من معاني الحكمة ؛ الإصابة في الأقوال
صفحة 1 من اصل 1
من معاني الحكمة ؛ الإصابة في الأقوال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحكمة هي الإصابة في الأقوال :
لا زلنا -أيها الأخوة- في المعاني التي يمكن أن تنسحب على الحكمة, لقول الله عز وجل:
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
[سورة البقرة الآية:269]
تحدثنا عن أن الحكمة هي العلم:
﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾
[سورة الكهف الآية:65]
وتحدثنا عن أن الحكمة هي تفسير القرآن الكريم, والحكمة هي الفراسة, والحكمة هي الخشية.
واليوم: الحكمة هي الإصابة في الأقوال؛ أن يكون الكلام مصيباً, إذاً فأنت حكيم؛ فالحكيم إن نطق, نطق قائلاً بالله, وإن سكت سكت مع الله, نطقهُ حكمة, وصمته حكمة.
من عدَّ كلامه من عمله فقد نجا :
في بعض المواقف تكون أبلغ الحكمة أن تصمت, أن تسكت؛ ففي السكوت حكمة بالغة, وفي النطق حكمة بالغة, وحينما تعرف متى ينبغي أن تسكت؟ ومتى ينبغي أن تنطق؟ وحينما تنطق ماذا ينبغي أن تقول؟ القدر المناسب, مع الشخص المناسب, في الوقت المناسب, في الظرف المناسب، إذاً: أنت حكيم, والكلام في العمل, ومن عدَّ كلامه من عمله فقد نجا:
(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ))
[ أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
واحفظ لسانك أيــها الإنسان لا يلدغنــك إنــه ثعبان
كـم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقاءه الشجعان
***
إذا تكلم, تكلم بالله, وإذا سكت, سكت مع الله, فالسكوت حكمة, والتكلم حكمة؛ وكم من إنسان تكلم كلمة فندم عليها أشد الندم؟ وكم من كلمة دمرت أسرة؟ وكم من كلمة دمرت شركة؟ وكم من كلمة دمرت علاقة؟ وكم من كلمة ربا خيرها حتى صار مثل الجبل؟
((إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ سخط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً, وإِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً, يرفعه الله بها في الجنة))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]
فالكلام جزء من العمل.
قال إبراهيم بن رستم: "صحبت ابن عون عشرين سنة ما أظن أن الملائكة كتبوا عليه حرفاً واحداً".
كلما نما الإيمان في قلب الإنسان نمت بصيرته :
أحياناً تجلس مع إنسان عشر سنوات, يكون صديقاً؛ ما سمعته تكلم كلمة خطأ, ما سمعته تكلم بمزاح فاحش, ما سمعته اغتاب إنساناً, ما سمعته صغّر إنساناً, هذا من الحكمة, أن إنساناً لم يجرح بكلمة إنساناً, لم يتكلم كلمة يحتاج أن يقول: أعتذر عن هذا الذي قلته؛ وكلما نما الإيمان في قلبه نمت بصيرته, وكلما نمت بصيرته نمت حكمته, فانعكست حكمته قولاً سديداً:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
[سورة الأحزاب الآية:70]
﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
[سورة الأحزاب الآية:71]
قال بعض الصالحين: "منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلام أريد أن أعتذر منه".
والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((إياك وما يُعتذر منه))
[الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وجابر]
تجد الإنسان يتكلم كلمة طائشة؛ يعتذر, يترجى, لم يقصد شيئاً, لا تؤاخذوني, فكر.
كان سيدنا عمر يقول: "أتمنى أن يكون لي رقبة كرقبة الجمل, حتى أزن الكلمة قبل أن تخرج".
الإنسان كلما زاد إيمانه ضبط كلامه :
الكلمة قد تكسر الخاطر أحيانا
أحياناً كلمة تكسر خاطر, كلمة تصدع علاقة, كلمة تنفر.
وكم من إنسان ترك المسجد من كلمة، وكم من إنسان التحق بمسجد بكلمة طيبة، وكم من زوجين بكلمة طيبة نمت العلاقة بينهما، وكم من زوج بكلمة نفر.
لي صديق عنده مكتب تجاري, فطلب مني مترجماً, أعرف أخاً راقياً, اختصاصه لغة انكليزية, وله باع في التدريس, فرشحت له هذا الاسم, ذهب ليعمل عندهم, المكتب فيه مدير تنفيذي ليس عنده حكمة, فبقي ستة أشهر يأتي ضيف أحياناً- هذا رجل محترم, مدرس- الضيف مع مدير المكتب, فيعمل هذا المترجم قهوة ويضيفهم, ويشرب معهم, هو إنسان مقامه كبير, مقام مدرس, وله باع في الترجمة, فهذا المدير بعد ستة أشهر, أحبّ أن يعمل تنظيمات إدارية, فعمل لائحة, وأعطى كل إنسان وظيفته, فكتب لهذا الذي رشحته لهم: ترجمة, وقهوة, وشاي, في اليوم الثاني ترك العمل, قال له: أنا أفعله طواعية, أنا مقامي مقام مترجم, ليس عملي ترجمة, وقهوة, وشاي, مقامه أن يترجم, أحب أن يكرمك, كان لطيفاً جداً, زارك ضيف, لم يحب أن يحرجك, عمل لك قهوة, وأحب أن يضيف من نوع الأخوة لكن ليس من نوع التكليف.
كم زواج انتهى إلى طلاق بسبب كلمة
فإنسان يتكلم أحياناً كلمة, لم يكن حكيماً, الآن كم من زواج انتهى إلى الطلاق بكلمة قالها الزوج؟ وكم من زوجة طلقت بكلمة قالتها؟
أنا أعرف شركة ناجحة, أرباحها خيالية, انفصلت بكلمة قالها أحد الشريكين, كلمة رعناء, غير مدروسة, فنسأل الله أن يلهمنا الصواب.
الإنسان كلما زاد إيمانه ضبط كلامه.
وقال بعض الصالحين: "منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلام أريد أن أعتذر منه".
وقال بعض الصالحين لابنه: "يا بني! إذا أقللت من الكلام, أكثرت من الصواب, وإذا أكثرت من الكلام, أقللت من الصواب".
من قلّ كلامه كثر صوابه :
من قل كلامه قل خطأه
بشكل عام من كثر كلامه كثر خطؤه؛ الإنسان في الجلسة عليه أن يجلس, ويسمع, فإن كان معه كلام طيب فليتكلم, فإن لم يكن كذلك يظل ساكتاً, أما شخص يريد أن يتكلم فقط فلابد من أن يخطئ خطأ كبيراً وشنيعاً.
عود نفسك عندك شيء تتحدث به, عندك فكرة, آية, حديث, قصة عن صحابي, حكم فقهي, معالجة قضية, تكلم, ليس عندك اسكت.
هناك أستاذ في الجامعة سأل طالبة سؤالاً فلم تعرف, فقسا عليها, قالت: يا أستاذ, النبي قال: "رفقاً بالقوارير" –هي إنسانة ممتلئة الصحة- قال لها: لكن لم يقل: رفقاً بالبراميل.
ما الذي حدث لها أمام ثلاثمئة طالب؟ هذه ليست نكتة, هذا تحطيم, والله عز وجل كبير, الذي يتكلم كلمة قاسية, يصغر إنساناً, الله عز وجل يعاقبه بشيء مشابه, يجعله في موقف بشكل حقير جداً, لا تصغر إنساناً، و قد ورد في الأثر: لا تحمروا الوجوه.
لا تخجل إنساناً, إذا كان هناك قضية ليست متعقلة بالعقيدة, تكلم رقماً خاطئاً, أخطأ, تجاوزها.
هناك شخص لا يمرر, يظل يضيق حتى يحرجك, أحياناً الإنسان يخطىء, ويعلم نفسه أنه خاطئ, يظل صامتاً. فالنبي عليه الصلاة و السلام كان لا يواجه الناس بما يكرهون.
وقال بعضهم: "من قلّ كلامه كثر صوابه".
قال لي شخص: قرأت مقالة فيها ست كلمات تميت, ما المقالة؟"أنت ضعيف لأنك أخلاقي, وأنت أخلاقي لأنك ضعيف".
فرغ الخلق من مضمونه, إنسان ضعيف يصبح أخلاقياً, فإذا كان أخلاقياً يصبح ضعيفاً, معنى هذا أن الأخلاق لا قيمة لها؛ أنت تركز على التجبر, والقسوة, والسيطرة, والاستغلال.
هناك كلمة تقال بأمريكا: أنت قوي إذاً أنت على حق؛ تفرض رأيك على الآخرين بمنتهى الوقاحة ما دمت قوياً, وهذا ما تفعله الآن، ليس لها صديق, حتى أصدقاءها الخلص تخلوا عنها.
من ضبط لسانه كان أقرب إلى الله عز وجل :
هناك نقطة دقيقة جداً: لا يمكن لإنسان بعيد عن الله أن يكون عنده حكمة, لابد من أن يرتكب حماقة, الحمق من لوازم الكفر, والدليل:
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُم﴾
[سورة محمد الآية:1]
معظم الزيجات في الصالات الفخمة انتهت بالطلاق
على أي مستوى؛ على مستوى عام, على مستوى خاص, على مستوى جماعي, على مستوى فردي.
هناك فندق خمس نجوم, أحبّ أن يكرم الذين أقاموا عنده عقود قرانهم, كتكريم تشجيعي للآخرين, فطلب من إدارته أن يعطوا أسماء الذين أجروا عقداً في هذا الفندق خلال ستة أشهر, فكان هناك ستة عشر عقداً, أُرسلت كتب إلى البيوت, يدعوهم فيها إلى احتفال تكريمي, المفاجأة أن ثلاثة عشر عقداً انتهى إلى الطلاق في أقل من ستة أشهر, في هذا الفندق هناك غناء, وهناك قوة, لكن لا يوجد حكمة.
تجد عقداً بسيطاً, متواضعاً, تمّ في بيت، يقول لك: عشت معها خمسين سنة, لم ينشأ بيننا أية خصومات, هناك بركة من الله.
مرة الإمام الغزالي في الإحياء عرض أكثر من عشرين آفة, سماها باب: (آفات اللسان).
أحياناً تدخل لبيت, لا يعجبك البيت, تصغره بصاحبه, أحياناً تدخل امرأة, تتكلم كلمة مع امرأة: الزوج لا يليق بك, تجعلها سنة زوجة شرسة, أحياناً أب يخرب بيت ابنته, يتكلم كلمة قاسية عن صهره, هي زوجها.
كلما ضبطت لسانك كنت أقرب لله عز وجل, كلما تجاوزت تكون أقرب, وكلما تكلمت الكلمة الطيبة تكون أقرب.
الحكمة تقتضي من الإنسان أن يختار الكلمة الطيبة :
الآن: مثلاً الله عز وجل قال:
﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾
[سورة البقرة الآية:83]
نعم.
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
[سورة العنكبوت الآية:46]
هناك فرق بين حسنى وأحسن، أنت مكلف أن تقول كلمة طيبة, أما إذا ناقشت إنساناً, وهناك مئة كلمة طيبة, فيجب أن تختار أطيبها, ليست القضية أن أفحمه, قضية أن آخذ بيده إلى الله عز وجل, الحكمة تقتضي أن تختار الكلمة الطيبة.
سمعت شريطاً من فترة, هناك إنسان له رأي شاذ, ورأي منحرف-هي جماعة- فتصدى عالم مشكور للرد على هؤلاء, فسمعت الرد, الرد رائع جداً, بعد أن انتهى الرد اتُهم شيخ هذه الجماعة بالخرف, هذا سباب, ثلاث كلمات في الشريط سببوا مشكلة لا تنتهي؛ لأن الرد كان علمياً, ورائعاً, لو اكتفيت به لا يوجد مشكلة, بعد أن انتهى الرد اتهمت هذه الجماعة و هذا سبّب مشكلة كبيرة.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحكمة هي الإصابة في الأقوال :
لا زلنا -أيها الأخوة- في المعاني التي يمكن أن تنسحب على الحكمة, لقول الله عز وجل:
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
[سورة البقرة الآية:269]
تحدثنا عن أن الحكمة هي العلم:
﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾
[سورة الكهف الآية:65]
وتحدثنا عن أن الحكمة هي تفسير القرآن الكريم, والحكمة هي الفراسة, والحكمة هي الخشية.
واليوم: الحكمة هي الإصابة في الأقوال؛ أن يكون الكلام مصيباً, إذاً فأنت حكيم؛ فالحكيم إن نطق, نطق قائلاً بالله, وإن سكت سكت مع الله, نطقهُ حكمة, وصمته حكمة.
من عدَّ كلامه من عمله فقد نجا :
في بعض المواقف تكون أبلغ الحكمة أن تصمت, أن تسكت؛ ففي السكوت حكمة بالغة, وفي النطق حكمة بالغة, وحينما تعرف متى ينبغي أن تسكت؟ ومتى ينبغي أن تنطق؟ وحينما تنطق ماذا ينبغي أن تقول؟ القدر المناسب, مع الشخص المناسب, في الوقت المناسب, في الظرف المناسب، إذاً: أنت حكيم, والكلام في العمل, ومن عدَّ كلامه من عمله فقد نجا:
(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ))
[ أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
واحفظ لسانك أيــها الإنسان لا يلدغنــك إنــه ثعبان
كـم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقاءه الشجعان
***
إذا تكلم, تكلم بالله, وإذا سكت, سكت مع الله, فالسكوت حكمة, والتكلم حكمة؛ وكم من إنسان تكلم كلمة فندم عليها أشد الندم؟ وكم من كلمة دمرت أسرة؟ وكم من كلمة دمرت شركة؟ وكم من كلمة دمرت علاقة؟ وكم من كلمة ربا خيرها حتى صار مثل الجبل؟
((إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ سخط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً, وإِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً, يرفعه الله بها في الجنة))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]
فالكلام جزء من العمل.
قال إبراهيم بن رستم: "صحبت ابن عون عشرين سنة ما أظن أن الملائكة كتبوا عليه حرفاً واحداً".
كلما نما الإيمان في قلب الإنسان نمت بصيرته :
أحياناً تجلس مع إنسان عشر سنوات, يكون صديقاً؛ ما سمعته تكلم كلمة خطأ, ما سمعته تكلم بمزاح فاحش, ما سمعته اغتاب إنساناً, ما سمعته صغّر إنساناً, هذا من الحكمة, أن إنساناً لم يجرح بكلمة إنساناً, لم يتكلم كلمة يحتاج أن يقول: أعتذر عن هذا الذي قلته؛ وكلما نما الإيمان في قلبه نمت بصيرته, وكلما نمت بصيرته نمت حكمته, فانعكست حكمته قولاً سديداً:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
[سورة الأحزاب الآية:70]
﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
[سورة الأحزاب الآية:71]
قال بعض الصالحين: "منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلام أريد أن أعتذر منه".
والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((إياك وما يُعتذر منه))
[الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وجابر]
تجد الإنسان يتكلم كلمة طائشة؛ يعتذر, يترجى, لم يقصد شيئاً, لا تؤاخذوني, فكر.
كان سيدنا عمر يقول: "أتمنى أن يكون لي رقبة كرقبة الجمل, حتى أزن الكلمة قبل أن تخرج".
الإنسان كلما زاد إيمانه ضبط كلامه :
الكلمة قد تكسر الخاطر أحيانا
أحياناً كلمة تكسر خاطر, كلمة تصدع علاقة, كلمة تنفر.
وكم من إنسان ترك المسجد من كلمة، وكم من إنسان التحق بمسجد بكلمة طيبة، وكم من زوجين بكلمة طيبة نمت العلاقة بينهما، وكم من زوج بكلمة نفر.
لي صديق عنده مكتب تجاري, فطلب مني مترجماً, أعرف أخاً راقياً, اختصاصه لغة انكليزية, وله باع في التدريس, فرشحت له هذا الاسم, ذهب ليعمل عندهم, المكتب فيه مدير تنفيذي ليس عنده حكمة, فبقي ستة أشهر يأتي ضيف أحياناً- هذا رجل محترم, مدرس- الضيف مع مدير المكتب, فيعمل هذا المترجم قهوة ويضيفهم, ويشرب معهم, هو إنسان مقامه كبير, مقام مدرس, وله باع في الترجمة, فهذا المدير بعد ستة أشهر, أحبّ أن يعمل تنظيمات إدارية, فعمل لائحة, وأعطى كل إنسان وظيفته, فكتب لهذا الذي رشحته لهم: ترجمة, وقهوة, وشاي, في اليوم الثاني ترك العمل, قال له: أنا أفعله طواعية, أنا مقامي مقام مترجم, ليس عملي ترجمة, وقهوة, وشاي, مقامه أن يترجم, أحب أن يكرمك, كان لطيفاً جداً, زارك ضيف, لم يحب أن يحرجك, عمل لك قهوة, وأحب أن يضيف من نوع الأخوة لكن ليس من نوع التكليف.
كم زواج انتهى إلى طلاق بسبب كلمة
فإنسان يتكلم أحياناً كلمة, لم يكن حكيماً, الآن كم من زواج انتهى إلى الطلاق بكلمة قالها الزوج؟ وكم من زوجة طلقت بكلمة قالتها؟
أنا أعرف شركة ناجحة, أرباحها خيالية, انفصلت بكلمة قالها أحد الشريكين, كلمة رعناء, غير مدروسة, فنسأل الله أن يلهمنا الصواب.
الإنسان كلما زاد إيمانه ضبط كلامه.
وقال بعض الصالحين: "منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلام أريد أن أعتذر منه".
وقال بعض الصالحين لابنه: "يا بني! إذا أقللت من الكلام, أكثرت من الصواب, وإذا أكثرت من الكلام, أقللت من الصواب".
من قلّ كلامه كثر صوابه :
من قل كلامه قل خطأه
بشكل عام من كثر كلامه كثر خطؤه؛ الإنسان في الجلسة عليه أن يجلس, ويسمع, فإن كان معه كلام طيب فليتكلم, فإن لم يكن كذلك يظل ساكتاً, أما شخص يريد أن يتكلم فقط فلابد من أن يخطئ خطأ كبيراً وشنيعاً.
عود نفسك عندك شيء تتحدث به, عندك فكرة, آية, حديث, قصة عن صحابي, حكم فقهي, معالجة قضية, تكلم, ليس عندك اسكت.
هناك أستاذ في الجامعة سأل طالبة سؤالاً فلم تعرف, فقسا عليها, قالت: يا أستاذ, النبي قال: "رفقاً بالقوارير" –هي إنسانة ممتلئة الصحة- قال لها: لكن لم يقل: رفقاً بالبراميل.
ما الذي حدث لها أمام ثلاثمئة طالب؟ هذه ليست نكتة, هذا تحطيم, والله عز وجل كبير, الذي يتكلم كلمة قاسية, يصغر إنساناً, الله عز وجل يعاقبه بشيء مشابه, يجعله في موقف بشكل حقير جداً, لا تصغر إنساناً، و قد ورد في الأثر: لا تحمروا الوجوه.
لا تخجل إنساناً, إذا كان هناك قضية ليست متعقلة بالعقيدة, تكلم رقماً خاطئاً, أخطأ, تجاوزها.
هناك شخص لا يمرر, يظل يضيق حتى يحرجك, أحياناً الإنسان يخطىء, ويعلم نفسه أنه خاطئ, يظل صامتاً. فالنبي عليه الصلاة و السلام كان لا يواجه الناس بما يكرهون.
وقال بعضهم: "من قلّ كلامه كثر صوابه".
قال لي شخص: قرأت مقالة فيها ست كلمات تميت, ما المقالة؟"أنت ضعيف لأنك أخلاقي, وأنت أخلاقي لأنك ضعيف".
فرغ الخلق من مضمونه, إنسان ضعيف يصبح أخلاقياً, فإذا كان أخلاقياً يصبح ضعيفاً, معنى هذا أن الأخلاق لا قيمة لها؛ أنت تركز على التجبر, والقسوة, والسيطرة, والاستغلال.
هناك كلمة تقال بأمريكا: أنت قوي إذاً أنت على حق؛ تفرض رأيك على الآخرين بمنتهى الوقاحة ما دمت قوياً, وهذا ما تفعله الآن، ليس لها صديق, حتى أصدقاءها الخلص تخلوا عنها.
من ضبط لسانه كان أقرب إلى الله عز وجل :
هناك نقطة دقيقة جداً: لا يمكن لإنسان بعيد عن الله أن يكون عنده حكمة, لابد من أن يرتكب حماقة, الحمق من لوازم الكفر, والدليل:
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُم﴾
[سورة محمد الآية:1]
معظم الزيجات في الصالات الفخمة انتهت بالطلاق
على أي مستوى؛ على مستوى عام, على مستوى خاص, على مستوى جماعي, على مستوى فردي.
هناك فندق خمس نجوم, أحبّ أن يكرم الذين أقاموا عنده عقود قرانهم, كتكريم تشجيعي للآخرين, فطلب من إدارته أن يعطوا أسماء الذين أجروا عقداً في هذا الفندق خلال ستة أشهر, فكان هناك ستة عشر عقداً, أُرسلت كتب إلى البيوت, يدعوهم فيها إلى احتفال تكريمي, المفاجأة أن ثلاثة عشر عقداً انتهى إلى الطلاق في أقل من ستة أشهر, في هذا الفندق هناك غناء, وهناك قوة, لكن لا يوجد حكمة.
تجد عقداً بسيطاً, متواضعاً, تمّ في بيت، يقول لك: عشت معها خمسين سنة, لم ينشأ بيننا أية خصومات, هناك بركة من الله.
مرة الإمام الغزالي في الإحياء عرض أكثر من عشرين آفة, سماها باب: (آفات اللسان).
أحياناً تدخل لبيت, لا يعجبك البيت, تصغره بصاحبه, أحياناً تدخل امرأة, تتكلم كلمة مع امرأة: الزوج لا يليق بك, تجعلها سنة زوجة شرسة, أحياناً أب يخرب بيت ابنته, يتكلم كلمة قاسية عن صهره, هي زوجها.
كلما ضبطت لسانك كنت أقرب لله عز وجل, كلما تجاوزت تكون أقرب, وكلما تكلمت الكلمة الطيبة تكون أقرب.
الحكمة تقتضي من الإنسان أن يختار الكلمة الطيبة :
الآن: مثلاً الله عز وجل قال:
﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾
[سورة البقرة الآية:83]
نعم.
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
[سورة العنكبوت الآية:46]
هناك فرق بين حسنى وأحسن، أنت مكلف أن تقول كلمة طيبة, أما إذا ناقشت إنساناً, وهناك مئة كلمة طيبة, فيجب أن تختار أطيبها, ليست القضية أن أفحمه, قضية أن آخذ بيده إلى الله عز وجل, الحكمة تقتضي أن تختار الكلمة الطيبة.
سمعت شريطاً من فترة, هناك إنسان له رأي شاذ, ورأي منحرف-هي جماعة- فتصدى عالم مشكور للرد على هؤلاء, فسمعت الرد, الرد رائع جداً, بعد أن انتهى الرد اتُهم شيخ هذه الجماعة بالخرف, هذا سباب, ثلاث كلمات في الشريط سببوا مشكلة لا تنتهي؛ لأن الرد كان علمياً, ورائعاً, لو اكتفيت به لا يوجد مشكلة, بعد أن انتهى الرد اتهمت هذه الجماعة و هذا سبّب مشكلة كبيرة.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى