :
أستاذ علاء ، الحقيقة أن الإنسان نفس وجسد وروح ، الجسد وعاء النفس ، والروح قوة محركة ، أما النفس فهي ذات الإنسان ، هي التي تشعر ، هي التي تسعد ، هي التي تشقى ، هي التي تخاف ، هي المكلفة ، هي المحاسبة ، هي المعاتبة ، هي ذات الإنسان ، هذه النفس بشكل قطعي سعادتها بالقرب من الله ، كما تفضلت هذا الذي يدفع من ماله الشيء الكثير ، ويجهد بتقديم الطعام لهؤلاء الصائمين ، لأنه في طرق رضوان الله تأتيه من الله سكينة وسعادة لا توصف .
أنا أقول دائماً : هذا الذي يدخل إلى ملهى لماذا يدخل ؟ هو يتوهم أن لذته في هذا الدخول ، يبحث عن لذة ، ومشروب ، وراقصة ، و مغنٍّ ، لكن لو عرف هذا الإنسان أنه إذا مشى في طاعة الله تجلى الله على قلبه بسكينة يسعد بها ، و لو فقد كل شيء ، ويشقى بفقدها ، ولو ملك كل شيء .
إذاً : إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خَلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، يؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل :
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
[ سورة الرعد : 28]
قلبُ النفس وقلب الجسد :
قلبُ النفس ليس قلب الجسد ، قلب النفس :
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
[ سورة الأعراف : 179]
قلب النفس لا يطمئن إلا بذكر الله ، وإذا رأيت واحداً في الأرض سعيداً بالمعنى الحقيقي ، وهو بعيد عن الله فهذا شيء يبدو مستحيلاً :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
[ سورة طه : 124]
هذه هي حقيقة السعادة :
قال أحدهم : ما بال الأغنياء معهم ملايين مملينة ؟ ما بال الأقوياء بيدهم كل شيء ؟ فأجاب بعض العلماء : " ضيق القلب " ، ففي قلب المعرض عن الله من الضيق والقلق والخوف والهم والتشاؤم والإحباط ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، وفي قلب المؤمن من السعادة والسكينة ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم .
جنة الدنيا تكون بالقرب من الله
بعضهم قال : ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن سجنوني فسجني خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟
بل هذا العالم نفسه قال : " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، هي جنة القرب " :
فلو شاهدت عيناك من حسننــا الذي رأوه لما وليــت عنا لغيرنا
و لو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجــب وجئتنا
و لو ذقت من طعم المحبـة ذرة عذرت الذي أضحى قتيــلاً بحبنا
ولـو نسمت من قربنا لك نسمة لمـــت غريباً واشــتياقاً لقربنا
أطع أمرنا نرفع لأجـلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحـبنـــا
و لذ بحمانا واحـتــم بجنابنا لنحميك مما فيه أشرار خلقــنــا
و عن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل و أخلص لنا تلقى المسرة و الــهنا
***
أستاذ علاء ، السعادة لا يعرفها إلا من ذاقها ، هناك نص أنا لست واثقاً من تصديق المستمعين والمشاهدين له ، لكنه واقع :
هناك ملكٌ اسمه إبراهيم بن الأدهم ، كان ملكاً ، فاعتزل الملك ، وصار عارفاً بالله ، قال : ـ أنا أصدق هذا الإنسان وحده لأنه كان ملكاً ـ قال : " لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف " .
الأستاذ علاء :
من اللذة و السرور .
الدكتور راتب :
أنت مع الله ، وتخشى أحداً ؟ أنت مع الله ، وتخشى الفقر ؟ وتخشى الظلم ؟ يا رب ماذا فقَدَ من وجدك ، و ماذا وجد من فقدك ؟ و إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ إذا كان الله معك يسخر عدوك ليخدمك ، و إذا كان عليك يسمح لأقرب الناس إليك بالتطاول عليك ، فالسعادة أولاً : تتنامى ، وثانياً : لعلها تتصل بنعيم الآخرة .
الأستاذ علاء :
هل هي مرسال لنعيم الآخرة ؟
السعادة نموذج لدخول الجنة :
الدكتور راتب :
نعم ، هي نموذج لدخول الجنة ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، لأن الله هو الجمال المطلق ، نحن نتمتع بالطعام لأنه طيب ، نتمتع بالمنظر الجميل ، نتمتع بالنسيم العليل ، بالصوت المريح ، بامرأة زوجة جميلة ، هذه مسحة جمال من الله ، فكيف إذا اقتربت من مطلق الجمال ، لذلك هؤلاء الصحابة فعلوا المعجزات ، إذا دخل حبُّ الله عز وجل إلى قلب الإنسان فأي شخص كمليون ، أنا لا أصدق أن يستجير سيدنا خالد بسيدنا الصديق ، كان هناك معركة بنهاوند ، معه ثلاثون ألفا ، واجه ثلاثمئة ألف ، طلب النجدة منه ، بعث له بواحد ، هو القعقاع بن عمرو ، قال له : أين النجدة ؟ أين المدد ؟ قال له : أنا ، قال له : أنت ؟ معه كتاب ، يقول فيه : يا خالد ، والذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم .
المسلمون الآن مليار وأربعمئة مليون مسلم ، لأنهم ما دخل الحب إلى قلوبهم ، وعندهم مشكلة كبيرة في حياتهم ، يصيبهم الوهن .
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))
[ أبو داود ]
لذلك :
(( لن تغلب أمتي من اثني عشر ألفاً من قلة ))
[ الجامع الصغير ]
يجتمع في أي مسجد عشرة آلاف ، لن تغلب أمتي ، لأن المعركة بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق :
﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
[ سورة البقرة : 249]
أما بين باطلين فلا تنتهي .
حينما ننحي الإيمان ، والصلة بالله فلأقوى ينتصر ، الذي معه سلاح متطور ينتصر .
الأستاذ علاء :
إذاً السعادة شيء من الداخل وتزيد .
وسائل السعادة بيد كل إنسان :
الاصطلاح مع الله يقودك الى السعادة
الدكتور راتب :
ووسائلها بيد كل إنسان ، اللذة تحتاج إلى مال ، الليلة بفندق اثني عشر ألف دولار .
الأستاذ علاء :
السعادة بيد كل إنسان ، فقير وغني ، كبير وصغير ، يستطيع أن يكون سعيداً إذا ما تلمس الطريق إلى ذلك الجمال المطلق .
الدكتور راتب :
بمجرد أن يصطلح مع الله أزيحت عنه هموم كالجبال ، قال تعالى :
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
[ سورة طه]
أي أن تكون لك علاقة مع الله ، هو القوي ، هو الغني ، أعداؤك بيده ، من حولك بيده ، من فوقك بيده ، من تحتك بيده ، صحتك بيده ، الزوجة بيده ، الأولاد بيده ، بيده كل شيء .
الأستاذ علاء :
سيدي ، ونحن نعيش أيام الجائزة ، العيد الذي جاء جائزة بعد صيامنا وقيامنا إن شاء الله ، وهذا العيد الذي سنّ فيه الصلاة والتكبير ، ولكي يتزاور الناس ، ويلتقي الناس ، ولكي يلبس الناس أفضل ثيابهم ، ويتعطرون إلى مساجدهم ، ويزورون قبورهم ، بالتالي هنالك مسائل تتطلب منا وقفة عند صلة الأرحام ؟
حقيقة صلة الأرحام :
الدكتور راتب :
أستاذ علاء ، أنا يؤسفني أن تمسخ هذه العبادة التعاملية إلى اتصال ، أو إلى زيارة عابرة ، أو إلى وضع بطاقة ، أنا أتصور صلة الأرحام شيئا آخر :
أولاً : أن تزور أرحامك ، أما أن تكتفي بالزيارة ، ولا تفعل شيئاً فليست صلة أرحام ، ينبغي أن تتفقد أحوالهم ، ينبغي أن تمد لهم يد المساعدة ، في أحوال المعيشية ، في الأحوال التربوية ، في الأحوال الأخلاقية ، في الأحوال الاجتماعية ، في الأحوال الدينية ، في الأحوال العلمية ، هؤلاء أرحامك ، بل إن التضامن الاجتماعي في الإسلام بني على أساس النسب ، فأن تتفقدهم ، أن تساعدهم ، أن تأخذ بيدهم إلى الله ، و المجتمع المسلم مجتمع متماسك هل .
تصدق أستاذ علاء أن زكاة الإنسان المسلم لا تقبل ، وفي أقربائه محاويج ؟ الأقربون أولى بالمعروف ، فنحن حينما نتفقد أحوال بعضنا بعضاً نفلح ، لذلك قال تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
[ سورة التوبة : 103]
تطهر الغني من الشح ، والفقير من الحقد ، والمال من تعلق حق الغير به .
الآن :
﴿ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
[ سورة التوبة : 103]
إذا تفقد الإنسان أرحامه ، ووصلهم ، ومنحهم من عطائه يشعر أنه فعل مع الله شيئاً عظيماً ، تنمو نفسه ، إذا قام إنسان بعمل كما تفضلت قبل قليل ، هذا الذي أطعم العشرين ألفا ، ويتعب ، لماذا هو متألق جداً ؟ يشعر بقيمته عند الله ، يشعر أن الله يحبه ، يشعر أن خالق السماوات والأرض راض عنه :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
[ سورة مريم : 96]
هذا الود لا يقدر بثمن ، أحياناً يكون إنسان شخصا مهما ، قال له : هذا هاتفي ، يذكرها للناس ألف مرة ، فكيف إذا كان خالق السماوات والأرض يحب هذا العبد ؟ هذا يحتاج لعمل صالح ، فلذلك نحن بالعيد يجب أن نصل أرحامنا ، أن نزورهم ، أن نتفقد أحوالهم ، أن نساعدهم ، أن نأخذ بيدهم إلى الله ، أصبحت هذه العبادة الاجتماعية التعاملية دعوة إلى الله .
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
لا يسعني إلا أن أشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، و أقول لك : كل عام وأنتم بخير ، وكل من يشاهد ، ويسمع بألف خير ، الله يجعل هذا العيد عيداً حقيقياً نتأسى به ، و نتأسى بما وجد من أجله ، وأن نقيم ما طُلب منا من خلال شهر رمضان ، ويوم الجائزة ، وهذا العيد لنكون أمة متكافلة متعاضدة متراحمة ، ونفهم الكفل بكل معنى الكلمة والتكافل ، شكراً جزيلاً ، وإلى اللقاء ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 835
تاريخ التسجيل : 29/03/2014
الموقع : gmail.forumalgerie.net

https://gmail.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى