الممكنون في الأرض .
صفحة 1 من اصل 1
الممكنون في الأرض .
الممكنون في الأرض :
هذا الدرس يتجه إلى المتفوقين في شتى ميادين الحياة
أيها الأخوة: في الأعمّ الأغلب تتجه موضوعات الدروس إلى كل المسلمين، لكن أحياناً تتجه بعض الموضوعات إلى فئة خاصة، والدرس اليوم يتميز عن بقية الدروس بأنه يتوجه للمتفوقين في شتى ميادين الحياة، لأن الأمة مكلفة شرعاً أن يكون فيها طائفة منصورة مجاهدة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، وكلكم يعلم أن الناس أتباع ومتبوعون، الطبقة العليا في المجتمع متبوعة، إن كانت غنية، فكل من يحب الدنيا هذا الغني قدوة له، وإن كانت قوية فكل من يحب القوة يجعل من هذا القوي هدفاً له، وإن كان التفوق في العلم فكل طالبي العلم يجعلون هذا المتفوق هدفاً لهم، المتفوق ممكن في الأرض.
ما منا واحد إلا وقد مكنه الله من شيء، أرأيت إلى طبيب أمضى نصف حياته في العلم الطبي حتى صار أكبر جراح، لو سمع صوتاً في محرك مركبته لأسرع إلى من مكنه الله من إصلاح المحرك، يقف أمامه متأدباً يسأله: هل لهذا الصوت من حلّ أم لا بد من تبديل المحرك؟ بهذه اللحظة جراح القلب يقف أمام من مكنه الله من إصلاح المركبات كالمتعلم أمام المعلم، والآن ستأتي آية دقيقة جداً...
كلمة ممكن في الأرض أي كل في اختصاصه
كلمة ممكن في الأرض كل إنسان باختصاصه ممكن في الأرض، أي متفوق باختصاصه، عاد الدرس إلى كل الأخوة الحاضرين، لكن أنت متفوقاً في اختصاص وأمياً في اختصاص، لو أعطيتني تخطيط قلب والله لا أفهم منه شيئاً إلا خطوطاً منكسرة، أعط هذا التخطيط لطبيب قلب تجده يفهم أشياء عميقة، هنا خوارج انقباض، هنا ارتجاف في البطين الاشتدادي، هنا يوجد عدم نظم، يفهم مجموعة أمراض من هذه الخطوط، فالطبيب متفوق في اختصاصه أمي في موضوع ثانٍ، وعالم الدين قد يكون أمياً في الطب لكنه متفوق في اختصاصه.
النقطة الدقيقة أن هؤلاء المتفوقين الممكنين في الأرض بنوع من أنواع التمكين هؤلاء عليهم واجب كبير.
الشيء المألوف أن الغني عبادته الأولى إنفاق المال، وأن القوي عبادته الأولى إنصاف الضعيف، وأن العالم عبادته الأولى تعليم العلم، لكن هناك مجالات أخرى في التفوق، من كان طليق اللسان طلاقة اللسان قد تكون في إتحاف الناس بطرف وحديث ممتع مضحك، وقد تكون في إقناعهم بالحق، فمن مكنه الله من قوة التعبير، وقوة التأثير، ونصاعة الحجة، وفصاحة البيان، هذا له حساب عند الله، ينبغي أن يستخدم قوته التعبيرية وطلاقة لسانه ونصاعة بيانه في توضيح الحق للناس، لا ينبغي أن يستخدم فصاحته في لفت النظر إليه، وفي إتحاف الحاضرين بطرف ممتعة تضفي على الجلسة جواً مرحاً، النبي كان يمزح لكنه لا يمزح إلا حقاً، والمزاح من السنّة، والإنسان المتحدث إذا كان هناك شيء من الطرائف بكلامه يجعل المجلس نشيطاً، أنا لست مع المتزمتين، ولكن ما من إنسان مكنه الله في الأرض إلا وهو محاسب على هذا التمكين، هل وظفه في الحق أم وظفه في الباطل؟
من مكّن من شيء عليه أن يوظفه في الحق :
محور الدرس أنت إذا تفوقت في شيء ما، تفوقت في اللغة الأجنبية ماذا فعلت بهذا التفوق؟ اكتفيت أن تقرأ الصحف بالطبعات الأجنبية، اكتفيت أن تسمع الأخبار من محطات أجنبية، اكتفيت أن تقرأ مسرحية باللغة الأجنبية أم استخدمت هذه اللغة التي تفوقت بها في ترجمة كتب الحق إلى لغات أجنبية؟ في إقناع الطرف الآخر الذين يبالغون في الإساءة للمسلمين أن يكونوا منصفين.
درسي عام يشمل كل أنواع التفوق، وخاص يتجه لكل إنسان مكنه الله من شيء، فأنت حينما تمكّن من شيء ينبغي أن توظفه في الحق.
الحقيقة الأولى في هذا الدرس أن أي حظ منحك الله إياه من حظوظ الدنيا ينبغي أن تهتم لهذا الحظ، ما مكنك الله فيه إلا لحكمة يريدها، فإذا غفلت عن حكمة الله واستمتعت بهذا التمكين فقد ضيعت فرصة ذهبية نادرة لا تعود.
من كان له صوت حسن وقرأ القرآن هناك قراء تركوا الدنيا من خمسين عاماً تقريباً ولا تزال تسجيلاتهم تذاع كل يوم، هذا القارئ مُكّن من صون ندي، فوظفه في القرآن، بينما إنسان آخر مُكّن من صوت ندي فوظفه في الغناء، وقد مات من سنوات طويلة وأغانيه تذاع في كل مكان، وكلما أذيعت أغنية له اشتد ألمه وعذابه يوم القيامة !
حين يمكنك الله من شيء وظفه للحق
الدرس اليوم لمن مكنه الله في الأرض، قد تمكن من اللغة فتكتب أشعار الغزل ماذا تفعل بالغزل؟ إذا جئت يوم القيامة وسألك الله عز وجل: ماذا كنت تعمل في الدنيا؟ تجيب: أنا معي ثلاثة دواوين غزل! هل بإمكانك أن تقول هذا الكلام؟ فكر بما مكنك الله به، هناك اختصاصات نادرة مثلاً برمجة الحاسوب، فإذا برمج أحد برنامجاً دينياً، اطلعت على برنامج في المواريث شهد الله أن هذا شيء لا يصدق! بأقل من دقيقة تحسب أعقد مسألة بالمواريث، تقول مسألة تفتح أمامك شبكة علاقات، تكتب زوجاً، تكتب المتوفى ترك ابناً، تكتب ابناً لو ترك أخاً لا يستجيب، لأن الابن يحجب الأخ إذا أخطأت لا يستجيب، تعطيه الرقم فيعطيك بالقروش، والأحكام الشرعية، والمواريث، والأنصبة، والحقوق، والاستثناءات، بثوان، فهذا الذي برمج قواعد المواريث هذا مستواه عال جداً، لكن أين وظف هذه القدرات العالية؟ في برمجة موضوع ديني، وهذه المواقع الإباحية أليس هناك من برمجها وهيأها وتأتيه اللعنات كل دقيقة؟ بل تأتيه اللعنة عن كل من يفتح هذا الموقع، الممكن في الأرض له حساب خاص، إن كنت ممكناً في المال فحسابك خاص، إن كنت ممكناً في القوة فلك حساب خاص.
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾
[ سورة الكهف : 84]
لديك قوة إقناع استخدمها في الحق
وإن كنت ممكناً بالعلم فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بالصوت الحسن فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بالفصاحة والبلاغة فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بالذكاء الاجتماعي فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بذاكرة قوية فلك حساب خاص.
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾
[ سورة الكهف : 84]
هناك أشخاص عندهم ذاكرة عجيبة، وأشخاص عندهم في علم النفس ما يسمى قوة إقناع، يستطيع أن يقنع الآخرين بأية فكرة، فأنت انظر بماذا مكنت؟ وهذا الذي مكنت به هل وظفته في الحق أم استخدمته للدنيا؟ لذلك الإنسان تأتيه ساعة يوم القيامة يندم أشد الندم على أنه فرط فيما مكن فيه، قد يمضي حياته يستخدم صحته وقوته وثقافته في الحق، وإنسان آخر يستخدم صحته وقوته وذكاءه في الباطل.
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
[ سورة الكهف : 84-85]
هل أخذت بيد زوجتك إلى الله ورسوله؟
ألم تسمعوا عن أشخاص يملكون مئات الملايين؟ هناك من يشتري قصراً جميلاً في مدينة أوروبية ويمضي حياته فيه، فإذا جاء أجله انتهت كل هذه الميزات، وهناك من يوظف هذا المال في إنشاء مشاريع إسلامية، معاهد، جامعات، مستشفيات، مستوصفات، دار أيتام، فأنت ممكن هذه مقدمة، ابحث عن أي شيء مكنك الله به، أبسط شيء ممكن فيه أنت هو الصحة لا مشكلة، لا يوجد خلل كبير بجسمك، أحد الأشياء الممكن بها أولادك، هذا ابنك ينبغي أن يستمع ويخضع ويستجيب لك، هل استخدمت تمكينك كأب في تربية أولادك؟ أنت ممكن أن لك زوجة، هل استخدمت التمكين في الأخذ بيد الزوجة إلى الله ورسوله؟ هذا التمكين.
بدأت بالأشياء المألوفة؛ الغني ممكن، والقوي ممكن، والعالم ممكن، لكن طليق اللسان أيضاً ممكن، ومن يتمتع بذاكرة قوية ممكن، من يتمتع بذكاء اجتماعي ممكن، لو وسعنا هذه الدائرة من يتمتع بقوة إقناع ممكن، وبروح فكهة ممكن، هل استخدم هذه الفكاهات البريئة النظيفة المدروسة في تلطيف الجو الذي حوله؟ أم استخدم ذكاءه في طرف جنسية تسيء للحاضرين؟ روح الدعابة عند إنسان ممكن بها إما أن تكون دعابة نظيفة بريئة، وإما أن تكون دعابة قذرة.
الدنيا يأتيها الناس تباعاً ويغادرونها تباعاً ليتعظ بعضهم ببعض :
أيها الأخوة: الآية التي هي محور هذا الموضوع الدقيق:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
المدن يبنيها أقوام ليخلفهم أقوام أخرى
مرة وقفت في مدخل سوق الحميدية، وجدت هذه المحلات بتقديري كل خمسين سنة يوجد أصحاب لهذه المحلات جدد، بناء قديم في أحد أحياء دمشق الذي أنشأه تحت أطباق الثرى، الأولاد باعوا البناء، واقتسموا الإرث، جاء إنسان اشترى ثم كبر بالسن وتوفي وله ورثة باعوا البيت، فالبيوت نخلف بعضنا بعضاً فيها، والمحلات التجارية يخلف بعضنا بعضاً فيها، وهذه المدينة كان فيها الرومان وقبلهم الأقوام السابقة وجاء بعد الرومان المسلمون.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
على مستوى مدن أو ممالك أو أبنية أو محلات تجارية أو مزارع، تجد مزرعة أنشأها إنسان واشتراها إنسان وباعها لإنسان واشتراها إنسان وباعها قال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
كان من الممكن أن نأتي إلى الدنيا ونغادرها جميعاً دفعة واحدة، لا موت ولا حزن، ولكن شاءت حكمة الله أن نأتيها تباعاً ونغادرها تباعاً ليتعظ بعضنا ببعض.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
من وظّف اختصاصه للدنيا فهو أكبر خاسر :
هنا مركز الثقل الآلي.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إذا الإنسان قرأ الآية دون أن يدقق يتوهم أن إنساناً في أعلى درجة، والإنسان الثاني في أخفض درجة، لا، ليس هذا معنى الآية، كل إنسان مرفوع في موضوع ومخفوض في موضوع، مرتفع في مكان ومنخفض في مكان، قد يأتي إنسان إلى المسجد ويستمع إلى الخطبة ولعلها موفقة بإذن الله، يعجب كيف تكلمت بهذا الكلام، وكيف كنت طليق اللسان، وكيف جاءت العبارات محكمة، الله عز وجل مكّن الخطيب من إلقاء هذه الخطبة، إنسان ثان عمله في الجراحة هو مرتاح يأتي بالمشرط وقد رأيت هذا في عملية قلب، شق الجلد وصل إلى ما تحت الجلد، جاء بصاروخ شقّ العظم جاء بكلاليب باعد ما بين طرفي القفص الصدري ثم شق الغشاء الذي يغلف القلب، وصل إلى القلب، فتح بطينه، وصل إلى داخل القلب نزع الدسام وركب دساماً آخر، وخيط أربع ساعات، وكل المكان دم وقلب صناعي وتنفس صناعي ثم أعطى صعقة للقلب فاشتغل القلب انتهت العملية، هو مرتاح هذا أيضاً ممكن في الأرض.
من يجري عمليات القلب المفتوح إنسان ممكن في الأرض
مرة كنت أودع ابني إلى الخليج قال لي: هذا هو الطيار، شاب صغير، معقول طائرة جامبو فيها أربعمئة راكب والسفر ليلاً هل تستطيع أن تجلس مكانه وتقود الطائرة وتسير ليلاً؟ الطيار ممكّن في الأرض، الجراح ممكّن، الخطيب ممكّن، المدرس ممكّن، يوجد أعمال بالهندسة كبيرة جداً، توجد جسور بالعالم العقل لا يتصورها، جسر في فرانسيسكو طوله اثنا عشر كيلو متر! هذا أطول جسر في العالم، مصنوع من عام ألف و تسعمئة و ستة و ثلاثين لم يصبه شيء حتى الآن، مبني من عام ستة و ثلاثين، المهندس ممكن في الأرض.
مرة صعدت إلى أعلى بناء بالعالم في شيكاغو بعد أن نزلت قالوا: لك مفاجأة سارة، قلت: ما هي؟ قال لي: الذي بنى هذا البناء إنسان مسلم! مئة وعشرون طابقاً تقريباً، فأنت ممكّن، لكن هل انتبهت أن هذا التمكين لو وظفته في الدنيا فأنت أكبر خاسر أما إذا وظفته في الآخرة فأنت أكبر رابح؟؟
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ﴾
[سورة الأنعام: 165]
ليمتحنكم.
الإنسان ممتحن في كلّ ثانية :
أنت ممكن من طلاقة اللسان، وقوة البيان، وإقناع الآخرين، رجاك إنسان أن تذهب معه لحل مشكلة مع إنسان عنيد اعتذرت، هذه القدرة على إقناع الآخرين لمن ادخرتها؟ إذا ضننت بها على أن تكون عملاً صالحاً لمن ادخرتها؟ لأهوائك ومصالحك، هل نجحت في توضيح معنى؟
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
لم يقل رفعكم، لو قالها لكان في كل المجالات، رفع بعضكم لم يقل فوق الآخرين قال: فوق بعض، فأنت ممكن من التدريس لست ممكناً في إصلاح التمديدات الصحية في بيتك لا تستطيع، يا ترى هل أضطر لأكسر البلاط؟ أنت لست ممكناً، لها حل؟
كل إنسان ممكن في عمله
لابد من تكسير البلاط، تقف أمام الخبير بكل أدب، فهذا الخبير الآن أعلى منك في اختصاصه، لا يفهم من أن فلاناً ممكن في الأرض أنه متفوق في كل شيء، ممكن في شيء، وغيره ممكن في شيء آخر، فأنت كل يوم عدة مرات تعلو وتنزل، يأتيك من هو بحاجة إليك فأنت السيد، تذهب إلى من أنت بحاجة إليه فأنت السائل، تحتاج إلى الرجل تكن أسيره، استغن عنه تكن نظيراً، أحسن إليه تكن أميره.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ﴾
[سورة الأنعام: 165]
والله أيها الأخوة: نحن جميعاً تحت الامتحان في كل ثانية، إنسان استغضبك هل تغضب أم ترضى؟ إنسان التجأ إليك هل تلبيه أم لا؟ إنسان استنصحك هل تلبيه أم تغشه؟
أكثر الباعة يأتي إنسان معلوماته ضعيفة يقول: انصحني، يستغل البائع هذه الكلمة ويعطيه البضاعة الكاسدة، وإذا كان أذكى يقتني من هذه البضاعة الكاسدة ويقول له: انظر أنا ألبس منها، أسوأ قماش يفصل منه بنطالاً ويلبسه، انصحني أنصح نفسي به، ولك الخيار، لكن الله يعرف أنك لم تنصح نفسك به لكنك استخدمته من باب الأسلوب لترويج هذه البضاعة.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إن الله سريع العقاب
لو أنك وظفت هذا التفوق في غير الحق قال:
﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
يسحب من تحت قدميك البساط، قرأت في الجريدة قبل سنوات عدة عن إنسان ممكن في اختصاصه، وقيل دخله بالأسبوع مليون ليرة لكن بالكذب والدجل، إنسان ليس بحاجة لعمل جراحي ينصحه بعمل جراحي، إن كان هذا العمل الجراحي يفيده أو لا أو يميته ينصب بالثلاثة والدخل فلكي، في لحظة واحدة افتضح أمره والصحف نشرت كل فضائحه وانتهى بيوم واحد، فإذا استخدم الإنسان التمكين في الأرض وفق أهوائه وشهواته.
﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
وإذا استخدم الذي مكن به في الأرض بالخير والحق.
﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إنما الأعمال بالنيات :
هذا الدرس يعني أن تراجع نفسك، أنت بماذا متفوق؟ ما الذي مكنت فيه؟ قال أخ: كنت شريكاً في مشروع تجاري أمشي مع شريكي فوجدت خمس ليرات انحنيت وأخذتها ووضعتها بجيبي بعد ثمانية أشهر أثناء الحسابات خمس ليرات اعتبرتها دخلاً ولشريكي منها حصة، ما هذا الورع؟ ! لكن المشروع يخسر! لكن الخمس دخلت بالحسابات، فلما خسر سنتين أو ثلاث ذهب كل رأسماله، طلب الدفاتر بظرف صعب وجد كل المصاريف فيها صفر زيادة! وكل الدخول فيها صفر ناقص بكل الحسابات العشرة آلاف ألف، المئة ألف عشرة آلاف، وكل المصاريف زائد صفر، أما الخمسة فدخلت لأنها مصيدة، اعتبر نفسه ذكياً، لكن عند الله الأذكياء أمثاله يدمرون، يوجد أساليب من الاحتيال لا تنتهي.
قصة رمزية: سأل إنسان شيطاناً ماذا أفعل؟ قال الشيطان: افعل كذا، قال هذه عملتها، ماذا أفعل؟ افعل كذا، قال: فعلتها، الإنسان عرض عليه الشيطان عشرة أساليب جهنمية شيطانية فقال له: كلها قمت بها، فقال الشيطان: لا شيء عندي غير هذا، فسأله الشيطان: أنت ماذا تريد أن تفعل؟ قال: كذا، قال: خف من الله يا رجل!
إنما الأعمال بالنيات
هناك أشخاص أشد من الشيطان، تجد شخصاً تبرع بأرض لجامع تمتلئ إعجاباً به ما شاء الله فليهنئه الله، وإذا كانت امرأة ما شاء الله، بارك الله لك، يكون لا يصلي عنده أراض غير منظمة، لما تبرع بالأرض أصبحت منظمة فتضاعف سعرها، من يعلم هذا؟ الله وحده يعلم.
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
[ سورة غافر: 19]
إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.
والحقيقة يوجد رجل في مكة أحب امرأة اسمها أم قيس اشترطت عليه ليتزوجها أن يهاجر إلى المدينة فهاجر من أجلها فسمي مهاجر أم قيس! ولعل النبي عناه بهذا الحديث:
(( قَالَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))
[البخاري عن عمر]
الناس تابع ومتبوع :
الناس تابع ومتبوع
كما قلت في بداية الدرس: الناس رجلان تابع ومتبوع، أما الذين يعول عليهم في التغيير فهم المتبوعون، لهم تسمية حديثة نجوم المجتمع، هذا تفوق في الصناعة، هذا في التجارة، هذا في الزراعة، هذا في الدراسات العليا، هذا في الوظيفة قوي بمنصب رفيع، هذا في الذكاء، هذا في الاحتيال، هؤلاء المتفوقون نجوم المجتمع، المعول في التغيير على هؤلاء النجوم، أما بقية الناس فتبع، النبي عليه الصلاة والسلام قال: " إنك ترى مئة ناقة ولا ترى فيها راحلة واحدة" أقول لكم مثلاً: بكل مئة إنسان يعمل في العلم لا تجد إنساناً عنده قوة إقناع ولا واحد بالمئة، دائماً المتفوقون قلائل، هذه لحكمة أرادها الله، كشفها عالم نفس رسم هذه الحالة بخط بياني سماه: منعكس غوس، بكل اختصاص وحظ من حظوظ النفس يوجد خمسة بالمئة عباقرة، وخمسة بالمئة دون الحد الأدنى وتسعون بالمئة بين هؤلاء و هؤلاء.
مرة حدثني أخ له درس دين قال: يؤلمني أنك أنت بواد والناس بواد آخر، قلت: كيف؟ قال: مرة أصور فساد المجتمع أبين لهم أن الفتاة الشابة تأتي إلى البيت الساعة الثانية عشرة تسألها أمها: أين كنت؟ تقول: مع الحبيب، قال الكل: صلوا على الحبيب، لم يفهموا ماذا قلت ، يوجد تفوق وتخلف.
إمام حدثني يوجد آية بالقرآن قال: فعلتها وأنا من الضالين فقال الجميع: آمين ! لم ينته.
فدائماً الناس تابع ومتبوع، التابع مستواه غير ممكن في الأرض أما المتبوع فقوي، وأساساً يقولون: لا يوجد إنسان يجمع الناس أو يقود الناس إلا إن كان على مستوى عال جداً من القدرات.
المتفوقون يعول عليهم كلّ أمل :
سؤال ثان وهو الشطر الثاني في الدرس: على من العول في التغيير؟ المتبوعون الممكنون في الأرض، الأقوياء، الأذكياء، أصحاب الخبرات العالية، هؤلاء إذا وظفوا تفوقهم في الدنيا فهم الخاسرون أعمالاً، وإن وظفوا تفوقهم في الآخرة فهم جمعوا مجدي الدنيا والآخرة! أرى أحياناً عملاً إسلامياً عظيماً والله لا أشبع من الدعاء لمن فعله، عندي تفسير أعتمده وأتفاعل معه لكنه مطول، يدخل بقضية إعرابية أربع صفحات بعيدة عن حاجات الناس، هو مغرم بالفقه والتفسير، أما الإعراب ففيه غير معقول، جاء عالم جليل في الشام ولخصه كان ثلاثين جزءاً صار خمسة أجزاء، ألغى منه الأشياء التفصيلية التي لا يحتاجها الإنسان اليوم، كلما مسكت التفسير أثني عليه خيراً، وظف ذكاءه وعلمه وبلاغته في الكتابة في تلخيص هذا التفسير، يوجد أعمال جليلة تبقى مع صاحبها في الأجر إلى يوم القيامة، فالإنسان لا يستخدم تفوقه فيما لا يرضي الله، حتى الانحرافات الخطيرة تحتاج إلى ذكاء، المجرمون أذكياء ومتفوقون على مستوى الجريمة المنظمة.
يرضى الشيطان بأن يشغل الإنسان بالمباحات
أخ من حمص سرقت سيارته اضطرب اضطراباً غير معقول، بعد يومين وجدها أمام البيت وفيها رسالة، تقتر اعتذاراً وحياء من صاحب السيارة لأسباب إنسانية ومصيرية أخذنا السيارة، وأرجو أن تقبل هذه الهدية وهي عبارة عن بطاقتي غرفة بالمريديان أربعة أيام بالشهر هدية، هذا اضطرب لهذا التصرف، وقال: والله كله ذوق من سرق السيارة، سرقوها لكن وضعوا هدية، أخذ زوجته وجاء إلى الشام، صعد فوجد المنزل فارغاً لاشيء فيه أبداً، ألا يحتاج هذا إلى ذكاء؟ طريقة آمنة مطمئنة، أربعة أيام لا يوجد أحد، أحضر الشاحنات ونقل البيت كله! معه المفتاح، فالانحراف يحتاج إلى ذكاء، يقال: الشيطان ذكي جداً يعرض على الإنسان أن يكفر، فإذا رآه على إيمان يوسوس له بالشرك، فإذا رآه على توحيد يوسوس له بالبدعة، فإذا رآه على سنة يوسوس له بالكبيرة، فإذا رآه على طاعة يوسوس له بالصغيرة، لم يقبل معه بالكفر، ولا بالشرك، ولا بالبدعة، ولا بالكبيرة، ولا بالصغيرة، بقي معه ورقتان رابحتان، المباحات يشغله طوال حياته بالأشياء الجميلة والبيت والمزرعة إلى أن يأتيه الموت وهو في هذه الحالة، فإذا رآه على زهد بقي عنده التحريش بين المؤمنين، أينما جلس يذم العالم الفلاني، هذا لا يفهم، أنت ماذا فعلت؟ أنت لم تقدم شيئاً أبداً، إنسان قدم شيئاً اتركه لله عز وجل، ليس له همّ إلا هؤلاء الذين تفوقوا ينهش في أعراضهم فإذا نجا من كل هذه الأوراق التي بيد الشيطان بقي معه ورقة التحريش بين المؤمنين، تجد العالم الإسلامي ممزقاً وبأسهم بينهم.
الدعاء وحده لا ينفع إن لم نأخذ بالأسباب
ملمح لطيف جداً: سيدنا عمر رأى إبلاً جرباء فسألهم: ماذا تصنعون لعلاجها؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها فتدعو له، هذا حال المسلمين الآن، يا رب ليس لنا غيرك، اللهم دمرهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم، أدعية جميلة لكنهم لم يدمروا، فقال: ماذا تصنعون؟ قال: نذهب لهذه العجوز الصالحة فتدعو لنا، فقال رضي الله عنه: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران، أعتقد أن الدعاء لا ينفع إن لم نأخذ بالأسباب، وإلا فإن هذا استخفاف بالدعاء، السبب: أن الله سبحانه وتعالى نظم هذا الكون وفق الأسباب، فإن لم تعبأ بها، أنت تزدري نظام الله وسننه عز وجل، تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، التفوق يحتاج إلى أن تأخذ بالأسباب، لا يوجد إنسان ينام يستيقظ عبقرياً، قال أحد العلماء الكبار: العبقرية تسعة وتسعون بالمئة منها عرق وواحد بالمئة إلهام، إذا رأى الله عز وجل هذا الإنسان جاداً في طلب الحقيقة يغار عليها، بذل جهداً كبيراً، عندئذ يمنح هذه العبقرية، فثمنها تسعة وتسعون بالمئة جهد وعرق وواحد بالمئة إلهام، فمن أجل التفوق نحن لنا الله، هذه لا تكفي قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
[ سورة الأنفال: 60 ]
اليوم ذكرت بجامع آخر أن البي اثنان وخمسون مصنعة عام واحد وستين، مصممة للألفين وأربعين، فيها ثمانية محركات أربعة بأربعة، تطير خمساً وثلاثين ساعة من دون توقف، ولا يوجد مطار يحملها بالعالم، تنطلق من أمريكا تقف بشرق آسيا وتعود، فهل برأيكم أعددنا لهم أم أعدوا لنا؟ فلما أعدوا لنا هذه الأسلحة الفتاكة فرضوا علينا عولمتهم أي حيونتهم، وإباحيتهم وثقافتهم وبرامجهم وإرادتهم وأن يتدخلوا في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، الآن أكثر من مئة جمعية خيرية في العالم منع نشاطها، وهي جمعيات خيرية فقط تقدم المساعدة لفقراء المسلمين، فلذلك التفوق عبادة، والمتفوقون يعول عليهم كل أمل، هم الذين يغيرون، أعجبتني كلمة: لابد من أن تغير في المكان، فإن لم تستطع فغير المكان- الهجرة - أنت مخلوق لهدف كبير.
من أراد التفوق أعطاه الله أسبابه :
أخواننا الكرام: والله لا تقل أنا ليس لي شأن كبير، أنا إنسان أكسب رزق يومي، ولي مصلحة متواضعة، والله لو أردت التفوق لأعطاك الله أسباب التفوق، والله أنا لا أصدق القصة لكنها وقعت، إنسان من صعيد مصر أمي جاهل يشتهي أن يكون عالماً و هو بالخامسة والخمسين فيركب دابته من الصعيد إلى القاهرة ويسأل عن الأزعر الشريف، لا يعرف اسمه، إنسان أمي ساذج، بدأ بتعلم القراءة والكتابة، ثم بدأ يقرأ القرآن، ثم بدأ يطلب العلم، وما مات إلا شيخ الأزهر في التاسعة والتسعين من عمره ! يوجد بيت لأحد الشعراء يفهم فهماً جبرياً أعوذ بالله من هذا الفهم لكن له فهماً توحيدياً:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
***
الشاب المؤمن يخيف العدو مهما بلغت ترسانته
ليس معنى البيت أنك ترغم القدر، لا، لكن معنى البيت أن القدر عادل، فإن أردت الحياة يستجيب لك، أنتم تسمعون الأخبار، يوجد تفوق عسكري عند العدو يفوق حدّ الخيال، أكبر ترسانة أسلحة بالعالم في إسرائيل، المدرعة التي عندهم أعظم مدرعة، أحدث طائرات هيلوكوبتر، إف ستة عشر، حدثني أخ قال: يعطون العملاء مادة بيضاء شفافة، فرشاة و قنينة يمسح ظهر السيارة يكون لأحد قيادي منظمة المقاومة، في اليوم الثاني يأتي صاروخ يصيب السيارة فيقتل صاحبها بهذه الأشعة، وسائل تكنولوجية تفوق حدّ الخيال، أمام هؤلاء الشباب الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الله التغت الأباتشي والإف ستة عشر والتكنولوجيا والنووي، والمجتمع اليوم عندهم يعاني من الخوف ما لا سبيل إلى وصفه، مليون إنسان عادوا إلى أمريكا، الشيكل قيمته مئة أصبحت قيمته خمسين، السياحة بالمئة ثلاثون، الطيران بالمئة خمسون، أما الخوف الذي يعانيه سكان هذه الأراضي المحتلة فلا يوصف، من فعل هذا؟ شباب، يوجد ظاهرة الآن تدرس في أوروبا أم لها ابن أطول منها بمرة ونصف، جميل الصورة، أبيض، عمره سبعة عشر عاماً، قبلته وعانقته وودعته، هي قصيرة والابن طويل، أرسلته إلى شمال إسرائيل ليهاجم سكنة عسكرية، محاطة بشبك شائك مكهرب، ومعه تلفون خليوي، أخذ البينسة وقطع الشريط ودخل وخبّر والدته، قال: أنا وصلت وبعد قليل سأقتلهم، قتل اثني عشر شخصاً، أمه طوال الليل تدعو الله عز وجل حتى من فقرات دعائها دعاء لطيف: يا رب يدك بيده واحمه ووفقه وتعمي عنه إلى أن جاءها الخبر باستشهاده، فسجدت لله شاكرة، قال: أكبر زعماء أوروبا يدرسون هذه الظاهرة، لا يوجد أم بالعالم تفعل هكذا! أم أقسمت بالله أنه ما أمسك بندقية في حياته، هذه رغبتها أن يذهب ابنها شهيداً، أنا الآن متفائل وموازين القوى كلها اختلفت، والغرب كله في ذعر الآن، هذا الشاب لا حل له، أقصى ما يملكه القوي على الضعيف أن يهدده بالموت، فجاء هذا الضعيف طالباً الموت مختاراً فزلزل كيان القوي، قالوا: الحرب بدأت بالإنسان وانتهت بالإنسان، الآن السلاح النووي انتهى، وكل الأسلحة التقليدية انتهت أمام هذه الحركات الاستشهادية، فتاة في مقتبل الحياة معها شهادة عليا من أرقى جامعة تعمل في الهلال الأحمر، تشاهد كل يوم القتلى الفلسطينيين بوقت صعب قتلت عشرين قتيلاً وسبعين جريحاً ! توجد بطولات الآن لم تدخل في حساباتنا إطلاقاً.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
***
من أجل أن تكونوا متفائلين، إذا طلب الإنسان من الله شيئاً يمكنه الله من أقوى عدو، يجعل عدوه ترتعد فرائصه خوفاً، لكن المشكلة حينما نستحق النصر يأتينا، لكن المشكلة أن نستحقه، أن نستحق أن ينصرنا الله عز وجل، فنحن مهمتنا الأولى أن نؤهل أنفسنا لتلقي نصر الله عز وجل.
تلخيص لما سبق :
نلخص الدرس: الله عز وجل يقول:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
نخلف بعضنا بعضاً، عثرت على كتاب في المسجد موجه إلى إمام المسجد من مدير الأوقاف، من عام ألف وتسعمئة وواحد وثلاثين، عام ألف و تسعمئة و ثلاثين كان هناك مدير أوقاف وخطباء مساجد طقم جديد غير الطقم الحالي، وكل فترة يوجد طقم جديد كما ترون، خلائف الأرض، الأقوياء والأغنياء.
لي قريب مدير مدرسة عثر على كتاب توبيخ للمعلم الوكيل فلان، هذا المعلم صار رئيس جامعة دمشق، اختلف الوضع، خلائف الأرض.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
أنت بشيء ممكن، بشيء غير ممكن.
﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إذا استخدمت هذا الشيء الذي مكنت فيه للدنيا أو للإساءة.
﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
الذي أعطى يأخذ، إذا أعطى أدهش وإذا حاسب فتش.
﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[سورة الأنعام: 165]
أسئلة و أجوبة :
أخواننا الكرام: أكثر سؤال أُسأله عقب الخطب والدروس في إطار قضايا الطلاق، وابن عباس رضي الله عنهما يقول: "أيرتكب أحدكم أحموقته ويقول: يا بن عباس يا بن عباس؟"
لك زوجة والزوجة جيدة وراض عنها، وبنت عالم، وبنت ناس، وعفيفة، وأهلها محترمون، نشأ خلاف لا يوجد حلّ إلا الطلاق؟ طلقت، ماذا يحصل بعد الطلاق؟ اسمعوا مني كلمات قاسية: يجب أن تتسكع على أبواب المفتين، المتشدد طلقت، لا يشرح لك أبداً، المتساهل تشك بعلمه، أنت كنت بغنى عن أن تتسكع على أبواب العلماء وأبواب المفتين، هذه الزوجة جملة وتفصيلاً، هذه الزوجة إجمالاً لابأس بها، فيها إيجابيات وسلبيات، أشياء متفوقة وأشياء متخلفة، أما كلما تضايق فيقول: عليّ الطلاق بالثلاث، فأنا أعدها حماقة والله، زوجتك أم أولادك دفعت المهر، هل تستطيع أن تدفع أربعمئة ألف؟ معك المبلغ جاهز تدخلون بالمحاكم يتشرد الأولاد في ساعة غضب، النبي قال: لا تغضب.
لاتغضب
مرة إنسان فرنسي دخل لجسر، وإنكليزي دخل لجسر ثان، الجسر لسيارة واحدة، لم يرض الإنكليزي أن يرجع و كذلك الفرنسي لم يرض الرجوع، الإنكليزي فتح قاموس لاروس هذا أضخم قاموس، و جلس يقرأ به، فقال له الفرنسي: عندما تنتهي أعرني إياه، الحياة تريد أعصاباً باردة، الآن الحياة صعبة جداً، لأتفه سبب يطلق زوجته، اذهب إلى المشايخ بعد فوات الأوان، المتشدد لا يرحم، عندي أولاد، بعثنا بك لمتساهل هذا لم أقنع بفتواه، لعلك تقعد بالحرام معها، دخلت بشك إن طلقتها لا تنتهي، قد تخرب بيتك وتشرد أولادك، وإن أبقيتها لا تنتهي، خائف أن تكون فتواه خطأ، ما الذي وضعك في هذه المتاهة؟ موضوع الطلاق أتمنى أن تبعدوا عنه، الطلاق تجمع تطرح تقسم تضرب لا أريدها وأنت هادئ، قال:
﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾
[سورة البقرة: 227]
تطلقها وتبقيها ثلاثة أشهر ترتدي وتتزين لك، إذا لم يكن هناك مشكلة كبيرة جداً تفوق حدّ الاحتمال تعود لها، إذاً لا ينفذ الطلاق إلا لسبب يفوق حدّ الخيال، مضى ثلاثة أشهر تستطيع أن تسترجعها قبل ساعة، تقول لها: راجعتك فرجعت لك، لا مهر، لم تعيدها تعمل عقداً جديداً، طلاق ثان أيضاً ثلاثة أشهر عندك ستة أشهر تسكن في بيتك وأنت لم تقترب منها، لأن الأمر كبير جداً، أما إذا كان الأمر غير كبير ففي اليوم الثاني يصغر، الزمن وحده يخفف الأمور، ثلاثة أيام والله أنا زودتها عليها، القصة لا تحتمل، الطلاق الشرعي السني لا ينفذ إلا بالألف واحد، إذا كانت تجلس ثلاثة أشهر وثلاثة أشهر أخرى ستة أشهر تجلس في البيت معك، إذا لم تكن القضية كبيرة لدرجة معقولة لا يتم الطلاق، هذا الطلاق السني، أما البدعي فكلهم وراء بعضهم، مع أنه يوجد فتاوى متعددة، ففي ساعة غضب رميت الطلاق على مراحل ثلاث مرات، والله كما قلنا لك يلزمك إنساناً مختصاً بالطلاق.
الناس يقعون في ضائقة مالية، فيعملون جمعية من خمسة أشخاص، يضع كل واحد ألفي ليرة، يجمعون عشرة آلاف أو أكثر يعطون هذا المبلغ لشخص كل شهر، فيشتري ما يحتاج، قال: هذا حرام؟
لاحرمة في التعاون
والله ليس لها وجه حرمة بل تعنت وتضييق على الناس، ماذا فعل؟ لم يأكل مالاً حراماً، تعاونت عشر أسر، دفعت كل أسرة ألفاً بصندوق بالشهر، من بحاجة لهم؟ فلان يريد أن يشتري فرن غاز، أخذهم كل شهر إنسان، أين الحرمة؟ لا توجد حرمة إطلاقاً، والله لا شيء فيها، تعاونوا، مندوبة، والله يحبنا أن نتعاون، أخ يريد أن يتزوج يأتيه أحياناً اثنتا عشرة صينية، ماذا يفعل بكل الصواني؟ هدايا عشوائية، بمصر من يريد الزواج يعلم شخصاً، كل شخص يريد أن يهدي هذا الشخص يسأل ما يلزمه، تأتي الهدايا كلها متناسقة، يلزمه غسالة أنت تريد أن تعطيه خمسة آلاف، أو ألفين، تشتري طقم ملاعق، يضع القوائم وباختيارك، فالأفضل أن نطبق هذه الطريقة، أخ يريد الزواج أنا طبقتها عينت أخاً يكون عن طريقه شراء الهدايا، تأتي كلها متناسقة، أنت ماذا تخصص؟ مئة ليرة، مقبولة ولها حل، لكن إما ساعات أو صواني!! شيء كله يكدس لا قيمة له، ولا استعمال، ولا يباع، هذه أخطاء، الزوج له شخص يتلقى الهدايا عن طريقه، وهو معه القائمة.
والحمد لله رب العالمين
هذا الدرس يتجه إلى المتفوقين في شتى ميادين الحياة
أيها الأخوة: في الأعمّ الأغلب تتجه موضوعات الدروس إلى كل المسلمين، لكن أحياناً تتجه بعض الموضوعات إلى فئة خاصة، والدرس اليوم يتميز عن بقية الدروس بأنه يتوجه للمتفوقين في شتى ميادين الحياة، لأن الأمة مكلفة شرعاً أن يكون فيها طائفة منصورة مجاهدة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، وكلكم يعلم أن الناس أتباع ومتبوعون، الطبقة العليا في المجتمع متبوعة، إن كانت غنية، فكل من يحب الدنيا هذا الغني قدوة له، وإن كانت قوية فكل من يحب القوة يجعل من هذا القوي هدفاً له، وإن كان التفوق في العلم فكل طالبي العلم يجعلون هذا المتفوق هدفاً لهم، المتفوق ممكن في الأرض.
ما منا واحد إلا وقد مكنه الله من شيء، أرأيت إلى طبيب أمضى نصف حياته في العلم الطبي حتى صار أكبر جراح، لو سمع صوتاً في محرك مركبته لأسرع إلى من مكنه الله من إصلاح المحرك، يقف أمامه متأدباً يسأله: هل لهذا الصوت من حلّ أم لا بد من تبديل المحرك؟ بهذه اللحظة جراح القلب يقف أمام من مكنه الله من إصلاح المركبات كالمتعلم أمام المعلم، والآن ستأتي آية دقيقة جداً...
كلمة ممكن في الأرض أي كل في اختصاصه
كلمة ممكن في الأرض كل إنسان باختصاصه ممكن في الأرض، أي متفوق باختصاصه، عاد الدرس إلى كل الأخوة الحاضرين، لكن أنت متفوقاً في اختصاص وأمياً في اختصاص، لو أعطيتني تخطيط قلب والله لا أفهم منه شيئاً إلا خطوطاً منكسرة، أعط هذا التخطيط لطبيب قلب تجده يفهم أشياء عميقة، هنا خوارج انقباض، هنا ارتجاف في البطين الاشتدادي، هنا يوجد عدم نظم، يفهم مجموعة أمراض من هذه الخطوط، فالطبيب متفوق في اختصاصه أمي في موضوع ثانٍ، وعالم الدين قد يكون أمياً في الطب لكنه متفوق في اختصاصه.
النقطة الدقيقة أن هؤلاء المتفوقين الممكنين في الأرض بنوع من أنواع التمكين هؤلاء عليهم واجب كبير.
الشيء المألوف أن الغني عبادته الأولى إنفاق المال، وأن القوي عبادته الأولى إنصاف الضعيف، وأن العالم عبادته الأولى تعليم العلم، لكن هناك مجالات أخرى في التفوق، من كان طليق اللسان طلاقة اللسان قد تكون في إتحاف الناس بطرف وحديث ممتع مضحك، وقد تكون في إقناعهم بالحق، فمن مكنه الله من قوة التعبير، وقوة التأثير، ونصاعة الحجة، وفصاحة البيان، هذا له حساب عند الله، ينبغي أن يستخدم قوته التعبيرية وطلاقة لسانه ونصاعة بيانه في توضيح الحق للناس، لا ينبغي أن يستخدم فصاحته في لفت النظر إليه، وفي إتحاف الحاضرين بطرف ممتعة تضفي على الجلسة جواً مرحاً، النبي كان يمزح لكنه لا يمزح إلا حقاً، والمزاح من السنّة، والإنسان المتحدث إذا كان هناك شيء من الطرائف بكلامه يجعل المجلس نشيطاً، أنا لست مع المتزمتين، ولكن ما من إنسان مكنه الله في الأرض إلا وهو محاسب على هذا التمكين، هل وظفه في الحق أم وظفه في الباطل؟
من مكّن من شيء عليه أن يوظفه في الحق :
محور الدرس أنت إذا تفوقت في شيء ما، تفوقت في اللغة الأجنبية ماذا فعلت بهذا التفوق؟ اكتفيت أن تقرأ الصحف بالطبعات الأجنبية، اكتفيت أن تسمع الأخبار من محطات أجنبية، اكتفيت أن تقرأ مسرحية باللغة الأجنبية أم استخدمت هذه اللغة التي تفوقت بها في ترجمة كتب الحق إلى لغات أجنبية؟ في إقناع الطرف الآخر الذين يبالغون في الإساءة للمسلمين أن يكونوا منصفين.
درسي عام يشمل كل أنواع التفوق، وخاص يتجه لكل إنسان مكنه الله من شيء، فأنت حينما تمكّن من شيء ينبغي أن توظفه في الحق.
الحقيقة الأولى في هذا الدرس أن أي حظ منحك الله إياه من حظوظ الدنيا ينبغي أن تهتم لهذا الحظ، ما مكنك الله فيه إلا لحكمة يريدها، فإذا غفلت عن حكمة الله واستمتعت بهذا التمكين فقد ضيعت فرصة ذهبية نادرة لا تعود.
من كان له صوت حسن وقرأ القرآن هناك قراء تركوا الدنيا من خمسين عاماً تقريباً ولا تزال تسجيلاتهم تذاع كل يوم، هذا القارئ مُكّن من صون ندي، فوظفه في القرآن، بينما إنسان آخر مُكّن من صوت ندي فوظفه في الغناء، وقد مات من سنوات طويلة وأغانيه تذاع في كل مكان، وكلما أذيعت أغنية له اشتد ألمه وعذابه يوم القيامة !
حين يمكنك الله من شيء وظفه للحق
الدرس اليوم لمن مكنه الله في الأرض، قد تمكن من اللغة فتكتب أشعار الغزل ماذا تفعل بالغزل؟ إذا جئت يوم القيامة وسألك الله عز وجل: ماذا كنت تعمل في الدنيا؟ تجيب: أنا معي ثلاثة دواوين غزل! هل بإمكانك أن تقول هذا الكلام؟ فكر بما مكنك الله به، هناك اختصاصات نادرة مثلاً برمجة الحاسوب، فإذا برمج أحد برنامجاً دينياً، اطلعت على برنامج في المواريث شهد الله أن هذا شيء لا يصدق! بأقل من دقيقة تحسب أعقد مسألة بالمواريث، تقول مسألة تفتح أمامك شبكة علاقات، تكتب زوجاً، تكتب المتوفى ترك ابناً، تكتب ابناً لو ترك أخاً لا يستجيب، لأن الابن يحجب الأخ إذا أخطأت لا يستجيب، تعطيه الرقم فيعطيك بالقروش، والأحكام الشرعية، والمواريث، والأنصبة، والحقوق، والاستثناءات، بثوان، فهذا الذي برمج قواعد المواريث هذا مستواه عال جداً، لكن أين وظف هذه القدرات العالية؟ في برمجة موضوع ديني، وهذه المواقع الإباحية أليس هناك من برمجها وهيأها وتأتيه اللعنات كل دقيقة؟ بل تأتيه اللعنة عن كل من يفتح هذا الموقع، الممكن في الأرض له حساب خاص، إن كنت ممكناً في المال فحسابك خاص، إن كنت ممكناً في القوة فلك حساب خاص.
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾
[ سورة الكهف : 84]
لديك قوة إقناع استخدمها في الحق
وإن كنت ممكناً بالعلم فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بالصوت الحسن فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بالفصاحة والبلاغة فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بالذكاء الاجتماعي فلك حساب خاص، وإن كنت ممكناً بذاكرة قوية فلك حساب خاص.
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾
[ سورة الكهف : 84]
هناك أشخاص عندهم ذاكرة عجيبة، وأشخاص عندهم في علم النفس ما يسمى قوة إقناع، يستطيع أن يقنع الآخرين بأية فكرة، فأنت انظر بماذا مكنت؟ وهذا الذي مكنت به هل وظفته في الحق أم استخدمته للدنيا؟ لذلك الإنسان تأتيه ساعة يوم القيامة يندم أشد الندم على أنه فرط فيما مكن فيه، قد يمضي حياته يستخدم صحته وقوته وثقافته في الحق، وإنسان آخر يستخدم صحته وقوته وذكاءه في الباطل.
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
[ سورة الكهف : 84-85]
هل أخذت بيد زوجتك إلى الله ورسوله؟
ألم تسمعوا عن أشخاص يملكون مئات الملايين؟ هناك من يشتري قصراً جميلاً في مدينة أوروبية ويمضي حياته فيه، فإذا جاء أجله انتهت كل هذه الميزات، وهناك من يوظف هذا المال في إنشاء مشاريع إسلامية، معاهد، جامعات، مستشفيات، مستوصفات، دار أيتام، فأنت ممكن هذه مقدمة، ابحث عن أي شيء مكنك الله به، أبسط شيء ممكن فيه أنت هو الصحة لا مشكلة، لا يوجد خلل كبير بجسمك، أحد الأشياء الممكن بها أولادك، هذا ابنك ينبغي أن يستمع ويخضع ويستجيب لك، هل استخدمت تمكينك كأب في تربية أولادك؟ أنت ممكن أن لك زوجة، هل استخدمت التمكين في الأخذ بيد الزوجة إلى الله ورسوله؟ هذا التمكين.
بدأت بالأشياء المألوفة؛ الغني ممكن، والقوي ممكن، والعالم ممكن، لكن طليق اللسان أيضاً ممكن، ومن يتمتع بذاكرة قوية ممكن، من يتمتع بذكاء اجتماعي ممكن، لو وسعنا هذه الدائرة من يتمتع بقوة إقناع ممكن، وبروح فكهة ممكن، هل استخدم هذه الفكاهات البريئة النظيفة المدروسة في تلطيف الجو الذي حوله؟ أم استخدم ذكاءه في طرف جنسية تسيء للحاضرين؟ روح الدعابة عند إنسان ممكن بها إما أن تكون دعابة نظيفة بريئة، وإما أن تكون دعابة قذرة.
الدنيا يأتيها الناس تباعاً ويغادرونها تباعاً ليتعظ بعضهم ببعض :
أيها الأخوة: الآية التي هي محور هذا الموضوع الدقيق:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
المدن يبنيها أقوام ليخلفهم أقوام أخرى
مرة وقفت في مدخل سوق الحميدية، وجدت هذه المحلات بتقديري كل خمسين سنة يوجد أصحاب لهذه المحلات جدد، بناء قديم في أحد أحياء دمشق الذي أنشأه تحت أطباق الثرى، الأولاد باعوا البناء، واقتسموا الإرث، جاء إنسان اشترى ثم كبر بالسن وتوفي وله ورثة باعوا البيت، فالبيوت نخلف بعضنا بعضاً فيها، والمحلات التجارية يخلف بعضنا بعضاً فيها، وهذه المدينة كان فيها الرومان وقبلهم الأقوام السابقة وجاء بعد الرومان المسلمون.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
على مستوى مدن أو ممالك أو أبنية أو محلات تجارية أو مزارع، تجد مزرعة أنشأها إنسان واشتراها إنسان وباعها لإنسان واشتراها إنسان وباعها قال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
كان من الممكن أن نأتي إلى الدنيا ونغادرها جميعاً دفعة واحدة، لا موت ولا حزن، ولكن شاءت حكمة الله أن نأتيها تباعاً ونغادرها تباعاً ليتعظ بعضنا ببعض.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
من وظّف اختصاصه للدنيا فهو أكبر خاسر :
هنا مركز الثقل الآلي.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إذا الإنسان قرأ الآية دون أن يدقق يتوهم أن إنساناً في أعلى درجة، والإنسان الثاني في أخفض درجة، لا، ليس هذا معنى الآية، كل إنسان مرفوع في موضوع ومخفوض في موضوع، مرتفع في مكان ومنخفض في مكان، قد يأتي إنسان إلى المسجد ويستمع إلى الخطبة ولعلها موفقة بإذن الله، يعجب كيف تكلمت بهذا الكلام، وكيف كنت طليق اللسان، وكيف جاءت العبارات محكمة، الله عز وجل مكّن الخطيب من إلقاء هذه الخطبة، إنسان ثان عمله في الجراحة هو مرتاح يأتي بالمشرط وقد رأيت هذا في عملية قلب، شق الجلد وصل إلى ما تحت الجلد، جاء بصاروخ شقّ العظم جاء بكلاليب باعد ما بين طرفي القفص الصدري ثم شق الغشاء الذي يغلف القلب، وصل إلى القلب، فتح بطينه، وصل إلى داخل القلب نزع الدسام وركب دساماً آخر، وخيط أربع ساعات، وكل المكان دم وقلب صناعي وتنفس صناعي ثم أعطى صعقة للقلب فاشتغل القلب انتهت العملية، هو مرتاح هذا أيضاً ممكن في الأرض.
من يجري عمليات القلب المفتوح إنسان ممكن في الأرض
مرة كنت أودع ابني إلى الخليج قال لي: هذا هو الطيار، شاب صغير، معقول طائرة جامبو فيها أربعمئة راكب والسفر ليلاً هل تستطيع أن تجلس مكانه وتقود الطائرة وتسير ليلاً؟ الطيار ممكّن في الأرض، الجراح ممكّن، الخطيب ممكّن، المدرس ممكّن، يوجد أعمال بالهندسة كبيرة جداً، توجد جسور بالعالم العقل لا يتصورها، جسر في فرانسيسكو طوله اثنا عشر كيلو متر! هذا أطول جسر في العالم، مصنوع من عام ألف و تسعمئة و ستة و ثلاثين لم يصبه شيء حتى الآن، مبني من عام ستة و ثلاثين، المهندس ممكن في الأرض.
مرة صعدت إلى أعلى بناء بالعالم في شيكاغو بعد أن نزلت قالوا: لك مفاجأة سارة، قلت: ما هي؟ قال لي: الذي بنى هذا البناء إنسان مسلم! مئة وعشرون طابقاً تقريباً، فأنت ممكّن، لكن هل انتبهت أن هذا التمكين لو وظفته في الدنيا فأنت أكبر خاسر أما إذا وظفته في الآخرة فأنت أكبر رابح؟؟
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ﴾
[سورة الأنعام: 165]
ليمتحنكم.
الإنسان ممتحن في كلّ ثانية :
أنت ممكن من طلاقة اللسان، وقوة البيان، وإقناع الآخرين، رجاك إنسان أن تذهب معه لحل مشكلة مع إنسان عنيد اعتذرت، هذه القدرة على إقناع الآخرين لمن ادخرتها؟ إذا ضننت بها على أن تكون عملاً صالحاً لمن ادخرتها؟ لأهوائك ومصالحك، هل نجحت في توضيح معنى؟
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
لم يقل رفعكم، لو قالها لكان في كل المجالات، رفع بعضكم لم يقل فوق الآخرين قال: فوق بعض، فأنت ممكن من التدريس لست ممكناً في إصلاح التمديدات الصحية في بيتك لا تستطيع، يا ترى هل أضطر لأكسر البلاط؟ أنت لست ممكناً، لها حل؟
كل إنسان ممكن في عمله
لابد من تكسير البلاط، تقف أمام الخبير بكل أدب، فهذا الخبير الآن أعلى منك في اختصاصه، لا يفهم من أن فلاناً ممكن في الأرض أنه متفوق في كل شيء، ممكن في شيء، وغيره ممكن في شيء آخر، فأنت كل يوم عدة مرات تعلو وتنزل، يأتيك من هو بحاجة إليك فأنت السيد، تذهب إلى من أنت بحاجة إليه فأنت السائل، تحتاج إلى الرجل تكن أسيره، استغن عنه تكن نظيراً، أحسن إليه تكن أميره.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ﴾
[سورة الأنعام: 165]
والله أيها الأخوة: نحن جميعاً تحت الامتحان في كل ثانية، إنسان استغضبك هل تغضب أم ترضى؟ إنسان التجأ إليك هل تلبيه أم لا؟ إنسان استنصحك هل تلبيه أم تغشه؟
أكثر الباعة يأتي إنسان معلوماته ضعيفة يقول: انصحني، يستغل البائع هذه الكلمة ويعطيه البضاعة الكاسدة، وإذا كان أذكى يقتني من هذه البضاعة الكاسدة ويقول له: انظر أنا ألبس منها، أسوأ قماش يفصل منه بنطالاً ويلبسه، انصحني أنصح نفسي به، ولك الخيار، لكن الله يعرف أنك لم تنصح نفسك به لكنك استخدمته من باب الأسلوب لترويج هذه البضاعة.
﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إن الله سريع العقاب
لو أنك وظفت هذا التفوق في غير الحق قال:
﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
يسحب من تحت قدميك البساط، قرأت في الجريدة قبل سنوات عدة عن إنسان ممكن في اختصاصه، وقيل دخله بالأسبوع مليون ليرة لكن بالكذب والدجل، إنسان ليس بحاجة لعمل جراحي ينصحه بعمل جراحي، إن كان هذا العمل الجراحي يفيده أو لا أو يميته ينصب بالثلاثة والدخل فلكي، في لحظة واحدة افتضح أمره والصحف نشرت كل فضائحه وانتهى بيوم واحد، فإذا استخدم الإنسان التمكين في الأرض وفق أهوائه وشهواته.
﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
وإذا استخدم الذي مكن به في الأرض بالخير والحق.
﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إنما الأعمال بالنيات :
هذا الدرس يعني أن تراجع نفسك، أنت بماذا متفوق؟ ما الذي مكنت فيه؟ قال أخ: كنت شريكاً في مشروع تجاري أمشي مع شريكي فوجدت خمس ليرات انحنيت وأخذتها ووضعتها بجيبي بعد ثمانية أشهر أثناء الحسابات خمس ليرات اعتبرتها دخلاً ولشريكي منها حصة، ما هذا الورع؟ ! لكن المشروع يخسر! لكن الخمس دخلت بالحسابات، فلما خسر سنتين أو ثلاث ذهب كل رأسماله، طلب الدفاتر بظرف صعب وجد كل المصاريف فيها صفر زيادة! وكل الدخول فيها صفر ناقص بكل الحسابات العشرة آلاف ألف، المئة ألف عشرة آلاف، وكل المصاريف زائد صفر، أما الخمسة فدخلت لأنها مصيدة، اعتبر نفسه ذكياً، لكن عند الله الأذكياء أمثاله يدمرون، يوجد أساليب من الاحتيال لا تنتهي.
قصة رمزية: سأل إنسان شيطاناً ماذا أفعل؟ قال الشيطان: افعل كذا، قال هذه عملتها، ماذا أفعل؟ افعل كذا، قال: فعلتها، الإنسان عرض عليه الشيطان عشرة أساليب جهنمية شيطانية فقال له: كلها قمت بها، فقال الشيطان: لا شيء عندي غير هذا، فسأله الشيطان: أنت ماذا تريد أن تفعل؟ قال: كذا، قال: خف من الله يا رجل!
إنما الأعمال بالنيات
هناك أشخاص أشد من الشيطان، تجد شخصاً تبرع بأرض لجامع تمتلئ إعجاباً به ما شاء الله فليهنئه الله، وإذا كانت امرأة ما شاء الله، بارك الله لك، يكون لا يصلي عنده أراض غير منظمة، لما تبرع بالأرض أصبحت منظمة فتضاعف سعرها، من يعلم هذا؟ الله وحده يعلم.
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
[ سورة غافر: 19]
إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.
والحقيقة يوجد رجل في مكة أحب امرأة اسمها أم قيس اشترطت عليه ليتزوجها أن يهاجر إلى المدينة فهاجر من أجلها فسمي مهاجر أم قيس! ولعل النبي عناه بهذا الحديث:
(( قَالَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))
[البخاري عن عمر]
الناس تابع ومتبوع :
الناس تابع ومتبوع
كما قلت في بداية الدرس: الناس رجلان تابع ومتبوع، أما الذين يعول عليهم في التغيير فهم المتبوعون، لهم تسمية حديثة نجوم المجتمع، هذا تفوق في الصناعة، هذا في التجارة، هذا في الزراعة، هذا في الدراسات العليا، هذا في الوظيفة قوي بمنصب رفيع، هذا في الذكاء، هذا في الاحتيال، هؤلاء المتفوقون نجوم المجتمع، المعول في التغيير على هؤلاء النجوم، أما بقية الناس فتبع، النبي عليه الصلاة والسلام قال: " إنك ترى مئة ناقة ولا ترى فيها راحلة واحدة" أقول لكم مثلاً: بكل مئة إنسان يعمل في العلم لا تجد إنساناً عنده قوة إقناع ولا واحد بالمئة، دائماً المتفوقون قلائل، هذه لحكمة أرادها الله، كشفها عالم نفس رسم هذه الحالة بخط بياني سماه: منعكس غوس، بكل اختصاص وحظ من حظوظ النفس يوجد خمسة بالمئة عباقرة، وخمسة بالمئة دون الحد الأدنى وتسعون بالمئة بين هؤلاء و هؤلاء.
مرة حدثني أخ له درس دين قال: يؤلمني أنك أنت بواد والناس بواد آخر، قلت: كيف؟ قال: مرة أصور فساد المجتمع أبين لهم أن الفتاة الشابة تأتي إلى البيت الساعة الثانية عشرة تسألها أمها: أين كنت؟ تقول: مع الحبيب، قال الكل: صلوا على الحبيب، لم يفهموا ماذا قلت ، يوجد تفوق وتخلف.
إمام حدثني يوجد آية بالقرآن قال: فعلتها وأنا من الضالين فقال الجميع: آمين ! لم ينته.
فدائماً الناس تابع ومتبوع، التابع مستواه غير ممكن في الأرض أما المتبوع فقوي، وأساساً يقولون: لا يوجد إنسان يجمع الناس أو يقود الناس إلا إن كان على مستوى عال جداً من القدرات.
المتفوقون يعول عليهم كلّ أمل :
سؤال ثان وهو الشطر الثاني في الدرس: على من العول في التغيير؟ المتبوعون الممكنون في الأرض، الأقوياء، الأذكياء، أصحاب الخبرات العالية، هؤلاء إذا وظفوا تفوقهم في الدنيا فهم الخاسرون أعمالاً، وإن وظفوا تفوقهم في الآخرة فهم جمعوا مجدي الدنيا والآخرة! أرى أحياناً عملاً إسلامياً عظيماً والله لا أشبع من الدعاء لمن فعله، عندي تفسير أعتمده وأتفاعل معه لكنه مطول، يدخل بقضية إعرابية أربع صفحات بعيدة عن حاجات الناس، هو مغرم بالفقه والتفسير، أما الإعراب ففيه غير معقول، جاء عالم جليل في الشام ولخصه كان ثلاثين جزءاً صار خمسة أجزاء، ألغى منه الأشياء التفصيلية التي لا يحتاجها الإنسان اليوم، كلما مسكت التفسير أثني عليه خيراً، وظف ذكاءه وعلمه وبلاغته في الكتابة في تلخيص هذا التفسير، يوجد أعمال جليلة تبقى مع صاحبها في الأجر إلى يوم القيامة، فالإنسان لا يستخدم تفوقه فيما لا يرضي الله، حتى الانحرافات الخطيرة تحتاج إلى ذكاء، المجرمون أذكياء ومتفوقون على مستوى الجريمة المنظمة.
يرضى الشيطان بأن يشغل الإنسان بالمباحات
أخ من حمص سرقت سيارته اضطرب اضطراباً غير معقول، بعد يومين وجدها أمام البيت وفيها رسالة، تقتر اعتذاراً وحياء من صاحب السيارة لأسباب إنسانية ومصيرية أخذنا السيارة، وأرجو أن تقبل هذه الهدية وهي عبارة عن بطاقتي غرفة بالمريديان أربعة أيام بالشهر هدية، هذا اضطرب لهذا التصرف، وقال: والله كله ذوق من سرق السيارة، سرقوها لكن وضعوا هدية، أخذ زوجته وجاء إلى الشام، صعد فوجد المنزل فارغاً لاشيء فيه أبداً، ألا يحتاج هذا إلى ذكاء؟ طريقة آمنة مطمئنة، أربعة أيام لا يوجد أحد، أحضر الشاحنات ونقل البيت كله! معه المفتاح، فالانحراف يحتاج إلى ذكاء، يقال: الشيطان ذكي جداً يعرض على الإنسان أن يكفر، فإذا رآه على إيمان يوسوس له بالشرك، فإذا رآه على توحيد يوسوس له بالبدعة، فإذا رآه على سنة يوسوس له بالكبيرة، فإذا رآه على طاعة يوسوس له بالصغيرة، لم يقبل معه بالكفر، ولا بالشرك، ولا بالبدعة، ولا بالكبيرة، ولا بالصغيرة، بقي معه ورقتان رابحتان، المباحات يشغله طوال حياته بالأشياء الجميلة والبيت والمزرعة إلى أن يأتيه الموت وهو في هذه الحالة، فإذا رآه على زهد بقي عنده التحريش بين المؤمنين، أينما جلس يذم العالم الفلاني، هذا لا يفهم، أنت ماذا فعلت؟ أنت لم تقدم شيئاً أبداً، إنسان قدم شيئاً اتركه لله عز وجل، ليس له همّ إلا هؤلاء الذين تفوقوا ينهش في أعراضهم فإذا نجا من كل هذه الأوراق التي بيد الشيطان بقي معه ورقة التحريش بين المؤمنين، تجد العالم الإسلامي ممزقاً وبأسهم بينهم.
الدعاء وحده لا ينفع إن لم نأخذ بالأسباب
ملمح لطيف جداً: سيدنا عمر رأى إبلاً جرباء فسألهم: ماذا تصنعون لعلاجها؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها فتدعو له، هذا حال المسلمين الآن، يا رب ليس لنا غيرك، اللهم دمرهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم، أدعية جميلة لكنهم لم يدمروا، فقال: ماذا تصنعون؟ قال: نذهب لهذه العجوز الصالحة فتدعو لنا، فقال رضي الله عنه: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران، أعتقد أن الدعاء لا ينفع إن لم نأخذ بالأسباب، وإلا فإن هذا استخفاف بالدعاء، السبب: أن الله سبحانه وتعالى نظم هذا الكون وفق الأسباب، فإن لم تعبأ بها، أنت تزدري نظام الله وسننه عز وجل، تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، التفوق يحتاج إلى أن تأخذ بالأسباب، لا يوجد إنسان ينام يستيقظ عبقرياً، قال أحد العلماء الكبار: العبقرية تسعة وتسعون بالمئة منها عرق وواحد بالمئة إلهام، إذا رأى الله عز وجل هذا الإنسان جاداً في طلب الحقيقة يغار عليها، بذل جهداً كبيراً، عندئذ يمنح هذه العبقرية، فثمنها تسعة وتسعون بالمئة جهد وعرق وواحد بالمئة إلهام، فمن أجل التفوق نحن لنا الله، هذه لا تكفي قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
[ سورة الأنفال: 60 ]
اليوم ذكرت بجامع آخر أن البي اثنان وخمسون مصنعة عام واحد وستين، مصممة للألفين وأربعين، فيها ثمانية محركات أربعة بأربعة، تطير خمساً وثلاثين ساعة من دون توقف، ولا يوجد مطار يحملها بالعالم، تنطلق من أمريكا تقف بشرق آسيا وتعود، فهل برأيكم أعددنا لهم أم أعدوا لنا؟ فلما أعدوا لنا هذه الأسلحة الفتاكة فرضوا علينا عولمتهم أي حيونتهم، وإباحيتهم وثقافتهم وبرامجهم وإرادتهم وأن يتدخلوا في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، الآن أكثر من مئة جمعية خيرية في العالم منع نشاطها، وهي جمعيات خيرية فقط تقدم المساعدة لفقراء المسلمين، فلذلك التفوق عبادة، والمتفوقون يعول عليهم كل أمل، هم الذين يغيرون، أعجبتني كلمة: لابد من أن تغير في المكان، فإن لم تستطع فغير المكان- الهجرة - أنت مخلوق لهدف كبير.
من أراد التفوق أعطاه الله أسبابه :
أخواننا الكرام: والله لا تقل أنا ليس لي شأن كبير، أنا إنسان أكسب رزق يومي، ولي مصلحة متواضعة، والله لو أردت التفوق لأعطاك الله أسباب التفوق، والله أنا لا أصدق القصة لكنها وقعت، إنسان من صعيد مصر أمي جاهل يشتهي أن يكون عالماً و هو بالخامسة والخمسين فيركب دابته من الصعيد إلى القاهرة ويسأل عن الأزعر الشريف، لا يعرف اسمه، إنسان أمي ساذج، بدأ بتعلم القراءة والكتابة، ثم بدأ يقرأ القرآن، ثم بدأ يطلب العلم، وما مات إلا شيخ الأزهر في التاسعة والتسعين من عمره ! يوجد بيت لأحد الشعراء يفهم فهماً جبرياً أعوذ بالله من هذا الفهم لكن له فهماً توحيدياً:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
***
الشاب المؤمن يخيف العدو مهما بلغت ترسانته
ليس معنى البيت أنك ترغم القدر، لا، لكن معنى البيت أن القدر عادل، فإن أردت الحياة يستجيب لك، أنتم تسمعون الأخبار، يوجد تفوق عسكري عند العدو يفوق حدّ الخيال، أكبر ترسانة أسلحة بالعالم في إسرائيل، المدرعة التي عندهم أعظم مدرعة، أحدث طائرات هيلوكوبتر، إف ستة عشر، حدثني أخ قال: يعطون العملاء مادة بيضاء شفافة، فرشاة و قنينة يمسح ظهر السيارة يكون لأحد قيادي منظمة المقاومة، في اليوم الثاني يأتي صاروخ يصيب السيارة فيقتل صاحبها بهذه الأشعة، وسائل تكنولوجية تفوق حدّ الخيال، أمام هؤلاء الشباب الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الله التغت الأباتشي والإف ستة عشر والتكنولوجيا والنووي، والمجتمع اليوم عندهم يعاني من الخوف ما لا سبيل إلى وصفه، مليون إنسان عادوا إلى أمريكا، الشيكل قيمته مئة أصبحت قيمته خمسين، السياحة بالمئة ثلاثون، الطيران بالمئة خمسون، أما الخوف الذي يعانيه سكان هذه الأراضي المحتلة فلا يوصف، من فعل هذا؟ شباب، يوجد ظاهرة الآن تدرس في أوروبا أم لها ابن أطول منها بمرة ونصف، جميل الصورة، أبيض، عمره سبعة عشر عاماً، قبلته وعانقته وودعته، هي قصيرة والابن طويل، أرسلته إلى شمال إسرائيل ليهاجم سكنة عسكرية، محاطة بشبك شائك مكهرب، ومعه تلفون خليوي، أخذ البينسة وقطع الشريط ودخل وخبّر والدته، قال: أنا وصلت وبعد قليل سأقتلهم، قتل اثني عشر شخصاً، أمه طوال الليل تدعو الله عز وجل حتى من فقرات دعائها دعاء لطيف: يا رب يدك بيده واحمه ووفقه وتعمي عنه إلى أن جاءها الخبر باستشهاده، فسجدت لله شاكرة، قال: أكبر زعماء أوروبا يدرسون هذه الظاهرة، لا يوجد أم بالعالم تفعل هكذا! أم أقسمت بالله أنه ما أمسك بندقية في حياته، هذه رغبتها أن يذهب ابنها شهيداً، أنا الآن متفائل وموازين القوى كلها اختلفت، والغرب كله في ذعر الآن، هذا الشاب لا حل له، أقصى ما يملكه القوي على الضعيف أن يهدده بالموت، فجاء هذا الضعيف طالباً الموت مختاراً فزلزل كيان القوي، قالوا: الحرب بدأت بالإنسان وانتهت بالإنسان، الآن السلاح النووي انتهى، وكل الأسلحة التقليدية انتهت أمام هذه الحركات الاستشهادية، فتاة في مقتبل الحياة معها شهادة عليا من أرقى جامعة تعمل في الهلال الأحمر، تشاهد كل يوم القتلى الفلسطينيين بوقت صعب قتلت عشرين قتيلاً وسبعين جريحاً ! توجد بطولات الآن لم تدخل في حساباتنا إطلاقاً.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
***
من أجل أن تكونوا متفائلين، إذا طلب الإنسان من الله شيئاً يمكنه الله من أقوى عدو، يجعل عدوه ترتعد فرائصه خوفاً، لكن المشكلة حينما نستحق النصر يأتينا، لكن المشكلة أن نستحقه، أن نستحق أن ينصرنا الله عز وجل، فنحن مهمتنا الأولى أن نؤهل أنفسنا لتلقي نصر الله عز وجل.
تلخيص لما سبق :
نلخص الدرس: الله عز وجل يقول:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
نخلف بعضنا بعضاً، عثرت على كتاب في المسجد موجه إلى إمام المسجد من مدير الأوقاف، من عام ألف وتسعمئة وواحد وثلاثين، عام ألف و تسعمئة و ثلاثين كان هناك مدير أوقاف وخطباء مساجد طقم جديد غير الطقم الحالي، وكل فترة يوجد طقم جديد كما ترون، خلائف الأرض، الأقوياء والأغنياء.
لي قريب مدير مدرسة عثر على كتاب توبيخ للمعلم الوكيل فلان، هذا المعلم صار رئيس جامعة دمشق، اختلف الوضع، خلائف الأرض.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾
[سورة الأنعام: 165]
أنت بشيء ممكن، بشيء غير ممكن.
﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
إذا استخدمت هذا الشيء الذي مكنت فيه للدنيا أو للإساءة.
﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾
[سورة الأنعام: 165]
الذي أعطى يأخذ، إذا أعطى أدهش وإذا حاسب فتش.
﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[سورة الأنعام: 165]
أسئلة و أجوبة :
أخواننا الكرام: أكثر سؤال أُسأله عقب الخطب والدروس في إطار قضايا الطلاق، وابن عباس رضي الله عنهما يقول: "أيرتكب أحدكم أحموقته ويقول: يا بن عباس يا بن عباس؟"
لك زوجة والزوجة جيدة وراض عنها، وبنت عالم، وبنت ناس، وعفيفة، وأهلها محترمون، نشأ خلاف لا يوجد حلّ إلا الطلاق؟ طلقت، ماذا يحصل بعد الطلاق؟ اسمعوا مني كلمات قاسية: يجب أن تتسكع على أبواب المفتين، المتشدد طلقت، لا يشرح لك أبداً، المتساهل تشك بعلمه، أنت كنت بغنى عن أن تتسكع على أبواب العلماء وأبواب المفتين، هذه الزوجة جملة وتفصيلاً، هذه الزوجة إجمالاً لابأس بها، فيها إيجابيات وسلبيات، أشياء متفوقة وأشياء متخلفة، أما كلما تضايق فيقول: عليّ الطلاق بالثلاث، فأنا أعدها حماقة والله، زوجتك أم أولادك دفعت المهر، هل تستطيع أن تدفع أربعمئة ألف؟ معك المبلغ جاهز تدخلون بالمحاكم يتشرد الأولاد في ساعة غضب، النبي قال: لا تغضب.
لاتغضب
مرة إنسان فرنسي دخل لجسر، وإنكليزي دخل لجسر ثان، الجسر لسيارة واحدة، لم يرض الإنكليزي أن يرجع و كذلك الفرنسي لم يرض الرجوع، الإنكليزي فتح قاموس لاروس هذا أضخم قاموس، و جلس يقرأ به، فقال له الفرنسي: عندما تنتهي أعرني إياه، الحياة تريد أعصاباً باردة، الآن الحياة صعبة جداً، لأتفه سبب يطلق زوجته، اذهب إلى المشايخ بعد فوات الأوان، المتشدد لا يرحم، عندي أولاد، بعثنا بك لمتساهل هذا لم أقنع بفتواه، لعلك تقعد بالحرام معها، دخلت بشك إن طلقتها لا تنتهي، قد تخرب بيتك وتشرد أولادك، وإن أبقيتها لا تنتهي، خائف أن تكون فتواه خطأ، ما الذي وضعك في هذه المتاهة؟ موضوع الطلاق أتمنى أن تبعدوا عنه، الطلاق تجمع تطرح تقسم تضرب لا أريدها وأنت هادئ، قال:
﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾
[سورة البقرة: 227]
تطلقها وتبقيها ثلاثة أشهر ترتدي وتتزين لك، إذا لم يكن هناك مشكلة كبيرة جداً تفوق حدّ الاحتمال تعود لها، إذاً لا ينفذ الطلاق إلا لسبب يفوق حدّ الخيال، مضى ثلاثة أشهر تستطيع أن تسترجعها قبل ساعة، تقول لها: راجعتك فرجعت لك، لا مهر، لم تعيدها تعمل عقداً جديداً، طلاق ثان أيضاً ثلاثة أشهر عندك ستة أشهر تسكن في بيتك وأنت لم تقترب منها، لأن الأمر كبير جداً، أما إذا كان الأمر غير كبير ففي اليوم الثاني يصغر، الزمن وحده يخفف الأمور، ثلاثة أيام والله أنا زودتها عليها، القصة لا تحتمل، الطلاق الشرعي السني لا ينفذ إلا بالألف واحد، إذا كانت تجلس ثلاثة أشهر وثلاثة أشهر أخرى ستة أشهر تجلس في البيت معك، إذا لم تكن القضية كبيرة لدرجة معقولة لا يتم الطلاق، هذا الطلاق السني، أما البدعي فكلهم وراء بعضهم، مع أنه يوجد فتاوى متعددة، ففي ساعة غضب رميت الطلاق على مراحل ثلاث مرات، والله كما قلنا لك يلزمك إنساناً مختصاً بالطلاق.
الناس يقعون في ضائقة مالية، فيعملون جمعية من خمسة أشخاص، يضع كل واحد ألفي ليرة، يجمعون عشرة آلاف أو أكثر يعطون هذا المبلغ لشخص كل شهر، فيشتري ما يحتاج، قال: هذا حرام؟
لاحرمة في التعاون
والله ليس لها وجه حرمة بل تعنت وتضييق على الناس، ماذا فعل؟ لم يأكل مالاً حراماً، تعاونت عشر أسر، دفعت كل أسرة ألفاً بصندوق بالشهر، من بحاجة لهم؟ فلان يريد أن يشتري فرن غاز، أخذهم كل شهر إنسان، أين الحرمة؟ لا توجد حرمة إطلاقاً، والله لا شيء فيها، تعاونوا، مندوبة، والله يحبنا أن نتعاون، أخ يريد أن يتزوج يأتيه أحياناً اثنتا عشرة صينية، ماذا يفعل بكل الصواني؟ هدايا عشوائية، بمصر من يريد الزواج يعلم شخصاً، كل شخص يريد أن يهدي هذا الشخص يسأل ما يلزمه، تأتي الهدايا كلها متناسقة، يلزمه غسالة أنت تريد أن تعطيه خمسة آلاف، أو ألفين، تشتري طقم ملاعق، يضع القوائم وباختيارك، فالأفضل أن نطبق هذه الطريقة، أخ يريد الزواج أنا طبقتها عينت أخاً يكون عن طريقه شراء الهدايا، تأتي كلها متناسقة، أنت ماذا تخصص؟ مئة ليرة، مقبولة ولها حل، لكن إما ساعات أو صواني!! شيء كله يكدس لا قيمة له، ولا استعمال، ولا يباع، هذه أخطاء، الزوج له شخص يتلقى الهدايا عن طريقه، وهو معه القائمة.
والحمد لله رب العالمين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى