أمة لاتعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها-
صفحة 1 من اصل 1
أمة لاتعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها-
السلام عليكم
السلطان عبد الحميد الثاني في الميزان
بقلم / منال المغربي
ليس هناك من شخصية في التاريخ الإسلامي المعاصر لقيت من الظلم والإجحاف والافتراء بقدر ما لقيت شخصية السلطان عبد الحميد الثاني، فقد صور من قِبل أعدائه اليهود والأرمن والاتحاديين بصورة السفاح، فالأرمن أطلقوا عليه في كتاباتهم لقب (السلطان الأحمر)* وأطلق عليه غلادستون* لقب (المجرم الكبير)، وحملات التشويه بحقّه لم تسلم منها كتب بعض المؤلفين العرب التي صوّرت السلطان في صورة الطاغية مثل كتاب (الانقلاب العثماني) لجرجي زيدان، و(الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده) لسُليمان البستاني... ولكنّ التاريخ أبى إلاّ أن يقول كلمته في حقِّ هذا الرجل الذي صمد في وجه اليهود والقوى الدولية الغاشمة صمود الأبطال وهو صابر محتسب حتى خُلع عن عرشه.
فمن هو السلطان عبد الحميد الثاني؟
ولد السلطان عبد الحميد الثاني يوم الأربعاء في 22 أيلول عام 1842م، توفيت والدته من مرض السلّ وهو في الثامنة من عمره، فاحتضنته الزوجة الثانية لوالده التي كان معروفاً عنها أنّها شديدة التدّين، وأسبغت عليه كل حنانها وعطفها ، وقد بادلها عبد الحميد هذا الحب فكان يقول عنها : "لو كانت والدتي حيّة لما استطاعت أن ترعاني أكثر من رعايتها"(1)، وعندما توفيت أوصت بجميع ثروتها لابنها الذي أحبّته.
قضى السلطان شبابه يطلب العلم على عكس ما صوّره أعدائه بأنه كان شخصاً جاهلاً لا يعرف القراءة والكتابة إلا بصعوبة؛ فهو قد درس اللغة التركية والفارسية والعربية والفرنسية، وكان يقول الشعر كما كان شغوفاً بقراءة كتب التاريخ ، ومنها تاريخ الدولة العثمانية، بالإضافة إلى حبّه الشديد للمطالعة حتى إنّه أمر بترجمة المقالات والمجلات والصحف الأجنبية التي ترد إليه ليتمكّن من قراءتها (2).
أمّا بالنسبة لهواياته فهي متعدّدة منها : المبارزة بالسيف، والتهديف بالمسدس والسباحة والتجديف بالقارب وركوب الخيل والصيّد ، كما كان شَغوفاً بجمع الأسلحة النادرة، أمّا أبرز هواياته فكانت النجارة (3).
وعبد الحميد معروف بتقواه وتمسُّكه بالدين ولم يُعرف عنه تركه للصلاة قط، أو إهماله للتعبّد وتقول عنه ابنته عائشة : "كان والدي يؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها ويقرأ القرآن الكريم، وفي شبابه سلك مسلك الشاذلية ، وكان كثير الارتياد للجوامع لاسيما في شهر رمضان"(4).
والملاحظ في حياة الأمير هو البساطة الشديدة والابتعاد عن البذخ والإسراف والتبذير ، وقد استمرّت بساطته حتّى في أيام السّلطنة، ففيما كان الأمراء السابقون غارقين حتى أذقانهم في الديون واللهو والمُجون كان عبد الحميد هو الأمير الوحيد الذي لم يُشارك في تلك الأجواء، وامتاز عن أسلافه من السلاطين بأنه لم يستدن قرشاً واحداً من أحد ، وبهذا عصم نفسه من أن يقع في حبائل أصحاب البنوك وجُلّهم من اليهود، ولكن أعداءه لم يتركوا الفرصة دون أن يقلبوا هذه الخصلة الحميدة إلى مذمّة فأطلقوا عليه في كتاباتهم لقب: "عبد الحميد البخيل"(5).
ارتقى عبد الحميد الثاني عرش السلطنة يوم الخميس في 31 آب 1876 في ظل ظروف قاسية كانت تعصف بالدولة العثمانية من الديون التي كانت ترزح تحتها إلى تكالب الدول الأوروبية واليهودية التي كانت تنتظر موت الرجل المريض* لاقتسام ثروته لاسيما البترول(6)، لذلك أوّل ما فعله أنّه سعى إلى رأب الصدع ، فجرى على سياسة الاقتصاد من أجل تحرير رقبة بلاده من قبضة الدول والمصارف الأجنبية ، حتّى إنّه تبرّع من ماله الخاص من أجل هذا الغرض فاستطاع تسديد القسم الأكبر من تلك الديون، وفي عهده تخرج جيلٌ كامل من المثقفين والمتعلمين من كليات وجامعات ومعاهد أسسها السلطان، وبدأت الدلائل تشير إلى عودة الصحة والعافية إلى جسد الرجل المريض ، ولكن وصول الاتحاديين إلى السلطة بمساعدة خارجية قضى على هذا الأمل.
من أهم صفات السلطان عبد الحميد الرحمة والتسامح على الرغم من أنّ المعروف عنه العكس تماماً فقد صُوِّر من قبل أعدائه بصورة السفاح، بل لعلّ صفة الرحمة الزائدة عن الحدّ كانت نقطة الضعف عنده ، ويكفي القول : إنّ المؤرخين يذكرون أنّ السلطان كان يُبدِّل على الدوام حكم الإعدام الذي يُصدره القاضي إلى السجن المؤبد أو إلى مدّة أقلّ، ولم يُصادف أنّه صادق على حكم الإعدام إلا مرتين : الأولى عندما قتل أحد العاملين في القصر زميلاً له ، والثاني عندما قام شخص بقتل والديه (7).
أمّا بالنسبة لمعارضيه السياسيين والساعين إلى قلب نظام الحكم وأكثرهم من الاتحاديين الذين ينتسبون إلى الماسونية؛ فلم يقم بإعدام أو إغراق أي واحد منهم في بحر مرمرة (البوسفور) كما أُشيع، وكلها اتهامات أوردها اليهود وأعوانهم لتشويه تاريخه وتهميش نضاله ضد الصهيونية العالمية وأعوانها ؛ لأنّه كشف مخططاتهم وفضح مؤامراتهم وقاومهم طيلة 33 سنة من تاريخ حُكمه، فهذه الروايات ليس لها سند صحيح، فكل ما كان يفعله هو استمالة قلوب أعدائه أو نفيهم إلى بلد آخر مع إغداق المال عليهم ليعيشوا بكلّ رفاهية (.
ولقد ترددت كثيراً قصة حادثة (31 مارت) التي قُتل فيها عدد من الاتحاديين ، والتي كانت عبارة عن حركة تمرّد وعصيان قام بها بعض الجنود واشترك فيها بعض طلبة المدارس الدينية والصوفية وبعض المدنيين المعارضين لجمعية الاتحاد والترٌقي، ولقد اتهم السلطان بأنّه المدبِّر لهذه الحادثة، وأنّه كان يهدف من خلالها إلى القضاء على الجيش والعودة إلى الحكم الاستبدادي ، ولكنّ التاريخ أثبت أنّها كانت مجرّد حجة لخلع السلطان عن العرش، وأنّه لم يكن له يدٌ فيها (9).
أمّا مذابح الأرمن المذكورة حتى في الكتب المدرسية والتي وصفت بالوحشية ، وقُتل فيها عددٌ يتراوح بين 2 مليون إلى 3 مليون أرمني في أبشع صور الإجرام، فلقد اتهم السلطان بأنّه المسئول عنها، ولكنّ التاريخ أثبت أيضاً أنّ السلطان منها براء ، وأنّ اليهود في الباب العالي كانوا وراء تلك المذابح ، وبالأخص المجموعات الماسونية المنضوية تحت لواء محفل النور في أنقرة واسطنبول، وهذه الجرائم طوتها صفحات التاريخ ؛ لأنّ الدول الغربية تحاول طمس معالمها (10) وإلصاق التهمة فيها إلى السلطان وتتجاهل المجازر التي ارتكبها الأرمن أيضاً بحقّ المسلمين؛ حيث غدَروا بالمسلمين الذين خرجوا للجهاد ، فقتلوا النساءَ والأطفال في غَيْبتهم.
أمّا بالنسبة لثورات الأرمن فقد كان الروس والإنكليز هم الذين كانوا يشجعون الأرمن للقيام بها ضدّ الدولة العثمانية للأسباب نفسها التي تدفع الدول الغربية وغيرها اليوم لإثارة النعرات الطائفية في البلاد الإسلامية تحت شعار: فرِّق تسد، وهذه الثورات لم تكن بسبب سوء معاملة الدولة العثمانية لرعاياها المسيحيين كما قد يتوهم البعض ، ولكن استغلالاً لروح التسامح ، ولإحراج الدولة العثمانية من أجل كسب مزيد من الامتيازات ، ولقد شهد بهذا (دجوفارا) أحد كبار ساسة رومانيا ومؤرخيها(11).
والسلطان عبد الحميد المعروف بسياسته الإسلامية والذي كان يرى أنّ خلاص الدولة العثمانية وقوتها في اتباع ما جاء في القرآن والسُّنة، والذي قام بإرسال الدعاة المسلمين مع المئات بل الآلاف من الكتب الإسلامية إلى كل أنحاء العالم الإسلامي* لجمعهم تحت راية واحدة هي: "يا مسلمي العالم اتحدوا" لم ترحمه أقلام الحاقدين فاتهموه بحرق المصاحف زوراً وبهتاناً ، وحاولوا تزوير الحقائق التي تقول: إنّ الكتب التي أمر بإحراقها هي كتب دينية طافحة بالخرافات والأساطير وتمسّ عقيدة المسلمين، ولذلك جمعتها وزارة المعارف وفرزتها لجنة من العلماء في 150 شولاً وأمر بها فأُحرقت(12).
أمّا بالنسبة لموقفه تُجاه فلسطين، فلقد حاول الصهاينة منذ بَدء هذه الحركة الاتصال بالسلطان عبد الحميد لإقناعه بفتح الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والسماح لهم بإقامة مستوطنات للإقامة فيها، وقد قام هرتزل باتصالاته تلك برعاية من الدول الاستعمارية الأوروبية، وكان هرتزل يعلم مدى الضائقة المالية التي تمرّ بها الدولة العثمانية، لذلك حاول إغراء السلطان بحل مشاكل السلطنة المالية مقابل تنفيذ مطالب اليهود؛ ولكنّ السلطان ما وهن وما ضعف وما استكان أمام الإغراء حيناً والوعد والوعيد حيناً آخر حتى أدرك اليهود في النهاية أنّه ما دام السلطان عبد الحميد على عرش السلطنة فإنّ حلمهم بإنشاء وطن قومي لهم سيظلّ بعيد المنال (13)
ويَشهد لذلك ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون وما جاء في مذكّرات هرتزل نفسه الذي يقول بمناسبة حديثه عن مقابلته للسلطان : "ونصحني السلطان عبد الحميد بأن لا أتخذّ أية خطوة أخرى في هذا السبيل، لأنّه لا يستطيع أن يتخلّى عن شبر واحد من أرض فلسطين ، إذ هي ليست ملكاً له، بل لأمته الإسلامية التي قاتلت من أجلها وروت التربة بدماء أبنائها، كما نصحني بأن يحتفظ اليود بملاينهم وقال: إذا تجزّأت إمبراطوريتي يوماً ما فإنكم قد تأخذونها بلا ثمن، أمّا وأنا حيّ فإنّ عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أرى فلسطين قد بترت من إمبراطوريتي ، وهذا أمر لا يكون"(14).
لذلك عندما لم يستطع اليهود أن يأخذوا فلسطين بالرشوة، بدءوا بتنفيذ مخططاتهم فقد دفعت تلك الأموال التي رفضها عبد الحميد للمتآمرين والخائنين من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي الذي كان معظمهم من الماسونيين فنفذوا مؤامراتهم بالقضاء على الخلافة الإسلامية ، وخلع السلطان عبد الحميد(15)، وتمّ نفيه إلى (قصر الاتيني) الذي كان يملكه شخص يهودي إمعاناً في إذلاله ، حيث عاش معزولاً عن الناس محاطاً بحراسة مشدّدة بعد أن جُرِد من كل ثروته ، ثمّ نفي بعد ذلك إلى (قصر بيلربي) حيث توفي عن عمر الـ76 عاماً في (10 شباط 1918)، وترك الدولة العثمانية تواجه أقدارها تتلاعب بها أيدي الخائنين والحاقدين والطامعين حتّى حولوا تركيا الدولة التي حضنت الخلافة الإسلامية قروناً إلى دولة علمانية شرسة في محاربة الإسلام (16).
إنّ الصورة التي رسمت للسلطان عبد الحميد هي جزء من مخطط كبير يهدف:
أولاً: إلى تشويه تاريخ المسلمين وتزييف ماضي الأمة وتهميش رموزها ، وتغييب أعلامها عن ذاكرة أبنائها ليقتلوا فيهم اعتزازهم بدينهم وتراثهم ، وليخفّفوا بعد ذلك من أثر العقيدة الصحيحة في النفوس ، وما يمكن أن تؤديه في حياة الناس.
ثانياً: تعبئة هذا الفراغ بصنع تاريخ جديد أبطاله تشي غيفارا وفرويد وداروين وكارل ماركس وطابور المطربين والمطربات والممثلين والممثلات، كل ذلك عن طريق المدارس والجامعات والصحف والتلفاز والسينما والإنترنت وغيرها.
ثالثاً: تنشئة أجيال من المسلمين لا يحملون من الإسلام إلا اسمه ليكون الأداة التي تُستخدم لتدمير الإسلام من الداخل كما تفعل الحشرة في باطن الثمرة (17).
لذلك لا بدّ لنا من أن نقف إزاء التاريخ وخصوصاً أمام أعلامه موقف عدل وإنصاف ، وأن نحاول التمييز ما بين الغث والسمين ونحاول أيضاً إزالة ما عَلِق من شبهات وافتراءات حتى تظهر لنا الصورة بأكملها بسوادها وبياضها دون تغليب السواد على البياض، لذلك واجبنا كمسلمين هو أن نميز بين عهدين، عهد السلطان عبد الحميد الذي انتهى عام 1908م، والذي اتسم بشهادة المؤرخين غير المتعصبين بالعدل والتسامح؛ حيث عمل السلطان على جمع القلوب وعلى تقدير العلماء وإنشاء المدارس والمساجد وإعطاء الحقوق للطوائف الأخرى حتى حاز على محبّة الناس وثقتهم، وما بين حكم الاتحاديين الذي يمتّل أسود صفحات الحكم التركي ولاءً للصهيونية ، وضرب للوحدة الإسلامية وإعلاءً للحركة الطورانية، ومحاولة لتتريك العرب في سوريا ولبنان وتعليق زعمائهم على المشانق(18).
لذلك لو ذكر فقط الموقف المشرِّف للسلطان عبد الحميد تُجاه فلسطين، والذي بسببه حكم السلطان على نفسه بالنفي وعلى عرشه بالخلع ، وعلى سمعته بالتشويه ، وعلى تاريخ خلافته بالافتراء والتجريح لكفى ذلك لجعله من الأبطال الذي يجب أن لا تنساهم أمتنا خصوصاً اليوم... في زمنٍ عزّ فيه الرجال أمثاله الذين لا يميلون حيث تميل بهم الريح؛ لذلك صدق فيه قول الإمام علي رضي الله عنه: "لا يُعرف الحقّ بالرجال ولكن اعرف الحقّ تعرف أهله".
وهناك دوماً في كل زمان ومكان منصفون يُجري الله الحقّ على لسانهم ليُزهقوا به الباطل ، وخصوصاً كُتّاب الغرب الذين شهدوا بما أملاهم عليهم ضميرهم وفي مقدمتهم (لوثروب ستيوارت) في كتابه: (حاضر العالم الإسلامي) ود(آلما والتن) في كتابها: (عبد الحميد ظلّ الله على الأرض) والبروفيسور ورئيس جامعة بودابست اليهودي (أرمينيوس وامبري) الذي زار تركيا عام 1890م، والتقى السلطان، وقال عنه في كتاب (31 مارت) ص 61-62 : "إرادة حديدية، عقل سليم... شخصية وخُلُق وأدب رفيع جداً يعكس التربية العثمانية الأصيلة، هذا هو السلطان عبد الحميد ، ولا تحسبوا معلوماته الواسعة تخص الإمبراطورية العثمانية المنهكة وحدها ، فمعلوماته حول أوروبا وآسيا وأفريقيا حتى حول أمريكا معلومات واسعة ، وهو يراقب عن كثب جميع الحوادث في هذه الأماكن... والسلطان متواضع ورزين إلى درجة حيّرتني شخصياً ، وهو لا يجعل جليسه يشعر بأنّه حاكم وسلطان كما يفعل كل الملوك الأوروبيين في كل مناسبة، يلبس ببساطة ولا يُحبّ الفخفخة، أفكاره عن الدين والسياسة والتعليم ليست رجعية، ومع ذلك فإنّه متمسّك بدينه غاية التمسّك، يرعى العلماء ورجال الدين ولا ينسى بطريرك الروم من عطاءاته الجزيلة، إنّ بعض ساسة أوروبا يريدون أن يصوروا السلطان متعصّباً ضد المسيحيين وليس هناك ادعاء فارغ أكثر من هذا الادعاء... الحقيقة أنني أستطيع أن أقول وبكلّ ثقة إنّه إذا استمرّ الأتراك بالسير في الطريق الذي رسمه هذا السلطان، وإذا لم يظهر عائق سياسي؛ فإنهم سيسترجعون مجدهم وقوتهم وأكثر من ذلك فإنهم سيصلون إلى مستوى الدول الأوروبية في مجال الثقافة والاقتصاد في مدّة قصيرة".
وصدق الله تعالى في قوله : " يريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يُتمّ نوره ولو كره الكافرون ".
قالوا في السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله :
• جمال الدين الأفغاني: " إنّ السلطان عبد الحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة".
• البطريرك الماروني الياس الحويك: "لقد عاش لبنان وعاشت طائفتنا المارونية بألف خير وطمأنينة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الأيام بعده ".
من أقوال السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله :
" يجب تقوية روابطنا ببقية المسلمين في كل مكان، يجب أن نقترب من بعضنا البعض أكثر وأكثر، فلا أمل في المستقبل إلا بهذه الوحدة، ووقتها لم يحن بعد، لكنه سيأتي اليوم الذي يتحد فيه كل المؤمنين وينهضون نهضة واحدة ويقومون قومة رجل واحد يحطمون رقبة الكفار ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
* السلطان الأحمر لقّب بذلك لكثرة الدّماء الذي سفكها بزعمهم.
* غلادستون: رئيس وزراء بريطانيا.
* "الرجل المريض" مصطلح أطلقته الدول الأوروبية على الدولة العثمانية في أواخر أيامها.
* ومنها مكتبة المدرسة الحميدية في عكار (مشحة) التي ما زالت قائمة إلى اليوم، ولا يزال ختمه على كتبها.
1- "والدي السلطان عبد الحميد " مذكرات الأميرة عائشة أوغلي ، ص:76-77.
2- "السلطان عبد الحميد" محمد أورخان علي ، ص:148.
3- المصدر نفسه ، ص87.
4- "والدي السلطان عبد الحميد" مذكرات الأميرة عائشة عثمان أوغلي ، ص80.
5- "السلطان عبد الحميد" لمحمد أورخان علي ، ص 87- 88.
• الرجل المريض مصطلح أطلقته الدول الأوروبية على الدولة العثمانية في أواخر أيامها.
6- راجع كتاب د. حسّان حلاق "دور اليهود والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد عن العرش".
7- "السلطان عبد الحميد" محمد أورخان علي ، ص 155.
8- نفس المصدر ، ص 157.
9- راجع كتيب "السلطان عبد الحميد الثاني" لأنور الجندي.
10- "اللوبي الصهيوني والحلف الاستعماري" لمحمد علي سرحان ، ص: 135.
11- "السلطان عبد الحميد" أنور الجندي ، ص: 25.
12- نفس المصدر.
13- السلطان عبد الحميد الثاني" لرفيق شاكر النتشه ، ص: 178 ، 183 .
14- " مكايد اليهود عبر التاريخ" لعبد الرحمن الميداني ، ص: 275.
15- المصدر نفسه ، ص: 279.
16- راجع كتاب " مذكرات السلطان عبد الحميد" للدكتور محمد حرب ، ص: 58، 234.
17- راجع كتاب "أجنحة المكر الثلاثة" لعبد الرحمن حبنْكة الميداني.
18- راجع كتاب " تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث": أنور الجندي.
المصدر : موقع التاريخ
إشراف الدكتور محمد موسى الشريف
منقول من منتدى فرسان السنة
سلسة أمة لا تعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها
السلطان عبد الحميد الثاني في الميزان
بقلم / منال المغربي
ليس هناك من شخصية في التاريخ الإسلامي المعاصر لقيت من الظلم والإجحاف والافتراء بقدر ما لقيت شخصية السلطان عبد الحميد الثاني، فقد صور من قِبل أعدائه اليهود والأرمن والاتحاديين بصورة السفاح، فالأرمن أطلقوا عليه في كتاباتهم لقب (السلطان الأحمر)* وأطلق عليه غلادستون* لقب (المجرم الكبير)، وحملات التشويه بحقّه لم تسلم منها كتب بعض المؤلفين العرب التي صوّرت السلطان في صورة الطاغية مثل كتاب (الانقلاب العثماني) لجرجي زيدان، و(الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده) لسُليمان البستاني... ولكنّ التاريخ أبى إلاّ أن يقول كلمته في حقِّ هذا الرجل الذي صمد في وجه اليهود والقوى الدولية الغاشمة صمود الأبطال وهو صابر محتسب حتى خُلع عن عرشه.
فمن هو السلطان عبد الحميد الثاني؟
ولد السلطان عبد الحميد الثاني يوم الأربعاء في 22 أيلول عام 1842م، توفيت والدته من مرض السلّ وهو في الثامنة من عمره، فاحتضنته الزوجة الثانية لوالده التي كان معروفاً عنها أنّها شديدة التدّين، وأسبغت عليه كل حنانها وعطفها ، وقد بادلها عبد الحميد هذا الحب فكان يقول عنها : "لو كانت والدتي حيّة لما استطاعت أن ترعاني أكثر من رعايتها"(1)، وعندما توفيت أوصت بجميع ثروتها لابنها الذي أحبّته.
قضى السلطان شبابه يطلب العلم على عكس ما صوّره أعدائه بأنه كان شخصاً جاهلاً لا يعرف القراءة والكتابة إلا بصعوبة؛ فهو قد درس اللغة التركية والفارسية والعربية والفرنسية، وكان يقول الشعر كما كان شغوفاً بقراءة كتب التاريخ ، ومنها تاريخ الدولة العثمانية، بالإضافة إلى حبّه الشديد للمطالعة حتى إنّه أمر بترجمة المقالات والمجلات والصحف الأجنبية التي ترد إليه ليتمكّن من قراءتها (2).
أمّا بالنسبة لهواياته فهي متعدّدة منها : المبارزة بالسيف، والتهديف بالمسدس والسباحة والتجديف بالقارب وركوب الخيل والصيّد ، كما كان شَغوفاً بجمع الأسلحة النادرة، أمّا أبرز هواياته فكانت النجارة (3).
وعبد الحميد معروف بتقواه وتمسُّكه بالدين ولم يُعرف عنه تركه للصلاة قط، أو إهماله للتعبّد وتقول عنه ابنته عائشة : "كان والدي يؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها ويقرأ القرآن الكريم، وفي شبابه سلك مسلك الشاذلية ، وكان كثير الارتياد للجوامع لاسيما في شهر رمضان"(4).
والملاحظ في حياة الأمير هو البساطة الشديدة والابتعاد عن البذخ والإسراف والتبذير ، وقد استمرّت بساطته حتّى في أيام السّلطنة، ففيما كان الأمراء السابقون غارقين حتى أذقانهم في الديون واللهو والمُجون كان عبد الحميد هو الأمير الوحيد الذي لم يُشارك في تلك الأجواء، وامتاز عن أسلافه من السلاطين بأنه لم يستدن قرشاً واحداً من أحد ، وبهذا عصم نفسه من أن يقع في حبائل أصحاب البنوك وجُلّهم من اليهود، ولكن أعداءه لم يتركوا الفرصة دون أن يقلبوا هذه الخصلة الحميدة إلى مذمّة فأطلقوا عليه في كتاباتهم لقب: "عبد الحميد البخيل"(5).
ارتقى عبد الحميد الثاني عرش السلطنة يوم الخميس في 31 آب 1876 في ظل ظروف قاسية كانت تعصف بالدولة العثمانية من الديون التي كانت ترزح تحتها إلى تكالب الدول الأوروبية واليهودية التي كانت تنتظر موت الرجل المريض* لاقتسام ثروته لاسيما البترول(6)، لذلك أوّل ما فعله أنّه سعى إلى رأب الصدع ، فجرى على سياسة الاقتصاد من أجل تحرير رقبة بلاده من قبضة الدول والمصارف الأجنبية ، حتّى إنّه تبرّع من ماله الخاص من أجل هذا الغرض فاستطاع تسديد القسم الأكبر من تلك الديون، وفي عهده تخرج جيلٌ كامل من المثقفين والمتعلمين من كليات وجامعات ومعاهد أسسها السلطان، وبدأت الدلائل تشير إلى عودة الصحة والعافية إلى جسد الرجل المريض ، ولكن وصول الاتحاديين إلى السلطة بمساعدة خارجية قضى على هذا الأمل.
من أهم صفات السلطان عبد الحميد الرحمة والتسامح على الرغم من أنّ المعروف عنه العكس تماماً فقد صُوِّر من قبل أعدائه بصورة السفاح، بل لعلّ صفة الرحمة الزائدة عن الحدّ كانت نقطة الضعف عنده ، ويكفي القول : إنّ المؤرخين يذكرون أنّ السلطان كان يُبدِّل على الدوام حكم الإعدام الذي يُصدره القاضي إلى السجن المؤبد أو إلى مدّة أقلّ، ولم يُصادف أنّه صادق على حكم الإعدام إلا مرتين : الأولى عندما قتل أحد العاملين في القصر زميلاً له ، والثاني عندما قام شخص بقتل والديه (7).
أمّا بالنسبة لمعارضيه السياسيين والساعين إلى قلب نظام الحكم وأكثرهم من الاتحاديين الذين ينتسبون إلى الماسونية؛ فلم يقم بإعدام أو إغراق أي واحد منهم في بحر مرمرة (البوسفور) كما أُشيع، وكلها اتهامات أوردها اليهود وأعوانهم لتشويه تاريخه وتهميش نضاله ضد الصهيونية العالمية وأعوانها ؛ لأنّه كشف مخططاتهم وفضح مؤامراتهم وقاومهم طيلة 33 سنة من تاريخ حُكمه، فهذه الروايات ليس لها سند صحيح، فكل ما كان يفعله هو استمالة قلوب أعدائه أو نفيهم إلى بلد آخر مع إغداق المال عليهم ليعيشوا بكلّ رفاهية (.
ولقد ترددت كثيراً قصة حادثة (31 مارت) التي قُتل فيها عدد من الاتحاديين ، والتي كانت عبارة عن حركة تمرّد وعصيان قام بها بعض الجنود واشترك فيها بعض طلبة المدارس الدينية والصوفية وبعض المدنيين المعارضين لجمعية الاتحاد والترٌقي، ولقد اتهم السلطان بأنّه المدبِّر لهذه الحادثة، وأنّه كان يهدف من خلالها إلى القضاء على الجيش والعودة إلى الحكم الاستبدادي ، ولكنّ التاريخ أثبت أنّها كانت مجرّد حجة لخلع السلطان عن العرش، وأنّه لم يكن له يدٌ فيها (9).
أمّا مذابح الأرمن المذكورة حتى في الكتب المدرسية والتي وصفت بالوحشية ، وقُتل فيها عددٌ يتراوح بين 2 مليون إلى 3 مليون أرمني في أبشع صور الإجرام، فلقد اتهم السلطان بأنّه المسئول عنها، ولكنّ التاريخ أثبت أيضاً أنّ السلطان منها براء ، وأنّ اليهود في الباب العالي كانوا وراء تلك المذابح ، وبالأخص المجموعات الماسونية المنضوية تحت لواء محفل النور في أنقرة واسطنبول، وهذه الجرائم طوتها صفحات التاريخ ؛ لأنّ الدول الغربية تحاول طمس معالمها (10) وإلصاق التهمة فيها إلى السلطان وتتجاهل المجازر التي ارتكبها الأرمن أيضاً بحقّ المسلمين؛ حيث غدَروا بالمسلمين الذين خرجوا للجهاد ، فقتلوا النساءَ والأطفال في غَيْبتهم.
أمّا بالنسبة لثورات الأرمن فقد كان الروس والإنكليز هم الذين كانوا يشجعون الأرمن للقيام بها ضدّ الدولة العثمانية للأسباب نفسها التي تدفع الدول الغربية وغيرها اليوم لإثارة النعرات الطائفية في البلاد الإسلامية تحت شعار: فرِّق تسد، وهذه الثورات لم تكن بسبب سوء معاملة الدولة العثمانية لرعاياها المسيحيين كما قد يتوهم البعض ، ولكن استغلالاً لروح التسامح ، ولإحراج الدولة العثمانية من أجل كسب مزيد من الامتيازات ، ولقد شهد بهذا (دجوفارا) أحد كبار ساسة رومانيا ومؤرخيها(11).
والسلطان عبد الحميد المعروف بسياسته الإسلامية والذي كان يرى أنّ خلاص الدولة العثمانية وقوتها في اتباع ما جاء في القرآن والسُّنة، والذي قام بإرسال الدعاة المسلمين مع المئات بل الآلاف من الكتب الإسلامية إلى كل أنحاء العالم الإسلامي* لجمعهم تحت راية واحدة هي: "يا مسلمي العالم اتحدوا" لم ترحمه أقلام الحاقدين فاتهموه بحرق المصاحف زوراً وبهتاناً ، وحاولوا تزوير الحقائق التي تقول: إنّ الكتب التي أمر بإحراقها هي كتب دينية طافحة بالخرافات والأساطير وتمسّ عقيدة المسلمين، ولذلك جمعتها وزارة المعارف وفرزتها لجنة من العلماء في 150 شولاً وأمر بها فأُحرقت(12).
أمّا بالنسبة لموقفه تُجاه فلسطين، فلقد حاول الصهاينة منذ بَدء هذه الحركة الاتصال بالسلطان عبد الحميد لإقناعه بفتح الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والسماح لهم بإقامة مستوطنات للإقامة فيها، وقد قام هرتزل باتصالاته تلك برعاية من الدول الاستعمارية الأوروبية، وكان هرتزل يعلم مدى الضائقة المالية التي تمرّ بها الدولة العثمانية، لذلك حاول إغراء السلطان بحل مشاكل السلطنة المالية مقابل تنفيذ مطالب اليهود؛ ولكنّ السلطان ما وهن وما ضعف وما استكان أمام الإغراء حيناً والوعد والوعيد حيناً آخر حتى أدرك اليهود في النهاية أنّه ما دام السلطان عبد الحميد على عرش السلطنة فإنّ حلمهم بإنشاء وطن قومي لهم سيظلّ بعيد المنال (13)
ويَشهد لذلك ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون وما جاء في مذكّرات هرتزل نفسه الذي يقول بمناسبة حديثه عن مقابلته للسلطان : "ونصحني السلطان عبد الحميد بأن لا أتخذّ أية خطوة أخرى في هذا السبيل، لأنّه لا يستطيع أن يتخلّى عن شبر واحد من أرض فلسطين ، إذ هي ليست ملكاً له، بل لأمته الإسلامية التي قاتلت من أجلها وروت التربة بدماء أبنائها، كما نصحني بأن يحتفظ اليود بملاينهم وقال: إذا تجزّأت إمبراطوريتي يوماً ما فإنكم قد تأخذونها بلا ثمن، أمّا وأنا حيّ فإنّ عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أرى فلسطين قد بترت من إمبراطوريتي ، وهذا أمر لا يكون"(14).
لذلك عندما لم يستطع اليهود أن يأخذوا فلسطين بالرشوة، بدءوا بتنفيذ مخططاتهم فقد دفعت تلك الأموال التي رفضها عبد الحميد للمتآمرين والخائنين من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي الذي كان معظمهم من الماسونيين فنفذوا مؤامراتهم بالقضاء على الخلافة الإسلامية ، وخلع السلطان عبد الحميد(15)، وتمّ نفيه إلى (قصر الاتيني) الذي كان يملكه شخص يهودي إمعاناً في إذلاله ، حيث عاش معزولاً عن الناس محاطاً بحراسة مشدّدة بعد أن جُرِد من كل ثروته ، ثمّ نفي بعد ذلك إلى (قصر بيلربي) حيث توفي عن عمر الـ76 عاماً في (10 شباط 1918)، وترك الدولة العثمانية تواجه أقدارها تتلاعب بها أيدي الخائنين والحاقدين والطامعين حتّى حولوا تركيا الدولة التي حضنت الخلافة الإسلامية قروناً إلى دولة علمانية شرسة في محاربة الإسلام (16).
إنّ الصورة التي رسمت للسلطان عبد الحميد هي جزء من مخطط كبير يهدف:
أولاً: إلى تشويه تاريخ المسلمين وتزييف ماضي الأمة وتهميش رموزها ، وتغييب أعلامها عن ذاكرة أبنائها ليقتلوا فيهم اعتزازهم بدينهم وتراثهم ، وليخفّفوا بعد ذلك من أثر العقيدة الصحيحة في النفوس ، وما يمكن أن تؤديه في حياة الناس.
ثانياً: تعبئة هذا الفراغ بصنع تاريخ جديد أبطاله تشي غيفارا وفرويد وداروين وكارل ماركس وطابور المطربين والمطربات والممثلين والممثلات، كل ذلك عن طريق المدارس والجامعات والصحف والتلفاز والسينما والإنترنت وغيرها.
ثالثاً: تنشئة أجيال من المسلمين لا يحملون من الإسلام إلا اسمه ليكون الأداة التي تُستخدم لتدمير الإسلام من الداخل كما تفعل الحشرة في باطن الثمرة (17).
لذلك لا بدّ لنا من أن نقف إزاء التاريخ وخصوصاً أمام أعلامه موقف عدل وإنصاف ، وأن نحاول التمييز ما بين الغث والسمين ونحاول أيضاً إزالة ما عَلِق من شبهات وافتراءات حتى تظهر لنا الصورة بأكملها بسوادها وبياضها دون تغليب السواد على البياض، لذلك واجبنا كمسلمين هو أن نميز بين عهدين، عهد السلطان عبد الحميد الذي انتهى عام 1908م، والذي اتسم بشهادة المؤرخين غير المتعصبين بالعدل والتسامح؛ حيث عمل السلطان على جمع القلوب وعلى تقدير العلماء وإنشاء المدارس والمساجد وإعطاء الحقوق للطوائف الأخرى حتى حاز على محبّة الناس وثقتهم، وما بين حكم الاتحاديين الذي يمتّل أسود صفحات الحكم التركي ولاءً للصهيونية ، وضرب للوحدة الإسلامية وإعلاءً للحركة الطورانية، ومحاولة لتتريك العرب في سوريا ولبنان وتعليق زعمائهم على المشانق(18).
لذلك لو ذكر فقط الموقف المشرِّف للسلطان عبد الحميد تُجاه فلسطين، والذي بسببه حكم السلطان على نفسه بالنفي وعلى عرشه بالخلع ، وعلى سمعته بالتشويه ، وعلى تاريخ خلافته بالافتراء والتجريح لكفى ذلك لجعله من الأبطال الذي يجب أن لا تنساهم أمتنا خصوصاً اليوم... في زمنٍ عزّ فيه الرجال أمثاله الذين لا يميلون حيث تميل بهم الريح؛ لذلك صدق فيه قول الإمام علي رضي الله عنه: "لا يُعرف الحقّ بالرجال ولكن اعرف الحقّ تعرف أهله".
وهناك دوماً في كل زمان ومكان منصفون يُجري الله الحقّ على لسانهم ليُزهقوا به الباطل ، وخصوصاً كُتّاب الغرب الذين شهدوا بما أملاهم عليهم ضميرهم وفي مقدمتهم (لوثروب ستيوارت) في كتابه: (حاضر العالم الإسلامي) ود(آلما والتن) في كتابها: (عبد الحميد ظلّ الله على الأرض) والبروفيسور ورئيس جامعة بودابست اليهودي (أرمينيوس وامبري) الذي زار تركيا عام 1890م، والتقى السلطان، وقال عنه في كتاب (31 مارت) ص 61-62 : "إرادة حديدية، عقل سليم... شخصية وخُلُق وأدب رفيع جداً يعكس التربية العثمانية الأصيلة، هذا هو السلطان عبد الحميد ، ولا تحسبوا معلوماته الواسعة تخص الإمبراطورية العثمانية المنهكة وحدها ، فمعلوماته حول أوروبا وآسيا وأفريقيا حتى حول أمريكا معلومات واسعة ، وهو يراقب عن كثب جميع الحوادث في هذه الأماكن... والسلطان متواضع ورزين إلى درجة حيّرتني شخصياً ، وهو لا يجعل جليسه يشعر بأنّه حاكم وسلطان كما يفعل كل الملوك الأوروبيين في كل مناسبة، يلبس ببساطة ولا يُحبّ الفخفخة، أفكاره عن الدين والسياسة والتعليم ليست رجعية، ومع ذلك فإنّه متمسّك بدينه غاية التمسّك، يرعى العلماء ورجال الدين ولا ينسى بطريرك الروم من عطاءاته الجزيلة، إنّ بعض ساسة أوروبا يريدون أن يصوروا السلطان متعصّباً ضد المسيحيين وليس هناك ادعاء فارغ أكثر من هذا الادعاء... الحقيقة أنني أستطيع أن أقول وبكلّ ثقة إنّه إذا استمرّ الأتراك بالسير في الطريق الذي رسمه هذا السلطان، وإذا لم يظهر عائق سياسي؛ فإنهم سيسترجعون مجدهم وقوتهم وأكثر من ذلك فإنهم سيصلون إلى مستوى الدول الأوروبية في مجال الثقافة والاقتصاد في مدّة قصيرة".
وصدق الله تعالى في قوله : " يريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يُتمّ نوره ولو كره الكافرون ".
قالوا في السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله :
• جمال الدين الأفغاني: " إنّ السلطان عبد الحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة".
• البطريرك الماروني الياس الحويك: "لقد عاش لبنان وعاشت طائفتنا المارونية بألف خير وطمأنينة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الأيام بعده ".
من أقوال السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله :
" يجب تقوية روابطنا ببقية المسلمين في كل مكان، يجب أن نقترب من بعضنا البعض أكثر وأكثر، فلا أمل في المستقبل إلا بهذه الوحدة، ووقتها لم يحن بعد، لكنه سيأتي اليوم الذي يتحد فيه كل المؤمنين وينهضون نهضة واحدة ويقومون قومة رجل واحد يحطمون رقبة الكفار ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
* السلطان الأحمر لقّب بذلك لكثرة الدّماء الذي سفكها بزعمهم.
* غلادستون: رئيس وزراء بريطانيا.
* "الرجل المريض" مصطلح أطلقته الدول الأوروبية على الدولة العثمانية في أواخر أيامها.
* ومنها مكتبة المدرسة الحميدية في عكار (مشحة) التي ما زالت قائمة إلى اليوم، ولا يزال ختمه على كتبها.
1- "والدي السلطان عبد الحميد " مذكرات الأميرة عائشة أوغلي ، ص:76-77.
2- "السلطان عبد الحميد" محمد أورخان علي ، ص:148.
3- المصدر نفسه ، ص87.
4- "والدي السلطان عبد الحميد" مذكرات الأميرة عائشة عثمان أوغلي ، ص80.
5- "السلطان عبد الحميد" لمحمد أورخان علي ، ص 87- 88.
• الرجل المريض مصطلح أطلقته الدول الأوروبية على الدولة العثمانية في أواخر أيامها.
6- راجع كتاب د. حسّان حلاق "دور اليهود والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد عن العرش".
7- "السلطان عبد الحميد" محمد أورخان علي ، ص 155.
8- نفس المصدر ، ص 157.
9- راجع كتيب "السلطان عبد الحميد الثاني" لأنور الجندي.
10- "اللوبي الصهيوني والحلف الاستعماري" لمحمد علي سرحان ، ص: 135.
11- "السلطان عبد الحميد" أنور الجندي ، ص: 25.
12- نفس المصدر.
13- السلطان عبد الحميد الثاني" لرفيق شاكر النتشه ، ص: 178 ، 183 .
14- " مكايد اليهود عبر التاريخ" لعبد الرحمن الميداني ، ص: 275.
15- المصدر نفسه ، ص: 279.
16- راجع كتاب " مذكرات السلطان عبد الحميد" للدكتور محمد حرب ، ص: 58، 234.
17- راجع كتاب "أجنحة المكر الثلاثة" لعبد الرحمن حبنْكة الميداني.
18- راجع كتاب " تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث": أنور الجندي.
المصدر : موقع التاريخ
إشراف الدكتور محمد موسى الشريف
منقول من منتدى فرسان السنة
سلسة أمة لا تعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى