ثلاثة ملايين، فهل نرفع العدد أكثر؟
صفحة 1 من اصل 1
ثلاثة ملايين، فهل نرفع العدد أكثر؟
ثلاثة ملايين، فهل نرفع العدد أكثر؟
بحثت،بكل التحفز للاتهام،وبكل ذاتيتي كمسلم، في الخلفيات المحتملة لنهج السخرية الذي برهنت “شارلي ايبدو” على أنها ستظل متمسكة به ،ولو لم تجد لريشتها غير الدماء مدادا.ما السر في كونها ،وهي الساخرة,قدمت لوحدها أكبر عدد من صرعى الفن والريشة في العالم،دفعة واحدة؟ كيف تأتى لها أن تُسَخِّر قتلاها لرفع مبيعاتها من ستين ألف نسخة،بالكاد، إلى ثلاثة ملايين؟
كيف حققت كل هذا الانجذاب الذي جعل الناس يصمدون شتاء،في صفوف طويلة,حتى يحوزوا نسخهم قبل النفاذ؟
كيف خلقت الظرف لتعلن،وهي الجريدة المتواضعة، للمرة الثانية –بعد نداء ديغول- عن ميلاد فرنسا الحرة؟ وأخيرا كيف حشدت ،ولأول مرة في التاريخ، مسيرة عالمية؛تقول بلسان واحد:أنا شارلي؟ وما حكاية هذا العدد الأخير الذي يسخر حتى من الغفران ،ومن شارلي إياها؟
لم أجد في كل ما استعرضت ،من تاريخها،بدءا من أمها “الهاراكيري” إلى اليوم ،ما يشي بعداء متجذر وممنهج ،سواء للدين الإسلامي ورموزه ،أو غيره من الأديان التي لم تسلم من سخريتها. ولم يسلم من سخريتها حتى رؤساء فرنسا وكبار ساستها ؛وان من اليسار الذي يغريها ،ويستضيفها حينما يَضيق عليها الخناق. هذه حقيقة, ولا يفيد في شيء أن نتجاهلها.
كل ما في الأمر أنها اختارت ألا تشتغل إلا على السخرية؛ولم يكن تعرضها للرسول صلى الله عليه وسلم ،وللمسيح عليه السلام ،ولقداسة البابا ،ولعدد من رؤساء فرنسا ،وكبار العالم ؛ بل حتى لرجال الأمن المكلفين بحمايتها،خدمة لايدولوجيا معينة ,أو تحقيقا لغايات وأهداف سياسية .
وضحك المصفى حتى بانت نواجذه:
إن فهم هذا الانغماس في السخرية – بالاستعمال الداعشي للانغماس- يحتاج الى آليات معرفية أخرى للتفسير ،غير ما طفحت به أغلب المقالات الغاضبة لنبي حاشاه أن يَحْمِل السلوك الإنساني على غير محمله الصحيح. نبي ما أكثر ما كان يُرى باسما.ثم ضاحكا في مقامات لايملك الإنسان أمامها – ولو نبيا-إلا أن يضحك.وبين يدي أكثر من أثر نبوي يؤكد أن
حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ،لم يكن يجد ضيرا ،حينما تسنح الفرصة،أن يضحك حتى تبدو نواجذه.
لم يكن مُكشرا في وجه أحد ،كما يكشر اليوم بعض الناس؛وحتى حينما عبس وتولى ،إذ جاءه الأعمى،أدبه القرآن،ببلاغة ، متمما مكارم أخلاقه،حتى يتمم مكارم أخلاقنا. كأني بمن رسم في شارلي ،ومن تبقى منهم ،اطلعوا على هذا الوجه النبوي المشرق؛فلماذا تشحذ النصال في مقامات الهزل؟
ماذا ننتظر من الرسول صلى الله عليه وسلم إذ جاءته زوجة تشتكي زوجها ،وهي ترى أنه يؤذيها،وهو يرى أنها تؤذيه.
تجيب الزوجة شارحة تصرفها:لقد قام للصلاة ،لكنه ضرط في وضع من أوضاعها؛فطلبت منه أن يعيد الوضوء.يلتفت الرسول الى الزوج ضاحكا:لا اذاية في هذا أعد وضوءك(أو كما قال).
ويؤوب من غزوة ليكتشف صُدفة لُعبا لسيدتنا عائشة رضي الله عنها :بنات وفرسان بأجنحة؛وحينما يسأل مستغربا،تجيبه الزوجة الصغيرة واللعوب:أولم تكن لسيدنا سليمان جياد بأجنحة؟ يضحك مرة أخرى حتى تظهر نواجذه.وفي مقام آخر تسابقه فتسبقه ،وهي نحيفة؛ويسابقها فيسبقها وهي بلحم وشحم. نعم أيها المكشرون في وجوه النساء.
وحينما تعاكس السيدة عائشة ،بمنزلها،إحدى الجليسات –في حضور الرسول- وتلطخ وجهها ،مازحة، بطبيخ ؛يقول للمرأة افعلي بها ما فعلت بك،ويضحك حتى تظهر نواجذه وهو ينظر الى وجه عائشة.
ويضحك صلى الله عليه وسلم ،في وجه أعرابي دخل مجلسه وهو يقول بصوت مرتفع:اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأي أحد آخر.
كل هذا ثابت بروايات موثقة لاداعي لإثقال الموضوع بها. وأختم هذا القوس الضاحك بما يلي:
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا مصعب بن المقدام قال: حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: «يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز» قال: فولت تبكي فقال: «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز» إن الله تعالى يقول: {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا}.
- حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجا، رجل يخرج منها زحفا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة» قال: «فيذهب ليدخل الجنة، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيرجع فيقول: يا رب، قد أخذ الناس المنازل، فيقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه، فيقول: نعم» قال: «فيقال له: تمن» قال: «فيتمنى، فيقال له: فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا» قال: «فيقول: تسخر بي وأنت الملك» قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.
وبعد هذا،والأمر كما ترون أسمى وأعلى، لايكشرن مسلم في وجه مسلم – ولا حتى في وجه صحفي ساخر-فديننا طلق الوجه ،أسوة برسولنا الكريم.
السخرية في مواجهة التناقض:
لنفهم فلسفة السخرية ،في أزمنتنا الحديثة هذه،علينا أن نستحضر وقع الخطوة المعرفية والتكنولوجية العملاقة التي نقلت البشرية –في ظرف وجيز،قياسا بعمرها في الكون المعروف- من وضع البساطة الاجتماعية البطيئة التحول ،التي عمرت
آلاف السنين ،الى وضع التعقيد المتسارع والمتصاعد.تعقيد شمل كل مناحي الحياة؛تعيشه الإنسانية ،وهي لا توظف غير المؤهلات البدنية التي كانت لها منذ ظهورها كمجتمعات أقرب إلى الحيوانية.دفق الحضارة،وثورة المعرفة،واستواء الفكر الإنساني الحر حَكَما في المسيرة الإنسانية صوب قدرها ،عمل عقلي يتأتى لكل الناس بمقادير متباينة .
من هنا التباين والتناقض في المجتمعات الحديثة حد الغرابة والسخرية: أموات يحكمون الأحياء .أديان تختلف ،حد الاقتتال،حينما تتفق على أن للكون خالقا واحدا ،جل جلاله.ملحدون رغبوا في التحرر فأبدعوا إلها ملحدا مثلهم ،لا يسجدون إلا له.
أغنياء أَكْرَهوا الثروة العالمية على ألا تلد إلا الفقراء. ثراء يخدم العلم ،وثراء يخدم الجهل.شعوب تحكم نفسها وشعوب لا يحكمها من لا يستعبدها. شعوب تُسقط أنظمة وشعوب لا تجد أنظمة تُسقطها. شعوب لا تفرط في سعادتها ،وشعوب لا تفرط في شقائها…..وما شئت من ثنائيات مفارقة – بل ساخرة- تطفح بها هذه الأرض التي يغمر الماء ثلاثة أرباعها؛ربما من حسن حظ البشرية.ولو غار كل الماء لنبتت تناقضات بشرية أخرى لاحد لمداها.
ولو تأمل كل واحد منا تفاصيل يومه ،وكيف تحاصرها –بتباين- هذه التناقضات ،بل هذه المدنية المعقدة ،والمنفتحة على المجاهيل ولا شيء سواها لأشفق على نفسه.ولو رسم حاله لما رسم غير بهلوان مرشح للحمق والتيه الأبدي؛تماما كما رسم إنسان المغارات نفسه في عالم سحري وسط ما خالطه من كائنات وحيوانات.
ولو قُدر للأجيال التي عاشت البساطة أن ترانا ،ونرى رد فعلها ؛لهالتنا شِدَّة ُسخريتها منا ،ونحن نصنع في كل يوما سجنا جديدا للبشرية.من يستطيع منا اليوم أن يستغني عن هاتفه المحمول؟ من يستطيع أن يصبر عن ولوج الشبكة لأسبوع واحد فقط؟(جرب الأمر في كوريا الجنوبية فكانت النتيجة صادمة).بدأنا بمذياع ،كالعروس في زاوية البيت ،وها نحن اليوم عبيد إمبراطورية إعلامية ،بأذرع أخطبوطية ،ووسائط متعددة تتناسل كالخلايا. ما أن تشد التقنيةُ الرفيعةُ رحالَها الى معرض،حتى يقال لنا تلك من الماضي؛وهذا الجيل الجديد،وفي ركابه أجيال وأجيال.
في هذا النمط الحياتي المعقد ،والمهدد في كل حين -لوجود وسائل تدميره بيننا – الذي تكابده البشرية ،بتباين طبعا، يجب البحث عن معنى ما لفلسفة السخرية،ولنهج “شارلي ايبدو” الذي يسخر من كل شيء ؛يراه بمعنى وبدونه.
لعلنا كمسلمين بسطنا الأمر كثيرا ،ونحن نحشره في زاوية واحدة ؛نصرخ فيها بالمظلومية وبالمؤامرة الغربية التي تستهدف ديننا،بعد أن استهدفت دينها ،حتى لا تقوم غير العلمانية منظومة لقيم الكون كله.
ومنا طبعا من اهتبلها فرصة لا تجود بها غير شارلي ايبدو،الضاحكة والمضحكة، لحشد التابع والنصير ،والمبايع؛وهو يعلم أنه المارق من الإسلام مروق السهم ،والمضحي بكل قيمه ،كما صقلتها المنابر ،وقرون تفعيل العقيدة بعد نزولها .
لا أخال الرسوم تسيء الى الدين أكثر من “كاريكاتير” الخلافة التي انتصبت قائمة هكذا ذات صباح.تحارب الحداثة بوسائل لم تنتجها غير الحداثة.تغلق المدارس،وتدمر المساجد.تستولي على أموال الشعوب،وتتخذ الشبكة الرقمية مركبا ،وهي تعرف أنها من إنتاج العلم الذي تحارب ،والرؤوس التي تقطع. خلافة قائمة تواجِه بشذاذ الآفاق الأمم المتحدة وكل ترسانة العالم العسكرية.خلافة شردت الملايين من المسلمين وغير المسلمين ،وتركتهم في العراء في مواجهة الذئاب والثلوج. كل هذا تحت راية تنسبها للإسلام؛ويصدقها هذا الغرب الذي يعلم –إسلاميا- ظاهرا من الأمر فقط.
ولا أخالها تسيء أكثر مما يسيء بعض حكامنا للأمة الإسلامية كلها ،وهم لا يحاربون فيها –جادين- الجهل ،المرض،الظلم،الرشوة..رغم الثراء ،ورغم الفيض المعرفي الذي أنتجته البشرية.
ولا أخالها تسيء أكثر من أقوياء هذا العالم ،حينما لا يَحُلون مشاكل الشعوب المظلومة ؛ومنها الشعب الفلسطيني ؛حتى تجفف بعض منابع التطرف ،وهي – لوجدانيتها – لن تجف كلها،ولو حرص الجميع.
في غفلة تسلل “ناتانياهو” إلى المسيرة الدولية،منددا بالإرهاب ؛حتى لا يحشره محمود عباس في زاوية شارلي ايبدو وقتلتها.
لأول مرة في تاريخ الإنسانية التأمت مسيرة عالمية باريزية ،لم يخطط لها أحد؛عدا من كان السبب المباشر فيها،وهو دونها بكثير وكثير. بغض النظر عن تحول الجميع الى “شارلي”،ألا يمكن التئام شمل العالم –وقد أصبح في متناوله أن يلتئم في ساعات معدودة- لوضع ميثاق أممي جديد ،أو خريطة جينية جديدة،تنقل البشرية كلها الى وضعية التكافؤ،والعدالة الدولية و الاجتماعية اللامحدودة. وقتها يمكن أن ينتج الجميع السعادة الإنسانية المرجوة .وقتها يمكن أن تزهر العلوم و الفنون والآداب و يظهر “الإنسان الأعلى” ،كما أراده فاطر السموات والأرض.
كم يلزم من شارلي لنتأكد بأن المصطفى لا يبالي ؟
Ramdane3.ahlablog.com
Oujda Portail: كم يلزم من شارلي لنتأكد أن المصطفى لا يبالي؟/ رمضان مصباح الإدريسي
بحثت،بكل التحفز للاتهام،وبكل ذاتيتي كمسلم، في الخلفيات المحتملة لنهج السخرية الذي برهنت “شارلي ايبدو” على أنها ستظل متمسكة به ،ولو لم تجد لريشتها غير الدماء مدادا.ما السر في كونها ،وهي الساخرة,قدمت لوحدها أكبر عدد من صرعى الفن والريشة في العالم،دفعة واحدة؟ كيف تأتى لها أن تُسَخِّر قتلاها لرفع مبيعاتها من ستين ألف نسخة،بالكاد، إلى ثلاثة ملايين؟
كيف حققت كل هذا الانجذاب الذي جعل الناس يصمدون شتاء،في صفوف طويلة,حتى يحوزوا نسخهم قبل النفاذ؟
كيف خلقت الظرف لتعلن،وهي الجريدة المتواضعة، للمرة الثانية –بعد نداء ديغول- عن ميلاد فرنسا الحرة؟ وأخيرا كيف حشدت ،ولأول مرة في التاريخ، مسيرة عالمية؛تقول بلسان واحد:أنا شارلي؟ وما حكاية هذا العدد الأخير الذي يسخر حتى من الغفران ،ومن شارلي إياها؟
لم أجد في كل ما استعرضت ،من تاريخها،بدءا من أمها “الهاراكيري” إلى اليوم ،ما يشي بعداء متجذر وممنهج ،سواء للدين الإسلامي ورموزه ،أو غيره من الأديان التي لم تسلم من سخريتها. ولم يسلم من سخريتها حتى رؤساء فرنسا وكبار ساستها ؛وان من اليسار الذي يغريها ،ويستضيفها حينما يَضيق عليها الخناق. هذه حقيقة, ولا يفيد في شيء أن نتجاهلها.
كل ما في الأمر أنها اختارت ألا تشتغل إلا على السخرية؛ولم يكن تعرضها للرسول صلى الله عليه وسلم ،وللمسيح عليه السلام ،ولقداسة البابا ،ولعدد من رؤساء فرنسا ،وكبار العالم ؛ بل حتى لرجال الأمن المكلفين بحمايتها،خدمة لايدولوجيا معينة ,أو تحقيقا لغايات وأهداف سياسية .
وضحك المصفى حتى بانت نواجذه:
إن فهم هذا الانغماس في السخرية – بالاستعمال الداعشي للانغماس- يحتاج الى آليات معرفية أخرى للتفسير ،غير ما طفحت به أغلب المقالات الغاضبة لنبي حاشاه أن يَحْمِل السلوك الإنساني على غير محمله الصحيح. نبي ما أكثر ما كان يُرى باسما.ثم ضاحكا في مقامات لايملك الإنسان أمامها – ولو نبيا-إلا أن يضحك.وبين يدي أكثر من أثر نبوي يؤكد أن
حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ،لم يكن يجد ضيرا ،حينما تسنح الفرصة،أن يضحك حتى تبدو نواجذه.
لم يكن مُكشرا في وجه أحد ،كما يكشر اليوم بعض الناس؛وحتى حينما عبس وتولى ،إذ جاءه الأعمى،أدبه القرآن،ببلاغة ، متمما مكارم أخلاقه،حتى يتمم مكارم أخلاقنا. كأني بمن رسم في شارلي ،ومن تبقى منهم ،اطلعوا على هذا الوجه النبوي المشرق؛فلماذا تشحذ النصال في مقامات الهزل؟
ماذا ننتظر من الرسول صلى الله عليه وسلم إذ جاءته زوجة تشتكي زوجها ،وهي ترى أنه يؤذيها،وهو يرى أنها تؤذيه.
تجيب الزوجة شارحة تصرفها:لقد قام للصلاة ،لكنه ضرط في وضع من أوضاعها؛فطلبت منه أن يعيد الوضوء.يلتفت الرسول الى الزوج ضاحكا:لا اذاية في هذا أعد وضوءك(أو كما قال).
ويؤوب من غزوة ليكتشف صُدفة لُعبا لسيدتنا عائشة رضي الله عنها :بنات وفرسان بأجنحة؛وحينما يسأل مستغربا،تجيبه الزوجة الصغيرة واللعوب:أولم تكن لسيدنا سليمان جياد بأجنحة؟ يضحك مرة أخرى حتى تظهر نواجذه.وفي مقام آخر تسابقه فتسبقه ،وهي نحيفة؛ويسابقها فيسبقها وهي بلحم وشحم. نعم أيها المكشرون في وجوه النساء.
وحينما تعاكس السيدة عائشة ،بمنزلها،إحدى الجليسات –في حضور الرسول- وتلطخ وجهها ،مازحة، بطبيخ ؛يقول للمرأة افعلي بها ما فعلت بك،ويضحك حتى تظهر نواجذه وهو ينظر الى وجه عائشة.
ويضحك صلى الله عليه وسلم ،في وجه أعرابي دخل مجلسه وهو يقول بصوت مرتفع:اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأي أحد آخر.
كل هذا ثابت بروايات موثقة لاداعي لإثقال الموضوع بها. وأختم هذا القوس الضاحك بما يلي:
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا مصعب بن المقدام قال: حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: «يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز» قال: فولت تبكي فقال: «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز» إن الله تعالى يقول: {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا}.
- حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجا، رجل يخرج منها زحفا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة» قال: «فيذهب ليدخل الجنة، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيرجع فيقول: يا رب، قد أخذ الناس المنازل، فيقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه، فيقول: نعم» قال: «فيقال له: تمن» قال: «فيتمنى، فيقال له: فإن لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا» قال: «فيقول: تسخر بي وأنت الملك» قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.
وبعد هذا،والأمر كما ترون أسمى وأعلى، لايكشرن مسلم في وجه مسلم – ولا حتى في وجه صحفي ساخر-فديننا طلق الوجه ،أسوة برسولنا الكريم.
السخرية في مواجهة التناقض:
لنفهم فلسفة السخرية ،في أزمنتنا الحديثة هذه،علينا أن نستحضر وقع الخطوة المعرفية والتكنولوجية العملاقة التي نقلت البشرية –في ظرف وجيز،قياسا بعمرها في الكون المعروف- من وضع البساطة الاجتماعية البطيئة التحول ،التي عمرت
آلاف السنين ،الى وضع التعقيد المتسارع والمتصاعد.تعقيد شمل كل مناحي الحياة؛تعيشه الإنسانية ،وهي لا توظف غير المؤهلات البدنية التي كانت لها منذ ظهورها كمجتمعات أقرب إلى الحيوانية.دفق الحضارة،وثورة المعرفة،واستواء الفكر الإنساني الحر حَكَما في المسيرة الإنسانية صوب قدرها ،عمل عقلي يتأتى لكل الناس بمقادير متباينة .
من هنا التباين والتناقض في المجتمعات الحديثة حد الغرابة والسخرية: أموات يحكمون الأحياء .أديان تختلف ،حد الاقتتال،حينما تتفق على أن للكون خالقا واحدا ،جل جلاله.ملحدون رغبوا في التحرر فأبدعوا إلها ملحدا مثلهم ،لا يسجدون إلا له.
أغنياء أَكْرَهوا الثروة العالمية على ألا تلد إلا الفقراء. ثراء يخدم العلم ،وثراء يخدم الجهل.شعوب تحكم نفسها وشعوب لا يحكمها من لا يستعبدها. شعوب تُسقط أنظمة وشعوب لا تجد أنظمة تُسقطها. شعوب لا تفرط في سعادتها ،وشعوب لا تفرط في شقائها…..وما شئت من ثنائيات مفارقة – بل ساخرة- تطفح بها هذه الأرض التي يغمر الماء ثلاثة أرباعها؛ربما من حسن حظ البشرية.ولو غار كل الماء لنبتت تناقضات بشرية أخرى لاحد لمداها.
ولو تأمل كل واحد منا تفاصيل يومه ،وكيف تحاصرها –بتباين- هذه التناقضات ،بل هذه المدنية المعقدة ،والمنفتحة على المجاهيل ولا شيء سواها لأشفق على نفسه.ولو رسم حاله لما رسم غير بهلوان مرشح للحمق والتيه الأبدي؛تماما كما رسم إنسان المغارات نفسه في عالم سحري وسط ما خالطه من كائنات وحيوانات.
ولو قُدر للأجيال التي عاشت البساطة أن ترانا ،ونرى رد فعلها ؛لهالتنا شِدَّة ُسخريتها منا ،ونحن نصنع في كل يوما سجنا جديدا للبشرية.من يستطيع منا اليوم أن يستغني عن هاتفه المحمول؟ من يستطيع أن يصبر عن ولوج الشبكة لأسبوع واحد فقط؟(جرب الأمر في كوريا الجنوبية فكانت النتيجة صادمة).بدأنا بمذياع ،كالعروس في زاوية البيت ،وها نحن اليوم عبيد إمبراطورية إعلامية ،بأذرع أخطبوطية ،ووسائط متعددة تتناسل كالخلايا. ما أن تشد التقنيةُ الرفيعةُ رحالَها الى معرض،حتى يقال لنا تلك من الماضي؛وهذا الجيل الجديد،وفي ركابه أجيال وأجيال.
في هذا النمط الحياتي المعقد ،والمهدد في كل حين -لوجود وسائل تدميره بيننا – الذي تكابده البشرية ،بتباين طبعا، يجب البحث عن معنى ما لفلسفة السخرية،ولنهج “شارلي ايبدو” الذي يسخر من كل شيء ؛يراه بمعنى وبدونه.
لعلنا كمسلمين بسطنا الأمر كثيرا ،ونحن نحشره في زاوية واحدة ؛نصرخ فيها بالمظلومية وبالمؤامرة الغربية التي تستهدف ديننا،بعد أن استهدفت دينها ،حتى لا تقوم غير العلمانية منظومة لقيم الكون كله.
ومنا طبعا من اهتبلها فرصة لا تجود بها غير شارلي ايبدو،الضاحكة والمضحكة، لحشد التابع والنصير ،والمبايع؛وهو يعلم أنه المارق من الإسلام مروق السهم ،والمضحي بكل قيمه ،كما صقلتها المنابر ،وقرون تفعيل العقيدة بعد نزولها .
لا أخال الرسوم تسيء الى الدين أكثر من “كاريكاتير” الخلافة التي انتصبت قائمة هكذا ذات صباح.تحارب الحداثة بوسائل لم تنتجها غير الحداثة.تغلق المدارس،وتدمر المساجد.تستولي على أموال الشعوب،وتتخذ الشبكة الرقمية مركبا ،وهي تعرف أنها من إنتاج العلم الذي تحارب ،والرؤوس التي تقطع. خلافة قائمة تواجِه بشذاذ الآفاق الأمم المتحدة وكل ترسانة العالم العسكرية.خلافة شردت الملايين من المسلمين وغير المسلمين ،وتركتهم في العراء في مواجهة الذئاب والثلوج. كل هذا تحت راية تنسبها للإسلام؛ويصدقها هذا الغرب الذي يعلم –إسلاميا- ظاهرا من الأمر فقط.
ولا أخالها تسيء أكثر مما يسيء بعض حكامنا للأمة الإسلامية كلها ،وهم لا يحاربون فيها –جادين- الجهل ،المرض،الظلم،الرشوة..رغم الثراء ،ورغم الفيض المعرفي الذي أنتجته البشرية.
ولا أخالها تسيء أكثر من أقوياء هذا العالم ،حينما لا يَحُلون مشاكل الشعوب المظلومة ؛ومنها الشعب الفلسطيني ؛حتى تجفف بعض منابع التطرف ،وهي – لوجدانيتها – لن تجف كلها،ولو حرص الجميع.
في غفلة تسلل “ناتانياهو” إلى المسيرة الدولية،منددا بالإرهاب ؛حتى لا يحشره محمود عباس في زاوية شارلي ايبدو وقتلتها.
لأول مرة في تاريخ الإنسانية التأمت مسيرة عالمية باريزية ،لم يخطط لها أحد؛عدا من كان السبب المباشر فيها،وهو دونها بكثير وكثير. بغض النظر عن تحول الجميع الى “شارلي”،ألا يمكن التئام شمل العالم –وقد أصبح في متناوله أن يلتئم في ساعات معدودة- لوضع ميثاق أممي جديد ،أو خريطة جينية جديدة،تنقل البشرية كلها الى وضعية التكافؤ،والعدالة الدولية و الاجتماعية اللامحدودة. وقتها يمكن أن ينتج الجميع السعادة الإنسانية المرجوة .وقتها يمكن أن تزهر العلوم و الفنون والآداب و يظهر “الإنسان الأعلى” ،كما أراده فاطر السموات والأرض.
كم يلزم من شارلي لنتأكد بأن المصطفى لا يبالي ؟
Ramdane3.ahlablog.com
Oujda Portail: كم يلزم من شارلي لنتأكد أن المصطفى لا يبالي؟/ رمضان مصباح الإدريسي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى