الاتجاهان الانتقائي و التوثيقي و التأويل أخطر شيء في الدين
صفحة 1 من اصل 1
الاتجاهان الانتقائي و التوثيقي و التأويل أخطر شيء في الدين
الاتجاهان الانتقائي و التوثيقي و التأويل أخطر شيء في الدين :
أيها الأخوة الكرام، هناك بعض الحقائق يجب أن تكون بين أيديكم، الحقيقة الأولى هي أن أخطر شيء في الدين اتجاه اسمه اتجاه انتقائي، أن نأخذ منه ما يعجبنا، وأن نغفل ما لا يعجبنا، الاتجاه الانتقائي خطير في الدين، لأن منهج الله عز وجل كلٌ لا يتجزأ، ولن نستطيع أن نقطف ثماره إلا إذا استوعبناه كله، وصدقنا به كله، وطبقناه كله، أما أن نأخذ منه ما هو مريح، ما هو مطمئن، وأن نغفل ما هو مقلق، فهذا ليس من فهم الدين فهماً عميقاً في شيء، هذه الحقيقة الأولى، الاتجاه الانتقائي، وهناك خطر آخر هو الاتجاه التوثيقي، أي شيء من الدنيا لا يرضي الله عز وجل، أقلب في بطون الكتب فلعلي أعثر على نصٍ مع تأويله تأويلاً متكلفاً يغطي هذا السلوك المنحرف، هذا اتجاه موجود، الاتجاه التوثيقي، أخطر شيئين في الدين الاتجاه الانتقائي والاتجاه التوثيقي، ثم إن التأويل أحياناً لغير ما أراد الله عز وجل، الهدف منه من أجل أن نكون في بحبوحة من دنيانا، هذا اتجاه آخر تأويل الجاهلين.
أيها الأخوة الكرام، انطلاقاً من هذه الحقائق الثلاث، وقد بينت لكم في خطبة سابقة أن النبي عليه الصلاة والسلام هو وحده لكرامته عند الله رأى كل شيء، الغيبيات التي كلفنا أن نؤمن بها إخباراً عن الله عز وجل رآها رأي العين:
﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
[سورة النجم : 18]
الجنة والنار رآها رأي العين، ففرق كبير جداً أن تقرأ عن هياج البحر أو أن تعاني من هذا الهياج، ليس العيان كالسماع.
العبور فوق جهنم أصعب أوقات يوم القيامة :
نتابع الموضوعات الثلاثة السابقة التي تتحدث عن اليوم الآخر، وفي هذه الخطبة حديث عن المرحلة قبل الأخيرة في هذا اليوم - يوم القيامة- هي أعثر مراحله وأصعب أوقاته، إنها العبور فوق جهنم من أرض المحشر إلى قنطرة أخرى قبل الجنة، إنها عبور فوق النار كلها:
﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾
[ سورة مريم: 71 ]
قال بعض المفسرين: المؤمن إذا عبر فوق النار ورأى مكانه في النار لو لم يؤمن، ورأى من في النار ممن كانوا في الدنيا يعتدون ويبغون، لعل سعادته في الجنة تتضاعف حينما رأى كيف نجاه ربه من النار، وحينما رأى عدالة الله المطلقة.
أيها الأخوة الكرام، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا اسم العدل.
﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
[ سورة الروم: 11]
﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾
[ سورة طه : 15]
نحن في الدنيا في دار عمل، وقد يعاقب الله بعض المسيئين ردعاً للباقين، وقد يكافئ الله بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، أما رصيد الحساب.
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
[ سورة آل عمران: 185 ]
نحن في دار عمل :
﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾
[ سورة يونس:46]
قد يتاح لك أن ترى نصيب المنحرف وقد لا يتاح لك، لأننا في دار عمل، لكن يوم القيامة يوم الحق، يوم الدينونة، يوم الحكم بين البشر، يوم الجزاء، يوم العقاب، يوم المسؤولية.
أيها الأخوة الكرام، إنه عبور فوق النار كلها، وما أعرض هذه النار، وما أعظم اتساعها، ولو قربنا المعنى لقلنا: إنه عبور فوق الشمس، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، حرارة سطحها ستة آلاف درجة، في باطنها عشرون مليون درجة.
أيها الأخوة، بل إن الشمس كوكب صغير في النار، لا تقبل شيئاً من دون نص صحيح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((الشمس والقمر مكوران يوم القيامة ))
[السيوطي عن أبي هريرة]
إنها بئر عميقة، قد بعد قرارها بعداً لا تستوعبه عقولنا، إلا أن نقيس ذلك البعد فيما بين الكواكب في هذا الكون الفسيح.
مواجهة الحقيقة يوم القيامة :
أيها الأخوة الكرام، دائماً وأبداً يجب أن نواجه الحقيقة، إذا كان أهل الإيمان كرب كل واحد منهم على قدر ذنوبه ومعاصيه، فمن أهل الإيمان من يفتن في قبره ويعذب حتى ينفخ في الصور، ومنهم من يعذب بالنار في محشره في هذا اليوم الطويل العصيب، حتى يقضي الله بين الخلائق، فإن ثمة ما هو أعظم لهم جميعاً وأكبر فتنة وهولاً هو المرور على الصراط والجواز منه إلى الجنة، فإما عبور وسلامة، وإما معاناة طويلة، وإما هوي في نار جهنم إلى غاية لا يعلمها إلا الله وحده.
العاقل من يعمل ليوم القيامة و يتقي الله عز وجل :
مرة ثانية: في آية كريمة يقول الله عز وجل:
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾
[ سورة النجم : 59-61]
هذا كلام ينبغي ألا ننام الليل من أجله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ))
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث الصحيح يقول:
((... وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى...))
[لمحلى بالآثار لابن حزم عن أبي هريرة]
ثم يقول عليه الصلاة والسلام:
((... ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))
[مسلم عن أبي سعيد الخدري]
هذا الصراط الذي ينصب على جهنم ولابد من أن يمر به كل إنسان بحسب إيمانه واستقامته وورعه وإخلاصه ينجو.
((حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَو َالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمِ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا ))
[ابن رجب الحنبلي عن أبي سعيد الخدري]
أيها الأخوة، وقال أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ:
((إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: [ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيم] أيها الأخوة الكرام:
((... ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ))
[مسلم عن أبي سعيد الخدري]
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
[سورة الصافات: 61]
لهذا اليوم العصيب يجب أن نعمل، ونتقي الله عز وجل، اعمل لله بقدر حاجتك إليه، واتقِ النار بقدر صبرك عليها، واعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها.
من يبقى في النار إلى أبد الآبدين :
1 ـ الكفار المشركون :
من الذي يبقى في النار أيها الأخوة؟ يبقى في النار من حبسه القرآن، من هم؟ الذين حبسهم القرآن كثيرون، هم الذين أخبر الله عنهم أنهم مخلدون في النار، أولهم الكفار المشركون، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾
[سورة النساء ا:48]
وقال تعالى:
﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾
[سورة الحجر: 48]
وقال تعالى:
﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[سورة الزخرف: 77]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةِ أَدَمٍ فَقَالَ أَلَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ...))
[مسلم عن عبد الله ]
2 ـ قاتل النفس ظلماً :
ومن الذين حبسهم القرآن في النار إلى أبد الآبدين قاتل النفس ظلماً، الذي لم يتب من ذلك، قال جل وعلا:
﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء : 93]
3 ـ آكل الربا :
والذي حبسه القرآن في جهنم إلى أبد الآبدين آكل الربا الذي مات غير تائبٍ منه، قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
[سورة البقرة : 275]
هؤلاء الذين حبسهم القرآن، هؤلاء لا يحكم فيهم إلا رب العالمين، ولا يخرجون من النار إلا بإذن أحكم الحاكمين.
لحظة في النار تنسي كل نعيم رآه الإنسان في الدنيا :
أيها الأخوة: يقول الله عز وجل:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾
[سورة مريم : 71-72]
أيها الأخوة الكرام: لحظة في النار تنسي كل نعيم رآه الإنسان في الدنيا، عَنْ أَنَسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا - الذي غرق في النعيم، والذي أكل أفخر أنواع الطعام، والذي سكن أجمل البيوت، والذي ركب أجمل المركبات، والذي تزوج بأجمل النساء - مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْـتَ خَـيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ...))
[ مسلم عن أنس بن مالك]
لذلك الإمام علي كرم الله وجهه يقول لابنه:
((ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية ))
ينبغي أن نتقي النار بقدر صبرنا عليها:
((وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا - الفقير المريض المقهور، الذي فقد حريته سنوات طويلة - مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ))
[مسلم عن أنس بن مالك]
﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾
[سورة الزمر: 47]
﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
[سورة لقمان: 33]
لا تروها بحجم أكبر من حجمها، هي عند الله صغيرة، ولو أنها تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، هي منقطعة، هي ساعة.
الـدنيــــا ساعة فاجعلها طاعـــــة
والنفس طمّاعة عوّدها القناعة
***
هؤلاء الذين دخلوا الجنة يُسألون: هل رأيتم شراً قط؟ يقولون: لا والله يا رب، مرحباً بطاعة الله، مرحباً بأداء العبادات أداءً متقناً، مرحباً بغض البصر عن محارم الله، مرحباً بضبط اللسان، مرحباً بتحرير الدخل، مرحباً بترشيد الإنفاق، مرحباً بتربية الأولاد تربية صحيحة، مرحباً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: مرحباً بلزوم مجالس العلم، مرحباً بحمل همّ المؤمنين، بحمل همّ المسلمين، مرحباً بإنفاق المال، هذه أسباب دخول الجنة، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
النساء عامة أهل النار لكفرانهم العشير :
أيها الأخوة الكرام، هؤلاء الذين يمنون أنفسهم في الجنة هم من رواد المساجد، ومن الملتزمين، هؤلاء إذا نظروا إلى أخطائهم وتجاوزاتهم كأنها ذباب وقع على أنف أحدهم، وأنه لو أشار إليه لذبه وطرده، هؤلاء وقعوا في النفاق وهم لا يشعرون، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((... وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
لأن المرأة أحياناً تكفر العشير، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ))
[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]
إن أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: لم أر منك خيراً قط !! هذه المرأة التي تكفر عشرة زوجها، ولا تقيم له مقاماً، ولا تقيم له حقاً، ولا ترعى له ابناً هذه التي تقول له دائماً: ما رأيت منك خيراً قط!! هذه تعذب في النار.
أيها الأخوة الكرام، هـذه المرأة التي تكثر اللعن تظن أن هذا من صغار الذنوب، تضغط على زوجها، دائماً تجعل حياته منغصة، هذه امرأة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها تكفر العشير.
المحاسبة بين المؤمنين :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في مراحل اليوم الآخر، الآن بعد عبور هذا الجسر الذي نصب على النار، وخلوص من خلص من النار من عصاة المؤمنين، تبقى المقاصة بين المؤمنين، نجا من الصراط، نجا من الوقوع في النار، تصفية ما بقي من حساب فيما بينهم، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا ))
[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]
طعنت بمؤمن، كفَّرت مؤمناً، اتهمته ظلماً، اغتبته، هذا بين المؤمنين، هؤلاء الذين سمح الله لهم أن ينجو من الوقوع في النار، لابد من قنطرة ليقتصوا فيما بينهم، هذا الحدث على هذه القنطرة بين النار والجنة قد يطول ببعض العصاة، فكم لكثير من أهل الإيمان حقٌ على إخوانهم المؤمنين؟ اتهمه ظلماً، كفَّره، طعن بأمانته من دون دليل. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ...))
[أبو داود عَنْ عَائِشَةَ]
مجالس النساء، ومجالس الرجال، غيبة ونميمة، وطعن وتفنيد وتجريح، هذه مجالس المسلمين، ما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا وقاموا عن أنتن من جيفة حمار. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ..... ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ: لَهُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))
[ أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
[البخاري عَنْ أَبِي هريرة ]
قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة.
فتح أبواب الجنة و دخول الفقراء قبل الأغنياء :
أيها الأخوة الكرام، هذه المرحلة الأخيرة قبل التصفية النهائية، ثم في نهاية الأمر تفتح أبواب الجنة، فيدخلها الفقراء قبل الأغنياء.
أيها الأخوة، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا...))
[الدارمي عَنْ أَنَسٍ ]
لا تفتح أبواب الجنة حتى يأتي من أعلى الله منزلته في الدنيا والآخرة، ومن جعله الله سيداً للناس أجمعين، وهل يدخل المؤمنون الجنة إلا أن يدخل سيدهم وإمامهم؟ يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله أكرم العباد على الله، يكون أول من يطرق باب الجنة، والناس ينظرون، والمؤمنون ينتظرون، ينادى من داخلها، من رضوان خازنها
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ ))
[ مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]
حينما تفتح أبواب الجنة النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر في الأدب المفرد يقول:
((أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم ))
[ الأدب المفرد للبخاري]
أرأيتم إلى عظم تربية الأولاد !!
أيها الأخوة الكرام، في التعبير الحديث: أولادنا اليوم هم الورقة الرابحة الوحيدة في حياتنا، وهناك كلابيب، كيف أن على النار كلابيب، هناك في الدنيا كلابيب يمكن أن تأخذهم إلى المعصية، صديق سيئ، فيلم سيئ، مجلة سيئة، صورة سيئة، الزموا أولادكم .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا﴾
[سورة التحريم :6]
فتح أبواب الجنة الثمانية :
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ...))
[مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ]
وفي حديث رواه الإمام أحمد والترمذي وصحح:
((أنا أول من يأخذ بحلق باب الجنة فأقعقعها))
[ مجمع الزوائد عن أبي هريرة ]
و تفتح أبواب الجنة الثمانية، ما بين مصراعي الباب الواحد ما بين مكة وهجر البحرين، ولكل باب اسم مخصوص باسم عبادة من العبادات، باب الصلاة، باب الزكاة، باب الصوم الريان، باب الجهاد، باب الوالدين، رعاية الوالدين باب من أبواب الجنة كباب الصلاة والصيام والحج والزكاة، ويصنف أهل الإيمان بحسب درجاتهم في العبادة في الباب الواحد، قد تدخل من باب الصلاة، من باب الصوم، من باب الحج، من باب الإنفاق، من باب الوالدين، وهؤلاء الذين يدخلون من باب واحد يصنفون، وهناك من كرمه الله عز وجل فتناديه الملائكة من كل باب، لأنه أتقن صلاته وصيامه، وحجه وزكاته، وخدمة والديه، وإنفاق ماله لأنه كان من أهل العبادات جميعاً، وكان من السابقين في كل أبواب الخير، باراً بوالديه، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ لِيَ امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ...))
[الترمذي عن أَبُو الدَّرْدَاءِ]
ثم هؤلاء الفقراء الذين يندبون حظهم في الدنيا هم مستقيمون، لكنهم يرون الأغنياء يأكلون ما يشاؤون، يسكنون في بيوت واسعة جداً، ينفقون ما يشاؤون، هؤلاء الفقراء كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام يدخلون أولاً، ويحبس أغنياء المؤمنين نصف يوم، أي خمسمئة عام، لأن اليوم هناك كألف عام، عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ))
[البخاري عَنْ أُسَامَةَ ]
على المرأة أن تتقي إظهار مفاتنها لتدخل الجنة :
هذه المرأة أيها الأخوة التي تظهر مفاتنها في الطريق، والشباب من حولها يملؤون عيونهم من محاسنها، وبين الشاب وبين المرأة في الحلال عشرون عاماً، عشرون عاماً أو ثلاثون بين الشاب وبين الزواج، فهذه المرأة التي تظهر كل مفاتنها، ولا تعبأ بأمر الله عز وجل ولا بشرع ربها:
((وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
أيها الأخوة المسلمون، اتقوا الله في بناتكم، اتقوا الله في زوجاتكم، اتقوا الله في أخواتكم، الفساد العريض، الغرب يحاربنا بالمرأة، بالمرأة وحدها، حينما تنحل أخلاق الإنسان ويصبح جنسي الهدف ينتهي هذا الإنسان، فانتبهوا إلى زوجاتكم، إلى بناتكم، إلى أخواتكم، إلى من يلوذ بكم، هذه المرأة إن لم تكن محجبة تخفي محاسنها، تخفي مفاتنها، لزوجها فقط، ولمحارمها فيما ذكر الفقهاء في ثياب الخدمة، أما أن تبدي كل محاسنها لكل من في الطريق، فهذه ينتهي مصيرها إلى النار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
((قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ إِنَّ بَعْضَنَا لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَنَحْنُ نَسْمَعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ إِذْ وَقَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدَ فِينَا لِيَعُدَّ نَفْسَهُ مَعَهُمْ فَكَفَّ الْقَارِئُ فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ قَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَحَلَّقَ بِهَا يُومِئُ إِلَيْهِمْ أَنْ تَحَلَّقُوا فَاسْتَدَارَتِ الْحَلْقَةُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي قَالَ فَقَالَ: أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الصَّعَالِيكِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَذَلِكَ خَمْسُ مِائَةِ عَام))
[ أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]
الأغنياء يوم القيامة أربع فرق :
وقد ورد أنه يحشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام، حسابه أسرع حساب، فيقال: خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حلال كتجارة مشروعة وأنفقه في حرام، سهرات مختلطة، وسفر، ويملأ عينيه من الحرام، ويغتاب، تجارته مشروعة، جمع المال من حلال وأنفقه في حرام، خذوه إلى النار فوراً، وفريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال، خذوه إلى النار، أما هذا الذي جمع المال من حلال وأنفقه في حلال فقال: قفوه فاسألوه، هل قصَّر بحق جيرانه؟ هل قصَّر بحق أهله؟ هل قال من حوله: يا رب أغنيته بين أظهرنا وقصَّر في حقنا؟ هذا خذوه فاسألوه، فمازال يُسأل ويُسأل، قال عليه الصلاة والسلام:
((أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الصَّعَالِيكِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ))
[ أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]
الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في لمحة رائعة قال: الإيمان باليوم الآخر عقلي، وتفاصيله نقلية. أيعقل أن يعيش الإنسان طوال حياته فقيراً يأكل أخشن الطعام، يرتدي أخشن الثياب، يسكن بأضيق بيت، تحت الأرض، وهو مستقيم على أمر الله، ويعامل كما يعامل من أوتي الملايين المملينة؟ إن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام.
أيها الأخوة الكرام، عنَّ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((... فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا))
[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]
يعرف منزله وينتهي إليه، وقال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
[سورة محمد : 4-6]
الفائز هو من أعدّ العدة ليوم القيامة :
أيها الأخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو من القلب إلى القلب، النجاح كل النجاح، والفوز كل الفوز، والفلاح كل الفلاح، والتفوق كل التفوق، والذكاء كل الذكاء، والعقل كل العقل أن نستعد لهذا اليوم، هل ينجو منه أحد؟ هل نجا منه ملوك؟ الكبار، أصحاب الشأن، الصغار، الأقوياء، الضعفاء، الفقراء، الأصحاء، المرضى..... كل هؤلاء الخلق إلى القبر، القبر صندوق العمل.
أيها الأخوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ))
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ...))
[مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]
أيها الأخوة الكرام: في صحيح البخاري عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:
((أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ - هذا عاش مع رسول الله، من أصحاب النبي، من الذين رضي الله عنهم- قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ قَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ ))
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
[ سورة الحجر: 99]
وقد فُسّر اليقين بالموت، ذلك أن اليقين فسر بالموت لأن الموت متيّقن وقوعه، ولأن الإنسان عند الموت يكشف الحقيقية اليقينية.
﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
[سورة ق : 22]
((.....أما هو فقد جاءه اليقين - كما قال عليه الصلاة والسلام وهو في أعلى مراتب الأدب - وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّه مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ قَالَتْ فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ فَرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ذَلِكِ عَمَلُهُ ))
[ البخاري عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ]
على وجه اليقين ليس إلا الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد هؤلاء المبشرين سيدنا عمر جاء حذيفة بن اليمان ومعه أسماء المنافقين وقال: يا حذيفة بربك اسمي مع المنافقين؟ هذا الذي التقى مع أربعين صحابياً ما منهم واحدٌ إلا ويظن نفسه منافقاً، لشدة خوفهم من الله، ما بال المسلمين اليوم؟ المعاصي والآثام، والدخل فيه شبهة كبيرة جداً، والنساء في اختلاط، وكاسيات وعاريات، ويوجد بالتجارة بضاعة محرمة، ويوجد علاقة ربوية، ويقول لك: نحن مسلمون والحمد لله، نحن من أهل الجنة إن شاء الله! ما هذه الطمأنينة؟ هذه طمأنينة الساذجين، طمأنينة ساذجة، أن تتوهم أنك في مقام وأنت لست فيه.
على الإنسان أن يسأل الله الرحمة و إن كان عمله طيباً :
أيها الأخوة الكرام، حتى وإن كان عملك طيباً ينبغي أن تسأل الله أن يرحمك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
الآن دققوا: يوجد حساب قديم بينك وبين أخيك، نسيه هو ونسيته أنت، يوجد غيبة قديمة ذكرت أنت شيئاً ليس فيه هو بريء منه، فأنت إن لم تتحلل منه اليوم إما في عرضه أو في ماله، في عرضه أي في سمعته، كم منا من يتهم مسلماً اتهاماً باطلاً من دون تحقيق ومن دون دليل؟ قال عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ))
أرأيت إلى هذا العدل المطلق؟ تكلمت عن أخيك، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
(( حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))
[الترمذي عَنْ عَائِشَةَ ]
أيها الأخوة، هذا التسيّب، وهذه البحبوحة في السلوك نأكل ما نشاء، وننظر إلى من نشاء، ونملأ العيون من الحرام، نطلق اللسان بما لا يرضي الله، ونحن نصلي ونأتي المساجد ونظن أننا من أهل الجنة، هذه حقائق.
ما جاء في القرآن حق يقين وما قاله النبي حق يقين :
أيها الأخوة، القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ما جاء في القرآن حق يقين، وما قاله النبي عليه الصلاة والسلام حق يقين.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[ سورة النجم : 3-4]
أيها الأخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الخطب الأربع حافزاً لنا على التدقيق في سلوكنا، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، وفي كسب أموالنا، وفي إنفاق أموالنا، وفي خروج بناتنا في الطريق، وفي حجاب زوجاتنا، وفي سماع آذاننا، هل نستمع إلى الغناء ونقول: هذه من الصغائر؟ وفي ضبط ألسنتنا، وإلا فالتفاؤل تفاؤل أبله وساذج، ولا قيمة له إطلاقاً.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإعجاز في قوله تعالى : ولبثوا في كهفهم ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعاً :
أيها الأخوة الكرام، من إعجاز القرآن العلمي أن السنة الشمسية التي تسمى بالسنة الانقلابية هي مدة تنقضي بين مرورين متتاليين للشمس في نقطة اعتدال واحد، مقدار هذه السنة ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً، وألف وأربعمئة واثنان وعشرون بعد الفاصلة، هذه السنة الشمسية بالدقة، بمرورها يحدث الصيف والخريف والشتاء والربيع، أما السنة القمرية فتتكون من ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوماً، وبعد الفاصلة ستة وثلاثون ألفًا وسبعمئة وثمانون، وهي المدة بين كسوفين متواليين مقسومة على عدد الحركات القمرية الدائرية، والفرق بين السنة الشمسية والقمرية عشرة أيام، وبعد الفاصلة ثمانمئة وخمسة وسبعون ألفًا ومئة وسبعة وثلاثون، وبذلك يقع في كل ثلاث وثلاثين سنة فرق يقدر بثلاثمئة وثمانية وخمسين يوماً، أو نحو سنة تقريباً، وعلى ذلك فإن كل مئة سنة تزيد ثلاث سنوات، وتكون الثلاثمئة سنة الشمسية يقابلها ثلاثمئة وتسع سنوات قمرية، هذا حساب الفلكيين الدقيق، ستة أرقام بعد الفاصلة، وهذه الحقيقة الكونية ثابتة التي اطمأن إليها العلم الحديث واستقر عليها، سبق إليها القرآن في سرده لقصة أصحاب الكهف في قوله تعالى:
﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ﴾
[ سورة الكهف : 25]
هذه شمسية.
﴿وَازْدَادُوا تِسْعاً ﴾
[ سورة الكهف : 25]
قمرية، شيء دقيق جداً، بحسابات دقيقة بمراصد عملاقة، بحسابات فلكية بالغة الدقة بستة أرقام بعد الفاصلة، بعد الحساب الدقيق الثلاثمئة سنة الشمسية تساوي ثلاثمئة وتسع سنوات قمرية.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا به مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، ونعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، اللهم انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وفي جنوبها، وفي الأراضي المحتلة يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين
أيها الأخوة الكرام، هناك بعض الحقائق يجب أن تكون بين أيديكم، الحقيقة الأولى هي أن أخطر شيء في الدين اتجاه اسمه اتجاه انتقائي، أن نأخذ منه ما يعجبنا، وأن نغفل ما لا يعجبنا، الاتجاه الانتقائي خطير في الدين، لأن منهج الله عز وجل كلٌ لا يتجزأ، ولن نستطيع أن نقطف ثماره إلا إذا استوعبناه كله، وصدقنا به كله، وطبقناه كله، أما أن نأخذ منه ما هو مريح، ما هو مطمئن، وأن نغفل ما هو مقلق، فهذا ليس من فهم الدين فهماً عميقاً في شيء، هذه الحقيقة الأولى، الاتجاه الانتقائي، وهناك خطر آخر هو الاتجاه التوثيقي، أي شيء من الدنيا لا يرضي الله عز وجل، أقلب في بطون الكتب فلعلي أعثر على نصٍ مع تأويله تأويلاً متكلفاً يغطي هذا السلوك المنحرف، هذا اتجاه موجود، الاتجاه التوثيقي، أخطر شيئين في الدين الاتجاه الانتقائي والاتجاه التوثيقي، ثم إن التأويل أحياناً لغير ما أراد الله عز وجل، الهدف منه من أجل أن نكون في بحبوحة من دنيانا، هذا اتجاه آخر تأويل الجاهلين.
أيها الأخوة الكرام، انطلاقاً من هذه الحقائق الثلاث، وقد بينت لكم في خطبة سابقة أن النبي عليه الصلاة والسلام هو وحده لكرامته عند الله رأى كل شيء، الغيبيات التي كلفنا أن نؤمن بها إخباراً عن الله عز وجل رآها رأي العين:
﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
[سورة النجم : 18]
الجنة والنار رآها رأي العين، ففرق كبير جداً أن تقرأ عن هياج البحر أو أن تعاني من هذا الهياج، ليس العيان كالسماع.
العبور فوق جهنم أصعب أوقات يوم القيامة :
نتابع الموضوعات الثلاثة السابقة التي تتحدث عن اليوم الآخر، وفي هذه الخطبة حديث عن المرحلة قبل الأخيرة في هذا اليوم - يوم القيامة- هي أعثر مراحله وأصعب أوقاته، إنها العبور فوق جهنم من أرض المحشر إلى قنطرة أخرى قبل الجنة، إنها عبور فوق النار كلها:
﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾
[ سورة مريم: 71 ]
قال بعض المفسرين: المؤمن إذا عبر فوق النار ورأى مكانه في النار لو لم يؤمن، ورأى من في النار ممن كانوا في الدنيا يعتدون ويبغون، لعل سعادته في الجنة تتضاعف حينما رأى كيف نجاه ربه من النار، وحينما رأى عدالة الله المطلقة.
أيها الأخوة الكرام، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا اسم العدل.
﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
[ سورة الروم: 11]
﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾
[ سورة طه : 15]
نحن في الدنيا في دار عمل، وقد يعاقب الله بعض المسيئين ردعاً للباقين، وقد يكافئ الله بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، أما رصيد الحساب.
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
[ سورة آل عمران: 185 ]
نحن في دار عمل :
﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾
[ سورة يونس:46]
قد يتاح لك أن ترى نصيب المنحرف وقد لا يتاح لك، لأننا في دار عمل، لكن يوم القيامة يوم الحق، يوم الدينونة، يوم الحكم بين البشر، يوم الجزاء، يوم العقاب، يوم المسؤولية.
أيها الأخوة الكرام، إنه عبور فوق النار كلها، وما أعرض هذه النار، وما أعظم اتساعها، ولو قربنا المعنى لقلنا: إنه عبور فوق الشمس، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، حرارة سطحها ستة آلاف درجة، في باطنها عشرون مليون درجة.
أيها الأخوة، بل إن الشمس كوكب صغير في النار، لا تقبل شيئاً من دون نص صحيح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((الشمس والقمر مكوران يوم القيامة ))
[السيوطي عن أبي هريرة]
إنها بئر عميقة، قد بعد قرارها بعداً لا تستوعبه عقولنا، إلا أن نقيس ذلك البعد فيما بين الكواكب في هذا الكون الفسيح.
مواجهة الحقيقة يوم القيامة :
أيها الأخوة الكرام، دائماً وأبداً يجب أن نواجه الحقيقة، إذا كان أهل الإيمان كرب كل واحد منهم على قدر ذنوبه ومعاصيه، فمن أهل الإيمان من يفتن في قبره ويعذب حتى ينفخ في الصور، ومنهم من يعذب بالنار في محشره في هذا اليوم الطويل العصيب، حتى يقضي الله بين الخلائق، فإن ثمة ما هو أعظم لهم جميعاً وأكبر فتنة وهولاً هو المرور على الصراط والجواز منه إلى الجنة، فإما عبور وسلامة، وإما معاناة طويلة، وإما هوي في نار جهنم إلى غاية لا يعلمها إلا الله وحده.
العاقل من يعمل ليوم القيامة و يتقي الله عز وجل :
مرة ثانية: في آية كريمة يقول الله عز وجل:
﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾
[ سورة النجم : 59-61]
هذا كلام ينبغي ألا ننام الليل من أجله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ))
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث الصحيح يقول:
((... وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى...))
[لمحلى بالآثار لابن حزم عن أبي هريرة]
ثم يقول عليه الصلاة والسلام:
((... ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ قَالَ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))
[مسلم عن أبي سعيد الخدري]
هذا الصراط الذي ينصب على جهنم ولابد من أن يمر به كل إنسان بحسب إيمانه واستقامته وورعه وإخلاصه ينجو.
((حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَو َالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمِ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا ))
[ابن رجب الحنبلي عن أبي سعيد الخدري]
أيها الأخوة، وقال أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ:
((إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: [ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيم] أيها الأخوة الكرام:
((... ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ))
[مسلم عن أبي سعيد الخدري]
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
[سورة الصافات: 61]
لهذا اليوم العصيب يجب أن نعمل، ونتقي الله عز وجل، اعمل لله بقدر حاجتك إليه، واتقِ النار بقدر صبرك عليها، واعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها.
من يبقى في النار إلى أبد الآبدين :
1 ـ الكفار المشركون :
من الذي يبقى في النار أيها الأخوة؟ يبقى في النار من حبسه القرآن، من هم؟ الذين حبسهم القرآن كثيرون، هم الذين أخبر الله عنهم أنهم مخلدون في النار، أولهم الكفار المشركون، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾
[سورة النساء ا:48]
وقال تعالى:
﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾
[سورة الحجر: 48]
وقال تعالى:
﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[سورة الزخرف: 77]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةِ أَدَمٍ فَقَالَ أَلَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ...))
[مسلم عن عبد الله ]
2 ـ قاتل النفس ظلماً :
ومن الذين حبسهم القرآن في النار إلى أبد الآبدين قاتل النفس ظلماً، الذي لم يتب من ذلك، قال جل وعلا:
﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء : 93]
3 ـ آكل الربا :
والذي حبسه القرآن في جهنم إلى أبد الآبدين آكل الربا الذي مات غير تائبٍ منه، قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
[سورة البقرة : 275]
هؤلاء الذين حبسهم القرآن، هؤلاء لا يحكم فيهم إلا رب العالمين، ولا يخرجون من النار إلا بإذن أحكم الحاكمين.
لحظة في النار تنسي كل نعيم رآه الإنسان في الدنيا :
أيها الأخوة: يقول الله عز وجل:
﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ﴾
[سورة مريم : 71-72]
أيها الأخوة الكرام: لحظة في النار تنسي كل نعيم رآه الإنسان في الدنيا، عَنْ أَنَسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا - الذي غرق في النعيم، والذي أكل أفخر أنواع الطعام، والذي سكن أجمل البيوت، والذي ركب أجمل المركبات، والذي تزوج بأجمل النساء - مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْـتَ خَـيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ...))
[ مسلم عن أنس بن مالك]
لذلك الإمام علي كرم الله وجهه يقول لابنه:
((ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية ))
ينبغي أن نتقي النار بقدر صبرنا عليها:
((وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا - الفقير المريض المقهور، الذي فقد حريته سنوات طويلة - مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ))
[مسلم عن أنس بن مالك]
﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾
[سورة الزمر: 47]
﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
[سورة لقمان: 33]
لا تروها بحجم أكبر من حجمها، هي عند الله صغيرة، ولو أنها تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، هي منقطعة، هي ساعة.
الـدنيــــا ساعة فاجعلها طاعـــــة
والنفس طمّاعة عوّدها القناعة
***
هؤلاء الذين دخلوا الجنة يُسألون: هل رأيتم شراً قط؟ يقولون: لا والله يا رب، مرحباً بطاعة الله، مرحباً بأداء العبادات أداءً متقناً، مرحباً بغض البصر عن محارم الله، مرحباً بضبط اللسان، مرحباً بتحرير الدخل، مرحباً بترشيد الإنفاق، مرحباً بتربية الأولاد تربية صحيحة، مرحباً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: مرحباً بلزوم مجالس العلم، مرحباً بحمل همّ المؤمنين، بحمل همّ المسلمين، مرحباً بإنفاق المال، هذه أسباب دخول الجنة، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
النساء عامة أهل النار لكفرانهم العشير :
أيها الأخوة الكرام، هؤلاء الذين يمنون أنفسهم في الجنة هم من رواد المساجد، ومن الملتزمين، هؤلاء إذا نظروا إلى أخطائهم وتجاوزاتهم كأنها ذباب وقع على أنف أحدهم، وأنه لو أشار إليه لذبه وطرده، هؤلاء وقعوا في النفاق وهم لا يشعرون، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((... وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
لأن المرأة أحياناً تكفر العشير، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ))
[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]
إن أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: لم أر منك خيراً قط !! هذه المرأة التي تكفر عشرة زوجها، ولا تقيم له مقاماً، ولا تقيم له حقاً، ولا ترعى له ابناً هذه التي تقول له دائماً: ما رأيت منك خيراً قط!! هذه تعذب في النار.
أيها الأخوة الكرام، هـذه المرأة التي تكثر اللعن تظن أن هذا من صغار الذنوب، تضغط على زوجها، دائماً تجعل حياته منغصة، هذه امرأة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها تكفر العشير.
المحاسبة بين المؤمنين :
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في مراحل اليوم الآخر، الآن بعد عبور هذا الجسر الذي نصب على النار، وخلوص من خلص من النار من عصاة المؤمنين، تبقى المقاصة بين المؤمنين، نجا من الصراط، نجا من الوقوع في النار، تصفية ما بقي من حساب فيما بينهم، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا ))
[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]
طعنت بمؤمن، كفَّرت مؤمناً، اتهمته ظلماً، اغتبته، هذا بين المؤمنين، هؤلاء الذين سمح الله لهم أن ينجو من الوقوع في النار، لابد من قنطرة ليقتصوا فيما بينهم، هذا الحدث على هذه القنطرة بين النار والجنة قد يطول ببعض العصاة، فكم لكثير من أهل الإيمان حقٌ على إخوانهم المؤمنين؟ اتهمه ظلماً، كفَّره، طعن بأمانته من دون دليل. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ...))
[أبو داود عَنْ عَائِشَةَ]
مجالس النساء، ومجالس الرجال، غيبة ونميمة، وطعن وتفنيد وتجريح، هذه مجالس المسلمين، ما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا وقاموا عن أنتن من جيفة حمار. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ..... ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ: لَهُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))
[ أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
[البخاري عَنْ أَبِي هريرة ]
قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة.
فتح أبواب الجنة و دخول الفقراء قبل الأغنياء :
أيها الأخوة الكرام، هذه المرحلة الأخيرة قبل التصفية النهائية، ثم في نهاية الأمر تفتح أبواب الجنة، فيدخلها الفقراء قبل الأغنياء.
أيها الأخوة، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا...))
[الدارمي عَنْ أَنَسٍ ]
لا تفتح أبواب الجنة حتى يأتي من أعلى الله منزلته في الدنيا والآخرة، ومن جعله الله سيداً للناس أجمعين، وهل يدخل المؤمنون الجنة إلا أن يدخل سيدهم وإمامهم؟ يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله أكرم العباد على الله، يكون أول من يطرق باب الجنة، والناس ينظرون، والمؤمنون ينتظرون، ينادى من داخلها، من رضوان خازنها
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ ))
[ مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]
حينما تفتح أبواب الجنة النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر في الأدب المفرد يقول:
((أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم ))
[ الأدب المفرد للبخاري]
أرأيتم إلى عظم تربية الأولاد !!
أيها الأخوة الكرام، في التعبير الحديث: أولادنا اليوم هم الورقة الرابحة الوحيدة في حياتنا، وهناك كلابيب، كيف أن على النار كلابيب، هناك في الدنيا كلابيب يمكن أن تأخذهم إلى المعصية، صديق سيئ، فيلم سيئ، مجلة سيئة، صورة سيئة، الزموا أولادكم .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا﴾
[سورة التحريم :6]
فتح أبواب الجنة الثمانية :
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ...))
[مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ]
وفي حديث رواه الإمام أحمد والترمذي وصحح:
((أنا أول من يأخذ بحلق باب الجنة فأقعقعها))
[ مجمع الزوائد عن أبي هريرة ]
و تفتح أبواب الجنة الثمانية، ما بين مصراعي الباب الواحد ما بين مكة وهجر البحرين، ولكل باب اسم مخصوص باسم عبادة من العبادات، باب الصلاة، باب الزكاة، باب الصوم الريان، باب الجهاد، باب الوالدين، رعاية الوالدين باب من أبواب الجنة كباب الصلاة والصيام والحج والزكاة، ويصنف أهل الإيمان بحسب درجاتهم في العبادة في الباب الواحد، قد تدخل من باب الصلاة، من باب الصوم، من باب الحج، من باب الإنفاق، من باب الوالدين، وهؤلاء الذين يدخلون من باب واحد يصنفون، وهناك من كرمه الله عز وجل فتناديه الملائكة من كل باب، لأنه أتقن صلاته وصيامه، وحجه وزكاته، وخدمة والديه، وإنفاق ماله لأنه كان من أهل العبادات جميعاً، وكان من السابقين في كل أبواب الخير، باراً بوالديه، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ لِيَ امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ...))
[الترمذي عن أَبُو الدَّرْدَاءِ]
ثم هؤلاء الفقراء الذين يندبون حظهم في الدنيا هم مستقيمون، لكنهم يرون الأغنياء يأكلون ما يشاؤون، يسكنون في بيوت واسعة جداً، ينفقون ما يشاؤون، هؤلاء الفقراء كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام يدخلون أولاً، ويحبس أغنياء المؤمنين نصف يوم، أي خمسمئة عام، لأن اليوم هناك كألف عام، عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ))
[البخاري عَنْ أُسَامَةَ ]
على المرأة أن تتقي إظهار مفاتنها لتدخل الجنة :
هذه المرأة أيها الأخوة التي تظهر مفاتنها في الطريق، والشباب من حولها يملؤون عيونهم من محاسنها، وبين الشاب وبين المرأة في الحلال عشرون عاماً، عشرون عاماً أو ثلاثون بين الشاب وبين الزواج، فهذه المرأة التي تظهر كل مفاتنها، ولا تعبأ بأمر الله عز وجل ولا بشرع ربها:
((وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ))
[ مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ]
أيها الأخوة المسلمون، اتقوا الله في بناتكم، اتقوا الله في زوجاتكم، اتقوا الله في أخواتكم، الفساد العريض، الغرب يحاربنا بالمرأة، بالمرأة وحدها، حينما تنحل أخلاق الإنسان ويصبح جنسي الهدف ينتهي هذا الإنسان، فانتبهوا إلى زوجاتكم، إلى بناتكم، إلى أخواتكم، إلى من يلوذ بكم، هذه المرأة إن لم تكن محجبة تخفي محاسنها، تخفي مفاتنها، لزوجها فقط، ولمحارمها فيما ذكر الفقهاء في ثياب الخدمة، أما أن تبدي كل محاسنها لكل من في الطريق، فهذه ينتهي مصيرها إلى النار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
((قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ إِنَّ بَعْضَنَا لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَنَحْنُ نَسْمَعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ إِذْ وَقَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدَ فِينَا لِيَعُدَّ نَفْسَهُ مَعَهُمْ فَكَفَّ الْقَارِئُ فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ قَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَحَلَّقَ بِهَا يُومِئُ إِلَيْهِمْ أَنْ تَحَلَّقُوا فَاسْتَدَارَتِ الْحَلْقَةُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي قَالَ فَقَالَ: أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الصَّعَالِيكِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَذَلِكَ خَمْسُ مِائَةِ عَام))
[ أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]
الأغنياء يوم القيامة أربع فرق :
وقد ورد أنه يحشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام، حسابه أسرع حساب، فيقال: خذوه إلى النار، وفريق جمع المال من حلال كتجارة مشروعة وأنفقه في حرام، سهرات مختلطة، وسفر، ويملأ عينيه من الحرام، ويغتاب، تجارته مشروعة، جمع المال من حلال وأنفقه في حرام، خذوه إلى النار فوراً، وفريق جمع المال من حرام وأنفقه في حلال، خذوه إلى النار، أما هذا الذي جمع المال من حلال وأنفقه في حلال فقال: قفوه فاسألوه، هل قصَّر بحق جيرانه؟ هل قصَّر بحق أهله؟ هل قال من حوله: يا رب أغنيته بين أظهرنا وقصَّر في حقنا؟ هذا خذوه فاسألوه، فمازال يُسأل ويُسأل، قال عليه الصلاة والسلام:
((أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الصَّعَالِيكِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ))
[ أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]
الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في لمحة رائعة قال: الإيمان باليوم الآخر عقلي، وتفاصيله نقلية. أيعقل أن يعيش الإنسان طوال حياته فقيراً يأكل أخشن الطعام، يرتدي أخشن الثياب، يسكن بأضيق بيت، تحت الأرض، وهو مستقيم على أمر الله، ويعامل كما يعامل من أوتي الملايين المملينة؟ إن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام.
أيها الأخوة الكرام، عنَّ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((... فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا))
[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]
يعرف منزله وينتهي إليه، وقال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
[سورة محمد : 4-6]
الفائز هو من أعدّ العدة ليوم القيامة :
أيها الأخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو من القلب إلى القلب، النجاح كل النجاح، والفوز كل الفوز، والفلاح كل الفلاح، والتفوق كل التفوق، والذكاء كل الذكاء، والعقل كل العقل أن نستعد لهذا اليوم، هل ينجو منه أحد؟ هل نجا منه ملوك؟ الكبار، أصحاب الشأن، الصغار، الأقوياء، الضعفاء، الفقراء، الأصحاء، المرضى..... كل هؤلاء الخلق إلى القبر، القبر صندوق العمل.
أيها الأخوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ))
[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ...))
[مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]
أيها الأخوة الكرام: في صحيح البخاري عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:
((أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ - هذا عاش مع رسول الله، من أصحاب النبي، من الذين رضي الله عنهم- قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ قَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ ))
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
[ سورة الحجر: 99]
وقد فُسّر اليقين بالموت، ذلك أن اليقين فسر بالموت لأن الموت متيّقن وقوعه، ولأن الإنسان عند الموت يكشف الحقيقية اليقينية.
﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
[سورة ق : 22]
((.....أما هو فقد جاءه اليقين - كما قال عليه الصلاة والسلام وهو في أعلى مراتب الأدب - وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّه مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ قَالَتْ فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ فَرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ذَلِكِ عَمَلُهُ ))
[ البخاري عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ]
على وجه اليقين ليس إلا الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد هؤلاء المبشرين سيدنا عمر جاء حذيفة بن اليمان ومعه أسماء المنافقين وقال: يا حذيفة بربك اسمي مع المنافقين؟ هذا الذي التقى مع أربعين صحابياً ما منهم واحدٌ إلا ويظن نفسه منافقاً، لشدة خوفهم من الله، ما بال المسلمين اليوم؟ المعاصي والآثام، والدخل فيه شبهة كبيرة جداً، والنساء في اختلاط، وكاسيات وعاريات، ويوجد بالتجارة بضاعة محرمة، ويوجد علاقة ربوية، ويقول لك: نحن مسلمون والحمد لله، نحن من أهل الجنة إن شاء الله! ما هذه الطمأنينة؟ هذه طمأنينة الساذجين، طمأنينة ساذجة، أن تتوهم أنك في مقام وأنت لست فيه.
على الإنسان أن يسأل الله الرحمة و إن كان عمله طيباً :
أيها الأخوة الكرام، حتى وإن كان عملك طيباً ينبغي أن تسأل الله أن يرحمك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
الآن دققوا: يوجد حساب قديم بينك وبين أخيك، نسيه هو ونسيته أنت، يوجد غيبة قديمة ذكرت أنت شيئاً ليس فيه هو بريء منه، فأنت إن لم تتحلل منه اليوم إما في عرضه أو في ماله، في عرضه أي في سمعته، كم منا من يتهم مسلماً اتهاماً باطلاً من دون تحقيق ومن دون دليل؟ قال عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ))
أرأيت إلى هذا العدل المطلق؟ تكلمت عن أخيك، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
(( حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))
[الترمذي عَنْ عَائِشَةَ ]
أيها الأخوة، هذا التسيّب، وهذه البحبوحة في السلوك نأكل ما نشاء، وننظر إلى من نشاء، ونملأ العيون من الحرام، نطلق اللسان بما لا يرضي الله، ونحن نصلي ونأتي المساجد ونظن أننا من أهل الجنة، هذه حقائق.
ما جاء في القرآن حق يقين وما قاله النبي حق يقين :
أيها الأخوة، القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ما جاء في القرآن حق يقين، وما قاله النبي عليه الصلاة والسلام حق يقين.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[ سورة النجم : 3-4]
أيها الأخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الخطب الأربع حافزاً لنا على التدقيق في سلوكنا، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، وفي كسب أموالنا، وفي إنفاق أموالنا، وفي خروج بناتنا في الطريق، وفي حجاب زوجاتنا، وفي سماع آذاننا، هل نستمع إلى الغناء ونقول: هذه من الصغائر؟ وفي ضبط ألسنتنا، وإلا فالتفاؤل تفاؤل أبله وساذج، ولا قيمة له إطلاقاً.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإعجاز في قوله تعالى : ولبثوا في كهفهم ثلاثمئة سنين وازدادوا تسعاً :
أيها الأخوة الكرام، من إعجاز القرآن العلمي أن السنة الشمسية التي تسمى بالسنة الانقلابية هي مدة تنقضي بين مرورين متتاليين للشمس في نقطة اعتدال واحد، مقدار هذه السنة ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً، وألف وأربعمئة واثنان وعشرون بعد الفاصلة، هذه السنة الشمسية بالدقة، بمرورها يحدث الصيف والخريف والشتاء والربيع، أما السنة القمرية فتتكون من ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوماً، وبعد الفاصلة ستة وثلاثون ألفًا وسبعمئة وثمانون، وهي المدة بين كسوفين متواليين مقسومة على عدد الحركات القمرية الدائرية، والفرق بين السنة الشمسية والقمرية عشرة أيام، وبعد الفاصلة ثمانمئة وخمسة وسبعون ألفًا ومئة وسبعة وثلاثون، وبذلك يقع في كل ثلاث وثلاثين سنة فرق يقدر بثلاثمئة وثمانية وخمسين يوماً، أو نحو سنة تقريباً، وعلى ذلك فإن كل مئة سنة تزيد ثلاث سنوات، وتكون الثلاثمئة سنة الشمسية يقابلها ثلاثمئة وتسع سنوات قمرية، هذا حساب الفلكيين الدقيق، ستة أرقام بعد الفاصلة، وهذه الحقيقة الكونية ثابتة التي اطمأن إليها العلم الحديث واستقر عليها، سبق إليها القرآن في سرده لقصة أصحاب الكهف في قوله تعالى:
﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ﴾
[ سورة الكهف : 25]
هذه شمسية.
﴿وَازْدَادُوا تِسْعاً ﴾
[ سورة الكهف : 25]
قمرية، شيء دقيق جداً، بحسابات دقيقة بمراصد عملاقة، بحسابات فلكية بالغة الدقة بستة أرقام بعد الفاصلة، بعد الحساب الدقيق الثلاثمئة سنة الشمسية تساوي ثلاثمئة وتسع سنوات قمرية.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا به مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، ونعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، اللهم انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وفي جنوبها، وفي الأراضي المحتلة يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» كليات الدين .
» تطابق المعطيات العلمية مع حقيقة هذا الدين.
» ورد في الأثر: تعلموا العربية فإنها من الدين.
» كثيرةٌ هي الكتب النّفسية والاجتماعيّة التي تطرقّت لعلاقة الدين بالأمن الروحي والنّفسي la paix spirituelle et psychologiqueللإنسان، وتتّفق كلّها على أنّ القلق هو السبب الرئيسي في اضطربات الحياة النّفسيّة.
» تطابق المعطيات العلمية مع حقيقة هذا الدين.
» ورد في الأثر: تعلموا العربية فإنها من الدين.
» كثيرةٌ هي الكتب النّفسية والاجتماعيّة التي تطرقّت لعلاقة الدين بالأمن الروحي والنّفسي la paix spirituelle et psychologiqueللإنسان، وتتّفق كلّها على أنّ القلق هو السبب الرئيسي في اضطربات الحياة النّفسيّة.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى