فرز المؤمنين في الزمن الصعب .
صفحة 1 من اصل 1
فرز المؤمنين في الزمن الصعب .
2026
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 039: فرز المؤمنين في الزمن الصعب .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-23
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإيمان شيء خطير جداً :
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في موضوع ساخنٍ جداً يحير المسلمين، ما الذي يثبت قلب المسلم؟ قال تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾
[ سورة إبراهيم: 27 ]
ما القول الثابت؟ القرآن الكريم، أضرب مثلاً: لو أن أمةً فيها عدل تام، أقام عليك إنسان قوي جداً دعوى، والقانون معك، وهناك اجتهاد لمحكمة النقض لصالحك، والقاضي نزيه، والاجتهاد واضح وثابت ويجب أن يأخذ به، لماذا تنام مطمئناً؟ لأن هذه الفقرة في القانون لصالحك، والقاضي ينبغي أن يأخذ بها، أنت مطمئن لكلمات، لحبر على ورق، والخصم قوي جداً، له حجم كبير، وأنت لاشيء، لكن هذه الكلمات من اجتهاد محكمة النقض لصالحك، والمحامي يعرفها، والقاضي نزيه، والبلد فيه عدل، سبب الطمأنينة أن هذا الكلام لصالحك، إذاً معنى قوله تعالى:
﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾
[سورة إبراهيم: 27]
هذه الآية تملأ قلب المؤمن راحة
أي مؤمن مستقيم على أمر الله، متوجهٌ إلى الله، يخاف أن يعصي الله، يقرأ القرآن:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[ سورة النحل: 97 ]
هذه الآية وحدها تملأ قلبه راحة، وتملأ قلبه سكينة، وتملأ قلبه ثقةً بالله عز وجل، لذلك الإيمان شيء خطير جداً، أنت إذا كنت مؤمناً حقاً فبقلبك من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، الخوف يرافق الشرك، أنت خائف بقدر ما أنت مشرك، وأنت مطمئن بقدر ما أنت مؤمن، أنا لا أجرؤ، ولا يجرؤ غيري على وجه الأرض أن يقول في الدين كلاماً من عنده، من أنا؟ من أنت؟ حتى تقول في الدين كلاماً من عندك في الدين مرجعان الكتاب والسنة
في الدين هناك مرجعان كبيران الكتاب والسنة، لذلك هذا الأمن الذي يتمتع به المؤمن مهما اشتدت الأمور، مهما كبرت، مهما بدا لغير المؤمن أن النصر محققٌ للكافر، سيبقى متمتعاً به، ما قولك ببطل ملاكمة في العالم أمام طفل صغير عمره أربع سنوات قام فصرعه أيعد هذا وسام شرف له؟ أي ممكن أقوى دولة في العالم أن تهيئ أسلحة إلى أضعف دولة في العالم، وأفقر دولة في العالم، ومصابة جفاف مدة ثلاث سنوات، ليس هذا نصراً أبداً، إن لم يكن الطرف الآخر نداً لك لا معنى لهذا النصر، هذا نصر الجبناء أساساً، يبدو أن الله عز وجل سيحقق هذه الآية:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
هذا فرعون العصر، نحن نسميه فرعون العصر، إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، مقولة كافر، إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، حدد موقفك، إذاً لو أن الله أراد منا أن نحدد موقفنا، حدد موقفك، أنت محسوب مسلم لم يستغنوا عنك، محسوب مؤمن ولست بمؤمن، مع أهل الدنيا.
﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾
[ سورة البقرة: 14 ]
أي مسلم عنده عواطف، عنده خلفية إسلامية، عاطفة إسلامية، ثقافة إسلامية، اهتمامات إسلامية، أرضية إسلامية، نزعة إسلامية لكن ما هو مسلم، لأن الإسلام منهج، سبحان الله، كيف مسخ الإسلام إلى خمس عبادات شعائرية، الإسلام صدق، الإسلام أمانة، الإسلام عفة، الإسلام إنجاز وعد، الإسلام وفاء بالعهد، الإسلام استقامة، الإسلام إنصاف، والله الذي لا إله إلا هو لو قست المسلمين بمقياس الإسلام لما كانوا مسلمين، لا والله، لكن المساجد ممتلئة، العبرة بالمستقيم، الله عز وجل قال:
﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
[ سورة الكهف: 105 ]
الله عز وجل وليّ المؤمنين :
و عن ثَوْبَانَ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:
((يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تُدَاعِيَ عَليْكُم كَمَا تُدَاعِيَ الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فقالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنّكُم غُنَاءُ كَغُنَاءِ السّيْلِ))
[ أبو داود عن ثوبان]
كنت مرة في مؤتمر إسلامي في أبو ظبي، وهناك ندوة حول الجنس بقيت ثلاث ساعات، ورد أسئلة يندى لها الجبين، وكأن اهتمام العالم الإسلامي لا يزيد عن الجنس إطلاقاً، وكان من الممكن أن تلخص كل هذه الندوة بكلمتين، حرم الله شيئين في العلاقة الزوجية والباقي مباح، أما إذا المباح وردت عنه أسئلة يخجل الإنسان إذا كان وحده أن يتصورها فماذا بقي؟؟
أعيدت هذه الندوة على المحطات الفضائية ثلاث مرات ، حتى أن مجلة شاردة في مصر تناهض الدين سخرت من هؤلاء المسلمين، أنا قلت لكم سابقاً: والله لولا أن أخاً كريماً داعياً كبيراً خطيب مسجد محترماً جداً، قال لي ذلك من فمه إلى أذني لما صدقته، قال لي: كنت ببلد مسلم شرقي أوربا- هو من هناك- فاعتليت المنبر، أمامي عشرة آلاف مصلي، ألقيت خطبة رائعة جداً في أضخم مسجد حتى بكى الناس من شدة التأثر، من شدة تأثرهم أخرجوا بطحات عرق وشربوها في المسجد، وهم يبكون من هذا الخطيب، هذا نموذج من المسلمين، معاهد تستقبل طلاباً من بلاد إسلامية معها الفودكا في محافظها، أنا متأكد أن الله جل جلاله لا يمكن ومن سابع المستحيلات أن يتخلى عن المؤمنين، لكن أين المؤمنين؟ يبدو أن الله سبحانه وتعالى سيفرز المؤمنين الآن فرزاً، استمعوا إلى قوله تعالى: لابد من الامتحان كي تميز الطالب المجتهد من غيره
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
أنت انظر إلى الطلاب في المرحلة الثانوية كلهم يرتدون ثياباً تشير إلى أنهم طلاب، لكن من هو المجتهد منهم؟ من المقصر؟ من الذي يغيب أياماً وأياماً؟ من الذي يرتاد الملاهي والسينمات؟ من الذي يداوم؟ من الذي يدرس؟ لا بد من امتحان، ممكن توهم الناس أنك طالب جيد تسعة أشهر، لكن في يوم ما هناك امتحان، صفر أو ناجح، تأكدوا لا يمكن أن يدع الله الناس هكذا، كلنا مسلمون، كلنا مؤمنون، كلنا نحب الله عز وجل، يأتي الامتحان، الامتحان قد يكون شدة شديدة، الآن والله هناك شدة شديدة، والأخبار مخيفة، وحش حاقد وقوي، لا يرى شيئاً أمامه، يتصرف بعنجهية وحمق كبيرين، فنحن من لنا إلا الله؟؟
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
من كان مع الله كان الله معه :
أخواننا الكرام: ماذا نفعل؟ الله عز وجل قال:
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾
[ سورة النجم: 59 ـ 60 ]
والله ينبغي أن ينتهي هذا الدرس، وأن تبدأ متاعبنا، كيف أصلح ما في بيتي؟ كيف أضبط زوجتي؟ كيف أضبط بناتي؟ كيف أحرر دخلي؟ كيف أتصل بالله؟ كيف أخشع في الصلاة؟ كيف أكون مستجاب الدعوة؟ كيف أكون من الفالحين؟ هذا شغل المؤمنين الشاغل وإلا هناك شدة شديدة، مع أنه ما من شدة إلا وراءها شدّ إلى الله، وما من محنة إلا وراءها منحة، المحنة وراءها منحة، والشدة وراءها شدة إلى الله، وأنا والله لست متشائماً لا والله، إني متفائل، لكن:
﴿وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾
[ سورة الأنفال: 42 ]
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذلك لعمري في المقام شـنيـــع
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــه إن المحب لمن يـحب يــــطيع
***
لابد أن يكون شغلك الشاغل كمؤمن كيف ترضي الله
أحد التابعين كان يقرأ القرآن فإذا بقوله تعالى، الله عز وجل يصف قرآنه الكريم بأن فيه ذكرنا:
﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾
[ سورة الأنبياء: 10 ]
أي أنت كنموذج، هذا النموذج مذكور في القرآن، قرأ الآيات التي تتحدث عن الكافرين قال: لست هنالك، أنا لست كافراً والحمد لله، قرأ الآيات التي تتحدث عن المؤمنين، قال: والله لا تنطبق عليّ، أنت إذا قرأت قرآناً وهناك بالقرآن أوصاف المؤمنين، أليس هناك سؤال وجيه هل هذه الأوصاف تنطبق عليّ أم لا تنطبق؟ هذا سؤال مهم جداً، أنا الآن أضعكم أمام آيات عديدة، أقسم بالله العظيم أنني أقرؤها وأتلوها مئات المرات، لكن ما كنت أتوقع أن تكون هذه الأحداث الخطيرة التي يمر بها المسلمون هي الشفاء، تقرأ هذه الآيات وكأنها تتنزل الآن، وكأنها تنزلت في هذه الأحداث، وكأنها تتنزل أول مرة، قال: من هم المؤمنون؟ قال:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
الإيمان بالله الذي بيده ملكوت كل شيء :
يسعى الغرب لتخويفنا من سلاحه الذي أعده للمسلمين
والله العدو يمارس علينا حرباً إعلامية تنهد لها الجبال، أي نحن مكشوفون بالأقمار الصناعية، أي حركة، أي سكنة، هناك حاملات طائرات، مئتان و خمسون طائرة عملاقة، أسلحة جرثومية، أسلحة غازية، قنابل خارقة حارقة، الآن يوجد قنابل إذا كان هناك ألف شخص بملجأ كيف نميتهم والملجأ سماكته متراً؟ إسمنت مسلح، هناك قنابل أول شيء تخرق هذه المسافة، متى تنفجر بعد خرقها ليموت كل هؤلاء، هذه القنابل خارقة حارقة، وهناك قنابل غازية، و قنابل عنقودية، و قنابل ذكية، و أشعة ليزر تركبها القنبلة تأتي في المدخنة بالضبط، هناك تفوق بالسلاح لا يصدق، وهذا كله الآن معدّ للمسلمين، كله معد لهؤلاء المسلمين الذين قالوا ربنا الله.
﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة البروج: 8 ـ 9 ]
إذاً يوجد تخويف يفوق حدّ التصور، سألوا إنساناً معمراً بروسيا ما سر هذا العمر المديد؟ قال لهم: لأنني لا أسمع الأخبار أبداً، معه حق والله الأخبار مخيفة.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
في هذه الأيام أنت بأمس الحاجة إلى الإيمان، الأمر بيد الله.
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ ﴾
[ سورة الزخرف: 84 ]
﴿الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة يس: 83 ]
﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة الفرقان: 2 ]
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
[ سورة هود: 123 ]
﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾
[ سورة السجدة: 4 ]
﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف: 26 ]
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾
[ سورة الأنعام: 18 ]
متابعتك للإعلام الغربي توقعك في مصيدتهم
والله الذي لا إله إلا هو كنت مرة في سفر فدخلت إلى مسجد، فإذا لوحة كبيرة جداً في صدر المسجد، فوق المحراب، بأكبر خطّ، بخطّ خطاط مستواه عال جداً، والله لما قرأتها اقشعر جلدي.
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
[ سورة الفتح: 10 ]
مرة قرأت آية:
﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 79 ]
أنتم خططوا، واتخذوا قرارات، بعضها علني، وبعضها سري.
﴿فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 79 ]
أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن هم عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخطة والنقمة، فهذا الذي يبدو لك قوياً، أنا أسميه فرعون العصر، فرعون العصر بيد الله، وأعوانه بيد الله، وهيئات أركانه بيد الله، وحاملات الطائرات بيد الله، والطائرات بيد الله، لكن نقول لهم: أنسيتم يوم ألقيتم على نكزاكي وهيروشيما قنبلتين ذريتين فمات خلال ثلاث ثواني ثلاثمئة ألف إنسان؟ كم ذهب لكم بهذه الأحداث ؟ ستمئة ألف كما يقولون، ثلاثمئة ألف ماتوا فوراً.
من لم يخف الله أخافه الله من كل شيء :
أيها الأخوة الكرام: أذكركم بهذه الآية:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
بربك لو أن جندياً غراً التحق بلواء وكان قائد اللواء أباه، وفي هذا اللواء رتب من لواء ونازل، فجاء عريف بسبعة هدده، فصار يبكي أليس هذا الجندي فاقد العقل؟ كل هذه الرتب مهما علت بيد والده، كيف يبكي من تهديد مساعد في الجيش؟ معنى ذلك أن هذا الإنسان جاهل جهلاً مطبقاً، أنت إذا كنت مع الله لا ينبغي أن تخاف من غير الله، بعض الأدعية أدعو بها دائماً يوم الجمعة:" اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك" والله أيها الأخوة والله الذي لا إله إلا هو لو أنك لم تخف إلا من الله لا يمكن أن يخيفك الله من أحد، أما إذا لم تخف من الله فيما بينك وبينه أخافك الله من أحقر الناس، تجد شخصاً محترماً له مكانة بالسوق كبيرة، يأتي موظف فيقول لك هذا الشخص: و الله ارتعدت مفاصلي، لأن هناك حبساً مدة شهرين بعدرا، إذا كنت تغش الزبائن، وتعصي الله فيما بينك وبينه، وتملأ عينيك من الحرام، وتكذب في البيع والشراء، وتؤذي المسلمين في بيعهم، إذا دخل هذا الموظف عليك ينبغي أن تخاف، لكن من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
من خاف لله خافه كل شيء
دققوا: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 ]
الآن إذا إنسان وكل محامياً من الدرجة الأولى يمشي بالعرض أنا محاميّ فلان، فكيف إذا كان الله هو الذي سيدافع عنك؟ من أين هذا الكلام؟ من القرآن:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الحج: 38 ]
وأحياناً جلت حكمته، وعلا قدره، ينجيك بسبب صغيرٍ جداً، رسول الله، أقرب إنسان إليه الصديق كانا في غار ثور، المطاردون وصلوا إلى غار ثور، ما الذي منعهم من الدخول؟ العنكبوت، العنكبوت أنقذ الدعوة الإسلامية كلها، في الخندق:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[ سورة الأحزاب: 10 ـ 12 ]
أحياناً يقول لك: هذا كله كان سحبة بسحبة، أين النصر؟ أحياناً الإنسان يمتحن، يريه الله أن الكافر قوي يفعل ما يريد، الحقيقة هذا شيء يحير، تجدهم غارقين بالجنس، غارقين بالربا، غارقين بالانحراف، باللواط، بالسحاق، مدينة بأكملها أجمل مدن أمريكا كلها لواط، إنسان فاسق، خمس و سبعون بالمئة منهم شاذون جنسياً، نساء مع نساء، ورجال مع رجال، لذلك أيها الأخوة:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 -174]
نحن في أمس الحاجة إلى الإيمان.
مهمة الشيطان إلقاء الخوف في قلوب المؤمنين :
الحقيقة هو من أين يبدأ الضعف؟ من الداخل، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((نُصِرْتُ بِالرّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ))
[ النسائي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ]
هزيمتنا تبدأ عندما ننهزم من داخلنا
أمته حينما تركت منهجه هزمت بالرعب مسيرة عام، النصر يبدأ من الداخل، أنا أقول لكم دائماً أيها الأخوة: ليس من الخطأ ألا ننتصر، من الخطر الشديد أن نهزم من داخلنا، لذلك كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يفرز المؤمنين.
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
[ سورة آل عمران: 179 ]
كما قلت في بداية هذا الدرس أن فرعون العصر يقول: إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، الإله العظيم لو أنه أراد أن يمتحن المؤمنين، أنت مع من؟ الله عز وجل قال:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص: 50 ]
هناك طريقان لا ثالث لهما، أنت إن لم تكن على أحدهما فأنت على الآخر حتماً، دليل قطعي واضح.
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
[ سورة القصص: 50 ]
لذلك الآية الكريمة:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 173 -175]
ماذا يفعل الشيطان؟ ليتك تقرأ الآيات المتعلقة بالشيطان مهمته الأولى أن يلقي في قلبك الخوف.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
قال أحد كبار العلماء: معنى الآية الدقيق يخوف المؤمنين من أولياء طواغيت الكفر.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
من ظنّ أن الله لن ينصر رسله والمؤمنين فقد ظنّ بالله غير الحق :
الآن الله عز وجل يقول لنا:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
كنت أقول سابقاً في قوله تعالى:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[ سورة هود: 55 ـ 56 ]
إن خفت من الدواب فأنت مشرك، وإن خفت ممن يأخذ بناصية الدواب فأنت مؤمن موحد، أنت في حديقة حيوان، وحوش مخيفة كلها مربوطة بأزمة بيد جهة قوية عادلة، رحيمة، سميعة، بصيرة، أنت إن خفت من الوحش فأنت مشرك، وإن خفت ممن يملك زمام الوحش فأنت مؤمن، أنا علاقتي مع الله عز وجل، نحن في أمس الحاجة إلى هذه المعاني، نحن في أمس الحاجة إلى أن نعود إلى ديننا، أنا درس الجمعة الأول والثاني حول ماذا؟ حول الذين:
﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾
[ سورة الفتح: 6 ]
﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾
[ سورة فصلت: 23 ]
أحياناً الإنسان يظن بالله ظن السوء فيهلك، من ظنّ أن الله لن ينصر رسله والمؤمنين، فقد ظن بالله غير الحق، من ظن أن هذا الذي وقع ليس بقضاء من الله وقدر، فقد ظن بالله ظن السوء، ظن بالله غير الحق، ظن الجاهلية من ظن أن هذا الذي وقع بقضاء من الله وقدر ولكن من دون حكمة، الآن كم إنسان يقول: لو لم يكن هذا الحدث ما كنا في هذا الخطر؟ لا، لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
أي يخوف المؤمنين من أوليائه، الله عز وجل يأمرنا، وأمر الله يقتضي الوجوب، في كل آية في كتاب الله.
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 175]
أنا لي كلمة أرددها كثيراً، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ لكن صدقوا أيها الأخوة أننا في هذه الحياة الدنيا كمسرح على خشبة، خشبة مسرح وهناك مقاعد للمشاهدين، إن كنت مستقيماً على أمر الله فلك مقعد مع المشاهدين، ترى عجباً، وإن لم تكن مستقيماً لا بد من أن تجر إلى خشبة المسرح، وأن تؤدب، وأن تغدو قصتك قصة ممتعة، نسأل الله السلامة.
الاتصال بين العبد و ربه اتصال مباشر :
في درس سابق ذكرت أيضاً أنه ليس بين الله وبين عباده وسيط.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾
[ سورة البقرة: 219 ]
أجيب دعوة الداع إذا دعان
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾
[ سورة البقرة: 220 ]
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾
[ سورة البقرة: 222 ]
اثنتا عشرة آية تبدأ بـ يسألونك، ويأتي بين السؤال والجواب قل، إلا في آية واحدة.
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
[ سورة البقرة: 186 ]
إذا كان لك وقت تناجيه، وقت تطلب حمايته، تطلب أن يدافع عنك، تطلب أن يحميك، والله ما كان يخطر في بالي أن من بعض الأدعية:" اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل" أحياناً يلبسونك تهمة، وأنت بريء منها.
العبرة في إهلاك الأمم لا في الأسباب الظاهرة ولكن في الأسباب الباطنة :
لكن أريد أن أقول شيئاً والله هو أهم ما في هذا الدرس، أرجو أن تستمعوا إلي جيداً والشيء خطير: دائماً عندنا أسباب ظاهرة، وأسباب بعيدة، الزلزال له سبب ظاهر، اضطراب بالقشرة الأرضية، لكن من هو مسبب الأسباب؟.
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
[ سورة الكهف: 59 ]
في بلدة بالمغرب اسمها أغادير، أي بلد العراة، كلها نوادي عراة، وكلها منطقة سياحة، أنشئت من أجل أن تستجلب الأوربيين ليقضوا فيها متعهم الرخيصة، وينفقوا أموالهم الطائلة، هذه البلدة أصابها زلزال فاختفت في بضع ثوان، لو قلت: الزلزال سببه اضطراب القشرة الأرضية هذا كلام طيب، لكن أنت بقيت في السبب الظاهر، لو تعمقت.
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
[ سورة الكهف: 59 ]
النوازل الطبيعية عصا الله في الأرض
الآن الإنسان أحياناً يكذب بالآخرة، يظلم، يترف، يفسد، هناك عشرة أسباب في إهلاك الأمم من الكتاب والسنة، كل سبب له عدة آيات وعدة أحاديث، أسباب هلاك الأمم، لو أن أمة إسلامية استحقت الهلاك أو التأديب، هذا هو السبب الحقيقي، المباشر، قد تهلك بزلزال، وقد تهلك بفيضان، وقد تهلك بجفاف، وقد تهلك بحرب أهلية، وقد تهلك بعدوان خارجي، الظواهر متعددة، أما السبب الحقيقي فواحد.
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
﴿مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾
الصواعق والصواريخ ،
﴿مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾
الزلازل والألغام،
﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾
هذه الحروب الأهلية، إذاً السبب الحقيقي هو أننا وقعنا فيما يوجب هلاكنا، المباشر ما نعرف، قد يكون عدواناً داخلياً، عدواناً خارجياً، قد يكون حرباً أهلية داخلية، قد يكون زلزالاً، قد يكون جفافاً، قد يكون فيضاناً، قد يكون صواعق، لكن العبرة لا في الأسباب الظاهرة ولكن في الأسباب الباطنة.
أعراض الإعراض عن الله :
أيها الأخوة: أقول لكم هذه الحقيقة و هي خطيرة جداً، هناك في القرآن والسنة أسباب لهلاك الأمم والشعوب، هذه الأسباب هي الأسباب الحقيقية لما يصيب الناس، أما الأسباب المباشرة فتتنوع تنوعاً عجيباً، قد نهلك بالجفاف، كما في بعض البلاد، وقد نهلك بالفيضانات، وقد نهلك بالزلازل، وقد نهلك بمشكلات داخلية، كما يجري في بعض البلاد، وقد نهلك بعدوان خارجي، هذه كلها أسباب ظاهرة، ما السبب الحقيقي؟ الحقيقي أننا وقعنا فيما يوجب هلاكنا، لذلك من هو الطبيب الناجح؟ إذا جئت بطبيب وابنك حرارته مرتفعة فأعطاه خافض حرارة هل يكون طبيباً؟ أبداً، الحرارة عرض لمرض، فإن عالج هذا العرض ليس طبيباً، ينبغي أن يعالج المرض، لذلك أكثر ما نعانيه من المشكلات هي أعراض الإعراض عن الله، لعل الله سبحانه وتعالى بهذه الشدة نعود إليه، لكن ينبغي أن تعلموا أنكم إذا ظننتم أن هذا الذي حصل شر مطلق، فالشر المطلق يتناقض مع وجود الله، ولكن هذا شراً نسبياً، ظاهره مزعج لكن ينتهي إلى خير المسلمين، ينبغي أن تتفاءل الشدة الواقعة في فلسطين لا تثني المؤمن عن التفاؤل بالنصر
كلكم يعلم أن الذي يجري في فلسطين، هذه الشدة التي لا تحتمل، هذا فرعون فلسطين أيضاً، والله أترفع عن ذكر اسمه شهد الله لأن ذكره يعكر المجلس، أنا سميته ثوراً هائجاً مصاباً بجنون البقر، شدته وحدت الفلسطينيين، أليس كذلك؟ لم يكونوا موحدين أبداً، كانوا شطرين، شطر يعمل لصالحه وشطر آخر، هي ظاهرة شدة باهظة، هدم البيوت، وقتل النساء والأطفال، لكن أصبح هؤلاء كتلة واحدة، هذه الميزة الكبيرة تحتاج إلى سبب، ذكرت لكم مرات عديدة، أني رأيت ألماسة في استنبول تقدر بمئة و خمسين مليون دولار والألماس أساسه فحم، أحضر فحمة بحجمها كم تبيعها بسوق الفحم؟ خذ كيلو من الفحم ثم اختر أكبر فحمة كم تبيع هذه الفحمة؟ الألماس فحم لكن ما الفرق بين الألماس والفحم؟ هو الضغط، فكلما انضغطت أيها المؤمن تصبح ألماساً، لا تخف، الدنيا لا قيمة لها، الدنيا عرض زائل، يأكل منها البغي والفاجر، الله يعطي الدنيا لمن لا يحب، ويعطيها لمن يحب، إذا ليست مقياساً، ألم يعطِ الملك لفرعون؟ هل يحبه؟ لا والله، لكنه أعطى الملك لسليمان، هو نبي كريم، ألم يعطِ المال لقارون؟ هو لا يحبه، أعطى المال لسيدنا عثمان يحبه، ما دام الشيء يعطى لمن يحب و لمن لا يحب فليس مقياساً، أبداً.
الأمانة و العدل و الصدق أسباب نصر المؤمنين :
لذلك أيها الأخوة: البطولة قال لك ألا يتحقق فينا أسباب هلاك الأمم، ألا نظلم، أن نعود إلى الله، أن نتواضع، أن نتحرى الحلال، أن نضبط بيوتنا، نضبط أعمالنا، نضبط جوارحنا، أكاد أقول لكم: الإسلام مئة ألف بند، مسخ الإسلام إلى خمس عبادات شعائرية، يفعل كل شيء، رحلة عمل ذهب بها بعض الناس إلى بلد مسلم، كلهم من أبناء هذه البلدة، الذي فعلوه لا يصدق في هذه البلاد البعيدة الجميلة، لا يصدق، من شرب خمر، ومن زنى، وكلهم يرتادون بعض المساجد، أتريد أن ينزل نصر الله على هؤلاء؟ لا والله، والله لو فهم الصحابة الكرام الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج الإسلام من مكة، كيف وصل إلى أطراف الدنيا؟ بالعدل، بالأمانة، بالصدق، بالعفة.
كنت مرة في تركيا التقيت مع جريدة زمان لإجراء حديث صحفي قلت لهم: أنتم وصلتم إلى فيينا، قال: صح، قلت له: في فيينا لوحة زيتية مشهورة تصور الجنود المسلمين العثمانيين وهم يشترون العنب من فتيات فيينا يغضون أبصارهم، ويعطونهم ثمن العنب، قلت لهم مازحاً: حينما غضضتم بصركم عن الفتيات الأجنبيات وصلتم إلى فيينا، أم حينما بحلقتم عدتم إلى ما كنتم عليه، فالقصة قصة طاعة لله.
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[ سورة الأحزاب: 71 ]
والحمد لله رب العالمين
رد: فرز المؤمنين في الزمن الصعب .
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 040: الدروس المستفادة من الأحداث الجارية في العالم .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-30
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
لله في خلقه آيات ثلاث :
لله في خلقه آيات تكوينية
أيها الأخوة المؤمنون: إن لله في خلقه آيات ثلاث: له آيات كونية هي خلقه، وهذه ثابتة واضحة، السير في التفكر في آيات الله الكونية آمن وثابت، ولا مشكلة أبداً، وتفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.
وإن لله في خلقه آيات تكوينية، أي أفعاله، زلزال، صواعق، براكين، حروب أهلية، اجتياح، تدمير، حروب، هذه أفعاله.
وله في خلقه آيات قرآنية: كلامه، أمر واضح كالشمس، خلقه وأفعاله وكلامه. تفكروا في خلقه ما شئتم، الطريق سالك وآمن إلى الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، لكن الله جل جلاله أمرنا أن ننظر في أفعاله، ننظر في أفعاله في ضوء أقواله.
هناك قصف قد يدمر بلدا مسلما بأكمله
الحقيقة التفكر في أفعال الله من دون أن تستنير بأقواله طريق فيه ألغام كثيرة، تجد شعوباً كثيرة مقهورة مضطهدة جاهلة، وشعوب غارقة في الآثام والمعاصي والإباحية وكل أنواع الفجور وهي قوية ومستعلية، إن نظرت إلى أفعاله من دون أن تهتدي بأقواله هناك مطب كبير جداً، النظر في خلقه من دون قيد أو شرط، لكن النظر في أفعاله يحتاج إلى أن تستنير بأقواله، تنظر إلى أفعاله من خلال أقواله، ولأن المسلم يعيش كغيره من الناس، هناك أحداث - طبعاً هذا هو الدرس الثالث الذي لم أستطع أن أنفك فيه عن الموضوع الساخن الذي حولنا، هذا الموضوع موضوع مصيري- قد يأتي قصف يدمر بلداً مسلماً بأكمله، وهناك بلاد إسلامية عديدة جداً معرضون للقصف ومستهدفون، لذلك حتى في هذا الدرس الثالث لم أستطع أن أنفك عن هذا الحدث الضخم الذي ألمّ بالعالم كله، لكن كما أقول دائماً: هناك ألف منبر إعلامي، صحيفة، مجلة، محطة فضائية.... القائمون على هذه المنابر لهم أن يقولوا ما شاؤوا، ولكنك إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله لا يمكن إلا أن تستمع إلى ما في الكتاب والسنة من تفسير لما يجري، هنا مقيدون بمنهج، هنا مقيدون بحكم شرعي، هنا مقيدون بالوحيين الكتاب والسنة، هنا لا نستطيع أن نقول كلمة إلا وفق الكتاب والسنة، لكن لأن هذا الحدث ساخن جداً ولا يعفى أحد من التأثر به، عدو أو صديق، ولأن مستقبله خطير جداً، لابد من أن نبقى بهذا الحدث والموضوع الساخن .
التّولي و التّخلي :
العقل البشري دون وحي يدمر صاحبه
أيها الأخوة: الإنسان من دون وحي - وأنا أقول هذا مراراً - كالذي يملك عيناً حادة البصر من دون نور، حكمه حكم الأعمى، والعقل البشري من دون وحي يدمر صاحبه، أول وهم كبير تلاشى أن القوة هي كل شيء، وأن القوة هي التي تصنع الحق عند هؤلاء، وأنه ما من حصن لك كأن تكون قوياً، وقد غاب عن هؤلاء الأقوياء ما في القرآن الكريم من تعقيب على هذه المقولة، قالت عاد:
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
لمجرد أن تقول: إنه ليس هناك من هو أقوى مني، سيريك الله جل جلاله أن قوتك لا شيء أمام قوته، لذلك هذه الآية:
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾
[سورة الحشر: 2]
درس لنا، درس لكل مسلم على مستوى فردي، لا تقل: أنا متفوق، أنا متمكن، أنا عندي مال لا تأكله النيران، أنا مركزي قوي جداً في هذه الوظيفة، حينما تقول: أنا قوي تقع في مطب كبير، وقد يرتكب الذي يدعي هذه القوة حماقة ما بعدها حماقة، ويرتكب خطأ ما بعده خطأ، الحقيقة الله عز وجل أمرنا أن ننظر في أفعاله، أمرنا أن نتفكر في خلقه.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[سورة آل عمران: 190-191]
وأمرنا أن ننظر في أفعاله.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
[سورة الأنعام: 11]
الله يقذف الرعب في قلوبهم
الذين كذبوا بالوحي، وكذبوا بالدين، وآمنوا بالدنيا فقط، ونظروا بعين واحدة، وعينهم على الحياة الدنيا فقط، هؤلاء كيف أن الله يأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وكيف أن الله يقذف في قلوبهم الرعب، القصص التي نسمعها عن انتشار الرعب والذعر في هذه البلاد العقل لا يصدقها، طائرة ضخمة جداً متوجهة من لوس أنجلوس إلى كندا فيها راكب يدخن، طلب منه أن يطفئ سيجارته فأبى، فخافوا منه، فرجعت الطائرة بعد أن أمضت ساعتين من الطيران، وحلقت إلى جانبها طائرتان عسكريتان خوفاً من أن تتجه إلى جهة، هاتف يأتي إلى مطار فرنسا أنه يوجد قنبلة، تغلق أبواب المطار تلغى الرحلات كلها، ساعتان تعطلت فيها حركة الطيران، والله أنا أستمع كل يوم إلى خبر لا يصدق يعيق حركة المطار عشر ساعات، راكب عنده دعابة جاءت المضيفة قال: هل يوجد إرهابي؟ قال: أنا إرهابي، وألغيت الرحلة وأخذوه إلى التحقيق ثلاث ساعات ! قال: أنا أمزح لا يوجد شيء من هذا.
فيا أيها الأخوة: أنا أريد أن أستفيد من هذا الذي وقع، يوجد آيات، والإنسان يقرأ الآيات فلا ينتبه إليها، إياك أن تقول: من أشد مني قوة؟ لا على مستوى جماعي، ولا على مستوى فردي، ولا على مستوى صاحب حرفة، لأنك تكون أول تاجر تصبح آخر تاجر، أنا أول مدرس تصبح آخر مدرس، أنا أول طبيب، يوجد طبيب تفوق تفوقاً يفوق حدّ الخيال، طبيب نسائي، و ذاع صيته، واعتز بعلمه، أثناء ولادة أراد أن يقطع المشيمة فقطع الرحم، وقطع الأمعاء، ولولا أنه أسعف هذه المريضة إلى مستشفى أخرى لسحبت منه شهادته، قائد فوج في الحج تفوق تفوقاً كبيراً فقدم له كتاب شكر، أذاع هذا الكتاب في الأوساط الدينية، في العام القادم كان فوجه أسوأ فوج! إياك أن تقول: أنا، الصحابة الكرام وفيهم رسول الله قالوا: لن نغلب من قوة فغلبوا في حنين.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾
[سورة التوبة: 25]
من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف :
الإعلام الغربي أخطر سلاح بيد الغرب
إذاً أنا أيها الأخوة أدعوكم إلى التأمل فيما جرى لا في ضوء التحليلات التي تسمعونها، لأن الإعلام الغربي خطير جداً، ورد ذكره في القرآن الكريم، من يذكر الآية؟ الإعلام الغربي أخطر سلاح بيد الغرب قال تعالى:
﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾
[سورة غافر: 29]
على لسان فرعون، أنت لا تستمع إلى خبر إلا إذا كان مستهدفاً من قبلهم، حتى تتحطم معنويات المسلم، حتى يخاف، حتى يستسلم، حتى يقعد، أنت إعلامك قرآني، فأول شيء من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف، يجب أن تعتمد على الله وأن تسعى أن تكون قوياً.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾
[ سورة الأنفال: 60 ]
عندما تكون قوة القوي دون حكمة تصبح مدمرة
أما هؤلاء الذين بلغوا ذروة النجاح في القوة فلأنهم اغتروا، إذاً قوتهم كانت سبب تدميرهم، لذلك الآن يطرح في الإعلام أن القوة وحدها لا تكفي لابد من أن يكون مع القوة حكمة، ولولا الحكمة مع القوة لكانت القوة مدمرة لصاحبها، أنا أرى أن درس بدر وحنين درسان خطيران في حياة المسلمين، لمجرد أن تقول: أنا، يتخلى الله عنك، لمجرد أن تقول: الله، يتولاك الله.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
[سورة التوبة: 25]
وفي بدر:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
[ سورة آل عمران: 123 ]
أول درس نستفيده أن القوة وحدها لا تكفي، وأنها قد تؤدي إلى الغرور ومع الغرور الحمق.
النبي عليه الصلاة والسلام بالحكمة التي منحها الله إياها حوّل أعداءه إلى أصدقاء، والإنسان من دون حكمة يحول أصدقائه إلى أعداء، وأنا هذا أعده مقياساً دقيقاً، إذا كنت متفوقاً في تحويل كل صديق إلى عدو فojأنت بعيد عن حكمة الله بعد الأرض عن السماء، وإذا كنت متفوقاً في تحويل العدو إلى صديق فأنت تملك حكمة لا تقدر بثمن.
لا ينفع حذر من قدر :
لاينفع حذر من قدر
الشيء الثاني: أنه لا ينفع حذر من قدر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، مهما كنت محتاطاً، مهما غطيت كل الثغرات تغطية تامة، لا ينفع حذر من قدر، ولكن ينفع أن تستعين بالله، كلما أخذت احتياطات مشددة.
أنا أذكر قصة لا أنساها مضحكة: أخ عنده مزرعة دعا أصدقاءه إليها، فجاؤوا قبله، والمزرعة لها باب كبير وشامخ، وعليها قفل كبير وحائطان، أين يجلسون؟ صعدوا فوق الباب وتمزقت ثيابهم، والبطيخة انكسرت، فلما دخلوا إلى المزرعة لم يجدوا لها سوراً، وكان بالإمكان أن يدخلوها من طرف آخر مشياً، فنحن نفكر بهجوم بعيد جداً، درع صاروخي، أي صاروخ يأتينا قبل مئات الكيلو مترات يُفجر إلكترونياً، فالذي يعتد بقوته قد يؤتى من حيث لا يحتسب، هذا درس بليغ لنا، لا ينفع حذر من قدر ولكن ينفع الدعاء مما نزل ومما لم ينزل، الدرس الثاني إذاً القوة مدمرة من دون حكمة، المقولة التي سمعتها هناك كثيراً أثناء زياراتي أن القوة تصنع الحق.
على الإنسان ألا يتمتع بالحياة وحده :
أنا كنت أقول: الحق ما جاء به الوحيان ولكنه يحتاج إلى قوة، الآن يقال وأنا سمعت هذا بأذني أن القوة وحدها لا تكفي، لابد لها من حكمة، فإن لم يكن معها حكمة فهي قوة مدمرة، هذا درس لنا، لماذا أمرنا بدفع الزكاة؟ قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
[ سورة التوبة: 103 ]
الظلم الاجتماعي يولد أحقادا لا تنتهي
تطهرهم من ماذا؟ قال: تطهر الفقير من الحقد، والغني من الشح، أنت مستحيل أن تعيش وحدك، وأن تأكل وحدك، وأن ترتدي أجمل الثياب وحدك، أن تأتي لأولادك بكل ما لذّ وطاب، وأن تتغافل عمن حولك، الفقراء الجائعون المحتاجون، فإن لم تفعل غرست فيهم الحقد، وهذا الحقد سوف يصبح قوة مدمرة، ولا أبالغ إن ما تعانيه البشرية من هؤلاء المحرومين من دون إيمان عميق يمتلئون حقداً، فهناك ظلم عام، ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ))
[ أحمد عن أبي سعيد]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه ))
[ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]
كم مأساة جرت في العالم ولم يعبأ بها الإعلام الغربي؟ هل تذكرون راوندا بإفريقيا ذبح خمسمئة ألف و لم يحركوا ساكناً، لكنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على ستة آلاف، بجنوب أفريقيا ذبح خمسمئة ألف في يومين، حتى أن مياه النيل أصبحت حمراء! في الصرب ذبح عشرة آلاف من المدنيين ودفنوا في مقابر جماعية، لو ذهبت إلى أن أعدد ما يجري في العالم من مآسي في هورشيما ونكزاكي قتل ثلاثمئة ألف بثلاث ثوان بقنبلتين ذريتين! أينما ذهبت تجد مذابح و حروباً... الحرب العالمية الثانية خمسون مليون قتيل، فهناك مآس كبيرة، هذا المظلوم لابد من أن يحقد، وإذا حقد لا يملك شيئاً يخاف عليه، هنا قوته.
قصة قديمة: أذكر مرة إنساناً عمل عملاً استشهادياً في الأرض المحتلة وقتل سبعة عشر إسرائيلياً، وكان قد رفض في ذلك الوقت وزير الدفاع ذكر اسمه، فلما دخل إلى المجلس النيابي عندهم ضجّ النواب و بدؤوا يقرعونه فقال كلمة بليغة: ماذا أفعل بإنسان جاء ليموت؟ القوة أين تكمن؟ أن هذا الذي تهدد أن تقتله هو جاء طواعية، هذا الذي جاء ليموت يهدد أكبر قوة في العالم.
كاد الفقر أن يكون كفرا
فلذلك أيها الأخوة عندما قال سيدنا علي: كاد الفقر أن يكون كفراً، فأنت أيضاً أيها الأخ درس ثان لا تتمتع بالحياة وحدك، وزّع، أطعم من حولك، ألبس من حولك، لا تكن أنانياً، يجب أن يعيش هذا المجتمع برفاه ما بعده رفاه، الطائرة الخاصة شيء طبيعي جداً، اليخت الخاص طبيعي جداً، مستوى المعيشة يفوق حدّ الخيال، الرقم فلكي، تجد الرجل معه ملايين، كل فرد له سيارة، لا يوجد بيت فوق بيت بكل أمريكا! كله فلل، والمساحات الخضراء أضعاف مساحة البيوت، و المسابح المدفأة، والمركبات الفارهة، والأسعار الرخيصة، والحاجات الميسورة، إذا كان في الأرض جنة فهي هناك، لكنهم ليسوا إنسانيين، بل هم عنصريون، بمعنى أنهم يمتعون شعبهم فقط على حساب بقية الشعوب، فأنت حينما تأكل وحدك، وتسكن وحدك، وتتمتع بالحياة وحدك، هذا الطرف الآخر سوف يحقد، وليس عنده شيء يخاف عليه، سوف يغدو قنبلة لك، هذا بالعمق، طبعاً لا يعنينِي مَن فعل هذا قبل أن تأتي التحقيقات، لكن يوجد ظلم عام بالأرض.
العنف لا يعالج بالعنف بل يعالج بالعدل :
أخواننا الكرام: توجد مقولة دقيقة جداً والله سمعتها منذ عشرين سنة: بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، ماذا يفعل سلاح نووي تملكه أعظم دولة أمام إنسان إذا أراد أن يموت فسبب مشكلة لا تنتهي؟ أنا لا يعنيني في هذا الدرس لا أسماء بلاد ولا أسماء شعوب ولا أسماء دول، يعنيني حقائق مطلقة، أنا كمسلم رأيت وسمعت حدثاً كبيراً بالعالم قد يكون أكبر حدث كان له أثر كبير، يعنيني كيف أفهم هذا الحدث من كتاب الله، لذلك الله عز وجل عادل، يعطي الإنسان قوة، ويعطي الضعيف قوة من نوع آخر.
مقابل تفوق العدو هناك إنسان يحب الموت في سبيل الله
من التعليقات اللطيفة أن وحيد القرن عندهم قال: أيعقل أن ألقِي صاروخاً بلغت كلفته مليوني دولار على خيمة بلغت كلفتها عشرة دولارات؟ قوة الضعيف لا شيء عنده يخاف عليه، كلها بيوت من اللبن والخيم لا يوجد هدف اضربوا كما شئتم، الضعيف عنده قوة، أحياناً قوته كامنة في ضعفه، توجد حكمة إلهية كبيرة جداً، والإنسان المتغطرس يخشى أن يأتي إليه تردد عشرة أيام، فلذلك بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، فمقابل القوى العاتية الجبارة مقابل التفوق التكنولوجي في الأسلحة يوجد إنسان يحب أن يموت في سبيل الله.
أعتقد أن في عام تسعة وستين كان هناك كتاب للمرحلة الثانوية مقرر، كتاب مشهور اسمه معذبو الأرض، وكان هذا الكتاب لإنسان مفكّر إفريقي، محور الكتاب أن العنف لا يلد إلا العنف، وكل إنسان يتاح له أن يؤذي، قبل يومين دخل إنسان إلى البرلمان السويسري وقتل ستة عشر شخصاً، لم يقولوا عنه إرهابياً قالوا: عنده مشكلة نفسية! انحياز لا يحتمل، هذا يعني أن أي إنسان ممكن أن يؤذي، مهما تحصنت، قد يؤتى الإنسان من مأمنه، فلذلك الحياة تستقيم بالعدل، متى يزول العنف؟ إذا زال الظلم فقط، مهما تحصنت، وأخذت احتياطات مشددة، الله عز وجل قد يأتي إلى هذا المتغطرس من مأمنه، يؤتى الحذر من مأمنه.
أنا أقول دائماً أيها الأخوة: الطبيب الناجح إذا رأى ارتفاع حرارة من الخطأ الفادح أن يعطي المريض خافضات للحرارة فقط، يجب أن يبحث عن أصل الداء، أصل الداء يوجد التهاب، ما لم يعالج الالتهاب لن يشفى المريض، وأنا أقول لكم الآن: ما يجري في العالم لا يُزال بضربة انتقامية، العنف لا يُزال بعنف مثله، قتل الأبرياء لا يعالج بقتل أبرياء، بل إن قتل الأبرياء إذا كان علاجاً لقتل أبرياء سيوقع شرخاً في العالم لا حدود له، يجب أن تبحث عن سبب هذا العنف، سببه ظلم عام على مستوى الشعوب لا على مستوى الأفراد.
ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً :
أيها الأخوة: هناك نقطة دقيقة جداً الإنسان لو لم يرتد ثياباً شكله لا يحتمل، الله عز وجل جملنا بالثياب، و الإنسان حينما يكيل بمكيالين لا يحتمل أبداً، لا يحتمل، لو أن الأب يعامل ابنته غير ما يعامل زوجة ابنه، البنت مغفور ذنبها، أما الكنه فتعامل بقسوة بالغة، فإنه يكيل بمكيالين، أحياناً إنسان يعامل ابنه يتمناه أن يكون طبيباً، يدفع له ملايين الليرات كدروس خاصة، لكن إذا عنده صانع يتيم وطلب منه الذهاب قبل ربع ساعة من نهاية الدوام ليلتحق بمدرسة ليلية لا يسمح له، لأنه بنظره عندما يتعلم يخرج عنه، وكل إنسان يكيل بمكيالين ساقط من عين الله بشكل عام، أنا كنت مرة بمحل تجاري فيه صانع وهناك ابن صاحب المحل، هذا المحل هو محل أقمشة، حمّل الصانع أول توب وثاني توب وثالث توب لم يعد يحتمل قال: لم أعد أستطع، قال له: أنت شاب، ابنه حمل توباً واحداً قال له: بابا انتبه لظهرك! كم هذا الموقف بشع! كل إنسان يكيل بمكيالين تحتقره وتلعنه، والدنيا كلها تلعنه، يذبح ثلاثمئة ألف بالشيشان يقولون: شأن داخلي، تصبح مشكلة بأندونيسيا يقولون: حقوق الإنسان، لماذا هنا حقوق إنسان وهنا شأن داخلي؟ يعتدي المعتدي نقول للمعتدى عليه: اضبط نفسك، والمعتدي ندعمه.
ازدواج المعايير مشكلة كبيرة
الحقيقة العالم كله يشكو من الكيل بمكيالين، يصير حدث بمنطقة تجد الدول كلها تجمعت، يصيب منطقة ثانية كثيراً من المآسي تحت التعتيم الإعلامي، فالطرف الشارد عن الله يكيل بمكيالين.
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال:
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ))
[متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين ]
لذلك أيها الأخوة: ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً، نحن لا يعنينا الأمور الكبيرة، يعنينا أنت بحياتك اليومية في معاملتك لأصهارك وبناتك وأولادك لا تكيل بمكيالين، مكيال واحد، مقياس واحد، كلما كلت بمقياس واحد علوت في نظر الناس، وكلما كلت بمقياسين سقطت من عين الله.
وأقول لكم مرة ثانية وهذه والله قناعتي: قتل الأبرياء لا يقبله أحد لكن لا يعالج بقتل أبرياء، والعنف لا يعالج بالعنف، يعالج بالعدل.
التوحيد لا يلغي العدل و المسؤولية :
الفكرة الثالثة في هذا الدرس دقيقة جداً: الله عز وجل حينما يسمح لهذا الحدث أن يقع بصرف النظر عن مشروعية فاعله، هذا الذي تحدث عن السيدة عائشة ورماها بالزنى عمله مشروع؟ أجيبوني؟ لا، قال:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
لكن لماذا سمح الله به؟ لحكمة كبيرة جداً فقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توجد آيتان، الآية الأولى:
﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توحيدياً، والآية الثانية:
﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
عدلاً، معنى ذلك التوحيد لا يلغي العدل، الفكرة دقيقة، مريض جاء للإسعاف والطبيب يقرأ جريدة، وأمامه ممرضة يغازلها، الآن انتظر فمات المريض، إذا قال: المريض مات بأجله يعاقب عليها، هو مات بأجله، لكن التوحيد لا يلغي العدل والمسؤولية، لأن هذا الذي حدث حدث بمشيئة الله وسمح الله به، ليس معنى هذا أن الذين فعلوه مغطون، لا هذا موضوع ثان، سآتيكم بالأدلة، لكن حينما يسمح الله لمثل هذه الأحداث أن تقع الهدف هو الفرز، بهذا الحدث كشف كل شيء، كشف العالم.
العالم فريقان حق و باطل :
العالم فريقان: حق وباطل
العالم فريقان: حق وباطل، في بدر كشف المؤمنون، بالخندق ماذا قال ضعاف الإيمان؟
﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[سورة الأحزاب: 12]
ماذا فعل أقوياء الإيمان؟ قال:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
[سورة الأحزاب: 23]
هذا يعني أنه فرز، لذلك:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
[سورة الأحزاب:10-11]
بالخندق فرزوا، وبأحد فرزوا، وبحنين فرزوا، وبالهجرة فرزوا، ونحن نفرز كل يوم، حق وباطل، أحياناً جامعو الأموال قد يأخذون أموال هؤلاء بالباطل، فضعاف الإيمان يلجؤون للبنوك، ما جرى في هذا البلد من خطأ جسيم من قبل جامعي الأموال كان فرزاً للناس، ضعيف الإيمان قال: البنك أفضل لنا لأنه آمن ولم يعبأ بتحريم الله له، فأنا أرى أنه ما من حدث يقع إلا وفيه فرز للمؤمنين، وهذا فيه فرز، نحن جميعنا مؤمنون والحمد لله، رواد المساجد كثر، صار الإنسان الذي يخاف مما سوى الله مشرك، و الذي خاف من الله وحده مؤمن، قال:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾
[سورة آل عمران: 175]
هذا فرز، من يخاف من الله وحده هذا المؤمن الموحد، من يخاف مما سوى الله، من هذه القوى الجبارة، هذا مشرك.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[سورة آل عمران: 173]
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 175]
في الفكرة الثانية موضوع الفرز، مثل هذه الأحداث الكبرى سمح بها من أجل أن يفرز الناس إلى فريقين، دققوا في هذه الآية هذه قالتها عاد الثانية.
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
ماذا ردّ الله عليهم؟ قال:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
عود نفسك أن تقبل النقد
وهذه الآية تنطبق انطباقاً تاماً على ما جرى، الإمام الشافعي له كلمة رائعة قال: " أنا على حق وخصمي على باطل وقد يكون محقاً" احتمال أي إنسان يتوهم أن الحق معه دائماً وكل من سواه على باطل، هذا إنسان أحمق، أصغ للآخرين، قرأت من يومين كلمة أعجبتني: إن أردت أن تعزل إنساناً عزلاً تاماً حتى يختل توازنه توجد طريقتان أن تضعه في المنفردة هذه واضحة، والطريقة الثانية: أن تحيطه بالمنافقين، كلما قال كلمة صدقوه، هذا عزلته عزلاً كاملاً، نوع من أنواع العزل، كل من حولك منافق، كلما قلت كلمة صدقوك لمصلحة يريدونها منك، فهذا عزل عن الحقيقة، لذلك عود نفسك أن تستمع للنقد الجارح، عود نفسك أن تقبل النقد وتدرس النقد، عود نفسك أن تكون جريئاً وتتفهم الحقيقة المرة، فكل إنسان لا يسمع إلا ما يحلو له، إنسان معزول منتهٍ.
طبعاً أنا مضطر أن أروي هذه الطرفة لأنها تحل مشكلة كبيرة: العالم الجليل الشيخ نور الدين الحسني معروف، كان مع إخوانه في نزهة في الغوطة والبستان مسقي فيه طين، جاء إنسان بعيد عن كل أنواع اللباقة راكب بغلاً، يسير سيراً يرمي بالطين على طرفي الطريق، والشيخ يمشي مع إخوانه وهو من كبار شيوخ الشام، فنبهوه انتبه انتبه لكن اتسخت ملابسه من الأعلى إلى الأسفل، فقام أخ فقتله حتى كاد أن يميته، سأله الشيخ: هل هذا صحيح ؟ ليس مغطى شرعاً ! قال: ما أفلح قوم لا سفيه لهم.
الابتعاد عن إحراج المسلمين :
لكن آخر فكرة في هذا الدرس وهي من أهم أفكاره قوله تعالى:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
أتقن عملك لتظهر كمال دينك
الآية واسعة جداً، لو فرضنا دائرة أو مؤسسة فيها مسلم وغير مسلم، المسلم كذب، عمل تصريحاً كاذباً، أو لم يتقن عمله، أو أهمل عمله، والكافر كان منضبطاً، ماذا فعل المسلم بهذا الكافر؟ أوهمه أنه على حق، وأن كفره هو الحق، وأن هذا الذي فعله المسلم ينطلق من إسلامه، فحينما تجعل كافراً يتشبث بكفره، ويعتز به، ويرتضيه، ويتوهم أنه هو الأصل، وأن هذا الدين الذي فعله المسلم دين باطل، يكون الكافر تشبث بكفره بسبب خطأ المسلم، هذا الموضوع ليس له علاقة بما يجري، له علاقة بأعمالنا اليومية، أتقن عملك، فإذا كان هناك إنسان غير مسلم ورآك لا تتقن عملك يعزو عدم الإتقان إلى دينك لا إلى ذاتك، إذا أديت تصريحاً كاذباً وأنت مسلم ووقع هذا التصريح بيد إنسان غير مسلم يعزو كذبك إلى إسلامك، فأنت جهدك الكبير ألا تسبب حرجاً للمسلمين، وألا تسبب حرجاً لهذا الدين العظيم، وهذا الدعاء الشهير القرآني:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
لكلّ شيء حقيقة :
أيها الأخوة: آخر شيء أقوله في هذا الدرس: لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن لكل واقع حكمة، بصرف النظر عن الموقع كان حكيماً أو لم يكن حكيماً، والحكمة التي تستنبط من كل واقع متعلقة بالخير المطلق، والله عز وجل يوظف الشر النسبي إلى الخير المطلق، ونحن نرجو الله سبحانه وتعالى من أعماق قلوبنا أن يحفظ لنا بلادنا، ويحفظ لنا من معنا، وأولادنا، وذرياتنا، وأن يحفظ بلاد المسلمين جميعاً من كل سوء، وأن يتولى الله سبحانه وتعالى الدفاع عنا كما وعدنا، إن الله يدافع عن الذين آمنوا، لكن كما قلت: هذا اسمه حادث فرز، الهجرة فرز، الخندق فرز، حنين فرز، أحد فرز، وكل حدث كبير هو فرز بالحقيقة، والله عز وجل يلهمنا الصواب، والفهم الصحيح، نحن هنا في بيت من بيوت الله، ولا ينبغي أن يلقى فيه إلا ما جاء في الوحيين من الكتاب والسنة، والحمد لله رب العالمين.
أسئلة و أجوبة :
س : يقول أخ: ما قولك بالمثل الذي لا يخاف من الله خف منه ؟
ج: لا شيء فيه، إذا إنسان لا يخاف من الله هذا يعني أنه شرير فخذ حذرك منه.
س: أخ يقول: أنا شاب غافل عن الله، وأشكو مرض البعد عن الله، فأرجو منك نصيحة تغيرني إلى شاب من أهل الله، وقد كنت بعثت لك عدة أوراق أسألك فيها وأنت لا تجيبني، فأرجو الإجابة.
ج: بالدين لا يوجد شيء أن تقول كلمتين فتصبح لله، تحتاج إلى إرادة قوية، وإلى متابعة، وإلى التزام، لكن لا يوجد عندنا دواء سحري أن يكون الإنسان غافلاً شارداً مشتتاً يقول هذا الدعاء فيصبح ولياً، لا يوجد عندنا كهذا الشيء أبداً، عندنا من يبحث عن الحقيقة فيحضر دروس العلم، يستمع بوعي إلى ما قيل فيها، يطبقها، النبي الكريم كان يقول إذا دخل إلى المسجد: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، فإذا خرج منه يقول: "اللهم افتح لي أبواب فضلك"، جاء إلى بيت الله وتلقى التعليمات من الوحيين الكتاب والسنة وخرج من بيت الله ليعمل بما سمع، فلما الإنسان يؤدي الصلوات أداء متقناً، ويغض بصره عن محارم الله، ويغض أذنه عن الغناء، ويضبط لسانه عن كل غيبة ونميمة، وعن كل كلام فاحش، ويؤدي الحقوق، ويكسب المال الحلال، دون أن يشعر يجد نفسه مع الله، شيء سهل جداً، الله عز وجل قريب:
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[سورة الأعراف: 56]
استقم على أمر الله، وأحسن إلى خلقه، تجد نفسك مع الله.
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[سورة الكهف: 110]
والحمد لله رب العالمين
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-30
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
لله في خلقه آيات ثلاث :
لله في خلقه آيات تكوينية
أيها الأخوة المؤمنون: إن لله في خلقه آيات ثلاث: له آيات كونية هي خلقه، وهذه ثابتة واضحة، السير في التفكر في آيات الله الكونية آمن وثابت، ولا مشكلة أبداً، وتفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.
وإن لله في خلقه آيات تكوينية، أي أفعاله، زلزال، صواعق، براكين، حروب أهلية، اجتياح، تدمير، حروب، هذه أفعاله.
وله في خلقه آيات قرآنية: كلامه، أمر واضح كالشمس، خلقه وأفعاله وكلامه. تفكروا في خلقه ما شئتم، الطريق سالك وآمن إلى الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، لكن الله جل جلاله أمرنا أن ننظر في أفعاله، ننظر في أفعاله في ضوء أقواله.
هناك قصف قد يدمر بلدا مسلما بأكمله
الحقيقة التفكر في أفعال الله من دون أن تستنير بأقواله طريق فيه ألغام كثيرة، تجد شعوباً كثيرة مقهورة مضطهدة جاهلة، وشعوب غارقة في الآثام والمعاصي والإباحية وكل أنواع الفجور وهي قوية ومستعلية، إن نظرت إلى أفعاله من دون أن تهتدي بأقواله هناك مطب كبير جداً، النظر في خلقه من دون قيد أو شرط، لكن النظر في أفعاله يحتاج إلى أن تستنير بأقواله، تنظر إلى أفعاله من خلال أقواله، ولأن المسلم يعيش كغيره من الناس، هناك أحداث - طبعاً هذا هو الدرس الثالث الذي لم أستطع أن أنفك فيه عن الموضوع الساخن الذي حولنا، هذا الموضوع موضوع مصيري- قد يأتي قصف يدمر بلداً مسلماً بأكمله، وهناك بلاد إسلامية عديدة جداً معرضون للقصف ومستهدفون، لذلك حتى في هذا الدرس الثالث لم أستطع أن أنفك عن هذا الحدث الضخم الذي ألمّ بالعالم كله، لكن كما أقول دائماً: هناك ألف منبر إعلامي، صحيفة، مجلة، محطة فضائية.... القائمون على هذه المنابر لهم أن يقولوا ما شاؤوا، ولكنك إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله لا يمكن إلا أن تستمع إلى ما في الكتاب والسنة من تفسير لما يجري، هنا مقيدون بمنهج، هنا مقيدون بحكم شرعي، هنا مقيدون بالوحيين الكتاب والسنة، هنا لا نستطيع أن نقول كلمة إلا وفق الكتاب والسنة، لكن لأن هذا الحدث ساخن جداً ولا يعفى أحد من التأثر به، عدو أو صديق، ولأن مستقبله خطير جداً، لابد من أن نبقى بهذا الحدث والموضوع الساخن .
التّولي و التّخلي :
العقل البشري دون وحي يدمر صاحبه
أيها الأخوة: الإنسان من دون وحي - وأنا أقول هذا مراراً - كالذي يملك عيناً حادة البصر من دون نور، حكمه حكم الأعمى، والعقل البشري من دون وحي يدمر صاحبه، أول وهم كبير تلاشى أن القوة هي كل شيء، وأن القوة هي التي تصنع الحق عند هؤلاء، وأنه ما من حصن لك كأن تكون قوياً، وقد غاب عن هؤلاء الأقوياء ما في القرآن الكريم من تعقيب على هذه المقولة، قالت عاد:
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
لمجرد أن تقول: إنه ليس هناك من هو أقوى مني، سيريك الله جل جلاله أن قوتك لا شيء أمام قوته، لذلك هذه الآية:
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾
[سورة الحشر: 2]
درس لنا، درس لكل مسلم على مستوى فردي، لا تقل: أنا متفوق، أنا متمكن، أنا عندي مال لا تأكله النيران، أنا مركزي قوي جداً في هذه الوظيفة، حينما تقول: أنا قوي تقع في مطب كبير، وقد يرتكب الذي يدعي هذه القوة حماقة ما بعدها حماقة، ويرتكب خطأ ما بعده خطأ، الحقيقة الله عز وجل أمرنا أن ننظر في أفعاله، أمرنا أن نتفكر في خلقه.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[سورة آل عمران: 190-191]
وأمرنا أن ننظر في أفعاله.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
[سورة الأنعام: 11]
الله يقذف الرعب في قلوبهم
الذين كذبوا بالوحي، وكذبوا بالدين، وآمنوا بالدنيا فقط، ونظروا بعين واحدة، وعينهم على الحياة الدنيا فقط، هؤلاء كيف أن الله يأتيهم من حيث لم يحتسبوا، وكيف أن الله يقذف في قلوبهم الرعب، القصص التي نسمعها عن انتشار الرعب والذعر في هذه البلاد العقل لا يصدقها، طائرة ضخمة جداً متوجهة من لوس أنجلوس إلى كندا فيها راكب يدخن، طلب منه أن يطفئ سيجارته فأبى، فخافوا منه، فرجعت الطائرة بعد أن أمضت ساعتين من الطيران، وحلقت إلى جانبها طائرتان عسكريتان خوفاً من أن تتجه إلى جهة، هاتف يأتي إلى مطار فرنسا أنه يوجد قنبلة، تغلق أبواب المطار تلغى الرحلات كلها، ساعتان تعطلت فيها حركة الطيران، والله أنا أستمع كل يوم إلى خبر لا يصدق يعيق حركة المطار عشر ساعات، راكب عنده دعابة جاءت المضيفة قال: هل يوجد إرهابي؟ قال: أنا إرهابي، وألغيت الرحلة وأخذوه إلى التحقيق ثلاث ساعات ! قال: أنا أمزح لا يوجد شيء من هذا.
فيا أيها الأخوة: أنا أريد أن أستفيد من هذا الذي وقع، يوجد آيات، والإنسان يقرأ الآيات فلا ينتبه إليها، إياك أن تقول: من أشد مني قوة؟ لا على مستوى جماعي، ولا على مستوى فردي، ولا على مستوى صاحب حرفة، لأنك تكون أول تاجر تصبح آخر تاجر، أنا أول مدرس تصبح آخر مدرس، أنا أول طبيب، يوجد طبيب تفوق تفوقاً يفوق حدّ الخيال، طبيب نسائي، و ذاع صيته، واعتز بعلمه، أثناء ولادة أراد أن يقطع المشيمة فقطع الرحم، وقطع الأمعاء، ولولا أنه أسعف هذه المريضة إلى مستشفى أخرى لسحبت منه شهادته، قائد فوج في الحج تفوق تفوقاً كبيراً فقدم له كتاب شكر، أذاع هذا الكتاب في الأوساط الدينية، في العام القادم كان فوجه أسوأ فوج! إياك أن تقول: أنا، الصحابة الكرام وفيهم رسول الله قالوا: لن نغلب من قوة فغلبوا في حنين.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾
[سورة التوبة: 25]
من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف :
الإعلام الغربي أخطر سلاح بيد الغرب
إذاً أنا أيها الأخوة أدعوكم إلى التأمل فيما جرى لا في ضوء التحليلات التي تسمعونها، لأن الإعلام الغربي خطير جداً، ورد ذكره في القرآن الكريم، من يذكر الآية؟ الإعلام الغربي أخطر سلاح بيد الغرب قال تعالى:
﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾
[سورة غافر: 29]
على لسان فرعون، أنت لا تستمع إلى خبر إلا إذا كان مستهدفاً من قبلهم، حتى تتحطم معنويات المسلم، حتى يخاف، حتى يستسلم، حتى يقعد، أنت إعلامك قرآني، فأول شيء من اعتمد على القوة وحدها فقد أخطأ الهدف، يجب أن تعتمد على الله وأن تسعى أن تكون قوياً.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾
[ سورة الأنفال: 60 ]
عندما تكون قوة القوي دون حكمة تصبح مدمرة
أما هؤلاء الذين بلغوا ذروة النجاح في القوة فلأنهم اغتروا، إذاً قوتهم كانت سبب تدميرهم، لذلك الآن يطرح في الإعلام أن القوة وحدها لا تكفي لابد من أن يكون مع القوة حكمة، ولولا الحكمة مع القوة لكانت القوة مدمرة لصاحبها، أنا أرى أن درس بدر وحنين درسان خطيران في حياة المسلمين، لمجرد أن تقول: أنا، يتخلى الله عنك، لمجرد أن تقول: الله، يتولاك الله.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
[سورة التوبة: 25]
وفي بدر:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
[ سورة آل عمران: 123 ]
أول درس نستفيده أن القوة وحدها لا تكفي، وأنها قد تؤدي إلى الغرور ومع الغرور الحمق.
النبي عليه الصلاة والسلام بالحكمة التي منحها الله إياها حوّل أعداءه إلى أصدقاء، والإنسان من دون حكمة يحول أصدقائه إلى أعداء، وأنا هذا أعده مقياساً دقيقاً، إذا كنت متفوقاً في تحويل كل صديق إلى عدو فojأنت بعيد عن حكمة الله بعد الأرض عن السماء، وإذا كنت متفوقاً في تحويل العدو إلى صديق فأنت تملك حكمة لا تقدر بثمن.
لا ينفع حذر من قدر :
لاينفع حذر من قدر
الشيء الثاني: أنه لا ينفع حذر من قدر، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، مهما كنت محتاطاً، مهما غطيت كل الثغرات تغطية تامة، لا ينفع حذر من قدر، ولكن ينفع أن تستعين بالله، كلما أخذت احتياطات مشددة.
أنا أذكر قصة لا أنساها مضحكة: أخ عنده مزرعة دعا أصدقاءه إليها، فجاؤوا قبله، والمزرعة لها باب كبير وشامخ، وعليها قفل كبير وحائطان، أين يجلسون؟ صعدوا فوق الباب وتمزقت ثيابهم، والبطيخة انكسرت، فلما دخلوا إلى المزرعة لم يجدوا لها سوراً، وكان بالإمكان أن يدخلوها من طرف آخر مشياً، فنحن نفكر بهجوم بعيد جداً، درع صاروخي، أي صاروخ يأتينا قبل مئات الكيلو مترات يُفجر إلكترونياً، فالذي يعتد بقوته قد يؤتى من حيث لا يحتسب، هذا درس بليغ لنا، لا ينفع حذر من قدر ولكن ينفع الدعاء مما نزل ومما لم ينزل، الدرس الثاني إذاً القوة مدمرة من دون حكمة، المقولة التي سمعتها هناك كثيراً أثناء زياراتي أن القوة تصنع الحق.
على الإنسان ألا يتمتع بالحياة وحده :
أنا كنت أقول: الحق ما جاء به الوحيان ولكنه يحتاج إلى قوة، الآن يقال وأنا سمعت هذا بأذني أن القوة وحدها لا تكفي، لابد لها من حكمة، فإن لم يكن معها حكمة فهي قوة مدمرة، هذا درس لنا، لماذا أمرنا بدفع الزكاة؟ قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾
[ سورة التوبة: 103 ]
الظلم الاجتماعي يولد أحقادا لا تنتهي
تطهرهم من ماذا؟ قال: تطهر الفقير من الحقد، والغني من الشح، أنت مستحيل أن تعيش وحدك، وأن تأكل وحدك، وأن ترتدي أجمل الثياب وحدك، أن تأتي لأولادك بكل ما لذّ وطاب، وأن تتغافل عمن حولك، الفقراء الجائعون المحتاجون، فإن لم تفعل غرست فيهم الحقد، وهذا الحقد سوف يصبح قوة مدمرة، ولا أبالغ إن ما تعانيه البشرية من هؤلاء المحرومين من دون إيمان عميق يمتلئون حقداً، فهناك ظلم عام، ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( تُمْلَأُ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ))
[ أحمد عن أبي سعيد]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ألم يقل عليه الصلاة والسلام:
(( يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه ))
[ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]
كم مأساة جرت في العالم ولم يعبأ بها الإعلام الغربي؟ هل تذكرون راوندا بإفريقيا ذبح خمسمئة ألف و لم يحركوا ساكناً، لكنهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على ستة آلاف، بجنوب أفريقيا ذبح خمسمئة ألف في يومين، حتى أن مياه النيل أصبحت حمراء! في الصرب ذبح عشرة آلاف من المدنيين ودفنوا في مقابر جماعية، لو ذهبت إلى أن أعدد ما يجري في العالم من مآسي في هورشيما ونكزاكي قتل ثلاثمئة ألف بثلاث ثوان بقنبلتين ذريتين! أينما ذهبت تجد مذابح و حروباً... الحرب العالمية الثانية خمسون مليون قتيل، فهناك مآس كبيرة، هذا المظلوم لابد من أن يحقد، وإذا حقد لا يملك شيئاً يخاف عليه، هنا قوته.
قصة قديمة: أذكر مرة إنساناً عمل عملاً استشهادياً في الأرض المحتلة وقتل سبعة عشر إسرائيلياً، وكان قد رفض في ذلك الوقت وزير الدفاع ذكر اسمه، فلما دخل إلى المجلس النيابي عندهم ضجّ النواب و بدؤوا يقرعونه فقال كلمة بليغة: ماذا أفعل بإنسان جاء ليموت؟ القوة أين تكمن؟ أن هذا الذي تهدد أن تقتله هو جاء طواعية، هذا الذي جاء ليموت يهدد أكبر قوة في العالم.
كاد الفقر أن يكون كفرا
فلذلك أيها الأخوة عندما قال سيدنا علي: كاد الفقر أن يكون كفراً، فأنت أيضاً أيها الأخ درس ثان لا تتمتع بالحياة وحدك، وزّع، أطعم من حولك، ألبس من حولك، لا تكن أنانياً، يجب أن يعيش هذا المجتمع برفاه ما بعده رفاه، الطائرة الخاصة شيء طبيعي جداً، اليخت الخاص طبيعي جداً، مستوى المعيشة يفوق حدّ الخيال، الرقم فلكي، تجد الرجل معه ملايين، كل فرد له سيارة، لا يوجد بيت فوق بيت بكل أمريكا! كله فلل، والمساحات الخضراء أضعاف مساحة البيوت، و المسابح المدفأة، والمركبات الفارهة، والأسعار الرخيصة، والحاجات الميسورة، إذا كان في الأرض جنة فهي هناك، لكنهم ليسوا إنسانيين، بل هم عنصريون، بمعنى أنهم يمتعون شعبهم فقط على حساب بقية الشعوب، فأنت حينما تأكل وحدك، وتسكن وحدك، وتتمتع بالحياة وحدك، هذا الطرف الآخر سوف يحقد، وليس عنده شيء يخاف عليه، سوف يغدو قنبلة لك، هذا بالعمق، طبعاً لا يعنينِي مَن فعل هذا قبل أن تأتي التحقيقات، لكن يوجد ظلم عام بالأرض.
العنف لا يعالج بالعنف بل يعالج بالعدل :
أخواننا الكرام: توجد مقولة دقيقة جداً والله سمعتها منذ عشرين سنة: بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، ماذا يفعل سلاح نووي تملكه أعظم دولة أمام إنسان إذا أراد أن يموت فسبب مشكلة لا تنتهي؟ أنا لا يعنيني في هذا الدرس لا أسماء بلاد ولا أسماء شعوب ولا أسماء دول، يعنيني حقائق مطلقة، أنا كمسلم رأيت وسمعت حدثاً كبيراً بالعالم قد يكون أكبر حدث كان له أثر كبير، يعنيني كيف أفهم هذا الحدث من كتاب الله، لذلك الله عز وجل عادل، يعطي الإنسان قوة، ويعطي الضعيف قوة من نوع آخر.
مقابل تفوق العدو هناك إنسان يحب الموت في سبيل الله
من التعليقات اللطيفة أن وحيد القرن عندهم قال: أيعقل أن ألقِي صاروخاً بلغت كلفته مليوني دولار على خيمة بلغت كلفتها عشرة دولارات؟ قوة الضعيف لا شيء عنده يخاف عليه، كلها بيوت من اللبن والخيم لا يوجد هدف اضربوا كما شئتم، الضعيف عنده قوة، أحياناً قوته كامنة في ضعفه، توجد حكمة إلهية كبيرة جداً، والإنسان المتغطرس يخشى أن يأتي إليه تردد عشرة أيام، فلذلك بدأت الحرب بالإنسان وانتهت بالإنسان، فمقابل القوى العاتية الجبارة مقابل التفوق التكنولوجي في الأسلحة يوجد إنسان يحب أن يموت في سبيل الله.
أعتقد أن في عام تسعة وستين كان هناك كتاب للمرحلة الثانوية مقرر، كتاب مشهور اسمه معذبو الأرض، وكان هذا الكتاب لإنسان مفكّر إفريقي، محور الكتاب أن العنف لا يلد إلا العنف، وكل إنسان يتاح له أن يؤذي، قبل يومين دخل إنسان إلى البرلمان السويسري وقتل ستة عشر شخصاً، لم يقولوا عنه إرهابياً قالوا: عنده مشكلة نفسية! انحياز لا يحتمل، هذا يعني أن أي إنسان ممكن أن يؤذي، مهما تحصنت، قد يؤتى الإنسان من مأمنه، فلذلك الحياة تستقيم بالعدل، متى يزول العنف؟ إذا زال الظلم فقط، مهما تحصنت، وأخذت احتياطات مشددة، الله عز وجل قد يأتي إلى هذا المتغطرس من مأمنه، يؤتى الحذر من مأمنه.
أنا أقول دائماً أيها الأخوة: الطبيب الناجح إذا رأى ارتفاع حرارة من الخطأ الفادح أن يعطي المريض خافضات للحرارة فقط، يجب أن يبحث عن أصل الداء، أصل الداء يوجد التهاب، ما لم يعالج الالتهاب لن يشفى المريض، وأنا أقول لكم الآن: ما يجري في العالم لا يُزال بضربة انتقامية، العنف لا يُزال بعنف مثله، قتل الأبرياء لا يعالج بقتل أبرياء، بل إن قتل الأبرياء إذا كان علاجاً لقتل أبرياء سيوقع شرخاً في العالم لا حدود له، يجب أن تبحث عن سبب هذا العنف، سببه ظلم عام على مستوى الشعوب لا على مستوى الأفراد.
ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً :
أيها الأخوة: هناك نقطة دقيقة جداً الإنسان لو لم يرتد ثياباً شكله لا يحتمل، الله عز وجل جملنا بالثياب، و الإنسان حينما يكيل بمكيالين لا يحتمل أبداً، لا يحتمل، لو أن الأب يعامل ابنته غير ما يعامل زوجة ابنه، البنت مغفور ذنبها، أما الكنه فتعامل بقسوة بالغة، فإنه يكيل بمكيالين، أحياناً إنسان يعامل ابنه يتمناه أن يكون طبيباً، يدفع له ملايين الليرات كدروس خاصة، لكن إذا عنده صانع يتيم وطلب منه الذهاب قبل ربع ساعة من نهاية الدوام ليلتحق بمدرسة ليلية لا يسمح له، لأنه بنظره عندما يتعلم يخرج عنه، وكل إنسان يكيل بمكيالين ساقط من عين الله بشكل عام، أنا كنت مرة بمحل تجاري فيه صانع وهناك ابن صاحب المحل، هذا المحل هو محل أقمشة، حمّل الصانع أول توب وثاني توب وثالث توب لم يعد يحتمل قال: لم أعد أستطع، قال له: أنت شاب، ابنه حمل توباً واحداً قال له: بابا انتبه لظهرك! كم هذا الموقف بشع! كل إنسان يكيل بمكيالين تحتقره وتلعنه، والدنيا كلها تلعنه، يذبح ثلاثمئة ألف بالشيشان يقولون: شأن داخلي، تصبح مشكلة بأندونيسيا يقولون: حقوق الإنسان، لماذا هنا حقوق إنسان وهنا شأن داخلي؟ يعتدي المعتدي نقول للمعتدى عليه: اضبط نفسك، والمعتدي ندعمه.
ازدواج المعايير مشكلة كبيرة
الحقيقة العالم كله يشكو من الكيل بمكيالين، يصير حدث بمنطقة تجد الدول كلها تجمعت، يصيب منطقة ثانية كثيراً من المآسي تحت التعتيم الإعلامي، فالطرف الشارد عن الله يكيل بمكيالين.
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال:
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ))
[متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين ]
لذلك أيها الأخوة: ازدواج المعايير مشكلة كبيرة جداً، نحن لا يعنينا الأمور الكبيرة، يعنينا أنت بحياتك اليومية في معاملتك لأصهارك وبناتك وأولادك لا تكيل بمكيالين، مكيال واحد، مقياس واحد، كلما كلت بمقياس واحد علوت في نظر الناس، وكلما كلت بمقياسين سقطت من عين الله.
وأقول لكم مرة ثانية وهذه والله قناعتي: قتل الأبرياء لا يقبله أحد لكن لا يعالج بقتل أبرياء، والعنف لا يعالج بالعنف، يعالج بالعدل.
التوحيد لا يلغي العدل و المسؤولية :
الفكرة الثالثة في هذا الدرس دقيقة جداً: الله عز وجل حينما يسمح لهذا الحدث أن يقع بصرف النظر عن مشروعية فاعله، هذا الذي تحدث عن السيدة عائشة ورماها بالزنى عمله مشروع؟ أجيبوني؟ لا، قال:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
لكن لماذا سمح الله به؟ لحكمة كبيرة جداً فقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توجد آيتان، الآية الأولى:
﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾
[سورة النور: 11]
توحيدياً، والآية الثانية:
﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[سورة النور: 11]
عدلاً، معنى ذلك التوحيد لا يلغي العدل، الفكرة دقيقة، مريض جاء للإسعاف والطبيب يقرأ جريدة، وأمامه ممرضة يغازلها، الآن انتظر فمات المريض، إذا قال: المريض مات بأجله يعاقب عليها، هو مات بأجله، لكن التوحيد لا يلغي العدل والمسؤولية، لأن هذا الذي حدث حدث بمشيئة الله وسمح الله به، ليس معنى هذا أن الذين فعلوه مغطون، لا هذا موضوع ثان، سآتيكم بالأدلة، لكن حينما يسمح الله لمثل هذه الأحداث أن تقع الهدف هو الفرز، بهذا الحدث كشف كل شيء، كشف العالم.
العالم فريقان حق و باطل :
العالم فريقان: حق وباطل
العالم فريقان: حق وباطل، في بدر كشف المؤمنون، بالخندق ماذا قال ضعاف الإيمان؟
﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[سورة الأحزاب: 12]
ماذا فعل أقوياء الإيمان؟ قال:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
[سورة الأحزاب: 23]
هذا يعني أنه فرز، لذلك:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
[سورة الأحزاب:10-11]
بالخندق فرزوا، وبأحد فرزوا، وبحنين فرزوا، وبالهجرة فرزوا، ونحن نفرز كل يوم، حق وباطل، أحياناً جامعو الأموال قد يأخذون أموال هؤلاء بالباطل، فضعاف الإيمان يلجؤون للبنوك، ما جرى في هذا البلد من خطأ جسيم من قبل جامعي الأموال كان فرزاً للناس، ضعيف الإيمان قال: البنك أفضل لنا لأنه آمن ولم يعبأ بتحريم الله له، فأنا أرى أنه ما من حدث يقع إلا وفيه فرز للمؤمنين، وهذا فيه فرز، نحن جميعنا مؤمنون والحمد لله، رواد المساجد كثر، صار الإنسان الذي يخاف مما سوى الله مشرك، و الذي خاف من الله وحده مؤمن، قال:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾
[سورة آل عمران: 175]
هذا فرز، من يخاف من الله وحده هذا المؤمن الموحد، من يخاف مما سوى الله، من هذه القوى الجبارة، هذا مشرك.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
[سورة آل عمران: 173]
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة آل عمران: 175]
في الفكرة الثانية موضوع الفرز، مثل هذه الأحداث الكبرى سمح بها من أجل أن يفرز الناس إلى فريقين، دققوا في هذه الآية هذه قالتها عاد الثانية.
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
ماذا ردّ الله عليهم؟ قال:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾
[ سورة فصلت: 15 ]
عود نفسك أن تقبل النقد
وهذه الآية تنطبق انطباقاً تاماً على ما جرى، الإمام الشافعي له كلمة رائعة قال: " أنا على حق وخصمي على باطل وقد يكون محقاً" احتمال أي إنسان يتوهم أن الحق معه دائماً وكل من سواه على باطل، هذا إنسان أحمق، أصغ للآخرين، قرأت من يومين كلمة أعجبتني: إن أردت أن تعزل إنساناً عزلاً تاماً حتى يختل توازنه توجد طريقتان أن تضعه في المنفردة هذه واضحة، والطريقة الثانية: أن تحيطه بالمنافقين، كلما قال كلمة صدقوه، هذا عزلته عزلاً كاملاً، نوع من أنواع العزل، كل من حولك منافق، كلما قلت كلمة صدقوك لمصلحة يريدونها منك، فهذا عزل عن الحقيقة، لذلك عود نفسك أن تستمع للنقد الجارح، عود نفسك أن تقبل النقد وتدرس النقد، عود نفسك أن تكون جريئاً وتتفهم الحقيقة المرة، فكل إنسان لا يسمع إلا ما يحلو له، إنسان معزول منتهٍ.
طبعاً أنا مضطر أن أروي هذه الطرفة لأنها تحل مشكلة كبيرة: العالم الجليل الشيخ نور الدين الحسني معروف، كان مع إخوانه في نزهة في الغوطة والبستان مسقي فيه طين، جاء إنسان بعيد عن كل أنواع اللباقة راكب بغلاً، يسير سيراً يرمي بالطين على طرفي الطريق، والشيخ يمشي مع إخوانه وهو من كبار شيوخ الشام، فنبهوه انتبه انتبه لكن اتسخت ملابسه من الأعلى إلى الأسفل، فقام أخ فقتله حتى كاد أن يميته، سأله الشيخ: هل هذا صحيح ؟ ليس مغطى شرعاً ! قال: ما أفلح قوم لا سفيه لهم.
الابتعاد عن إحراج المسلمين :
لكن آخر فكرة في هذا الدرس وهي من أهم أفكاره قوله تعالى:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
أتقن عملك لتظهر كمال دينك
الآية واسعة جداً، لو فرضنا دائرة أو مؤسسة فيها مسلم وغير مسلم، المسلم كذب، عمل تصريحاً كاذباً، أو لم يتقن عمله، أو أهمل عمله، والكافر كان منضبطاً، ماذا فعل المسلم بهذا الكافر؟ أوهمه أنه على حق، وأن كفره هو الحق، وأن هذا الذي فعله المسلم ينطلق من إسلامه، فحينما تجعل كافراً يتشبث بكفره، ويعتز به، ويرتضيه، ويتوهم أنه هو الأصل، وأن هذا الدين الذي فعله المسلم دين باطل، يكون الكافر تشبث بكفره بسبب خطأ المسلم، هذا الموضوع ليس له علاقة بما يجري، له علاقة بأعمالنا اليومية، أتقن عملك، فإذا كان هناك إنسان غير مسلم ورآك لا تتقن عملك يعزو عدم الإتقان إلى دينك لا إلى ذاتك، إذا أديت تصريحاً كاذباً وأنت مسلم ووقع هذا التصريح بيد إنسان غير مسلم يعزو كذبك إلى إسلامك، فأنت جهدك الكبير ألا تسبب حرجاً للمسلمين، وألا تسبب حرجاً لهذا الدين العظيم، وهذا الدعاء الشهير القرآني:
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾
[سورة الممتحنة: 5]
لكلّ شيء حقيقة :
أيها الأخوة: آخر شيء أقوله في هذا الدرس: لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن لكل واقع حكمة، بصرف النظر عن الموقع كان حكيماً أو لم يكن حكيماً، والحكمة التي تستنبط من كل واقع متعلقة بالخير المطلق، والله عز وجل يوظف الشر النسبي إلى الخير المطلق، ونحن نرجو الله سبحانه وتعالى من أعماق قلوبنا أن يحفظ لنا بلادنا، ويحفظ لنا من معنا، وأولادنا، وذرياتنا، وأن يحفظ بلاد المسلمين جميعاً من كل سوء، وأن يتولى الله سبحانه وتعالى الدفاع عنا كما وعدنا، إن الله يدافع عن الذين آمنوا، لكن كما قلت: هذا اسمه حادث فرز، الهجرة فرز، الخندق فرز، حنين فرز، أحد فرز، وكل حدث كبير هو فرز بالحقيقة، والله عز وجل يلهمنا الصواب، والفهم الصحيح، نحن هنا في بيت من بيوت الله، ولا ينبغي أن يلقى فيه إلا ما جاء في الوحيين من الكتاب والسنة، والحمد لله رب العالمين.
أسئلة و أجوبة :
س : يقول أخ: ما قولك بالمثل الذي لا يخاف من الله خف منه ؟
ج: لا شيء فيه، إذا إنسان لا يخاف من الله هذا يعني أنه شرير فخذ حذرك منه.
س: أخ يقول: أنا شاب غافل عن الله، وأشكو مرض البعد عن الله، فأرجو منك نصيحة تغيرني إلى شاب من أهل الله، وقد كنت بعثت لك عدة أوراق أسألك فيها وأنت لا تجيبني، فأرجو الإجابة.
ج: بالدين لا يوجد شيء أن تقول كلمتين فتصبح لله، تحتاج إلى إرادة قوية، وإلى متابعة، وإلى التزام، لكن لا يوجد عندنا دواء سحري أن يكون الإنسان غافلاً شارداً مشتتاً يقول هذا الدعاء فيصبح ولياً، لا يوجد عندنا كهذا الشيء أبداً، عندنا من يبحث عن الحقيقة فيحضر دروس العلم، يستمع بوعي إلى ما قيل فيها، يطبقها، النبي الكريم كان يقول إذا دخل إلى المسجد: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، فإذا خرج منه يقول: "اللهم افتح لي أبواب فضلك"، جاء إلى بيت الله وتلقى التعليمات من الوحيين الكتاب والسنة وخرج من بيت الله ليعمل بما سمع، فلما الإنسان يؤدي الصلوات أداء متقناً، ويغض بصره عن محارم الله، ويغض أذنه عن الغناء، ويضبط لسانه عن كل غيبة ونميمة، وعن كل كلام فاحش، ويؤدي الحقوق، ويكسب المال الحلال، دون أن يشعر يجد نفسه مع الله، شيء سهل جداً، الله عز وجل قريب:
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[سورة الأعراف: 56]
استقم على أمر الله، وأحسن إلى خلقه، تجد نفسك مع الله.
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[سورة الكهف: 110]
والحمد لله رب العالمين
رد: فرز المؤمنين في الزمن الصعب .
3043
موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 041: حكمة الله مما يجري من الأحداث .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-10-07
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
كل شيء وقع أراده الله :
أيها الأخوة المؤمنون: كنت أقول لكم دائماً أن كل شيء وقع أراده الله، والمؤمن أحياناً يتساءل ما حكمة الذي وقع ؟ كلما كان إيمانه متيناً أيقن غيباً أن هناك حكمةً لو لم يرها هو موقن بوجودها لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
[ سورة آل عمران: 26]
لم يقل : بيدك الخير والشر، الإنسان لو أنه نظر نظرةً سطحيةً لما حدث في الحادي عشر من شهر أيلول لظن أن هذا الذي حدث أتى على ما يسوء المسلمين ولكن ما الذي يعلمنا أن الذي حدث لصالح المسلمين ؟ أهم فكرة في هذا اللقاء أن الواحد منا هل يخطر له في بال أن يقرأ عن ديانة السيخ ؟ شيء لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، هل يتجشم مشقة السفر إلى هناك ؟ هل تسخو نفسه بشراء كتاب ليقرأ عن دينهم ؟ كذلك الإسلام في بلاد الغرب بعيد عن اهتمام الناس جميعاً بل إن هناك كلاماً مغرضاً، الإسلام يصوَر بصورة منفرة جداً، فقضية الدين الإسلامي وقضية القرآن بعيدة عن اهتمام الطرف الآخر بعداً لا حدود له.
أثر أحداث الحادي عشر من أيلول على الإسلام :
جاءتني رسالة من أمريكا وجدتها من الأهمية بمكان أن أقرأها لكم، من خلال قراءتها يتضح لكم عكس ما يتوهمه المسلمون من آثار سلبية لهذا الذي حدث.
كاتب هذه الرسالة طبيب في بوسطن يقول: أكتب هذه الكلمات فجر يوم السبت الموافق للثاني والعشرين من شهر أيلول عام 2001 أي بعد أحد عشر يوماً من جريمة الهجوم على واشنطن ونيويورك، طبعاً لا الإسلام ولا غير الإسلام يوافق على قتل المدنيين، قال: وهي أحد عشر يوماً مشهودة عاشها المسلمون في أمريكا والعالم أجمع ، وقد أحببت في مقالي هذا أن تشاركونني مشاعري الخاصة التي صاحبت هذه الأيام الأحد عشر يوماً بيوم.
يقول هذا الطبيب وهو داعية من دعاة المسلمين في بوسطن: استيقظت صباح الثلاثاء الحادي عشر من أيلول على رؤيا رأيتها قبل صلاة الفجر رأيت جبالاً جرداء تهتز من حولي كأنها زلزال عظيم وأنا أتلو في منامي قول الله سبحانه وتعالى: وما قدروا الله حق قدره. وذهبت إلى عيادتي وسمعت من أول مريض لي عن الطائرة الأولى التي ارتطمت بمركز التجارة العالمي، أول مريض أبدأه بالطائرة الأولى التي ارتطمت بمركز التجارة العالمي، و سمعت بالطائرة الثانية من مريضي الثاني، وبدأ الإعلام الغربي منذ اليوم الأول يلمح بأن هناك أياد مسلمة وعربية خلف ما حدث، وفي تمام الساعة الثانية عشرة اجتمع أمناء المركز الإسلامي في بوسطن وإدارته ولجانه وإمامه اجتماعاً طارئاً وكنت معهم على الهاتف من عيادتي- يبدو أنه عضو بارز في المركز الإسلامي في بوسطن فكان معهم مجتمعاً من خلال الهاتف من عيادته- وقررنا القيام بحملة للتبرع بالدم لهؤلاء الجرحى والمنكوبين، وكونا لجنة للاتصال بالصليب الأحمر الأمريكي والترتيب معهم، ودعونا الإعلام لتغطية الحدث، واتصلنا بسلطات المدينة والولاية فسارعوا لتسخير رجال الأمن لحماية المركز الإسلامي وممتلكاته وزائريه- يبدو أن هناك هجمةً كما تسمعون شرسةً جداً على كل مسلم أو على كل امرأة محجبة أو على كل مركز إسلامي- وكان يوماً عصيباً علينا جميعاً، وكنا نتلهف على أية معلومة تبعد التهمة النكراء عن الأيدي المسلمة العربية - يتمنون أي دليل يبعد عن المسلمين والعرب هذه التهمة التي كما يتوقعون سوف تجر لهم الويلات- وفي يوم الأربعاء وهذا اليوم الثاني الموافق للثاني عشر من أيلول انهالت علينا الصحف وقنوات التلفاز والمذياع تمطرنا بالأسئلة من كل مكان ودعيت إلى قناتين تلفزيونيتين وعدة صحف محلية ودولية ونحن نحاول أن نثبت إنسانيتنا كبشر وأننا برآء مما حدث.
يقول: نعم إخوتي وأخواتي كنا نحاول أن نثبت إنسانيتنا، وفي يوم واحد وجدنا أنفسنا نقف على ثغر مفتوح وينهال علينا الهجوم من كل مكان وقلوبنا تدمع ولسان حالنا يقول: - الآن دققوا في هذه الكلمة - إن الدعوة إلى الله وإلى الإسلام قد تراجعت خمسين عاماً إلى الوراء في أمريكا والعالم أجمع بسبب ما حدث.
وفي يوم الخميس الموافق للثالث عشر من أيلول اجتمع في الساحة المقابلة لمقر عمدة مدينة بوسطن آلاف الأشخاص، وتحدث رؤساء الديانات بما فيهم المسلمون، وشرح موقف الإسلام من هذه الجريمة، وشاهد الملايين ذلك، واستمعوا إلى القرآن الكريم أيضاً، وحدث مثل هذا في كل ولايات أمريكا، وفي يوم الجمعة دعينا مرةً أخرى للمشاركة في عدة برامج تلفزيونية وقد شاركت في أحد هذه البرامج كما شارك في صلاة الجمعة في المركز الإسلامي للجمعية الإسلامية في بوسطن في خيمة مخصصة هناك رؤساء الكنائس المجاورة، وعمدة مدينة كامبردج، وساروا مع المسلمين تضامناً معهم حتى مقر عمدة المدينة، وشرح الإسلام للحاضرين تحت تغطية إعلامية وتناقلت ذلك وسائل الإعلام.
وفي يوم السبت الموافق للخامس عشر من أيلول ذهبنا إلى أكبر كنيسة في بوسطن تلبية لدعوة رسمية للجمعية الإسلامية في بوسطن لتمثيل الإسلام في دعوة خاصة لأعيان المدينة، وقد حضر عمدة المدينة ورؤساء الجامعات وقد زاد عدد الحاضرين على الألف تحت تغطية إعلامية من إحدى قنوات التلفزيون الرئيسة في بوسطن واستقبلنا استقبال السفراء، وجلست في أول صف، وتحدث كبير القساوسة في خطبته فدافع عن الإسلام كدين سماوي، وأعلم الحاضرين بوجودي ممثلاً للجمعية الإسلامية في بوسطن، وبعد الانتهاء من المحاضرة وقف بجواري كبير القساوسة وقرأت البيان الرسمي الذي صدر من كبار علماء المسلمين، والذي يدين هذا العمل، ويشرح موقف الإسلام، وبينا مبادئه وتعاليمه السامية، ثم قرأت ترجمة آيات من القرآن الكريم باللغة الإنكليزية أولاً ثم رتلتها باللغة العربية وارتفع قول الله تعالى:
﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾
[ سورة المائدة: 32]
وقوله تعالى:
﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾
[ سورة الحجرات: 13 ]
وقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة المائدة: 8 ]
وكانت لحظات لن أنساها، انقلبت فيها الكنيسة إلى بكاء عند سماع آيات من كلام الله تعالى على الحاضرين، وانهالت المشاعر الفياضة علينا فيقول أحدهم لي: إنني لا أفهم العربية ولكن ما نطقت به هو من كلام الله لا شك، وأخرى تضع في يدي ورقة وهي تغادر الكنيسة باكيةً وتكتب فيها اغفروا لنا ماضينا وحاضرنا و ادع لنا، وآخر يقف على باب الكنيسة وينظر إلي بعينين دامعتين ويقول: أنتم خير منا، وطلب كثيرون مني عنوان الجمعية الإسلامية في بوسطن لزيارتها والاستماع للمحاضرات الأسبوعية وسماع القرآن يتلى أثناء الصلاة، وفي لحظات قليلة أحسست بحكمة الله تعالى تعمل بطريقتها التي لا يدركها أحد، ولن تدركها عقولنا المتواضعة، وقامت أكبر القنوات التلفزيونية بتغطية الحدث وإجراء مقابلة معي بعدها.
وفي يوم الأحد الموافق للسادس عشر من أيلول قامت الجمعية الإسلامية في بوسطن بتوجيه دعوة مفتوحة في مقر المركز، ولم نتوقع أكثر من مئة شخص، وكانت مفاجأة لنا أنه قد حضر أكثر من ألف شخص إلى مقر هذه الجمعية من الجيران، ومن أساتذة الجامعات ورجال الدين، بل حضر كبار القساوسة من الكنائس المجاورة التي دعينا إليها لإلقاء كلمات عن الإسلام، وتحدث الجميع تضامناً مع المسلمين، وانهالت علينا أسئلة كثيرة تريد أن تعرف ما الإسلام ؟
الإسلام هو شغل العالم الشاغل :
أسس الغرب حياته المادية على ظلم الشعوب
الآن أيها الأخوة هناك حاجة في العالم كله إلى أن يعرفوا الإسلام، فيما يبدو لي والله أعلم مع أن هناك أخباراً سيئة جداً، مع أن هناك خطراً على كل المسلمين، لكن فيما يبدو لي أن الدعوة إلى الله قفزت قفزةً نوعية لم تكن لتقفزها في مئة عام قادمة، الإسلام هو شغل العالم الشاغل، العالم كله الآن يوجد حياة مادية أساسها اللؤم، أساسها الغلبة، أساسها القوة، أساسها الاستكبار، أساسها البطش، أساسها الظلم، أساسها النظر إلى مصلحة جهة واحدة على حساب مصالح الشعوب، الطرف الآخر في دين الحق، في الدين الإلهي دين العدل، دين الإنسانية، دين المساواة.
أكاد أقول لكم إن القضية الأولى الآن في العالم هو الإسلام، بل إنه بلغني أن الكتب الإسلامية فقدت كلها كلياً من أوربا وأمريكا، هناك من اشتراها، وقد حدثني من أثق به، الأستاذ بسام أسطواني الذي حدثكم قبل أسبوعين، حدثني أنه من خلال حرب الخليج أسلم عشرين ألف أمريكي من الضباط والجنود وقد عين لهم أحد دعاة واشنطن ليكون مرشداً دينياً لهم في الجيش، الأخبار ليست طيبة، التهديد شديد، ومصالح المسلمين مهددة في العالم، لكن الأخبار الدعوية طيبة جداً، أراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر دينه، أراد أن يدفع الناس إلى معرفة الإسلام، هناك بواعث كثيرة.
ردة فعل العالم الغربي تجاه الإسلام :
نتابع هذه الرسالة: وفي يوم الأحد السادس عشر من أيلول قامت الجمعية الإسلامية في بوسطن بتوجيه دعوة مفتوحة في مقر المركز، ولم نتوقع أكثر من مئة شخص وكانت المفاجأة أنه حضر أكثر من ألف شخص من الجيران، ومن أساتذة الجامعات، ومن رجال الدين بل حضر كبار القساوسة من الكنائس المجاورة التي دعينا إليها لإلقاء كلمات عن الإسلام، وتحدث الجميع تضامناً مع المسلمين، و انهالت علينا أسئلة كثيرة تريد أن تعرف عن الإسلام وأن تفهم تعاليمه، ولم يكن بين الأسئلة سؤال واحد تهجمي.
هؤلاء الذين حضروا إلى المركز الإسلامي في بوسطن وسألوا كثيراً ولم يكن من بين أسئلتهم سؤال واحد تهجمي بل العكس من ذلك فقد رأينا الأعين تدمع وهي تسمع عن الإسلام ومبادئه السامية، ومنهم الكثير ممن لم يسمعوا عن الإسلام شيئاً، ما هو الإسلام؟ ما هو هذا الدين؟ أحياناً إنسان ذكي يقول لك: ضربت عصفورين بحجر، خالق الأكوان إذا حقق مليون هدف بحادث واحد كثير! مليون هدف، أدّب أناساً، وعاقب أناساً، وفرز أناساً، وامتحن أناساً، وظهر من هو الخائف، ومن هو المؤمن، وظهر من هو الذي مع المسلمين، ومن الذي ضد المسلمين، الله فرز وأدّب ونبه وبيّن ولفت نظر، أنت استسلم لله.
قال: منهم الكثير من لم يسمعوا من قبل عن الإسلام شيئاً، لم يسمعوا عن الإسلام إلا من وسائل الإعلام المغرضة ، والله الطرف الآخر أيها الأخوة يشوه سمعة المسلمين لدرجة لا تصدق، المسلم يصورونه مجرماً جاهلاً، وحشاً فقيراً، يوجد كثير من الأعمال الفنية تمت في أمريكا المسلم إنسان يقتل ألف شخص ويصلي وهو يصلي يقع المصحف من جيبه، وهذه السيارة التي تركت في مطار بوسطن وفيها مصحف هذا كيد يهودي.
قال: ودعيت مرةً أخرى في نفس اليوم لأشارك في اللقاء الذي عقد في الكنيسة التي شاركت فيها في اليوم السابق، وتكرر الحدث، وتكرر المشهد، وتكررت المشاعر، وتكررت رغبة الكثير في زيارة المركز الإسلامي لمعرفة المزيد عن الإسلام، وسماع كلمات الله تعالى تتلى على أسماع هؤلاء، وتكررت الدعوات التلفزيونية، والتغطية الإعلامية، والمشاركة يومي الاثنين والثلاثاء، فاستضافتنا أكثر من خمس قنوات تلفزيونية، وفي يوم الأربعاء دعينا من قبل عمدة المدينة المجاورة لشرح موقف الإسلام أمام آلاف من سكان المدينة، وتلي القرآن على الآلاف، وغطى الإعلام كل ذلك، وفي يوم الخميس زار مركز الجمعية الإسلامية في بوسطن بعثة من ثلاثمئة طالب وطالبة وأساتذة للجامعات في هارفارد - وهي من أضخم الجامعات في أمريكا - برفقة سفرة الولايات المتحدة في فينا، وجلسوا جميعاً على أرض المسجد، وامتلأ المكان، وشرحنا تعاليم الإسلام الغراء، ودفعنا الشبهات التي تثار حوله، وقرأت آيات القرآن عليهم مرةً أخرى، ودمعت العيون، وتأثر الحاضرون، وطلب كثير منهم الحضور للمشاركة والاستماع للدروس الأسبوعية التي يعقدها المركز الإسلامي لغير المسلمين، ودعيت في اليوم نفسه للمشاركة في برنامج على مستوى أمريكا كلها مع بروفيسور في جامعة هارفارد لمناقشة الحقوق المدنية والإنسانية للمسلمين، وشارك في البرنامج أخوة وأخوات لنا كثيرون.
وفي يوم الجمعة الموافق للحادي والعشرين من أيلول شارك المسلمون في اجتماع مغلق، وتمت مناقشة إدخال مادة لتعليم الإسلام في المدارس، بحثوا موضوع إدخال مادة لتعليم الإسلام في المدارس كمنهج دراسي لتوعية الشعب، ومحاربة العنصرية ضد المسلمين والناجمة عن جهل الشعب الأمريكي بالدين الإسلامي، وتمت الموافقة والتأييد من حاكمة الولاية وبدأ الخطوات لدراسة كيفية تحقيق هذا الهدف، وفي أكبر محطة إخبارية سي ن ن خصصت حيزاً يومياً للتعريف بالإسلام.
لا يقع شيء في ملك الله إلا بمشيئة الله :
قال: وما ذكرت لكم إلا أمثلة لما حدث ويحدث في مدينة بوسطن هذه الأيام، ويحدث مثل ذلك في كثير من المدن الأمريكية الأخرى، إن الدعوة إلى الله لم تتقهقر ولم تتراجع خمسين عاماً كما كنا نحسب في الأيام الأولى، وإنما شهدنا أحد عشر يوماً هي بمثابة أحد عشر عاماً في تاريخ الدعوة إلى الله، وها أنا أكتب إليكم اليوم هذه الكلمات وكلي ثقة أن الإسلام سينتشر إن شاء الله في أمريكا والعالم أجمع خلال الأعوام القادمة.
يستمر الغرب في عدوانه على الدول الآمنة
والشيء الثابت أيها الأخوة أن أسرع الديانات انتشاراً هو دين الإسلام، طبعاً أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أخوتنا هكذا سمعت أنه بدأ القصف على أفغانستان، قلت لكم الأخبار سيئة جداً لكن ينبغي أن نتوازن، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ....دعوة أخ لأخيه في ظهر الغيب فإنها لا ترد ))
[الطبراني فى الكبير والأوسط، والبزار عن ابن عمر]
فإذا صليتم الفجر أو العشاء أو أي صلاة ادعوا الله أن يحفظ إخوانكم المسلمين في شتى بقاع الأرض، والأمر يحتاج إلى عودة إلى الله، لكن يد الله وحدها تعمل في الخفاء، يد الله فوق أيديهم، خطت الله تستوعب خطتهم، لا يقع شيء في ملك الله إلا بمشيئة الله، وهذا درس بليغ إما أن نكون مع الله كما يريد، وإما فالأمر عصيب، قال تعالى:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
[ سورة آل عمران: 179]
قلت في خطبة الجمعة إن أحد كبار قياداتهم هناك قال: سوف نستفيد من هذا الحدث إلى أقصى حد. أي خطة مرسومة لتكون بعد عشرة أعوام، لكن هذا الذي حدث أتيح لهم أن يبدؤوا بها الآن.
لكن المفروض نحن كمسلمين أن نستفيد من هذا الذي حدث ألف ضعف، كيف نستفيد؟ لنراجع حساباتنا في البيوت، لنراجع علاقاتنا، لنراجع دخلنا، لنراجع إنفاقنا، لنراجع خروج زوجاتنا وبناتنا، لنراجع الشبهات في حياتنا، لأن الله سبحانه وتعالى لابد من أن يمتحن المؤمنين قال تعالى:
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
[ سورة الأحزاب: 11 ]
وهذا الذي حدث كما قلت في مطلع الدرس لابد من أن يحدث شئنا أم أبينا، هذا الذي حدث حدث بمشيئة الله، وبحكمة الله، وبقدرة الله، وبإذن الله، نحن ما علينا إلا أن يكون هذا الحدث باعثاً لنا إلى طاعة الله.
الحياة دار عمل :
معظم المسلمين يرون الحياة دار متعة
أخواننا الكرام: الحياة دار عمل وأنا أؤكد لكم أن معظم المسلمين رأوها دار متعة، دار استجمام، دار طعام، وشراب، ونساء، ونزهات، وبيوت فخمة، هؤلاء المسلمون لم يحملوا همّ الدعوة إلى الله، كأنهم تخلوا عن هذه الرسالة التي أوكلها الله إليهم، كل واحد منا يعاهد نفسه، يحاول أن يحمل همّ المسلمين، ويحاول أن يحقق شيئاً لصالحه، إن انعدمت الحيلة لإيجاد شيء يخدم المسلمين، يوجد عندنا طلاب علم كثر من شتى بقاع الأرض إذا تبنيت طالب علم إن لم تكن داعية تبنى داعيةً إلى الله فدعوته في صحيفتك.
قلت لكم يوم الجمعة: ممكن أن تقتطع من مصروفك مبلغاً لمساعدة فقير مسلم، لمساعدة مريض لا يجد دواءً، يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبم تلقى الله إذاً؟ كيف نلقى الله؟ بأي عمل نلقى الله؟ الاستماع لا يكفي، أن تأتي إلى المسجد وهذا والله عمل عظيم، وأن تحضر درساً وتجلس على ركبتيك هذا عمل عظيم، و لكن هذا العمل مهمته أن يترجم إلى سلوك، أن يترجم إلى خدمة، إلى بذل، إلى تضحية، فنحن الآن ممتحنون، والله عز وجل قال:
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾
[ سورة الإسراء: 58 ]
لابد من باعث إلى الله كقراءة القرآن
ما معنى هذه الآية ؟ أي لابد من امتحان، لابد من باعث إلى الله عز وجل، نحن الآن أمام باعث كبير جداً أن نتقن صلواتنا، أن نحافظ على أذكارنا، أن نتلو القرآن الكريم، أن نتعاون، أن ننسى كل الخلافات فيما بيننا، أن نتعاون فيما اتفقنا وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، أن نكون يداً واحدة، صفاً واحداً، قلت على المنبر قبل أسبوع: الإسلام هو المستهدف لكن ما الذي حدث ؟
قالوا: حرب صليبية فندموا عليها، فصاروا يقولون: الإسلام دين عالمي، الإسلام دين الإحسان، دين المحبة، دين العدل، أصبحوا هم دعاة دون أن يشعروا، والناس يستمعون إلى قممهم، في كل تصريح الإسلام دين محبة، دين عدل، دين قيم، دين إنساني، حتى إنه صرح أحد رؤساء جمهوريتهم سابقاً أن القيم التي جاء بها الإسلام هي نفس القيم السامية التي تؤمن بها أمريكا.
الآن الإسلام يريد مسلمين يرفعون رايته، لا يمكن أن تكون داعية إلى الإسلام إلا بخلق قويم، الذي يشدّ الناس إلى الدين ليس صلاتك ولا صيامك ولا عباداتك هذه بينك وبين الله، الذي يشد الناس إلى الدين معاملتك، أمانتك، صدقك، عفتك، ورعك، إتقان عملك، خدمة الناس جميعاً، هؤلاء الذين يعيشون هناك تبرعوا بدمائهم، أمالوا القلوب إليهم، وغطوا ذلك إعلامياً ثم تكلموا عن الإسلام.
لا يمكن أن يستمع أحد إليك إلا إذا كنت محسناً، كنت أقول دائماً: الإحسان قبل البيان، والقدوة قبل الدعوة، والتربية لا التعرية، والمضامين لا العناوين، والمبادئ لا الأشخاص، والأصول قبل الفروع، ومخاطبة القلب والعقل معاً.
الدعوة إلى الله فرض عين على كلّ مسلم :
كل مسلم هو داعية إلى الإسلام بأقواله وأفعاله
أنا الذي أتمناه عليكم أن توقنوا جميعاً أن كل واحد منكم ينبغي أن يكون داعيةً إلى الإسلام، طبعاً الدعوة التي هي فرض كفاية هذه إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، ما الدعوة التي هي فرض كفاية ؟ الداعية المتبحر في العلم، المتفرغ للدعوة، الذي يعلم الدليل التفصيلي ويرد على كل شبهة، مثل هذه الدعوة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، ولكن الدعوة التي هي فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، كل واحد منا كم لقاء عنده في الأسبوع ؟ لقاء اجتماعي مع إخوته، مع أخواته، مع أصهاره، مع شركائه، مع جيرانه، مع زملائه، كم لقاء ؟ دعوة، نزهة، سهرة، لقاء، عقد قران، بأي مناسبة أنت أيها الأخ الكريم ألا تصلي الجمعة ؟ ألم تأخذ من خطبة الخطيب شيئاً ؟ ألا يوجد آية شرحها ؟ ألا يوجد حديث ؟ قصة ؟ حكم شرعي ؟ موقف ؟ فكرة ؟ لو أنك أخذت من يوم الجمعة آيةً أو حديثاً وسجلتها وأذعتها في خلال هذا الأسبوع فقط على من تعرف، عليك بخاصة نفسك، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فالزم بيتك وأمسك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة ))
[ أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني ]
شراح الحديث فسروا خاصة نفسك بأقربائك وجيرانك وزملائك، ولماذا قال الله عز وجل؟
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
[ سورة الشعراء: 214 ]
لأنه لا يوجد قلق ولا خوف، أنت لو أمسكت بيد إنسان في الطريق الآن ودعوته إلى بيت من بيوت الله ألا يخاف منك ؟ لكنك إذا أمسكت بيد أخيك فإن أخاك واثق بك.
الأقربون هم أولى الناس بدعوتك إلى الله
ما حكمة أن الله أمر نبيه الكريم أن يبدأ بعشيرته الأقربين ؟ لا يوجد حواجز، خوف، خشية، قلق، الكلفة مرفوعة، يوجد ثقة، لك قريب صهر، جار، ابن، ابن عم، شريك، زميل في العمل، أعطه شريطاً واسأله، حاول أن تعطيه شيئاً مما علمك الله عز وجل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس ))
[الحاكم عن أبي رافع ]
يوجد تجارات بألوف الملايين، الشركات الضخمة في العالم الغربي شيء لا يصدق يقول لك: الشركة الفلانية يوجد عندها فائض نقدي ألف مليار دولار لم تجد لها توظيفاً يوجد أموال لا تأكلها النيران، يقول لك النبي الكريم:
(( يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس ))
[الحاكم عن أبي رافع ]
((فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ))
[متفق عليه عن سهل بن سعد الساعدي ]
معنى هذا أن باب الجنة مفتوح أمامك، اسمع الحق وبلغه، لم تتمكن من ذلك أعطه شريطاً، ادعه إلى مجلس علم، ابحث عن عمل ترقى به، إن أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، اخرج من ذاتك، اخرج من ذاتك لخدمة الخلق فإن أسعدت الآخرين فأنت أسعدهم، كل إنسان مقبور بهمومه، قال تعالى:
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾
[ سورة فاطر: 22 ]
مقبور بهمومه، بانتمائه الفردي، بهموم العيش، أنت إذا شغلك ذكر الله عن مسألته أعطاك فوق ما يعطي السائلين، عبدي أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما تريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد، قال: يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي.
منهج في الدعوة ذكرهم بآلاء الله، بآياته الدالة على عظمته، وذكر الناس بنعماء الله حتى يحبوه، ذكرهم بآلائه حتى يعظموه، وذكرهم بنعمه حتى يحبوه، وذكرهم ببلائه حتى يخافوه.
الدعوة إلى الله فرض عين بدليلين قطعيين، قال تعالى:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾
[ سورة يوسف: 108 ]
فإن لم تكن داعية إلى الله الدعوة التي هي فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فأنت لست متبعاً لرسول الله، والذي لا يتبع رسول الله لا يحب الله قال تعالى:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 31 ]
الجهاد القتالي أساسه تمهيد للجهاد الدعوي :
من نعم الله أن المساجد مكتظة بالمصلين
(( مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
والجهاد المتاح لنا جميعاً ما هو؟ الدعوي، والله سماه جهاداً كبيراً، لأن الجهاد القتالي أساسه تمهيد للدعوي، أنت لماذا تقاتل في سبيل الله ؟ من أجل أن تنشر دين الله، معنى الجهاد القتالي تمهيد للجهاد الدعوي أي إن أتيح لك أن تجاهد جهاداً دعوياً ولا أحد يمنعك، نحن والحمد لله بخير كبير، المساجد مكتظة بالمصلين، انظروا ولا أحد يسأل سؤالاً في هذا الموضوع وهذه نعمة عظمى، هذه والله نعمة لا تعدلها نعمة، والله هذه البلدة الطيبة مساجدها، دروس العلم فيها، ليس فيها مناسبة على الإطلاق إلا و فيها كلمة حق.
هل يوجد عقد قران بالشام من عشرين سنة إلى الآن لا يوجد فيه كلمتين أو ثلاث عن الدعوة؟ أبداً حتى الآن التعازي و الله من عشر سنوات لا يوجد تعزية إلا و فيها كلمة عن الدعوة، معنى هذا أن مناسبات الفرح دعوة إلى الله، مناسبات الحزن دعوة إلى الله، المساجد ممتلئة، خطب الجمعة متوازنة جداً، عميقة جداً، يوجد وعي والحمد لله، و هناك أصبح نوع من التوحد، و الله من يومين كنت بمكان، كان هناك عشرون شخصاً أو ثلاثون، و لا أعرف أحداً منهم تكلمت بكلام الكل أقرّ به، صار هناك هموم مشتركة لم يعد هناك تمزق، هناك هموم واحدة مشتركة، تتكلم و أنت مرتاح.
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :
الآن أيها الأخوة ، تكلمت في الخطبة بكلمة نريد انتفاضة إسلامية، أي مراجعة دقيقة، موقف حازم، مع عهد مع الله عز وجل:
إلى متى أنت باللذات مشغول و أنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله و أنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقام شنيــع
لو كان حبــك صادقاً لأطعتــــه إن المحب لمن يحب يطيــــع
***
أحياناً أطّلع على كتاب تفسير، تفسير قيم مات صاحبه من ألف عام، و الله أقول: يا رب هذا الإنسان كتب هذا التفسير و مات، ما من عالم في العالم الإسلامي يقرأ هذا التفسير و ينتفع به و يجعله خطبة إلا في صحيفة هذا المفسر، بصراحة أيها الأخوة ابحث عن عمل يستمر بعد موتك.
ألزم عائلتك بطاعة الله
كنت مرة بلبنان هناك إذاعة قرآن كريم، سمعت درساً لعالم جليل متوفى من سنتين أو ثلاث، كل يوم له درس، قلت: سبحان الله! هو تحت أطباق الثرى لعل لحمه فني و صوته يصدح في كل مكان، فكر بعمل يستمر بعد موتك، هناك كثير من الدعاة إلى الله ماتوا لكن دعوتهم مستمرة، كل من دخل معهدهم، كل من سار على منهجهم، في صحيفتهم إلى يوم القيامة، اترك أثراً، اترك دعوة، اعمل عملاً صالحاً، اهدِ إنساناً، أنت لو فكرت أن تقنع إنساناً بالدين و استقام على يدك، أقنعته، جلست معه، زرته، أكرمته، عاونته حتى التزم، عندما التزم ألزم زوجته بطاعة الله، عندما التزمت زوجته ألزم أولاده، ثم جاء إخوته، أنت هديت واحداً أصبحوا مئة، إذا كل واحد خيرٌ لك من الدنيا و ما فيها ما قولك؟ كل واحد كم شركة يوجد؟ كم مؤسسة؟ كم بنك بالعالم معه ألوف ألوف الملايين؟ إذا أجرى الله على يديك هداية أحد فأنت أغنى الناس، الكافر يعيش ليأكل، الأقل كفراً يأكل ليعيش، أما المؤمن فيعيش ليعرف الله، يعيش ليعمل صالحاً، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح:
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾
[ سورة الأنعام: 132 ]
اسأل نفسك قبل أن تنام ماذا عملت اليوم ؟ ماذا قدمت ؟
الأعمال الصالحة لا تعد و لا تحصى :
الأعمال الصالحة لا تعد ولا تحصى
قال:
(( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ))
[أبو يعلى وابن أبي شيبة عن أبي هريرة ]
ممكن ألا يكون معك دخل إضافي أبداً و دخلك أقل من مصروفك، لست مكلفاً أن تنفق:
((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ))
[أبو يعلى وابن أبي شيبة عن أبي هريرة ]
أنت عندك أخلاق، أحياناً كلمة طيبة، أحياناً دعوة إلى الله، أحياناً أن تعود مريضاً، و الله الحديث الذي لا أحفظ نصه الحرفي لكن أحفظه بالمعنى، الحديث الذي يقول:
(( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلَّا عُوفِي ))
[ الترمذي و أبو داود و أحمد عن ابن عباس]
هذا كلام سيد الرسل، هذا كلام في الصحاح، فإذا كان لك أخ مريض وزرته ودعوت له سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك قال: إلا شفاه الله، عد مريضاً:
((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ فَقَالَ يَا أَبَا حَفْصٍ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ حَدَّثَنِي كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَنْقَعَ فِيهَا وَقَدْ اسْتَنْقَعْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الرَّحْمَةِ ))
[ أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ]
وفق بين زوجين، الزوجة غير راضية و الزوج كبرت نفسه عليها، و صار لهم ثمانية أشهر، ألا يتبرع إنسان ليزور الجهتين و يبيض قلوبهم و يدخل وسيطاً؟ ألا تريد عملاً صالحاً ؟ كم أسرة الآن فيها شقاق ؟ و الله مئات.
أحياناً أب لا يقوى على تربية ابنه، خذ الابن، عاونه، دله على بيت من بيوت الله، أي يجب أن تستيقظ صباحاً:
(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ))
[ الترمذي عن أنس بن مالك]
يوجد مليون عمل صالح، بيوت الله تحتاج إلى دعم، إلى خدمات، إلى تعليم، علّم، ائمر بالمعروف، انه عن المنكر، عُدْ أخاً في الله، زر مريضاً، انصح شارداً، أعن فقيراً، أطعم بائساً، إطعام الطعام عمل طيب، رجل يدعو ألفي شخص إلى طعام نفيس كل سنة من عشرين سنة أي يشعر بلذة إطعام الطعام: أكرم ضيفك واستقبله دون كلفة
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾
[ سورة الناس: الآية 8 ]
أحياناً يأتيك ضيف من الخارج، قادم من حماة، من حلب، من بيروت هذا ضيف، ضيف البلد كله، يأتي أخ يأخذه إلى بيته يعشيه و يستقبله لينام عنده هذا عمل عظيم جداً، و ليس قليلاً، أي الغريب يحب من يكرمه، يحب من يستقبله، لا تكلف نفسك، ارفعوا الكلفة:
(( يا عائشة لا تكْلفي للضيف فتمليه ))
[كنز العمال عن عياض بن أبي قرصافة عن أبيه]
كن طبيعياً من دون بروتوكولات، من دون تسلط، إن لم يكن عندك شيء تبذله، لا دعوة، و لا نصيحة، و لا أمر بالمعروف، و لا نهي عن المنكر، و لا تربية ولد، و لا تدريس فقه، و لا تدريس قرآن، و لا إنفاق مال، و لا إطعام طعام، لماذا أنت تعيش ؟
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
[ سورة النحل: 21 ]
التوحيد لا يلغي المسؤولية :
أيها الأخوة الكرام ، ليس مألوفاً أن أقرأ لكم رسالة جاءت من أمريكا، لكنني و الله أردت الخير، أردت أن تعلموا أن ما كل شيء وقع يبدو مؤلماً هو في الحقيقة مؤلم، مثلاً عندما حدثنا ربنا عن حادث الإفك قال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة النور: 11 ]
الإفك في ظاهره شر، معقول أن يقول الناس عن زوجة رسول الله أنها زانية؟ معقول!! ثم يقول الله عز وجل:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة النور: 11 ]
التوحيد لا يلغي المسؤولية، فهذا الذي حدث مؤلم جداً، لكن الله سمح به لحكمة يريدها، عملية فرز، عملية امتحان، عملية ذاق هؤلاء ما نذوق نحن خلال خمسين عاماً، هذه الشعوب تذوق الموت؛ موت الأقارب، هدم البيوت، قتل الأطفال، من عشرين عاماً يذوق العالم الثالث الآن ذاقوا هم، ذاقوا بعضه، فأرجو الله سبحانه و تعالى كما أنهم سيستفيدون من هذا الذي حدث لمخططات بعيدة جداً سوف يحققونها أن ندعو نحن من أعماق أعماق أعماقنا لإخواننا المسلمين؛ اللهم انصر الإسلام و المسلمين، اللهم أعز الإسلام و المسلمين، اللهم انصر من نصر هذا الدين و اخذل من خذله، اللهم من أراد بالإسلام و المسلمين خيراً فوفقه لكل خير، و من أراد بهم غير ذلك فخذه أخذ عزيز مقتدر، و اجعله عبرة لمن اعتبر، اللهم اجعل تدميره في تدبيره، و اجعل الدائرة تدور عليه يا رب العالمين، الله اقصمه يا رب العالمين، اللهم انصرنا على أعدائنا و أعدائك يا رب العالمين، اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، و صلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم.
والحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» السيرة – سيرة الصحابيات الجليلات - أمهات المؤمنين- السيدة ماريا القبطية : سيرة السيدة ماريا القبطية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى