mountada el samare
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

غاية الصيام تحقيق التقوى

اذهب الى الأسفل

غاية الصيام تحقيق التقوى  Empty غاية الصيام تحقيق التقوى

مُساهمة من طرف Admin الأحد مايو 27, 2018 4:29 am

موضوعات الخطب في رمضان:

أيها الإخوة الكرام، نحن مقبلون على ثاني أكبر عبادة في الإسلام، مقبلون على شهر الصيام، وفي هذا الشهر الكريم جرت العادة عند معظم خطباء المساجد أن تكون الموضوعات المعالجة كما يلي: موضوع في الإنفاق، وموضوع في تلاوة القرآن، وموضوع في ذكرى موقعة بدر، وموضوع في ليلة القدر، وموضوع في الزكاة، لذلك قدمت الحديث عن فضائل هذا الشهر قبل رمضان.
فضائل شهر رمضان:

أيها الإخوة الكرام، إن الله عز وجل امتنّ على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات، وتمحى السيئات، وترفع الدرجات، وتتوجه فيها النفوس إلى مولاها.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

( سورة الشمس، الآية 9، 10)

قد أفلح من زكاها ـ خصوصاً ـ في رمضان.
خصائص الصيام:

ومن أعظم العبادات: الصيام الذي:
1 ـ فرضه الله على العباد.

قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 183)

2 ـ ورغبهم فيه.

فقال سبحانه:
﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 184)

3 ـ وأرشدهم إلى شكره على فرضه.

فقال عز وجل:
﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 185)

4 ـ و حببه إليهم، وخففه عليهم.

لئلا تستثـقله النفوس التي ألـفت المباحات، قال تعالى:
﴿ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ﴾

( سورة البقرة: الآية 184)

5 ـ ورحمهم، ونأى بهم عن الحرج والضرر.

فقال سبحانه وتعالى:
﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 184)

فلا عجب ـ أيها الإخوة الكرام ـ أن تُقبل قلوب المؤمنين في هذا الشهر على ربهم الرحيم، يخافونه من فوقهم، و يرجون ثوابه، و يخشون عقابه.

فضائل الصيام:

الصوم ـ أيها الإخوة الأحباب ـ عبادة من أجلّ العبادات، و قربة من أشرف القربات، و طاعة مباركة، لها آثارها العظيمة و الكثيرة، و العاجلة و الآجلة، من تزكية النفوس، و إصلاح القلوب، و حفظ الجوارح من الفتن و الشرور، و تهذيب الأخلاق، وفيها من الإعانة على تحصيل الأجور العظيمة، و تكفير السيئات المهلكة، و الفوز بأعلى الدرجات:
1ـ الصوم عبادة لها ميزة خاصة:

لكن الصوم ـ أيها الإخوة الكرام ـ عبادة متميزة، اختصها الله من بين سائر الأعمال، ففي الحديث القدسي الصحيح، يقول الله عز وجل:
(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به ))

من حديث قدسي مرفوع، إسناده صحيح أخرجه ابن ماجه،وابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه

فكفى بذلك تنبيهاً على شرفه، و عظم موقعه عند الله عز وجل، مما يؤذن بعظم الأجر عليه، فبإضافة الله تعالى الجزاء على الصيام إلى ذاته العليا تنبيه على عظم أجر الصائم.

(( فإنه لي وأنا أجزي به ))

وأنه يضاعف عليه الثواب أعظم من سائر الأعمال، ففي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك ))

حديث مرفوع صحيح، أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

( سورة يونس: الآية 58 )

الإنسان أحياناً يبحث عن رزقه، أما إذا بلغ درجة من الغنى يصبح همه الجمع، يقول الله عز وجل:

﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

( سورة يونس: الآية 58 )

2ـ الصوم عبادة الإخلاص:

أيها الإخوة الكرام،
مثل بين أيديكم: لو أن دولة ما ارتأت أن الصيام مفيد للمواطنين، و أصدرت قانوناً بإلزامهم بالصيام، هل تستطيع تنفيذ هذا القانون ؟
يدخل الإنسان إلى بيته فيشرب، لا يوجد قوة تراقبه، انظر إلى المسلم يصوم في أيام الصيف والحر، لا يحتمل، وهو في الساعة الثانية عشرة يكاد يموت من العطش، و يدخل إلى بيته وحيداً، و يقفل الباب ويفتح الصنبور ليتوضأ، و لا يستطيع أن يضع في فمه قطرة ماء.
دققوا ـ أيها الإخوة الكرام ـ كما أن غض البصر عبادة الإخلاص، كذلك الصوم عبادة الإخلاص، أنت توقن أنك مخلص لله، لأن جهة في الأرض لا تستطيع أن تضبط الصيام، لا تستطيع جهة في الأرض مهما قويت، و مهما تمكنت أن تضبط صيام الإنسان، إلا أن الواحد الديان يضبط هذا الصيام.
3ـ الصوم قامع للشهوة:

أيها الإخوة الكرام، من فضائل الصوم كما قال عليه الصلاة والسلام أنه قامع للشهوة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج. فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء))

من حديث مرفوع صحيح،أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي،عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

أيها الإخوة الكرام، الإنسان حينما يلتهم الطعام يقوى بدنه، ومع قوة البدن تزداد شهواته، فمن بعض فضائل الصيام أن الصيام يقمع الشهوات.

4ـ الصوم مدعاة لاستجابة الدعاء:

أيها الإخوة الكرام،ومن فضائل الصيام أنه من أسباب استجابة الدعاء، ففي قوله تعالى بعد آيات الصيام:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 186)

كأن هذا الصائم له عند الله جائزة ؛ أن دعاءه مستجاب:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ﴾

( سورة البقرة: الآية 186)

هذه الآية جاءت مع آيات الصيام، قبل هذه الآية آيات متعلقة بالصيام، وبعد هذه الآية آيات متعلقة بالصيام هي بين آيات الصيام، وكأن الواحد الديان يبشر عباده أن هذا الصائم دعاؤه مستجاب.

5ـ الصوم من أسباب تكفير الذنوب:

من فضائل الصيام ـ أيضاً ـ أنه من أسباب تكفير الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضان إلى رمضانَ ؛ مُكَفِّرات لما بينهنَّ، إذا اجتنبت الكبائر ))

حديث مرفوع صحيح، أخرجه مسلم والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه

الصلوات الخمس، أي من صلاة إلى صلاة، و الجمعة إلى الجمعة، و رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الذنوب الكبيرة.

6ـ الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة:

ومن فضائل الصوم ـ أيها الإخوة الكرام ـ أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: ربّ إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم، منعته النوم بالليل، فيشفعان ))

حديث مرفوع صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه أخرجه الحاكم في مستدركه

7ـ الصوم سبب لفرح الصائم في الدنيا والآخرة:

ومن فضائل الصوم فرح الصائم بما يسره الله له من الصوم في العاجل والآجل، كما في الصحيحين:
(( للصائم فرحتان، فرحة عند فِطْره، وفرحة عند لقاءِ ربِّه ))

من حديث مرفوع صحيح أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه

التكاليف الشرعية شاقة على الأبدان، مفرحة للنفوس:

أيها الإخوة الكرام، هذه القاعدة تنطبق على كل العبادات، بل على كل الطاعات، بل على كل استجابة لله، العبادات ذات كلفة، سميت تكاليف لأنها في الأصل تتناقض مع الطبع، الإنسان يحب أن يبقى نائماً، و التكليف أن يستيقظ، يحب أن يمتع عينيه بمحاسن النساء، و التكليف أن يغض البصر، يحب أن يخوض في فضائح الناس، و التكليف أن يسكت، يحب أن يأخذ المال، و التكليف أن ينفقه، فالتكاليف كلها مناقضة للطبع، لكنها مطابقة للفطرة، ترتاح نفسك إذا أديت الفرائض، ترتاح نفسك إذا كنت صادقاً، ترتاح نفسك إذا كنت أميناً، ترتاح نفسك إذا أعنت أخاك، إذا رحمته، إذا يسرت عليه، كل أوامر الدين بعباداته ومعاملاته وفضائله إن طبقتها ارتاحت نفسك:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

( سورة الروم: الآية 30 )

أي: هذا المنهج الإلهي يتطابق بأدق تفاصيله مع بنية النفس، إن التكاليف تتناقض مع جسم الإنسان، مع طبعه، مع غرائزه، مع شهواته، لكنها تتوافق مع نفسه، ذاته التي بين جنبيه.
إذاً الطاعات فيها مشقة أحياناً، فيها تكليف، فيها تناقض مع جسم الإنسان، الإنسان يحب أن يأكل دائماً، وكلما أصابه عطش يشرب من الشراب ما لذ وطاب، أما حينما يأتي شهر الصيام يمتنع عن الطعام و الشراب، والمباحات الأخرى التي أبيحت خارج الصيام فهو يبذل جهداً.

اصبر لتفرح في ختام العبادة:

اصبر لتفرح في ختام العبادة
إخواننا الكرام، الطاعات تنقضي مشقتها، ويبقى أجرها، والمعاصي تنقضي لذتها، و يبقى إثمها فالبطل ليس الذي يفرح أولاً، بل الذي يفرح آخراً، ليست البطولة أن تضحك أولاً، وقد قيل: من ضحك أولاً ضحك قليلاً، و من ضحك آخراً ضحك كثيراً.

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾

( سورة المطففين: الآية 34 )

بطولتك أن تضحك آخراً لا أن تضحك أولاً، الطفل حينما يولد كل من حوله يضحك، و هو يبكي وحده، أما إذا وافته المنية كل من حوله يبكي، فإذا كان بطلاً ومؤمناً وملتزماً ومستقيماً ومحسناً ضحك وحده:

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾

( سورة يس: الآية 26 )

أيها الإخوة الكرام، إذاً: للصائم فرحتان يفرحهما، صبيحة العيد، تأكل كما كنت تأكل قبل رمضان، طعام فطور، وطعام غداء، وطعام عشاء، عدت إلى طبيعتك، وقد كسبت أجر الصيام والقيام، وقد ارتقيت إلى الله عز وجل، أما الذي أفطر في رمضان فيأكل في العيد مع بقية الناس، ولكنه يأكل وقد فرط بهذه العبادة العظيمة التي لا يعدلها صوم الدهر لو صامه.

8 ـ الصوم سبب لدخول الجنة من باب الريان:

أيها الإخوة الكرام، حقيقة ثانية: من فضائل الصيام أن الله اختص أهله بباب كبير من أبواب الجنة، لا يدخله إلا الصائمون، ينادون يوم القيامة إكراماًَ لهم، وإظهاراً لشرفهم، كما في الصحيحين، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(( إنَّ في الجنة باباً يقال له: الرَّيان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخلُ منه أحد غيرُهم، يقال: أين الصائمون ؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغْلِق فلم يَدْخُل منه أحد ))

(حديث مرفوع صحيح أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي)

أي هذا الذي عطش في الحياة الدنيا له قصر مكتوب على بابه الريان، لذلك قال بعض العلماء: هذا الشهر العظيم شهر الصبر.
الصبر أساس كل فلاح:

بالمناسبة ـ أيها الإخوة الكرام ـ، البناء الأخلاقي للإنسان أساسه الصبر، الذي لا يصبر لا يمكن أن يكون شيئاً مذكوراً في الحياة، فأنت حينما تصبر يمكن أن تصل إلى البطولة، فلذلك قال تعالى:
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾

( سورة البقرة: الآية 45 )

واستعينوا على بلوغ أهدافكم، على بلوغ مرادكم.
قال علماء التفسير بالصبر، أي بالصوم و الصلاة، كما تعلمون.

أيها الإخوة الكرام، أنت حينما تواجه عدواً متغطرساً قوياً جباراً حاقداً يملك أسلحة لا تملكها، ويتمنى تدميرك، يقول الله لك:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

( سورة آل عمران: الآية 120 )

بيّن الله لنا أن الصبر مع الطاعة طريق النصر، ويكاد الإيمان أن يكون نصفين، فنصف صبر، و نصف شكر، والذي لا يصبر لا يمكن أن يكون شيئاً مذكوراً في الحياة.
الصبر ترقية للنفس، الصبر يعني أن مبدأك أعظم من حاجاتك، دينك أسمى من رغباتك، الصبر يعني أن تدع شيئاً خسيساً من أجل شيء نفيس، هذا هو الصبر، لذلك شهر الصوم شهر الصبر، أنت في رمضان تصبر على ترك الطعام والشراب، وعلى ترك اللقاء الزوجي، في نهار رمضان فقط،
هذا الصبر يجب أن تستخدمه في مجالات لا تعد و لا تحصى، في عملك ينبغي أن تصبر، في دراستك ينبغي أن تصبر، في مواجهة العدو ينبغي أن تصبر، في أن تنفق من دخلك المحدود ينبغي أن تصبر، و ألاّ تمد يدك لمال حرام، الصبر مدرسة، كان رمضان التعليم الأساسي فيها، رمضان التعليم الأساسي لمدرسة لها درجات عالية جداً، أنت حينما تثبت لنفسك أولاً، و لله ثانياً أنه يمكن أن تدع شهوتك من أجل هدف ما فأنت قد وضعت رجلك على طريق البطولة، رمضان شهر الصبر، و كيف لو أن عدواً يتحدانا، ويواجهنا، ويتمنى دمارنا، يقول لك الله عز وجل:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

( سورة آل عمران: الآية 120 )

من ثمرات الصوم:

أيها الإخوة الكرام،
يتجلى الصبر في الإيثار والإحسان، ومعالجة آلام الآخرين ومقاسمتهم السراء والضراء، وذوق شيء مما يجدون،

1) ـ الإحساس بجوع الفقير:

الإحساس بجوع الفقير
دققوا في هذا الكلام: إذا ذاق الصائم تعبداً و اختياراً ألم الجوع فلقد ذاقه الفقراء عجزاً واضطراراً.
الصائم يجوع طبعاً لكن هذا الجوع باختياره، اختار أن يجوع تقرباً إلى الله عز وجل، هو يذوق طعم الجوع تعبداً واختياراً، ولكن الفقير يذوق طعم الجوع عجزاً واضطراراً، و لأنه عاناه الصائم وقتاً محدوداً فهو عند الفقراء عناء ممدود، تصوم الصيام لوقت محدود، لكنه عند الفقراء عناء ممدود،
لذلك كان الإنفاق في رمضان زكاة الفطر، هذه الزكاة لها أحكام خاصة، مَن ملك قوت يومه وجب عليه زكاة الفطر، فقير جداً يملك وجبة طعام واحدة عليه زكاة الفطر، أي أن الله أراد أن يذوق الفقير في العام مرة واحدة طعم الإنفاق، كأن الفقير مأمور أن ينفق، و الذي ينفق يمكن أن يأخذ الزكاة أيضاً، لكن أراد الله أن نذوق طعم الإنفاق، إذاً أنت حينما تجوع يجب أن تذكر أنك تجوع اختياراً وتعبداً، لكن الفقير حينما يجوع يجوع اضطراراً، و أنت حينما تجوع تجوع لوقت محدود، ولكن الفقير يجوع لوقت ممدود، لذلك ينبغي أن يثمر الصيام معاونة الآخرين، وأداء الزكاة والصلاة.

2) ـ كفّ النفس عن حماقاتها:

أيها الإخوة الكرام، يتجلى الصوم بالإمساك بزمام النفس عن اندفاعاتها وحماقاتها، فالصائم مقيد بشعور دائم يحمله على الكف عما لا يجمل، ولا يليق، تصور إنساناً يدع المباحات، هل يعقل أن يرتكب الموبقات ؟ يختل توازنه، تدع من هو مباح لكل البشر، هل يعقل أن تغتاب في رمضان ؟ هل يعقل أن تطلق البصر في رمضان ؟ هل يعقل أن تكذب في رمضان ؟ أنت مأمور عن ترك الطعام والشراب، و هو مباح، فلأن تترك المحرمات من باب أولى، وكأن الله يقوي إرادتك في هذا الشهر على أن تكون ملتزماً بأوامر الدين.

وأخيراً:

أيها الإخوة الأكارم، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية:
الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

العبادات معللة بمصالح الخلق:

أيها الإخوة الكرام، للإمام الشافعي رحمه الله تعالى مقولة رائعة، يقول: " العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق "، نحن نسمع في بعض الأديان الوضعية الأرضية الوثنية أن هناك عبادات أيضاً، لكنها حركات وسكنات، وتمتمات وإيماءات، و إشارات ما أنزل الله بها من سلطان، و لا معنى لها إطلاقاً، حركات لا معنى لها، و لكن العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق، أي للتنوير، بالنسبة للصلاة:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر ِ﴾

( سورة العنكبوت، آية 45 )

والحج:
﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾

( سورة المائدة: الآية 97 )

غاية الصيام تحقيق التقوى:

قال تعالى:
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

( سورة البقرة: الآية 183 )

من ثمرات التقوى:

الله عز وجل قال:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق: الآية 2 )

قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه:

(( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } قال: فجعل يرددها حتى نعست فقال يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم ))

حديث مرفوع صحيح الإسناد ولم يخرجاه أخرجه الحاكم في مستدركه

حينما تضيق الأمور كما هي الآن، و تستحكم الحلقات، وتسد المنافذ، وتـنتصب العقبات، ويقنط الإنسان تأتي التقوى تتسع بها المضائق، وتحل بها العقد، وتفتح بها المسالك وتذلل بها العقبات

ـ فمن يتق الله عند نزول المصيبة فيوحد الله، و يصبر لحكمه، و يرض لقضائه ويثبت على مبدئه واستقامته يجعل الله له مخرجاً من هذه المصيبة، فيبدل الله ضيقه فرجاً، وخوفه أمناً، وعسره يسراً.
ـ ومن يتق الله فلا يسمح للأفكار الزائفة أن تأخذ طريقها إلى عقله يجعل الله له مخرجاً من الضياع.

القرآن هو المرجع الإلهي للمسلم:

القرآن هو المرجع الإلهي
إخواننا الكرام، المسلم في نعمة يصعب أن يتصورها، ما هي النعمة ؟ له مرجع، القرآن، هذا العمل لا يرضي الله لا أفعله، لذلك هو في سلام، في أمن، حينما يرتكب الناس الحماقات، ولا ينامون الليل، هو ينام مطمئناً، لأن ربه هداه سبل السلام، هداه السلام مع نفسه، ومع أسرته، وفي عمله، ومع مجتمعه، لأنه طبق منهج الله عز وجل.
ـ ومن يتق الله، ولا يسمح للأفكار الزائفة أن تأخذ طريقها إلى عقله يجعل الله له مخرجاً من الضياع والحيرة، والضلال وخيبة الأمل.
ـ ومن يتق الله فيبرأ ممن حوله، ويبرأ من قوته، ومن علمه يجعل الله له مخرجاً مما كلفه به بالمعونة عليه، في أي عمل تقوم به قل: اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي، والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك.
درسان لا ينسيان:

والدرس الذي ينبغي ألا ننساه درس بدر، و درس حنين، في بدر قال الصحابة: الله، فتولاهم الله:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾

( سورة آل عمران: الآية 123 )

وفي حنين قالوا: لن نغلب من قلة:

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾

( سورة التوبة: الآية 25 )

ـ ومن يتق الله فيقف عند حدود الله فلا يقربها، ولا يتعداها يجعل الله له مخرجاً مما كلفه به من الحرام إلى الحلال، ومن الضيق إلى السعة، ومن النار إلى الجنة،
ـ ومن يتق الله في كسب رزقه فيتحرّىَ الحلال الذي يرضي الله عز وجل يجعل الله له مخرجاً من تقتير الرزق بالكفاية، ومن إتلاف المال بحفظه ونمائه،
ـ ومن يتق الله في اتباع السنة يجعل الله له مخرجاً من ضلال أهل البدع،
ـ ومن يتق الله في اختيار زوجته، وفي التعامل معها يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي،
ـ ومن يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم، وشقاؤه بشقائهم
ـ ومن يتق الله في اختيار عمله يختار عملاً يرضي الله، ويحسن أداءه يجعل الله مخرجاً من إخفاقه فيه، والله هذه آية تسع كل الناس، وتسع كل المشكلات، وكل النشاطات

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق: الآية 2

رمضان شهر التدريب على التقوى:

أراد الله عزوجل في هذا الشهر الكريم أن نتقي الله عزوجل، وأن نألف الطاعات، أنت في رمضان طبعاً تغض البصر، تغضه في رمضان، وفي غير رمضان، و إن كنت تائباً تغضه في رمضان مبدئياً،
فإذا ألفت أن تغض البصر ثلاثين يوماً هذا الغض يستمر بعد رمضان،
وإذا ألفت أن تصلي الفجر في المسجد هذا يستمر بعد رمضان،
وإذا ألفت أن تصلي العشاء في جماعة، هذه العبادة تستمر بعد رمضان،
وإذا ألفت أن تضبط لسانك في رمضان، هذا ينبغي أن يستمر بعد رمضان،
أي أراد الله أن ينهض بنا في رمضان، دورة مكثفة، تقوية إرادة، أن تعيش ما يعانيه الفقراء، فالأمر البشري ـ أحياناً يقول لك أحدهم: أنا ضربت عصفورين بحجر ـ فالله عز وجل إذا أمر أمراً فإن مليون هدف يتحقق في آن واحد،
ومن قال لك: إن رمضان فقط يقرب الإنسان من الله ؟
رمضان ـ عملياً ـ صيانة لأجهزة الجسم، لابد منها في كل عام مرة، حينما ترتاح الأجهزة من عبء الهضم، و ثـقل الطعام، فإن النشاط يتجدد،
واقع بعض المسلمين في رمضان:

لكن المسلمين الآن قلبوا الوجبات الدسمة من النهار إلى الليل، ما فعلوا شيئاً جيداً،
والحقيقة أنه يوجد كلام لابد من أن أقوله:
هناك رمضان عند بعض المسلمين ـ لا أقول: عندهم جميعاً، عند بعضهم، و قد يكون عند أكثرهم ـ موسم لقاءات، موسم سهرات، موسم ولائم، موسم سهر إلى ساعة متأخرة من الليل، موسم حديث بلا ضابط، و بلا هدف، فيرتكبون الغيبة و النميمة، ويطلقون أبصارهم، ويتابعون الأفلام إلى ساعة متأخرة من الليل، يأكلون، وينامون، ويستيقظون بعد صلاة الفجر،
لكن يوجد شيء آخر، هناك طبقة مخملية لا تعنينا إطلاقاً، يذهبون إلى خيمات رمضانية،
هذه الخيمة: برنامج ساهر حتى طعام السحور، يبدأ هذا البرنامج بأذان المغرب والإفطار، وينتهي بالرقص والغناء، وهو صائم، وكل البرامج التي لا ترضي الله إنما يذكر في مقدمتها أنها برمجت إكراماً لشهر رمضان،
ابتعد المسلمون.. أصبح رمضان شهر فلكلوري، لا علاقة له بالدين إطلاقاً، شهر تراث وعادات و تقاليد،
فهذا الذي لا يرى رمضان شهر عبادة، شهر غض بصر، شهر ضبط لسان، شهر تلاوة قرآن، شهر إنفاق المال، شهر إحكام الصلة مع الله، شهر الحب، شهر القرب، شهر المغفرة، هذا بعيد عن أن يكون صائماً لأن النبي عليه الصلاة والسلام وصف بعض المنافقين فقال:
مثلهم كالناقة عقلها أهلها فلا تدري لا لِمَ عقلت و لا لِمَ أطلقت.
يصوم مع الناس، و يفطر معهم، و هو على ما هو عليه،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( من لم يدع قول الزور والعملَ به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))

حديث مرفوع صحيح أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه

ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.
أيها الإخوة الكرام، هناك من يصوم فيدافع التدني، جيد، لكن هناك من يصوم فيتابع الترقي، فرق كبير بين من يدافع التدني، وبين من يتابع الترقي، ولكن هناك من يصوم صيام البهائم جوع وعطش، ولا أجر ولا ثواب، لأنه ما فكر أن يغير من سلوكه، ولا من عبادته، ولا من اتصاله بالله عز وجل.
الدعاء

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك،
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين،
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك،
وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 835
تاريخ التسجيل : 29/03/2014
الموقع : gmail.forumalgerie.net

https://gmail.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى