خطبه الجمعة - الخطبة 0293 : خ1 - الوقت4- لكل وقت عمل
صفحة 1 من اصل 1
خطبه الجمعة - الخطبة 0293 : خ1 - الوقت4- لكل وقت عمل
لكلّ وقت عمله ولكلّ عمل وقته :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ لا زلنا في موضوع الوقت ، وهو موضوع من أخطر الموضوعات ، لأن الإنسان كما أقول لكم دائماً بضعة أيام ، كلما انقضى منه يوم انقضى بضع منه .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ في خطب الوقت السابقة تحدثنا عن عناية الإسلام قرآنِه وسنتِهِ بالوقت ، وأن شعائر الإسلام تؤكد قيمة الوقت ، وتحدثنا عن سرعة انقضاء الوقت ، وتحدثنا عن أن الوقت إذا مضى لا يعود ، ولا يعوض ، وتحدثنا عن أن الوقت أثمن ما يملكه الإنسان على الإطلاق ، وتحدثنا عن أن المؤمن يغتنم الوقت ، ويبادر فيه إلى العمل الصالح ، وتحدثنا عن تنظيم الوقت ، هذه الموضوعات كلها مرت في الخطب السابقة ، واليوم الحديث عن أن لكل وقت عمله ، ولكل عمل وقته .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ينبغي للمؤمن أن يعرف ما يتطلبه الوقت ، من عمل القلب ، وعمل اللسان ، وعمل الجوارح ، هذا الوقت الذي أنا فيه ، ما ينبغي لي أن أفعله من عمل اللسان ، من عمل القلب ، من عمل الجوارح ، المؤمن يتحرى أن يتكلم ، وأن يعمل ، وأن يشعر في الوقت المناسب الشعور المناسب ، والنطق المناسب ، والعمل المناسب .
لذلك يبحث في سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، يبحث ماذا كان يفعل ؟ في هذا الموقف ماذا كان يقول ؟ في هذه المشكلة ماذا كان ينطق ؟ في هذا الوضع بماذا كان يشعر ؟ في هذه المناسبة ماذا كان يعمل ؟ لكل وقت عمله ، ولكل عمل وقته ، هذا الموضوع دقيق يجب أن يعيه المسلم وعياً تاماً .
سيدنا الصديق حبيب النبي عليه الصلاة والسلام ، كما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام :
((لو وُزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرَجَح إيمان أبي بكر))
[ شعب الإيمان للبيهقي]
هذا الصحابي الجليل حينما أوصى لسيدنا عمر بالخلافة أوصاه بالوصية التالية قال له : يا عمر اعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل ، وأن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار.
لكل وقت عمله ، ولكل عمل وقته ، القصة التي تعرفونها جميعاً كيف أن رسول عامله على أذربيجان ، وأذربيجان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تابعة لخلافته في المدينة المنورة . رسول عامله على أذربيجان وصل المدينة في منتصف الليل فكره أن يطرق باب أمير المؤمنين في هذا الوقت المتأخر ، توجه إلى المسجد ، وفيه سمع صوتًا يناجي ربه ، يقول : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أما رددتها فأعاتبها أو فأعزيها ؟ فقال هذا الرسول : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا عمر ، خشي أن يطرق بابه ليلاً فإذا هو بالمسجد يصلي قيام الليل ، قال : يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ؟ قال : إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي . إن لله عملاً بالليل لا يقبل بالنهار ، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبل بالليل ، لكل وقت عمله ، لكل عمل وقته ، أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانوا فرسانًا في النهار ، رهبانًا في الليل .
سيدنا عمر رضي الله عنه رأى رجلاً لا يعمل ، ولكنه يقرأ القرآن قال : إنما أنزل هذا القرآن لتعمل به ، اقرأه بالليل ، واعمل به بالنهار ، أفاتخذت قراءته عملاً ؟ يبدو أنه اقتدى بالنبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى رجلاً في النهار يصلي في غير الصلوات المكتوبة ، ولا يعمل ، فأراد النبي أن يعلمنا درس بليغاً ، قال : من يطعمك أيها الشاب ؟ فقال: أخي ، قال : أخوك أعبد منك ، أخوك الذي يعمل أعبد منك ، إن لله عملاً بالليل لا يقبل بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبل بالليل .
الوقت شيء مهم جداً في حياة الإنسان :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ليس المهم أن يعمل الإنسان كل شيء في أي وقت ، هذا الإنسان الضائع ، هذا الإنسان الجاهل ، هذا الإنسان غير المنضبط ، يعمل على سجيته ، يعمل ما تمليه عليه مصلحته ، ما يمليه عليه الهوى ، هذا الوقت وقت عبادة ، هذا الوقت وقت صلاة الجمعة ، لا وقت النزهة ، هذا الوقت وقت الصلاة المكتوبة ، هذا الوقت وقت أن تجلس مع الأهل ، هذا الذي يفعل ما يشاء في أي وقت شاء ، هذا إنسان متفلت من منهج الله عز وجل ، غير منضبط ، أنت عبد لله ، وقد جاءك من الله خطاب ، هذا الخطاب أمرك بأشياء، ونهاك عن أشياء ، إنها منهج يجب أن تستقيم عليه .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ألا ترون معي أن الصلاة لها علاقة بالوقت ؟
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾
[ سورة النساء : 103]
ألا ترون معي أن الصيام له علاقة بالوقت ؟
﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾
[ سورة البقرة : 185 ]
ألا ترون معي أن الحج متعلق بالوقت ؟
﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾
[ سورة البقرة : 197 ]
ألا ترون معي أن الزكاة متعلقة بالوقت ؟
﴿وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
[ سورة الأنعام : 141 ]
الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة كلها مرتبطة بالوقت ، إذاً الوقت شيء مهم جداً في حياة الإنسان .
أوقات العبد أربعة :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ قال أحد العارفين : أوقات العبد أربعة ، معنى أوقات هنا في قول أحد العارفين أي أحواله ، أي جاءته مصيبة في هذا الوقت ، فهذا وقت مصيبة ، جاءته نعمة في هذا الوقت ، فهذا وقت نعمة ، زلة قدمه في هذا الوقت ، فهذا وقت معصية ، فعل الطاعات في هذا الوقت ، هذا وقت طاعة . قال أحد العارفين : أوقات العبد أربعة ، لا خامس لها ، النعمة ، والبلية ، والطاعة ، والمعصية ، فمن كان في وقت الطاعة فعليه أن يشهد فضل الله عليه إذا أعانه عليها .
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
[ سورة الفاتحة : 5 ]
إذا كنت في طاعة إياك أن تزكي ، إياك أن تقول : أنا لي إرادة قوية ، الله سبحانه وتعالى تفضل عليك ، وأعانك على نفسك ، ولو شاء لضعف مقاومتك فانهارت قواك ، وزلت قدمك ، ووقعت في المعصية ، إذا كنت في طاعة ، وإذا كنت في مسجد ، وإذا كنت في صلاة ، وإذا صمت رمضان ، وإذا حججت البيت ، وإذا أديت زكاة مالك ، وإذا غضضت بصرك ، وإذا تحريت الحلال ، وإذا أنفقت المال في وجوهه ، اسجد لله سجود الشكر على أن وفقك لطاعته . والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تؤكد هذا المعنى ، وإذا كنت في نعمة ، جاءك خبر سار ، جاءتك نتيجة تحليل ابنك الطبي سارةً اسجد سجود الشكر ، إذا كنت في طاعة فاشهد لله المنة والفضل ، وإذا كنت في نعمة فاسجد لله سجود الشكر ، هو الذي حفظك ، هو الذي حفظ أهلك ، هو الذي حفظ أولادك .
أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال : يا رب لم أنفق منه شيئاً على أحد مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فقال الله له : ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم . والعبد الآخر قال : يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟قال يا ربي أنفقته على كل محتاج مسكين ، لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين . قال : يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، إذا كنت في طاعة فاشهد لله المنة والفضل ، وإذا كنـت في نعمة فتذكر المنعم ، من هو الكافر ؟ الكافر يتمتع بالنعمة كما يتمتع بها المؤمن ، ولكن البون شاسع ، الكافر يتمتع بالنعمة ، ولا يرى المنعم ، لكن المؤمن يتمتع بالنعمة ويرى من خلالها المنعم ، الكافر مع النعمة والمؤمن مع المنعم ، وبون شاسع بينهما هذه الحالة الثانية .
إذا كنت في طاعة اشهد لله المنة والفضل ، وإذا كنت في نعمة فاسلك سبيل الشكر ، وإذا كنت في معصية فلا تقنط من رحمة الله ، اتلُ قوله تعالى :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾
[ سورة الزمر : 53 ]
لو جئتني بملء الأرض خطايا غفرتها لـك ولا أبالي ، تذكر قول بعضهم : الصلحة بلمحة ، تذكر أن العبد العاصي إذا رجع إلى الله عز وجل ناد مناد في السموات والأرض أن هنؤوا فلانًا فقد اصطلح مع الله عز وجل ، تذكر هذا كله .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ والحالة الرابعة : وإذا كنت في بلية لا سمح الله ولا قدر جاءك خبر لا ترضى عنه ، جاءك خبر سيئ ، اعتلت صحة الإنسان ، فقد جزءًا من ماله ، أصاب أهله بعض مكروه ، إذا كنت في بلية فتذكر أنها بلية من الابتلاء ، أنت في امتحان ، فإذا قلت : الحمد لله رب العالمين فقد نجحت ، والله سبحانه وتعالى بيده كل شيء ، يبدل ويغير، ينسيك هذه البلية لمجرد أن تحمد الله عليها .
لسيدنا عمر هذه الكلمة التي لا أشبع من تردادها ، كان إذا أصابته مصبية قال كرم الله وجهه : " الحمد لله ثلاثاً ، الحمد لله إذ لم تكن في ديني " .
إذا لم تخرق قواعد الشرع ، أنت في خير ، لم تقع في معصية أنت في خير ، لم تأكل مالاً حراماً أنت في خير ، لم تطلق بصرك في الحرام أنت في خير ، لم تفعل كبيرة أنت في خير ، أنت في خير ما دمت مستقيماً ، ولو ألمت بك الملامات ، " الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها" ، هذا شأن المؤمن أيها الأخوة ، أتريدون على هذه النقاط دليلاً من كتاب الله ؟ هذا قول أحد العارفين ، وكل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه ، إلا صاحب هذه القبة الخضراء قول أحد العارفين دليل من كتاب الله في موضوع الطاعة قال تعالى :
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
[ سورة يونس : 58 ]
إذا كنت في طاعة فافرح ، لأنه كفاك نصراً على عدوك أنه في معصية الله .
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
[ سورة يونس : 58 ]
وفي آية أخرى :
﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
[ سورة الزخرف : 32 ]
المسافة الشاسعة بين طاعة الله و بين معصيته :
ثمة شيء أحبّ أن أضعه بين أيديكم ، أن تقول شيئاً ، وأن تعيشه مسافة شاسعة بينهما ، أن تقول : ألف مليون ، هذه كلمة يقولها أي فقير ، وأن تملك هذا المبلغ مسافة كبيرةٌ جداً جداً بين أن تلفظ هذه الكلمة ، وبين أن تملكها ، بين أن تقول : رضيت بالله رباً ، وبين أن ترضى به فعلاً ، بين أن تقول كما يقول عامة المسلمين : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأنت تغلي من شدة الندم ، وأنت تغلي من شدة الألم ، وبين أن تقولها وأنت في مستواها ، لذلك من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي أفضل منه فقد حقر ما عظم الله عز وجل ، لذلك قال الله عز وجل :
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
[ سورة الأحزاب : 71]
فإذا كنت في طاعة الله وترى أنك محروم ، إنك لا تعرف الله عز وجل .
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق ، سيد ولد آدم ، كان إذا أراد أن يصلي صلاة الليل رفعت السيدة عائشة رجليها ، لأن غرفته لا تتسع لصلاته ونومها .
من أنت ومن أنا إذا كان هذا مقام النبي ؟ الدنيا جيفة طلابها كلابها ، الدنيا دار من لا دار له ، ولها يسعى من لا عقل له ، يكفي أنها فانية ، يكفي أنها زائلة ، لو أنك ملكت كل شيء ، لا بد من أن تفقد كل شيء في ثانية واحدة ، يكفي أن يستريح هذا القلب عن النبض، فإذا الأشياء كلها ليست لك ، وإذا أنـت تحت أطباق الثرى ، هكذا الحياة ، فلذلك التعلق بالدنيا نوع من الغباء ، تعلق برحمة الله ، اغتنم هذا الوقت للعمل الصالح ، هذا في الطاعة ، أما في النعمة :
﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾
[ سورة سبأ : 15 ]
فكانت تعظم عند النبي عليه الصلاة والسلام النعمة مهما دقت ، إذا شربت كأس ماء ، وهذا الطريق سالك ، شربته وأخرجته فأنت في نعمة كبرى ، الكليتان تعملان بانتظام ، إذا أكلت الطعام الذي خلقه الله لك فأنت في نعمة كبرى ، هناك من يضع السيروم في وريده ، إذا كنت تمشي على قدميك فهذه نعمة لا تقدر بثمن ، إذا كان عقلك في رأسك ، هذه نعمة لا تقدر بثمن ، إذا متعك الله بسمعك وبصرك ، متعك الله بلسان طليق ، متعك الله بنظافة أخلاقية ، أنت في نعم لا تعد ولا تحصى ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي ))
[الترمذي والحاكم عن ابن عباس ]
وأما في المعصية فتذكر قول الله عز وجل :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾
[ سورة الزمر : 53 ]
إن أرجى آية في كتاب الله هذه الآية ، ليس الخطاب لهؤلاء العصاة ، لا ، الخطاب لمن أسرفوا في المعصية ، لمن فعلوا كل معصية :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
[ سورة الزمر : 53 ]
مالك بن دينار ، كان من قطاع الطريق ، جاءته طفلة صغيرة جميلة ، توفيت في أجمل أوقات حياتها ، رأى في المنام تنيناً يتبعه ، وقد امتلأ قبله فزعاً ، هو يركض والتنين يتبعه، إلى أن رأى ابنته المتوفاة على رابية ، فعملت هكذا فوقف التنين ، قال : من أنت ؟ قالت: أنا عملك الصالح يا أبي ، قال : وما هذا التنين ؟ قالت : هذا عملك السيئ ، فتاب من توه ، وصار من كبار العارفين . الباب مفتوح ، ما دام القلب ينبض فالباب مفتوح على مصراعيه لا لأن تنجو ، لا لأن تكون مؤمناً ، لأن تكون عارفاً بالله ، لأن تكون من كبار المؤمنين ، وأما في البلية فتذكر قوله تعالى :
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾
[ سورة البقرة : 155 ـ 157 ]
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ورد في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول - هذا حديث دقيق جداً تعرفونه أيضاً - :
(( عجبا لأمـر المؤمن ! إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحـد إلا للمؤمِنْ ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ))
[ مسلم عن صهيب بن سنان رضي الله عنه]
في كلا الحالين لأن اليد واحدة ، ربما كان المنع عطاءً ، وربما كان العطاء منعاً، ربما منعك فأعطاك ، وربما أعطاك فمنعك ، والله هذه الآية وحدها ، والله الذي لا إله إلا هو لو أن هذه الآية وعيناها وعقلناها لذابت مشكلتنا ذوباً .
﴿أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة البقرة : 216 ]
هو الخبير ، هو الرحيم ، هو الحكيم ، العادل ، هو الرب .
تحري الأوقات التي ميزها الله عز وجل بخصائص روحيّة :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ المؤمن عليه أن يتحرى الأوقات الفاضلة ، هناك أوقات فضلها الله على أوقات ، هكذا ، هو رب العالمين ، فعلى المسلم أن يتحرى الأوقات التي ميزها الله عز وجل بخصائص روحية خاصة ، فضلها على غيرها ، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام ، فيما رواه الطبراني قال :
((إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا له))
[الطبراني عن محمد بن مسلمة ]
هناك نفحات ، هذا التخصيص من شأن الإله وحده ، هو خصص بعض الأوقات ببعض الميزات ، فأنت كمسلم وكمؤمن عليك أن تهتم بهذه الأوقات التي ميزها الله على سواها .
مثلاً في الساعات لماذا فضل الله عز وجل ساعة على ساعة ، الله سبحانه وتعالى فيما رواه النبي عنه في الحديث القدسي ، فضل ساعات السحر في آخر الليل ، هذه الساعات فضلها الله عز وجل ، قال : " إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم - نزولاً يليق بجلاله ، هذا تفسير نزل - نزل ربكم إلى السماء الدنيا ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟" عجباً لهذا المؤمن إذا كان الله عز وجل في حديث رواه النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه ، الله سبحانه وتعالى يعرض عليكم هذا العرض ، إذا كنت في مشكلة ، في ضائقة ، تخاف من عدو شرس ، إذا كنت في وهم خطير ، إذا كان لك شبح مشكلة ، هذا قيام الليل في ثلث الليل الأخير ، هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ إذاً وقت السحر هذا وقت ميزه الله بالتجليات ، قال عليه الصلاة والسلام :
((ولو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا))
[ الطبراني والحاكم عن ابن عمر ]
ابن آدم لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله ، أي إذا كنت قد صليت الفجر في وقته ، وفي جماعة ، وذكرت الله عز وجل فأنت في هذا النهار في حفظ الله عز وجل ، في رعايته ، في توفيقه ، الله يدافع عنك في هذا اليوم .
شيء آخر : أشار الله عز وجل في القرآن إلى هذه الساعات قال :
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
[ سورة الذاريات : 15 ـ 18 ]
هذا دليل من كتاب الله ، على فضل هذا الوقت ، والنبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الترمذي يقول :
(( أقرب ما يكون الربُّ عز وجل من العبد جَوفُ الليل الآخر فإن استَطعّتَ أن تكونَ ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكُنْ ))
[ النسائي عن عمرو بن عبسة]
هذا عن الساعات ، أما عن الأيام ، وفضل الله من أيام الأسبوع يوم الجمعة ، وفي هذا اليوم صلاة الجمعة ، وهذا يوم عيد المسلمين ، فيه لقاء الجمعة ، وفيه صلاة الجمعة، وفيه خطبة الجمعة ، وفيه عطلة الجمعة لذلك :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾
[ سورة الجمعة : 9 ]
هؤلاء الذين يضعون في هذا اليوم كل المشكلات الصعبة ، كل القضايا المزعجة، هؤلاء لا يعرفون قيمة هذا اليوم ، لماذا ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً – ساعة إجابة- لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
ساعة في هذا اليوم إذا صادفتها تدعو الله عز وجل استجاب لك ، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام :
((مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ))
[ موطأ مالك عن أبي هريرة]
قيمة هذه الصلاة في خطبتها ، فإذا أدركت صلاتها فقط ، ماذا فعلت ؟ تصلي في البيت إذا شئت ، لكن أهم شيء في الجمعة خطبتها ، لأنها مناسبة أسبوعية للتعلم .
شيء آخر : على مستوى العام ، فضل الله سبحانه وتعالى من أيام العام أيام العشر من ذي الحجة ، وأفضلها على الإطلاق يوم عرفة ، بل إن يوم عرفة من أفضل أيام العام كله على الإطلاق . جاء في الصحيح عن ابن عباس :
((ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام - أي العشرة من ذي الحجة - قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا أن يخرج الرجل بنفسه وماله فلا يرجع من ذلك بشيء))
[البخاري عن ابن عباس]
أي أفضل أيام العام عشرة ذي الحجة ، وأفضل يوم على الإطلاق في كل العام يوم عرفة ، هذا للحاج ولغير الحاج .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ وأما في الشهور فقد فضل الله شهر رمضان ، ونحن على أبواب رمضان ، الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان .
لأنه شهر المؤمنين ، وعند السيوطي في الجامع الكبير :
((أتاكم رمضان ، شهر البركة والغفران ، يغشاكم الله فيه ، فينزل الرحمـة ، ويحط الخطايا ، ويستجيب الدعاء ، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيراً))
[السيوطي في الجامع الكبير]
صعد النبي المنبر فقال : آمين ، استغرب أصحابه ، أول درجة قال : آمين ، الثانية قال : آمين ، الثالثة قال : آمين ، فلما نزل قالوا : يا رسول الله علام أمنت ؟ قال : جاءني جبريل فقال لي : تعس عبد أدرك أبويه فلم يدخلاه الجنة ، قلت : أمين ، قال : وتعس عبد ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك ، فقلت : أمين ، وقال : تعس عبد أدرك رمضان فلم يغفر له ، إن لم يغفر له فمتى ؟ هذا موسم المؤمنين ، هذا من حيث الشهور ، لكن رمضان - وسوف يأتي معنا هذا بالتفصيل - أفضل ما فيـه العشر الأخير ، لأنه ختام الشهر ، والأمور بخواتيمها، وفيه ليلة القدر ، وليلة القدر لا كيوم عرفة خير أيام العام بل خير من ألف شهر ، أي ليلة القدر خير من ثمانين عامًا ، أي إذا حصلت هذه الليلة ، إذا عرفت الله فيها ، معرفة تليق بجلاله فأفضل من حياتك كلها ، هذا الذي عناه علماء التفسير .
أيها الأخوة الأكارم ؛ وبعد رمضان تأتي الأشهر الحرم ، رجب ، وذي القعدة، وذي الحجة ، ومحرم ، لقول الله عز وجل :
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾
[ سورة التوبة : 36 ]
أي عمل فيه عدوان في هذه الأشهر العقاب يضاعف ، لأن هذه الأشهر جعلها الله أشهر أمان وسلم بين الناس .
أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الحكمة من تحريم الدم المسفوح :
أيها الأخوة الأكارم ؛ ربنا سبحانه وتعالى حرم علينا الدم المسفوح ، وفي كلمة المسفوح إشارة إلى أن هذا الدم فيه الجراثيم ، وهو في الأوردة والشرايين هناك أجهزة بأعلى مستوى للتصفية ، دائماً الكليتان والرئتان ينقيان الدم من الغازات والمواد السامة ، فالكليتان تنقيان من المواد السامة ، والرئتان تنقيان من الغازات السامة ، ولكن إذا ماتت الدابة أصبح الدم موطناً للجراثيم والأوبئة ، فلذلك الشيء الذي يلفت النظر أن العالم الغربي إلى وقت قريب ، وبعد أن اكتشفت الجراثيم صدرت القوانين بتحريم الدم ، وتحريم لحوم الميتة ، بعد أن عرفوا ، ولكن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قبل ألف و أربعمئة عام حرم علينا الدم المسفوح ، وحرم علينا لحم الدابة الميتة .
الشيء الذي يؤكد هذه الحقيقة أن أي سكين جزار فيها آلاف مؤلفة من الجراثيم، وبمجرد أن تلامس هذه الجراثيم الدم تتوالد كل نصف ساعة و تتضاعف ، أي في ثلاث ساعات من ألف جرثوم إلى مئات مئات الألوف من الجراثيم ، فلذلك لما حرم ربنا عز وجل في كتابه الكريم علينا الدم ، وحرم علينا لحم الميتة ، هذا يتطابق مع أحدث النظريات الحديثة المتعلقة بتكاثر الجراثيم وبالعدوى ، حينما تقرأ القرآن يجب أن تعلم أن هذا كلام الصانع .
﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
[ سورة فاطر : 14 ]
ليس من جهة أعظم خبرة ، وأعظم صواباً من خالق الكون .
تعليمات الصانع ليست حداً للحرية و لكنها ضمان للسلامة :
فلذلك إذا أحببت نفسك ، إذا أردت أن تنجو بجلدك من متاعب الحياة ، فطبق تعليمات الصانع ، وهذا القرآن الكريم هو تعليمات الصانع ، هذا الذي ينبغي أن يفهمه المؤمن ، أي ليست أوامر الدين حداً لحريتك هذا فهم ساذج ، إذا رأيت عمود كهرباء كتب عليه : خطر الموت ، تشعر أن المسؤولين وضعوا هذه اللوحة ليحدوا من حريتك ؟ لا والله ، إنما وضعوها ليضمنوا لك سلامتك . يجب أن تفهم الدين هذا الفهم العميق ، إذا رأيت جسراً ، وعليه لوحة كتب عليها : الحمولة القصوى خمسة أطنان ، وأنت تقود شاحنة حمولتها سبعة أطنان ، فإذا أردت أن تسير على هذا الجسر ، هل تقول : هل أخالف ؟ هل هناك من يراقبني؟ لا ، القضية أعمق من ذلك ، إذا مررت على هذا الجسر فلابد من أن تسقط في النهر ، هذه اللوحة التي كتبت على هذا الجسر ليست لحد حريتك ، ولكنها ضمان لسلامتك ، هذا ينبغي أن يفهمه المؤمن ، أي إن هناك علاقة علمية ، بمعنى أن هناك علاقة سبب بنتيجة بين الطاعة ونتائجها ، وبين المعصية ونتائجها ، فلمجرد أن ترتكب المعصية تقطف ثمارها ، ثمارها فيها ، أية طاعة ثمارها فيها ، وأية معصية ثمارها فيها ، وأمر الله عز وجل ليس حداً من حريتك ، إنما هو ضمان لسلامتك ، فربنا عز وجل حدّ حدوداً قال :
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾
[ سورة البقرة : 229 ]
أما هناك حدود ، كهذا التيار الكهربائي العالي التوتر ، حول هذا التيار ساحة تجذب إليه ، إذا كانت المعاصي من هذا النوع تنطبق عليك الآية الأخرى :
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
[ سورة البقرة : 187 ]
بين فلا تعتدوها ، وبين فلا تقربوها مسافة كبيرة ، الحدود التي من شأنها أن تجذب الإنسان إليها هذه لا تقربوها .
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
[ سورة الإسراء : 32 ]
الزنا خطوات .
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
[ سورة البقرة : 187 ]
أما أكل المال الحرام :
﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾
هناك لا تقربوها ، وهناك لا تعتدوها ، وعلى كل هـي حدود سلامتك ، إذا قلنا : حدود الله هي حدود سلامتك ، حدود أن يرضى الله عنك ، حدود إقبالك على الله ، حدود أن تستحق عناية الله بك ، حدود أن تستحق حفظ الله لك، إذا كنت في طاعة الله فأنت في ذمة الله ، أنت في حفظ الله ، وفي توفيقه ، ولو أننا بحثنا عن كل طاعة ، وعن كل معصية لعرفنا أن الطاعة تنطوي على خير ليس له حدود ، والمعصية تنطوي على شر ليس له حدود ، ولكن الإنسان عليه أن يفهم ، وعليه أن يسلم فيما لا يفهم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين
أيها الأخوة المؤمنون ؛ لا زلنا في موضوع الوقت ، وهو موضوع من أخطر الموضوعات ، لأن الإنسان كما أقول لكم دائماً بضعة أيام ، كلما انقضى منه يوم انقضى بضع منه .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ في خطب الوقت السابقة تحدثنا عن عناية الإسلام قرآنِه وسنتِهِ بالوقت ، وأن شعائر الإسلام تؤكد قيمة الوقت ، وتحدثنا عن سرعة انقضاء الوقت ، وتحدثنا عن أن الوقت إذا مضى لا يعود ، ولا يعوض ، وتحدثنا عن أن الوقت أثمن ما يملكه الإنسان على الإطلاق ، وتحدثنا عن أن المؤمن يغتنم الوقت ، ويبادر فيه إلى العمل الصالح ، وتحدثنا عن تنظيم الوقت ، هذه الموضوعات كلها مرت في الخطب السابقة ، واليوم الحديث عن أن لكل وقت عمله ، ولكل عمل وقته .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ينبغي للمؤمن أن يعرف ما يتطلبه الوقت ، من عمل القلب ، وعمل اللسان ، وعمل الجوارح ، هذا الوقت الذي أنا فيه ، ما ينبغي لي أن أفعله من عمل اللسان ، من عمل القلب ، من عمل الجوارح ، المؤمن يتحرى أن يتكلم ، وأن يعمل ، وأن يشعر في الوقت المناسب الشعور المناسب ، والنطق المناسب ، والعمل المناسب .
لذلك يبحث في سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، يبحث ماذا كان يفعل ؟ في هذا الموقف ماذا كان يقول ؟ في هذه المشكلة ماذا كان ينطق ؟ في هذا الوضع بماذا كان يشعر ؟ في هذه المناسبة ماذا كان يعمل ؟ لكل وقت عمله ، ولكل عمل وقته ، هذا الموضوع دقيق يجب أن يعيه المسلم وعياً تاماً .
سيدنا الصديق حبيب النبي عليه الصلاة والسلام ، كما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام :
((لو وُزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرَجَح إيمان أبي بكر))
[ شعب الإيمان للبيهقي]
هذا الصحابي الجليل حينما أوصى لسيدنا عمر بالخلافة أوصاه بالوصية التالية قال له : يا عمر اعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل ، وأن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار.
لكل وقت عمله ، ولكل عمل وقته ، القصة التي تعرفونها جميعاً كيف أن رسول عامله على أذربيجان ، وأذربيجان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت تابعة لخلافته في المدينة المنورة . رسول عامله على أذربيجان وصل المدينة في منتصف الليل فكره أن يطرق باب أمير المؤمنين في هذا الوقت المتأخر ، توجه إلى المسجد ، وفيه سمع صوتًا يناجي ربه ، يقول : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أما رددتها فأعاتبها أو فأعزيها ؟ فقال هذا الرسول : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا عمر ، خشي أن يطرق بابه ليلاً فإذا هو بالمسجد يصلي قيام الليل ، قال : يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ؟ قال : إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي . إن لله عملاً بالليل لا يقبل بالنهار ، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبل بالليل ، لكل وقت عمله ، لكل عمل وقته ، أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانوا فرسانًا في النهار ، رهبانًا في الليل .
سيدنا عمر رضي الله عنه رأى رجلاً لا يعمل ، ولكنه يقرأ القرآن قال : إنما أنزل هذا القرآن لتعمل به ، اقرأه بالليل ، واعمل به بالنهار ، أفاتخذت قراءته عملاً ؟ يبدو أنه اقتدى بالنبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى رجلاً في النهار يصلي في غير الصلوات المكتوبة ، ولا يعمل ، فأراد النبي أن يعلمنا درس بليغاً ، قال : من يطعمك أيها الشاب ؟ فقال: أخي ، قال : أخوك أعبد منك ، أخوك الذي يعمل أعبد منك ، إن لله عملاً بالليل لا يقبل بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبل بالليل .
الوقت شيء مهم جداً في حياة الإنسان :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ليس المهم أن يعمل الإنسان كل شيء في أي وقت ، هذا الإنسان الضائع ، هذا الإنسان الجاهل ، هذا الإنسان غير المنضبط ، يعمل على سجيته ، يعمل ما تمليه عليه مصلحته ، ما يمليه عليه الهوى ، هذا الوقت وقت عبادة ، هذا الوقت وقت صلاة الجمعة ، لا وقت النزهة ، هذا الوقت وقت الصلاة المكتوبة ، هذا الوقت وقت أن تجلس مع الأهل ، هذا الذي يفعل ما يشاء في أي وقت شاء ، هذا إنسان متفلت من منهج الله عز وجل ، غير منضبط ، أنت عبد لله ، وقد جاءك من الله خطاب ، هذا الخطاب أمرك بأشياء، ونهاك عن أشياء ، إنها منهج يجب أن تستقيم عليه .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ألا ترون معي أن الصلاة لها علاقة بالوقت ؟
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾
[ سورة النساء : 103]
ألا ترون معي أن الصيام له علاقة بالوقت ؟
﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾
[ سورة البقرة : 185 ]
ألا ترون معي أن الحج متعلق بالوقت ؟
﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾
[ سورة البقرة : 197 ]
ألا ترون معي أن الزكاة متعلقة بالوقت ؟
﴿وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
[ سورة الأنعام : 141 ]
الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة كلها مرتبطة بالوقت ، إذاً الوقت شيء مهم جداً في حياة الإنسان .
أوقات العبد أربعة :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ قال أحد العارفين : أوقات العبد أربعة ، معنى أوقات هنا في قول أحد العارفين أي أحواله ، أي جاءته مصيبة في هذا الوقت ، فهذا وقت مصيبة ، جاءته نعمة في هذا الوقت ، فهذا وقت نعمة ، زلة قدمه في هذا الوقت ، فهذا وقت معصية ، فعل الطاعات في هذا الوقت ، هذا وقت طاعة . قال أحد العارفين : أوقات العبد أربعة ، لا خامس لها ، النعمة ، والبلية ، والطاعة ، والمعصية ، فمن كان في وقت الطاعة فعليه أن يشهد فضل الله عليه إذا أعانه عليها .
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
[ سورة الفاتحة : 5 ]
إذا كنت في طاعة إياك أن تزكي ، إياك أن تقول : أنا لي إرادة قوية ، الله سبحانه وتعالى تفضل عليك ، وأعانك على نفسك ، ولو شاء لضعف مقاومتك فانهارت قواك ، وزلت قدمك ، ووقعت في المعصية ، إذا كنت في طاعة ، وإذا كنت في مسجد ، وإذا كنت في صلاة ، وإذا صمت رمضان ، وإذا حججت البيت ، وإذا أديت زكاة مالك ، وإذا غضضت بصرك ، وإذا تحريت الحلال ، وإذا أنفقت المال في وجوهه ، اسجد لله سجود الشكر على أن وفقك لطاعته . والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تؤكد هذا المعنى ، وإذا كنت في نعمة ، جاءك خبر سار ، جاءتك نتيجة تحليل ابنك الطبي سارةً اسجد سجود الشكر ، إذا كنت في طاعة فاشهد لله المنة والفضل ، وإذا كنت في نعمة فاسجد لله سجود الشكر ، هو الذي حفظك ، هو الذي حفظ أهلك ، هو الذي حفظ أولادك .
أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ قال : يا رب لم أنفق منه شيئاً على أحد مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فقال الله له : ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم . والعبد الآخر قال : يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟قال يا ربي أنفقته على كل محتاج مسكين ، لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين . قال : يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، إذا كنت في طاعة فاشهد لله المنة والفضل ، وإذا كنـت في نعمة فتذكر المنعم ، من هو الكافر ؟ الكافر يتمتع بالنعمة كما يتمتع بها المؤمن ، ولكن البون شاسع ، الكافر يتمتع بالنعمة ، ولا يرى المنعم ، لكن المؤمن يتمتع بالنعمة ويرى من خلالها المنعم ، الكافر مع النعمة والمؤمن مع المنعم ، وبون شاسع بينهما هذه الحالة الثانية .
إذا كنت في طاعة اشهد لله المنة والفضل ، وإذا كنت في نعمة فاسلك سبيل الشكر ، وإذا كنت في معصية فلا تقنط من رحمة الله ، اتلُ قوله تعالى :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾
[ سورة الزمر : 53 ]
لو جئتني بملء الأرض خطايا غفرتها لـك ولا أبالي ، تذكر قول بعضهم : الصلحة بلمحة ، تذكر أن العبد العاصي إذا رجع إلى الله عز وجل ناد مناد في السموات والأرض أن هنؤوا فلانًا فقد اصطلح مع الله عز وجل ، تذكر هذا كله .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ والحالة الرابعة : وإذا كنت في بلية لا سمح الله ولا قدر جاءك خبر لا ترضى عنه ، جاءك خبر سيئ ، اعتلت صحة الإنسان ، فقد جزءًا من ماله ، أصاب أهله بعض مكروه ، إذا كنت في بلية فتذكر أنها بلية من الابتلاء ، أنت في امتحان ، فإذا قلت : الحمد لله رب العالمين فقد نجحت ، والله سبحانه وتعالى بيده كل شيء ، يبدل ويغير، ينسيك هذه البلية لمجرد أن تحمد الله عليها .
لسيدنا عمر هذه الكلمة التي لا أشبع من تردادها ، كان إذا أصابته مصبية قال كرم الله وجهه : " الحمد لله ثلاثاً ، الحمد لله إذ لم تكن في ديني " .
إذا لم تخرق قواعد الشرع ، أنت في خير ، لم تقع في معصية أنت في خير ، لم تأكل مالاً حراماً أنت في خير ، لم تطلق بصرك في الحرام أنت في خير ، لم تفعل كبيرة أنت في خير ، أنت في خير ما دمت مستقيماً ، ولو ألمت بك الملامات ، " الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها" ، هذا شأن المؤمن أيها الأخوة ، أتريدون على هذه النقاط دليلاً من كتاب الله ؟ هذا قول أحد العارفين ، وكل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه ، إلا صاحب هذه القبة الخضراء قول أحد العارفين دليل من كتاب الله في موضوع الطاعة قال تعالى :
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
[ سورة يونس : 58 ]
إذا كنت في طاعة فافرح ، لأنه كفاك نصراً على عدوك أنه في معصية الله .
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
[ سورة يونس : 58 ]
وفي آية أخرى :
﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
[ سورة الزخرف : 32 ]
المسافة الشاسعة بين طاعة الله و بين معصيته :
ثمة شيء أحبّ أن أضعه بين أيديكم ، أن تقول شيئاً ، وأن تعيشه مسافة شاسعة بينهما ، أن تقول : ألف مليون ، هذه كلمة يقولها أي فقير ، وأن تملك هذا المبلغ مسافة كبيرةٌ جداً جداً بين أن تلفظ هذه الكلمة ، وبين أن تملكها ، بين أن تقول : رضيت بالله رباً ، وبين أن ترضى به فعلاً ، بين أن تقول كما يقول عامة المسلمين : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأنت تغلي من شدة الندم ، وأنت تغلي من شدة الألم ، وبين أن تقولها وأنت في مستواها ، لذلك من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي أفضل منه فقد حقر ما عظم الله عز وجل ، لذلك قال الله عز وجل :
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
[ سورة الأحزاب : 71]
فإذا كنت في طاعة الله وترى أنك محروم ، إنك لا تعرف الله عز وجل .
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق ، سيد ولد آدم ، كان إذا أراد أن يصلي صلاة الليل رفعت السيدة عائشة رجليها ، لأن غرفته لا تتسع لصلاته ونومها .
من أنت ومن أنا إذا كان هذا مقام النبي ؟ الدنيا جيفة طلابها كلابها ، الدنيا دار من لا دار له ، ولها يسعى من لا عقل له ، يكفي أنها فانية ، يكفي أنها زائلة ، لو أنك ملكت كل شيء ، لا بد من أن تفقد كل شيء في ثانية واحدة ، يكفي أن يستريح هذا القلب عن النبض، فإذا الأشياء كلها ليست لك ، وإذا أنـت تحت أطباق الثرى ، هكذا الحياة ، فلذلك التعلق بالدنيا نوع من الغباء ، تعلق برحمة الله ، اغتنم هذا الوقت للعمل الصالح ، هذا في الطاعة ، أما في النعمة :
﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾
[ سورة سبأ : 15 ]
فكانت تعظم عند النبي عليه الصلاة والسلام النعمة مهما دقت ، إذا شربت كأس ماء ، وهذا الطريق سالك ، شربته وأخرجته فأنت في نعمة كبرى ، الكليتان تعملان بانتظام ، إذا أكلت الطعام الذي خلقه الله لك فأنت في نعمة كبرى ، هناك من يضع السيروم في وريده ، إذا كنت تمشي على قدميك فهذه نعمة لا تقدر بثمن ، إذا كان عقلك في رأسك ، هذه نعمة لا تقدر بثمن ، إذا متعك الله بسمعك وبصرك ، متعك الله بلسان طليق ، متعك الله بنظافة أخلاقية ، أنت في نعم لا تعد ولا تحصى ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي ))
[الترمذي والحاكم عن ابن عباس ]
وأما في المعصية فتذكر قول الله عز وجل :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾
[ سورة الزمر : 53 ]
إن أرجى آية في كتاب الله هذه الآية ، ليس الخطاب لهؤلاء العصاة ، لا ، الخطاب لمن أسرفوا في المعصية ، لمن فعلوا كل معصية :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
[ سورة الزمر : 53 ]
مالك بن دينار ، كان من قطاع الطريق ، جاءته طفلة صغيرة جميلة ، توفيت في أجمل أوقات حياتها ، رأى في المنام تنيناً يتبعه ، وقد امتلأ قبله فزعاً ، هو يركض والتنين يتبعه، إلى أن رأى ابنته المتوفاة على رابية ، فعملت هكذا فوقف التنين ، قال : من أنت ؟ قالت: أنا عملك الصالح يا أبي ، قال : وما هذا التنين ؟ قالت : هذا عملك السيئ ، فتاب من توه ، وصار من كبار العارفين . الباب مفتوح ، ما دام القلب ينبض فالباب مفتوح على مصراعيه لا لأن تنجو ، لا لأن تكون مؤمناً ، لأن تكون عارفاً بالله ، لأن تكون من كبار المؤمنين ، وأما في البلية فتذكر قوله تعالى :
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾
[ سورة البقرة : 155 ـ 157 ]
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ورد في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول - هذا حديث دقيق جداً تعرفونه أيضاً - :
(( عجبا لأمـر المؤمن ! إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحـد إلا للمؤمِنْ ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ))
[ مسلم عن صهيب بن سنان رضي الله عنه]
في كلا الحالين لأن اليد واحدة ، ربما كان المنع عطاءً ، وربما كان العطاء منعاً، ربما منعك فأعطاك ، وربما أعطاك فمنعك ، والله هذه الآية وحدها ، والله الذي لا إله إلا هو لو أن هذه الآية وعيناها وعقلناها لذابت مشكلتنا ذوباً .
﴿أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[ سورة البقرة : 216 ]
هو الخبير ، هو الرحيم ، هو الحكيم ، العادل ، هو الرب .
تحري الأوقات التي ميزها الله عز وجل بخصائص روحيّة :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ المؤمن عليه أن يتحرى الأوقات الفاضلة ، هناك أوقات فضلها الله على أوقات ، هكذا ، هو رب العالمين ، فعلى المسلم أن يتحرى الأوقات التي ميزها الله عز وجل بخصائص روحية خاصة ، فضلها على غيرها ، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام ، فيما رواه الطبراني قال :
((إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا له))
[الطبراني عن محمد بن مسلمة ]
هناك نفحات ، هذا التخصيص من شأن الإله وحده ، هو خصص بعض الأوقات ببعض الميزات ، فأنت كمسلم وكمؤمن عليك أن تهتم بهذه الأوقات التي ميزها الله على سواها .
مثلاً في الساعات لماذا فضل الله عز وجل ساعة على ساعة ، الله سبحانه وتعالى فيما رواه النبي عنه في الحديث القدسي ، فضل ساعات السحر في آخر الليل ، هذه الساعات فضلها الله عز وجل ، قال : " إذا كان ثلث الليل الأخير نزل ربكم - نزولاً يليق بجلاله ، هذا تفسير نزل - نزل ربكم إلى السماء الدنيا ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟" عجباً لهذا المؤمن إذا كان الله عز وجل في حديث رواه النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه ، الله سبحانه وتعالى يعرض عليكم هذا العرض ، إذا كنت في مشكلة ، في ضائقة ، تخاف من عدو شرس ، إذا كنت في وهم خطير ، إذا كان لك شبح مشكلة ، هذا قيام الليل في ثلث الليل الأخير ، هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من طالب حاجة فأقضيها له ؟ إذاً وقت السحر هذا وقت ميزه الله بالتجليات ، قال عليه الصلاة والسلام :
((ولو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا))
[ الطبراني والحاكم عن ابن عمر ]
ابن آدم لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله ، أي إذا كنت قد صليت الفجر في وقته ، وفي جماعة ، وذكرت الله عز وجل فأنت في هذا النهار في حفظ الله عز وجل ، في رعايته ، في توفيقه ، الله يدافع عنك في هذا اليوم .
شيء آخر : أشار الله عز وجل في القرآن إلى هذه الساعات قال :
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
[ سورة الذاريات : 15 ـ 18 ]
هذا دليل من كتاب الله ، على فضل هذا الوقت ، والنبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الترمذي يقول :
(( أقرب ما يكون الربُّ عز وجل من العبد جَوفُ الليل الآخر فإن استَطعّتَ أن تكونَ ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكُنْ ))
[ النسائي عن عمرو بن عبسة]
هذا عن الساعات ، أما عن الأيام ، وفضل الله من أيام الأسبوع يوم الجمعة ، وفي هذا اليوم صلاة الجمعة ، وهذا يوم عيد المسلمين ، فيه لقاء الجمعة ، وفيه صلاة الجمعة، وفيه خطبة الجمعة ، وفيه عطلة الجمعة لذلك :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾
[ سورة الجمعة : 9 ]
هؤلاء الذين يضعون في هذا اليوم كل المشكلات الصعبة ، كل القضايا المزعجة، هؤلاء لا يعرفون قيمة هذا اليوم ، لماذا ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً – ساعة إجابة- لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
ساعة في هذا اليوم إذا صادفتها تدعو الله عز وجل استجاب لك ، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام :
((مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ))
[ موطأ مالك عن أبي هريرة]
قيمة هذه الصلاة في خطبتها ، فإذا أدركت صلاتها فقط ، ماذا فعلت ؟ تصلي في البيت إذا شئت ، لكن أهم شيء في الجمعة خطبتها ، لأنها مناسبة أسبوعية للتعلم .
شيء آخر : على مستوى العام ، فضل الله سبحانه وتعالى من أيام العام أيام العشر من ذي الحجة ، وأفضلها على الإطلاق يوم عرفة ، بل إن يوم عرفة من أفضل أيام العام كله على الإطلاق . جاء في الصحيح عن ابن عباس :
((ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام - أي العشرة من ذي الحجة - قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا أن يخرج الرجل بنفسه وماله فلا يرجع من ذلك بشيء))
[البخاري عن ابن عباس]
أي أفضل أيام العام عشرة ذي الحجة ، وأفضل يوم على الإطلاق في كل العام يوم عرفة ، هذا للحاج ولغير الحاج .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ وأما في الشهور فقد فضل الله شهر رمضان ، ونحن على أبواب رمضان ، الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان .
لأنه شهر المؤمنين ، وعند السيوطي في الجامع الكبير :
((أتاكم رمضان ، شهر البركة والغفران ، يغشاكم الله فيه ، فينزل الرحمـة ، ويحط الخطايا ، ويستجيب الدعاء ، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيراً))
[السيوطي في الجامع الكبير]
صعد النبي المنبر فقال : آمين ، استغرب أصحابه ، أول درجة قال : آمين ، الثانية قال : آمين ، الثالثة قال : آمين ، فلما نزل قالوا : يا رسول الله علام أمنت ؟ قال : جاءني جبريل فقال لي : تعس عبد أدرك أبويه فلم يدخلاه الجنة ، قلت : أمين ، قال : وتعس عبد ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك ، فقلت : أمين ، وقال : تعس عبد أدرك رمضان فلم يغفر له ، إن لم يغفر له فمتى ؟ هذا موسم المؤمنين ، هذا من حيث الشهور ، لكن رمضان - وسوف يأتي معنا هذا بالتفصيل - أفضل ما فيـه العشر الأخير ، لأنه ختام الشهر ، والأمور بخواتيمها، وفيه ليلة القدر ، وليلة القدر لا كيوم عرفة خير أيام العام بل خير من ألف شهر ، أي ليلة القدر خير من ثمانين عامًا ، أي إذا حصلت هذه الليلة ، إذا عرفت الله فيها ، معرفة تليق بجلاله فأفضل من حياتك كلها ، هذا الذي عناه علماء التفسير .
أيها الأخوة الأكارم ؛ وبعد رمضان تأتي الأشهر الحرم ، رجب ، وذي القعدة، وذي الحجة ، ومحرم ، لقول الله عز وجل :
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾
[ سورة التوبة : 36 ]
أي عمل فيه عدوان في هذه الأشهر العقاب يضاعف ، لأن هذه الأشهر جعلها الله أشهر أمان وسلم بين الناس .
أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الحكمة من تحريم الدم المسفوح :
أيها الأخوة الأكارم ؛ ربنا سبحانه وتعالى حرم علينا الدم المسفوح ، وفي كلمة المسفوح إشارة إلى أن هذا الدم فيه الجراثيم ، وهو في الأوردة والشرايين هناك أجهزة بأعلى مستوى للتصفية ، دائماً الكليتان والرئتان ينقيان الدم من الغازات والمواد السامة ، فالكليتان تنقيان من المواد السامة ، والرئتان تنقيان من الغازات السامة ، ولكن إذا ماتت الدابة أصبح الدم موطناً للجراثيم والأوبئة ، فلذلك الشيء الذي يلفت النظر أن العالم الغربي إلى وقت قريب ، وبعد أن اكتشفت الجراثيم صدرت القوانين بتحريم الدم ، وتحريم لحوم الميتة ، بعد أن عرفوا ، ولكن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قبل ألف و أربعمئة عام حرم علينا الدم المسفوح ، وحرم علينا لحم الدابة الميتة .
الشيء الذي يؤكد هذه الحقيقة أن أي سكين جزار فيها آلاف مؤلفة من الجراثيم، وبمجرد أن تلامس هذه الجراثيم الدم تتوالد كل نصف ساعة و تتضاعف ، أي في ثلاث ساعات من ألف جرثوم إلى مئات مئات الألوف من الجراثيم ، فلذلك لما حرم ربنا عز وجل في كتابه الكريم علينا الدم ، وحرم علينا لحم الميتة ، هذا يتطابق مع أحدث النظريات الحديثة المتعلقة بتكاثر الجراثيم وبالعدوى ، حينما تقرأ القرآن يجب أن تعلم أن هذا كلام الصانع .
﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
[ سورة فاطر : 14 ]
ليس من جهة أعظم خبرة ، وأعظم صواباً من خالق الكون .
تعليمات الصانع ليست حداً للحرية و لكنها ضمان للسلامة :
فلذلك إذا أحببت نفسك ، إذا أردت أن تنجو بجلدك من متاعب الحياة ، فطبق تعليمات الصانع ، وهذا القرآن الكريم هو تعليمات الصانع ، هذا الذي ينبغي أن يفهمه المؤمن ، أي ليست أوامر الدين حداً لحريتك هذا فهم ساذج ، إذا رأيت عمود كهرباء كتب عليه : خطر الموت ، تشعر أن المسؤولين وضعوا هذه اللوحة ليحدوا من حريتك ؟ لا والله ، إنما وضعوها ليضمنوا لك سلامتك . يجب أن تفهم الدين هذا الفهم العميق ، إذا رأيت جسراً ، وعليه لوحة كتب عليها : الحمولة القصوى خمسة أطنان ، وأنت تقود شاحنة حمولتها سبعة أطنان ، فإذا أردت أن تسير على هذا الجسر ، هل تقول : هل أخالف ؟ هل هناك من يراقبني؟ لا ، القضية أعمق من ذلك ، إذا مررت على هذا الجسر فلابد من أن تسقط في النهر ، هذه اللوحة التي كتبت على هذا الجسر ليست لحد حريتك ، ولكنها ضمان لسلامتك ، هذا ينبغي أن يفهمه المؤمن ، أي إن هناك علاقة علمية ، بمعنى أن هناك علاقة سبب بنتيجة بين الطاعة ونتائجها ، وبين المعصية ونتائجها ، فلمجرد أن ترتكب المعصية تقطف ثمارها ، ثمارها فيها ، أية طاعة ثمارها فيها ، وأية معصية ثمارها فيها ، وأمر الله عز وجل ليس حداً من حريتك ، إنما هو ضمان لسلامتك ، فربنا عز وجل حدّ حدوداً قال :
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾
[ سورة البقرة : 229 ]
أما هناك حدود ، كهذا التيار الكهربائي العالي التوتر ، حول هذا التيار ساحة تجذب إليه ، إذا كانت المعاصي من هذا النوع تنطبق عليك الآية الأخرى :
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
[ سورة البقرة : 187 ]
بين فلا تعتدوها ، وبين فلا تقربوها مسافة كبيرة ، الحدود التي من شأنها أن تجذب الإنسان إليها هذه لا تقربوها .
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾
[ سورة الإسراء : 32 ]
الزنا خطوات .
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
[ سورة البقرة : 187 ]
أما أكل المال الحرام :
﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾
هناك لا تقربوها ، وهناك لا تعتدوها ، وعلى كل هـي حدود سلامتك ، إذا قلنا : حدود الله هي حدود سلامتك ، حدود أن يرضى الله عنك ، حدود إقبالك على الله ، حدود أن تستحق عناية الله بك ، حدود أن تستحق حفظ الله لك، إذا كنت في طاعة الله فأنت في ذمة الله ، أنت في حفظ الله ، وفي توفيقه ، ولو أننا بحثنا عن كل طاعة ، وعن كل معصية لعرفنا أن الطاعة تنطوي على خير ليس له حدود ، والمعصية تنطوي على شر ليس له حدود ، ولكن الإنسان عليه أن يفهم ، وعليه أن يسلم فيما لا يفهم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» خطبه الجمعة - الخطبة 0294 : خ1 - الوقت5- أسباب طول العمر
» خطبه الجمعة - الخطبة 0290 : خ1 - الوقت2- الحرص على الوقت ، خ2 - العدوى.
» خطبه الجمعة - الخطبة 0289 : خ1 - الوقت1- أهميته وخصائصه ، خ2 - الجراثيم.
» خطبه الجمعة - الخطبة 0292 : خ1 - الوقت3- حديث القرآن والسنة عن الوقت ، خ2 - معنى عميق.
» أدب الخطبة (تتمة) /
» خطبه الجمعة - الخطبة 0290 : خ1 - الوقت2- الحرص على الوقت ، خ2 - العدوى.
» خطبه الجمعة - الخطبة 0289 : خ1 - الوقت1- أهميته وخصائصه ، خ2 - الجراثيم.
» خطبه الجمعة - الخطبة 0292 : خ1 - الوقت3- حديث القرآن والسنة عن الوقت ، خ2 - معنى عميق.
» أدب الخطبة (تتمة) /
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى