خـارطة الإسلام .. هل هي قابلة للتعديل ؟!
صفحة 1 من اصل 1
خـارطة الإسلام .. هل هي قابلة للتعديل ؟!
مقالات وبحوث مميزة
فكذلك الحال فيمن غير ترتيب خارطة الإسلام , ورفع بعض أجزائها حتى جعلها تتبوأ رأس الهرم أو أنزل بعض الأجزاء عن مكانها المحدد ,فإن ذلك سيغير من صورة خارطة الإسلام وشكلها لا محالة .
[size=31]خـارطة الإسلام .. هل هي قابلة للتعديل ؟![/size]
سلطان بن عبدالرحمن العميري
سلطان بن عبدالرحمن العميري
الإسلام ليس مجرد أحكام مبعثرة يطلب من الناس الالتزام بها , ولا هو مجرد قطع متناثرة على الأرض يمكن للإنسان أن يحركها كيف يشاء , وليس هو عبارة عن طوابق يمكن أن يفصل بعضها عن بعض , وإنما هو عبارة عن بنيان مرصوص ومتكامل ومتناسق في أجزائه , وكيان متداخل في مكوناته , وكل لبنة فيه موضوعة في موضعها الأكمل بحكمة وعناية , فالمشرع الحكيم في بنائه للمنظومة الإسلامية لم يكتف بمجرد تقرير الأحكام التشريعية فحسب , وإنما اهتم أيضا برسم صورة دقيقة لخارطة تلك الأحكام , بحيث تكون كل قطعة فيها متواضعة في المكان الأتقن والأجمل .
فالله سبحانه الذي أبدع في خلق الكون , وأتقن صنعة كل جزء منه , وقدر فيه كل شيء تقديرا , هو الذي أتقن بنيان خارطة الإسلام وأحكم ترتيب صورته الهرمية , وقدر فيها كل شيء تقديرا .
فالله سبحانه الذي أبدع في خلق الكون , وأتقن صنعة كل جزء منه , وقدر فيه كل شيء تقديرا , هو الذي أتقن بنيان خارطة الإسلام وأحكم ترتيب صورته الهرمية , وقدر فيها كل شيء تقديرا .
إن قوة الإسلام وجماله وتميزه ليست في أحكامه التشريعية فحسب , وإنما هي في بنيانه الجميل وخارطته المرسومة بإتقان , فأصبح لها رونق وجمال لامع .
فنحن مع الإسلام لسنا أمام مواد قانونية منفصل بعضها عن بعض ,وإنما أمام خارطة ضخمة , أُمرنا بالإبقاء على معالمها والالتزام بحدودها وإشاراتها , فكما أنه يجب علينا نحن المسلمين التمسك بإحكام الشريعة , فإنه يجب علينا الاحتفاظ بخارطة الإسلام كما رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم , فلا نضيف إليها شيئا ولا نلغي منها جزءا , ولا نغير من أماكن أجزائها .
وفهم خارطة الإسلام مبني بشكل أساسي على تحديد الهدف الأولي من رسالة الدين , وهو بلا شك تحقيق العبودية لله في الأرض , كما تضافرت الأدلة الكثيرة على ذلك , وعلى ترتيب أولويات الدين التشريعية , ومعرفة مرتبة كل واحدة منها , ومتى ما وقع الخلل في فهم الغاية الأولية من رسالة الإسلام أو الخلل في ترتيب أولوياته التشريعية , فإن الخلل سيقع لا محالة في صورة الخريطة التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم .
إن عملية فهم الإسلام وفهم الحقيقة الكلية الجامعة لتعاليمه بالغة الأهمية والضرورة , ولكنه في الوقت نفسه خطر جدا , إنه عمل كبير وعظيم , ولكنه في غاية الحساسية ؛ إذ صحة هذا التصور وخطؤه لها أبعاد على أجزاء الدين وطبيعة العلاقة بينها , فإذا كان هذا التصور خاطئا ستكون النظرة إلى خارطة الإسلام وبنيانه الهرمي خاطئة[1].
ومع أن الشريعة بينت الهدف الأولي منها بشكل ظاهر جدا , ورسمت الترتيب الهرمي لأولوياتها بوضوح , إلا أن الخطأ في تحديد ذلك قد حصل من بعض الباحثين , وذلك راجع إلى أسباب كثيرة , ومن أهمها : الدخول إلى فهم الإسلام من نافذة إصلاح الخطأ الجزئي والاستغراق فيه , أو الدخول من نافذة الدفاع عن الإسلام ضد تهم مخالفيه له , أو الدخول من نافذة ضغط اللحظة الراهنة , أو الدخول من نافذة التأثر بمنظومات لها أولويات مغايرة لأولويات المنظومة الإسلامية .
ومع أن الشريعة بينت الهدف الأولي منها بشكل ظاهر جدا , ورسمت الترتيب الهرمي لأولوياتها بوضوح , إلا أن الخطأ في تحديد ذلك قد حصل من بعض الباحثين , وذلك راجع إلى أسباب كثيرة , ومن أهمها : الدخول إلى فهم الإسلام من نافذة إصلاح الخطأ الجزئي والاستغراق فيه , أو الدخول من نافذة الدفاع عن الإسلام ضد تهم مخالفيه له , أو الدخول من نافذة ضغط اللحظة الراهنة , أو الدخول من نافذة التأثر بمنظومات لها أولويات مغايرة لأولويات المنظومة الإسلامية .
فهذه الأسباب أو بعضها تجعل الذهن يتوجه إلى ما يناسبها في خارطة الإسلام , وتعطي له الأولوية , وتؤدي إلى صياغة مفهوم للإسلام وأهدافه وترتيب أولوياته على النسق الذي ينسجم معها .
ولا يكاد يجد المرء صعوبة في الوقوف على الأمثلة الواقعية التي تكشف عن بعض معالم الخطأ في فهم رسالة الإسلام وتحديد معالم خارطته , وقد تميز عصرنا الحاضر بكثرة الكتابات التي تتحدث عن فهم حقيقة الإسلام , وعن رسالته في الوجود , وعن مقوماته وخصائصه وأولوياته , واشترك في ذلك أطياف مختلفة من الإسلاميين والمستشرقين وغيرهم , وقدمت رؤى وأفكار مختلفة حول الموضوع , وحصل ما يمكن أن يسمى "فوضى تفسير الإسلام" .
فحين رأى بعض الإسلاميين ما يعانيه العالم الإسلامي من التخلف الحضاري والانحطاط النهضوي , وأراد إصلاح ذلك , ذهب إلى قضية عمارة الأرض وجعلها تمثل الهدف الأولي لرسالة الإسلام , وأن وظيفة الإنسان الأولى في الحياة التي وجد من أجلها هي إنشاء الحضارة فيها , وأن مهمة الإسلام الأولى هي صناعة الإنسان .
فحين رأى بعض الإسلاميين ما يعانيه العالم الإسلامي من التخلف الحضاري والانحطاط النهضوي , وأراد إصلاح ذلك , ذهب إلى قضية عمارة الأرض وجعلها تمثل الهدف الأولي لرسالة الإسلام , وأن وظيفة الإنسان الأولى في الحياة التي وجد من أجلها هي إنشاء الحضارة فيها , وأن مهمة الإسلام الأولى هي صناعة الإنسان .
وحين وقف بعض الإسلاميين على حجم الركون المعرفي والحضاري والاجتماعي , وأراد تخليص أمته مما تعانيه , توجه إلى قضية التغيير , وأعلى من منزلتها , وكأنها هي الغاية الأولى لرسالة الإسلام , وأن الله إنما بعث رسوله من أجل إحداث التغيير في المجتمعات المختلفة .
وحين واجه بعض المفكرين الإسلاميين بنية جامدة في العالم الإسلامي أغلقت باب الاجتهاد وضيقت طرق العلم والمعرفة , وأنكرت على العقل دوره في فهم الدين واستنباط الإحكام , وأراد حل هذه المعضلة , لم يقف بالعقل عند حدود المعقولة , وإنما تجاوز به منزلته وبوأه درجة عالية من الحجية تفوق حجية نصوص الشريعة .
وحين وقف بعض المصلحين على حجم الانحراف السياسي الذي عشّش في المجتمعات الإسلامية وفتك بها , وأراد تخليص أمته مما هي فيه أخذ يقول إن الغاية الأولى من رسالة الإسلام هي الثورة على الأنظمة السياسية الظالمة وإرجاع الحقوق إلى أهلها , وتأسيس نظام إسلامي رشيد .
ومن أكثر الشواهد الواقعية بروزا واكتمالا : التصور الذي قامت عليه الجماعة الإسلامية في الهند بقيادة الأستاذ : أبو الأعلى المودودي , فإنه أكد في كثير من كتبه على أن الهدف الأولي من رسالة الإسلام هو إقامة الحكومة الإسلامية في الأرض , وأن هدف المؤمن فيها تنفيذ القوانين التشريعية فيها , ولهذا جعل في بعض كلامه جوهر الألوهية يرجع إلى السلطة والحاكمية , وترتب على ذلك أن جعل العبادات العملية وسائل لتحقيق تلك الغاية , فالصلاة والزكاة والصيام والحج تحولت عنده إلى مقررات تدريبية لتعد الإنسان للقيام بمهمة إقامة الحكومة الإسلامية على الأرض!![2].
والأساس المشترك بين كل تلك التصورات هو محاولة تفسير رسالة الإسلام الأولية بأمر صحيح شرعا , ولكنه لا يمثل الهدف الأولي للإسلام , وليس هو الميزان التي تحكم به خارطته وليس هو الفكر الجامعة لها .
فليس هناك من شك في أن عمارة الأرض أو ضرورة التغيير أو اعتبار العقل في المعرفة أو أهمية النظام السياسي أمور مرادة للشريعة , وهي داخلة ضمن نطاق خارطته , ولكنها لا تمثل الغاية الأولية لرسالة الإسلام , وليست هي حكمته الجامعة , ولا تعد القصد الأولي للمسلم في الحياة .
فموضع الإشكال إذن في تلك التفاسير ليس في كونها صحيحة في نفسها , ولا في كونها جزءا مهما من خارطة الإسلام , ولا في ضرورة التركيز عليها والاهتمام بها وتسليط الأضواء عليها وحث الهمم على معالجتها , ولا في استعمال الألفاظ القوية في الدعوة إليها , كل هذه الأمور ليست هي محل الإشكال , وإنما محله في وضعها في غير موضعها من خارطة الإسلام , وجعلها في منزلة أعلى مما هي عليه , وفي استعمال الألفاظ التي توهم بكونها تتبوأ رأس الهرم في الإسلام .
وخطورة تلك التفاسير ترجع إلى أنها تتعلق بالحقيقة الكلية الجامعة لرسالة الإسلام , وليست هي كالخطأ في فهم جزئية من الجزئيات , كمثل الخطأ في حكم تارك الصلاة أو في حكم تحية المسجد , وإنما هي خطأ كلي يتعلق بتحديد البنية الهرمية لهيكل الدين وروحه , ومعلوم أنه إذا تغيرت وجهة النظر في تصور الحقيقة الكلية فإن ذلك يؤثر في حيثية الأجزاء وترتيب درجاتها[3] , فتصبح بعض الأجزاء في غير محلها من الخارطة , إما صعودا إلى أعلى إذا كانت منسجمة مع الهدف الأولي المقترح, وإما نزولا إلى أسفل إذا لم تكن كذلك , وفي كلا الحالين لن تبقى صورة خارطة الإسلام كما هي , فلو عمد شخص ما إلى هيكل عظمي - وليكن هيكل فيل مثلا- فلم يضف إليه شيء ولم يلغ منه جزء , ولكنه غير مواضع أجزائه , فهل تبقى صورة الفيل كما هي أم تتغير ويحصل الاضطراب في شكله؟!
فكذلك الحال فيمن غير ترتيب خارطة الإسلام , ورفع بعض أجزائها حتى جعلها تتبوأ رأس الهرم أو أنزل بعض الأجزاء عن مكانها المحدد ,فإن ذلك سيغير من صورة خارطة الإسلام وشكلها لا محالة .
فتلك التفاسير تقدم تصورا للدين يحتوي على جميع أجزائه , ولكنها قد انحرفت عن مكانها الأصلي , ورتبت فيه جوانب الدين ترتيبا خاضعا لظروف استثنائية وليست هي الظروف المطلقة التي بنت عليها الشريعة رؤيتها وترتيبها .
وليس هناك من ريب في أننا في هذا العصر نحتاج احتياجا ضروريا إلى تحديد التصورات الإسلامية بشكلها الصحيح , ومضطرون إلى الكشف عن خارطة الإسلام كما رسمها النبي صلى الله عليه وسلم , وإزالة كل ما علق بها من شوائب عبر التاريخ , فهي طوق النجاة التي يخلصنا من أمواج الفكر الإنساني العاتية , وهي البوصلة التي تدلنا على المسارات الصحيحة في متاهات التيه الإنساني , ولكننا نحتاج مع ذلك أن نتخلص من كل النوافذ التي تؤدي بنا إلى الوقوع في خطأ فهم الحقيقة الكلية الجامعة للإسلام .
وقد نبه الأستاذ سيد قطب على ضرورة هذا الأمر , وأكد على أننا في عملية الكشف عن خارطة الإسلام يجب علينا أن لا "نستحضر أمامنا انحرافا معينا من انحرافات الفكر الإسلامي أو الواقع الإسلامي . ثم ندعه يستغرق اهتمامنا كله , بحيث يصبح الرد عليه وتصحيحه هو المحرك الكلي لنا فيما نبذله من جهد في تقرير خصائص التصور الإسلامي ومقوماته ... إنما نحن نحاول تقرير حقائق هذا التصور في ذاتها , كما جاء بها القرآن الكريم , كاملة شاملة متوازنة متناسقة , تناسق هذا الكون وتوازنه ...
ذلك أن استحضار انحراف معين , أو نقص معين , والاستغراق في دفعه وصياغة حقائق الإسلام للرد عليه , منهج شديد الخطر , وله معقباته في إنشاء انحراف جديد في التصور الإسلامي لدفع انحراف قديم , والانحراف انحراف في كل الأحوال"[4].
وسواء اتفقنا على أن سيد قطب نفسه استطاع النجاح في تحقيق هذه المنهجية أو أنه وقع ضحية ما حذر منه , إلا أن ما نبه عليه يبقى قضية محورية بالغة الأهمية والخطورة .
إن أول قضية يجب أن نلتزم بها في الكشف عن خارطة الإسلام هي التفريق بين حقيقة الهدف الذي جاء الإسلام لتحقيقه , والذي هو روح رسالة الإسلام وفكرته الجامعة وبين مقتضيات ذلك الهدف ومستلزماته , وقد تضافرت النصوص الشرعية كثرة على أن الهدف الأولي - والتعبير بالأولي يعني أن هناك أهدافا أخرى ولكنها ليست أولية- هو تحقيق العبودية لله تعالى في الأرض وتصحيح العلاقة بين الإنسان وربه , وليس من شك في أن هذه الرسالة تقتضي بالضرورة إصلاح حياة الإنسان في الأرض وضبط علاقته بالكون , ودعوته إلى عمارة الأرض والتغيير من الأحوال الفاسدة , ونحو ذلك , لكن هذه الأمور كلها تبقى مقتضيات للهدف الأولي , وتعد أهدافا أخرى تابعة له , وليست أعلى ولا مساوية له .
إن الإحساس بأهمية الفكرة وضخامة الانحراف فيها وسعة الآثار المترتبة عليها لا يبرر لنا في محاولة إصلاحها أن نرفعها فوق المنزلة التي لها في الشريعة , ولا يبرر لنا أن نغير مكانها من خارطة الإسلام , فلو افترضنا أن زمنا من الأزمان شاع فيه الزنا مثلا , فأرادت طائفة إصلاح هذا الخلل وجعلت ذلك من أولوياتها .. فلها الحق أن تجعل ذلك هدفا أولويا لها , بل قد يجب عليها ذلك , ولكن لا يحق لها أن تصور للمتلقين بأن الهدف الرئيس لدعوة الرسول هي محاربة الزنا , وأن الله تعالى إنما أرسل الرسل لتحقيق هذا الهدف ؛ لأن ذلك مخالف لدلالات شرعية ظاهرة .
وأساس الخلل المنهجي في تلك الدعوة يرجع إلى عدم التفريق بين الحالة الاستثنائية وبين الحالة الأصلية في الشريعة , ففي حال الانحراف والابتعاد عن الحق يجب أن تقوم خطابات تجعل من أولوياتها إصلاح الخلل الواقع ومحاربة السبل المؤدية إلى حدوثه مرة أخرى , ولكن ذلك يختلف عن الحالة الأصلية التي يجب فيها مراعاة دلالات الشريعة نفسها من غير اعتبار شيء آخر .
وهذا راجع إلى أن البعض لا يفرق بين الأولويات التي يجعلها هو لمشروعه الخاضع لظروف تاريخية واجتماعية محددة وبين الأولويات التي جاءت الشريعة نفسها لتحقيقها في الوجود , فيجعل أولويات مشروعه الزمني هي أولويات الإسلام! , وهنا يكمن الخطر والتجاوز في فهم خارطة الإسلام .
لا حجر على أن من أراد من المصلحين تحديد الأولويات التي يراها أحق بالاهتمام والإصلاح في العالم الإسلامي من حيث الأصل , سواء كانت تلك الأولويات دعوية أو فكرية أو عقدية أو اجتماعية , وينبغي على العاملين في حقول الفكر الإسلامي تفهم هذا التنوع , بل تأييده ودعمه , وسيكون الحوار مقتصرا حول الحديث عن صحة ما تم تحديده من الأولويات وهل هي فعل كذلك فقط , ولكن لا يحق أن ترفع تلك الأولويات لتصبح هي أولويات رسالة الإسلام من حيث هو .
____________________________ 04.05.2014
مواضيع مماثلة
» الذوق في الإسلام
» فتنة اختلال الأمن
» عالمية الإسلام وعولمة الغرب
» حقوق الإنسان في الإسلام: مقدمة:
» خ1 - الإسراء والمعراج ، خ2 - حقيقة المعجزة في الإسلام .
» فتنة اختلال الأمن
» عالمية الإسلام وعولمة الغرب
» حقوق الإنسان في الإسلام: مقدمة:
» خ1 - الإسراء والمعراج ، خ2 - حقيقة المعجزة في الإسلام .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى