خطبه الجمعة - الخطبة 0290 : خ1 - الوقت2- الحرص على الوقت ، خ2 - العدوى.
صفحة 1 من اصل 1
خطبه الجمعة - الخطبة 0290 : خ1 - الوقت2- الحرص على الوقت ، خ2 - العدوى.
الحرص على الوقت :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ بدأنا في الخطبة السابقة في موضوع جديد ، وهو موضوع الوقت ، وقد بينت لكم بفضل الله تعالى أن الوقت أخطر شيء في حياة الإنسان ، بل إن الإنسان ما هو إلا بضعة أيام ، إنه وقت ، وأن مضي الوقت ليس في صالح الإنسان ، إن مضي الوقت ينقص حياة الإنسان ، قال تعالى :
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾
[ سورة العصر : 1ـ 2 ]
الوقت يمضي ، العمر يمضي ، الإنسان عندئذ يقترب من نهايته .
﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[ سورة العصر : 3 ]
إذا خلت حياة الإنسان من إيمان ، وخلت من عمل صالح ، وخلت من دعوة إلى الحق ، ومن صبر على الإيمان والعمل والدعوة ، فحياة هذا الإنسان خسارة في خسارة .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ آيات كثيرة ، وأحاديث صحيحة كثيرة تحض المسلم على الحفاظ على وقته ، لأنه رأس ماله ، لأنه أثمن شيء يملكه .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ كان السلف الصالح ، يحرصون على أوقاتهم كما يحرص الناس اليوم على دراهمهم ودنانيرهم ، الإنسان اليوم يخاف على ماله ، من أن يفقد قيمته ، يحاول أن يستثمره ، يحاول أن ينقله من جهة إلى أخرى ، من أجل الحفاظ عليه ، كان أجدادنا رحمهم الله تعالى يحافظون على أوقاتهم ، لأنها أخطر شيء في حياتهم ، كما يحافظ الناس اليوم على أموالهم ، يبحثون عن مصادر أمينة يستثمرونها ، يبحثون عن المردود الأفضل في الوقت الأقل ، إن هذا الاهتمام في تنمية المال والحفاظ عليه ، يقابله عند الأجداد اهتمام في الحفاظ على الوقت واستثماره .
يا أيها الأخ الكريم ؛ أنت بين رجلين ، أو أنت أحد رجلين ، إما أنك تستهلك الوقت استهلاكًا رخيصاً ، وإما أنك تستثمره .
الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم ، أدركت أقواماً - والإمام الحسن البصري من أئمة التابعين ، الصحابة الكرام سمعوا من رسول الله ، والتابعون سمعوا من أصحاب رسول الله ، وتابعو التابعين سمعوا ممن سمع من رسول الله ، هؤلاء هم جماعة المسلمين الذين ينبغي أن نقتدي بهم - يقول الإمام الحسن البصري : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على الدراهم والدنانير .
ضعف الإنسان بعد قوته تنبيه لطيف ليعود إلى صوابه :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ لسيدنا عمر بن عبد العزيز كلمة رائعة ، يقول : " إن الليل والنهار يعملان فيك - يعملان في الإنسان ، يكبر الإنسان ، يشيب شعره ، يضعف بصره، يحتاج إلى نظارة ، تضعف قوته ، تضعف فاعلية أجهزته ، يشعر بالوهن - إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما أنت " ، أي اعمل في الليل والنهار العمل الصالح ، إن لم تعمل في الليل والنهار العمل الصالح ، عمل الليل والنهار فيك ، فهما يعملان فيك ، فاعمل فيهما ، هما يعملان فيك ، هذه الخلايا تضعف ، هذه الأجهزة تضعف فعاليتها ، هذه المقاومة تضعف ، هذه القوة تضعف ، هذا البصر الحاد يضعف ، هذا السمع المرهف يضعف ، هذه الذاكرة تضعف ، الأجهزة التي خلقها الله فيك لحكمة أرادها تضعف شيئاً فشيئاً ، وكأن ضعف الأجهزة إشارة لطيفة ، تنبيه لطيف من المولى جل وعلا أن يا أيها الإنسان قد اقترب اللقاء ، فهل أنت مستعد له ؟ اقترب اللقاء . عبدي شاب شعرك ، وانحنى ظهرك ، وضعف بصرك، فاستح مني فأنا أستحي منك ، الله سبحانه وتعالى يجعل له من بعد القوة ضعفاً ، هذا الضعف تنبيه - كما قلت قبل قليل - لطيف كي يعود الإنسان إلى صوابه .
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
إلى متى ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال بديـع
لو كان حبك صـادقاً لأطعتـــه إن المحب لمن يحب مطيع
***
من علامات المقت إضاعة الوقت :
قال بعض العلماء : من علامة المقت إضاعة الوقت ، من علامة المقت ، أي من علامة مقت الله لهذا الإنسان أن يضيع وقته .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
[ سورة الصف : 2 ـ 3 ]
كبر مقتاً ، هذا الذي يستهلك أوقاته في القيل والقال ، في المعاصي ، في الترهات ، في الأباطيل ، في الأعمال الفارغة ، في أعمال لا تقدم ولا تؤخر ، هذا يمقته الله عز وجل ، لذلك احفظوا هذه الحكمة : من علامات المقت إضاعة الوقت .
الشيء الذي يلفت النظر أنه لو ضربنا على إضاعة الوقت مثلاً : لو أن ممرًّا متحركاً ، عليه أناس يتحركون أيضاً ، إذا ترك الإنسان هذا الممر ووقف ، يبدو أنه واقف ، ولكنه قد سبق ، هؤلاء الذين يتحركون قد سبقوه ، فأنت لمجرد أن تقف ، أن يقف علمك ، أن يقف عملك ، أن يقف إقبالك ، فقد سُبقت ، من هنا ورد في الخبر أن المغبون من تساوى يوماه، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، إذا كنت واقفًا على رصيف متحرك نحو الأمام ، ونزلت من هذا الرصيف وبقيت واقفاً فأنت مسبوق ، لأن هذا الركض متحرك ، وأنت واقف ، فالوقت يجري ، ويمضي الأسبوع تلو الأسبوع ، والشهر تلو الشهر ، والفصل تلو الفصل ، والعام تلو العام ، وهكذا تمضي الأيام ، وكأن العمر ساعة ، الدنيا ساعة اجعلها طاعة ، ألم أقل لكم في الخطبة السابقة إن الصلوات الخمس ميزان اليوم ، وإن صلاة الجمعة ميزان الأسبوع ، مضى أسبوع على اللقاء السابق بيننا ، ماذا حصّلت في هذا الأسبوع ؟ ماذا غنمت في هذا الأسبوع من عمل صالح ؟ هل ارتقى علمك في هذا الأسبوع ؟ هل طبقت الذي سمعته في الأسبوع الماضي؟ الصلوات الخمس ميزان اليوم ، وصلاة الجمعة ميزان الأسبوع ، وشهر الصوم ميزان العام ، والحج ميزان العمر .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ قال بعضهم : " من كان يومه كأمسه فهو مغبون ، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون " ، كان مبتعداً عن الربا ، فأقنعه زملاؤه التجار أن هذا لابد منه ، كان ممتنعاً فارتكب معصية الربا ، هذا يومه أسوأ من أمسه فهو ملعون ، كانت زوجته ملتزمة في ثيابها ، شرع الله عز وجل ، فتفلتت من هذا الالتزام ، فهو ملعون ، من كان يومه كأمسه فهو مغبون ، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون .
الحرص على العلم النافع و العمل الصالح :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ يجب أن تحرص على علم نافع ، أو على عمل صالح، أو على مجاهدة النفس والهوى ، أو على إصلاح ذات البين ، أو على أمر بمعروف ، وعلى نهي عن منكر ، حتى لا يستهلك الوقت هذا الإنسان فيصبح نادماً على ما فات .
الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ، ولم يزدد فيه عملي .
أيها الأخوة الأكارم ؛ بعض العلماء يرفعون إلى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث ، وبعضهم يوقفونه على أصحاب النبي :" لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله علماً يقربني من الله عز وجل" .
لا بورك لي في يوم ، هذا اليوم غير مبارك ، هذا اليوم يوم نحس ، هذا يوم ضائع ، هذا يوم خاسر ، هذا يوم لا قيمة له ، أي يوم لم تزدد فيه من الله قرباً بعمل صالح ، أو لم تزدد فيه من الله علماً ، بتحصيل علم ، فهذا اليوم ليس من عمرك ، بل ضياع في ضياع، من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه فقد عق يومه ، وظلم نفسه . ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة . ما من يوم يمضي من غير حق يقضيه ، أو فرض يؤديه ، أو حمد يحصله ، أو خير يؤسسه ، أو علم يقتبسه ، فقد عقّ ذلك اليوم ، وظلم نفسه .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ هناك أناس وما أكثرهم ، يقتلون الوقت ، إنهم ينتحرون ، ولكن انتحارهم هو انتحار بطيء . أحد العلماء الصالحين كان يمشي في الطريق مع أحد تلاميذه فرأى مقهى يعج برواده ، فقال : آه لو أن الوقت يشترى من هؤلاء ، لو أن الوقت يباع لاشتريته من هؤلاء .
بذل المال أهون من بذل النفس :
أثمن شيء تملكه هو الوقت ، إنه رأس مالك ، حياة كل منا مجموعة أيام ، كيف يستهلكها ، إما أن يستهلكها ، وإما أن يستثمرها ، إن استهلكها في طلب الدنيا ، وجاء الموت ، ندم على ما فعل ، وإن استثمرها في عمل صالح وجاء ملك الموت ، شعر بالنجاح ، شعر بالتفوق ، شعر بالفوز ، شعر بالتوفيق ، شعر بأنه إنسان عرف ربه ، وعرف مهمته ، وعرف نفسه .
قلت لكم سابقاً إن الذي يمسك الأموال بيده ويلقيها في الطريق هذا ما اسمه بالشرع ؟ اسمه سفيه ، أي أحمق ، وهذا السفيه يحجر عليه شرعاً ، الذي ينفق ماله جزافاً من غير تبصر ، من غير حكمة يسمى في الشرع سفيهاً ، والسفيه يحجر عليه .
مقدمة ثانية : إذا تعطلت أحد أجهزة الإنسان ، وكان ثمن تطبيبه ، أو زرع عضو آخر مكانه ثروةً لا تملك غيرها ، أي إنسان يضحي بماله كله من أجل أن يبقى حياً ، هكذا طبيعة الحياة ، هكذا فطر الإنسان ، إذا اقتضى أن يدفع الإنسان ماله كله من أجل زرع كلية ، أو شراء صمام قلب ، ما تردد ثانية ، ماذا يفهم من هذا ؟ يفهم من هذا أن الحياة أغلى على الإنسان من المال ، يؤكد هذا أن الله سبحانه وتعالى في ثماني عشرة آية قدم بذل المال على بذل النفس .
﴿جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾
[ سورة التوبة : 88 ]
معنى ذلك أن بذل المال أهون من بذل النفس ، أهون بكثير ، إذاً الحياة أغلى من المال ، إذاً الذي يبدد ماله من غير حكمة يعد عند المجتمع سفيهاً ، ويجب أن يحجر عليه، فكيف بالذي يبدد وقته وهو أغلى من المال ؟ إن الذي يبدد وقته من دون طائل لهو أحق من أن يحجر عليه من هذا الذي يبدد ماله ، الوقت ثمين ، لا تنسَ هذه الكلمة ، أنت وقت ، أنت بضعة أيام ، بضعة سنين وأعوام ، أنت بضعة دقائق وثوان ، دقات قلب المرء قائلة له ، القلب يدق ، إذاً أنت حي ، فإذا توقف القلب انتهت الحياة ، وهذا القلب له أجل .
دقات قلب المرء قائلة لــــــــــــه إن الحياة دقائق و ثــــوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
***
الفرق بين الوقت و المال :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ فرق دقيق بين الوقت والمال ، المال إذا ضاع يعوض ، ولكن الوقت إذا ضاع لا يعوض ، عقارب الزمن لا ترجع إلى الوراء . ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها ، الذي يجلس على مائدة النرد يقتل وقته ، الذي يجلس مع صديقه على رقعة الشطرنج يقتل وقته ، الذي يلعب الورق يقتل وقته ، الذي يجلس وراء الملهيات ليتابع المسلسلات يقتل وقته ، هذا الذي يقتل وقته ينتحر انتحاراً بطيئاً وهو لا يدري ، لأنك وقت ، لأنك بضعة أيام ، ولك مهمة خطيرة ، إن هذه المهمة يبنى عليها سعادة الآخرة ، يبنى عليها سعادة الأبد وأنت في هذا الوقت الحرج .
مثلاً : طالب يجلس على طاولة الامتحان ، وهناك وقت محدود ، فإذا أمضى هذا الوقت في ألعاب ، أو في حركات ، أو في كتابات لا طائل منها ، ونسي أن يكتب الإجابات ، هذه الساعات الثلاث ، ساعات الامتحان خطيرة جداً ، يبنى عليها النجاح أو الرسوب ، والله الذي لا إله إلا هو ما وقتنا بأقل خطورة من هذه الساعات الثلاث التي يمضيها الطالب وهو على طاولة الامتحان ، نوع الإجابة ، دقة الإجابة ، صحة الإجابة ، تنظيم الوقت ، ربما يسهم في نجاحك .
الوقت والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ شيء آخر يتعلق بالوقت : الآن هناك نعمة لا يعرفها معظم الناس نعمة الفراغ ، أن يبقي لك عملك وقت فراغ ، هناك أعمال تستغرق أوقات الإنسان كلها ، هذا العمل لو درّ عليك مئات الألوف في كل شهر فهو خسارة ، العمل الذي يستغرق الوقت كله خسارة محققة ، لأن هذا العمل لن يبقي لك وقتاً تفكر فيه بمهمتك ، هذا العمل ، وهذا الدخل الكبير لم يبقِ لك وقتاً تعرف فيه نفسك ، تعرف فيه ربك ، تعرف فيه لماذا أنت في الدنيا هذا شيء خطير ، لذلك من أبقى له عمله نعمة الفراغ فهذه نعمة لا تقدر بثمن .
الإمام البخاري رضي الله عنه ورحمه الله تعالى أورد حديثاً في صحيحه عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال :
((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ؛ الصحة والفراغ))
[البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]
وفي تفسير سورة التكاثر في قوله تعالى :
﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾
[ سورة التكاثر : 8]
قال بعض المفسرين : النعيم هو الصحة والفراغ ، كلمة مغبون تستعمل في البيع والشراء ، كلمة تجارية ، كأن النبي عليه الصلاة والسلام شبه هذا الإنسان الذي جاء إلى الدنيا بتاجر ، وعدّ رأس ماله الوقت ، فمن أطاع الله عز وجل ربحت تجارته ، ومن أطاع الشيطان خسر تجارته فصار مغبوناً ، فالوقت والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس .
والحديث المشهور الذي تعرفونه جميعاً ، والذي لشدة وروده على مسامعكم ربما لا تفكرون فيه:
((اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ))
[ الحاكم في المستدرك والبيقهي في شعب الإيمان عن ابن عباس وأحمد في مسنده ]
اغتنم الفراغ ، يا أيها الشباب الإنسان قبل الزواج عنده وقت فراغ كبير ، اغتنمه في معرفة الله عز وجل ، يا أيها الأزواج في مطلع العمر هناك وقت كبير :
((اغتنم خمساً قبل خمس ))
اغتنم الشباب قبل الهرم ، والصحة قبل السقم ، والغنى قبل الفقر ، والفراغ قبل الشغل ، والحياة قبل الموت .
من أحسن استغلال فراغه ارتقى عند الله عز وجل :
الشيء الذي يلفت النظر أن الفراغ اسم على غير مسمى الفراغ نظري ، لكن الفراغ لا يبقى فراغاً لابد من أن يملأ ، إما أن يملأ بخير ، وإما أن يملأ بشر ، فنفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر أبداً ، ابنك إن لم تشغله بالخير شغلك بالشر ، زوجتك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، إذا كان الوقت أثمن شيء في حياة الإنسان فإن الوقت نفسه أخطر شيء في حياة الإنسان ، هذه النعمة نعمة الفراغ ، إذا الإنسان كفر بها شغلها الله عز وجل بالهم والحزن ، نعمة الفراغ إما أن تستغلها في معرفة الله ، وإما أن تستغلها في طاعة الله، وإما أن تستغلها في العمل الصالح ، وإما أن تستغلها في طلب العلم ، وإما أن تستغلها في فعل الخيرات ، في الأمر بالمعروف ، في النهي عن المنكر ، في الإصلاح بين الناس ، وإما أن يملأها الله بالمشاغل ، والمتاعب ، والمشكلات ، والخصومات ، والدعاوى ، هذه النعمة الكبيرة التي منحك الله إياها من أجل أن ترقى إليه إن لم تحسن استغلالها سوف تكون عبئًا عليك ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .
يقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى في كتابه الشهير الحكم العطائية: " الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه ، وأن تقل العوائق ، ثم لا ترحل إليه " ، هذا هو الخذلان ، هذه هي الخسارة ، هذا هو الحمق ، هذا هو الغبن ، أن تكون فارغاً وتلعب النرد ، أن تكون فارغاً وتمضي سهرة في معصية الله عز وجل ، في الغيبة ، في النميمة، أن تمضي وقتك في قراءة شيء تافه ، في متابعة شيء تافه ، في حديث تافه ، في كلام فارغ ، في شيء لا يسعدك لا في الدنيا ولا في الآخرة ، الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ، ثم لا تتوجه إليه ، وأن تقل العوائق ، ثم لا ترحل إليه .
السلف الصالح رحمهم الله تعالى كانوا يكرهون من الرجل الفراغ إن في أمر دنياه أو في أمر دينه ، قال بعض العلماء : الفراغ للرجال غفلة ، وللنساء غلمة ، المرأة الفارغة ربما فكرت في غريزتها ، ربما تطلعت إلى غير زوجها ، ربما خانت زوجها ، الفراغ للرجال غفلة ، وللنساء غلمة ، ويشتد خطر الفراغ إذا أضيف إليه الشباب ، ويشتد خطر هذين الشيئين إذا أضيف لهما المال ، لذلك أخطر شيءٍ في الحياة أن يكون المرء شاباً ، وفارغاً ، ومقتدراً مالياً ، الفراغ ، والشباب ، والمال ، مفسدة للمرء أي مفسدة ، فراغ ، وشباب ، ومال ، لابد من السقوط، لابد من الانحراف ، كان سيدنا عمر يقول : " إنني أسمع بالرجل ليس له عمل فيسقط من عيني" ، سيدنا علي يقول : " قيمة المرء ما يحسنه " يجب أن يكون لك عمل تتقنه ، تعيش منه.
أيها الأخوة المؤمنون ؛ موضوع الوقت طويل ، ولابد من العودة إليه في خطبة أخرى ، لكن أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا ، لأن العلم من دون عمل كالشجر بلا ثمر ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((تعلموا ما شئتم ، فوالله لن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم ، وكل علم وبال على صاحبه ما لم يعمل به ، والعلم ما عمل به ، فإن لم يعمل به كان الجهل أفضل منه ))
[ورد في الأثر]
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
العدوى :
أيها الأخوة الأكارم ؛ حديث له علاقة بالموضوع السابق ، موضوع العدوى ؛ كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر قرناً وزيادة ، قال في حديث صحيح رواه البخاري :
((لا عدوى))
[ البخاري عن أبي هريرة]
النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى ، وكلامه وحي يوحى ، يقول :
((لا عدوى))
والعدوى ثابتة ، ألم يقل في حديث آخر :
((إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها))
[ المعجم الكبير عن زيد بن ثابت]
لماذا ؟ من أجل العدوى ، إن أحدث بحثٍ في علم الجراثيم هو أنه لا عدوى ، فالجرثوم قد ينتقل من مريض إلى صحيح ، ولا يمرض الصحيح ، وقد ينتقل من صحيح إلى صحيح فيمرض الصحيح الثاني ، وقد ينتقل من مريض إلى صحيح فتسبب هذه الجرثومة للصحيح مناعة يزداد قوة ، وقد ينتقل من صحيح إلى صحيح أول ، وصحيح ثان ، وثالث ، ورابع ، وخامس ، وعاشر ، فيصاب الصحيح العاشر .
من مريض إلى صحيح لا مرض . من صحيح إلى صحيح مرض . من مريض إلى صحيح قوة ونشاط . من صحيح إلى صحيح إلى صحيح ، الصحيح العاشر يمرض . فحينما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
((لا عدوى))
أي إن العدوى لا تمرض ، ولكن العدوى تهيئ أسباب المرض ، هذا معنى قول النبي ، وفي منتهى الدقة ، إن العدوى تهيئ أسباب المرض لذلك ، قال في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري :
((لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة ، وفر من المجزوم ، فرارك من السبع ))
[ أخرجه البخاري]
فر منه ، ليس في هذا الحديث تناقض أبداً ، العدوى وحدها لا تمرض ، ولكن العدوى تهيئ أسباب المرض .
شيء آخر :
((تنكبوا الغبار ، فمنه تكون النسمة))
[ ورد في الأثر]
النسمة كما فسر هذا الحديث علماء الحديث حيوانات صغيرة دقيقة تسبب للإنسان ضيق النفس ، أي الجراثيم تنكبوا الغبار ، فمنه تكون النسمة ، وقد سئل بعض العلماء علماء الجراثيم : ما المنطقة في الإنسان التي يكثر فيها العدوى ؟ فقال : الأطراف الأربعة والوجه ، وما الوضوء ؟ يجب أن تغسل يديك ، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نغسل أيدينا لا في الإناء ، ولكن في ماء منتزع من الإناء ، فإذا كان في الأيدي جراثيم لا ينتقل هذا الجرثوم إلى ماء الإناء ، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا هذه المنافذ التي ينفذ منها الجرثوم إلى الجسم كالأنف ، والفم ، والأذنان ، هذه يجب أن تغسل في اليوم والليلة خمس مرات ، الوضوء أكبر وقاية من العدوى ، الوضوء وحده ، المضمضة والاستنشاق ، وغسل الوجه ، واليدين ، والرجلين.
شيء آخر : النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالسواك ، وفي أحدث بحوث السواك أن فيه مادة قاتلة للجراثيم ، لذلك بعض المعاجين الآن تستخدم مسحوق السواك في المعجون .
شيء آخر : العدوى تنتقل عن طريق جهاز التنفس ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام ، قال لأحد أصحابه وهو يشرب :
((أبن القدح عن فيك -أبعده عن فمك - لئلا يكون النفس فيه))
[ البيهقي عن أبي سعيد]
ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يتنفس الإنسان في الإناء ، إذا شرب من الإناء لا ينبغي أن يتنفس فيه ، لذلك هذه التوجيهات النبوية التي قالها النبي عليه الصلاة والسلام قبل ألف و أربعمئة عام تنطبق مع أحدث الموضوعات المتعلقة بالعدوى والجراثيم .
يا أيها الأخوة الكرام ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((لا يورد ممرض على مصح))
[مسلم عن أبي هريرة ]
أي المريض لا ينبغي أن يزور صحيحاً ، وإذا زار الصحيح مريضاً لا ينبغي أن يأكل عنده شيء ، لعل في طعامه هذا الجرثوم ، وإذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها . أعرابي سأل النبي عليه الصلاة والسلام : ما بال الإبل تكون في الرمل فيدخل فيها الجمل الأجرب ، فيجربها كلها ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((من أعدى الأول ؟ ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
النبي لا ينفي العدوى ، ولكن ينفي أن تكون العدوى سبباً للمرض ، أمرنا أن نأخذ الوقاية ، ولكن العدوى وحدها لا تكفي ، لنقل المرض ، لأن هناك حالات كثيرة ، لا تكفي العدوى فيها للمرض ، هذه التوجيهات النبوية من أدق التوجيهات العلمية لأنه لا ينطق عن الهوى ، لأن في تعليماته تعليمات الصانع .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين
أيها الأخوة المؤمنون ؛ بدأنا في الخطبة السابقة في موضوع جديد ، وهو موضوع الوقت ، وقد بينت لكم بفضل الله تعالى أن الوقت أخطر شيء في حياة الإنسان ، بل إن الإنسان ما هو إلا بضعة أيام ، إنه وقت ، وأن مضي الوقت ليس في صالح الإنسان ، إن مضي الوقت ينقص حياة الإنسان ، قال تعالى :
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾
[ سورة العصر : 1ـ 2 ]
الوقت يمضي ، العمر يمضي ، الإنسان عندئذ يقترب من نهايته .
﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
[ سورة العصر : 3 ]
إذا خلت حياة الإنسان من إيمان ، وخلت من عمل صالح ، وخلت من دعوة إلى الحق ، ومن صبر على الإيمان والعمل والدعوة ، فحياة هذا الإنسان خسارة في خسارة .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ آيات كثيرة ، وأحاديث صحيحة كثيرة تحض المسلم على الحفاظ على وقته ، لأنه رأس ماله ، لأنه أثمن شيء يملكه .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ كان السلف الصالح ، يحرصون على أوقاتهم كما يحرص الناس اليوم على دراهمهم ودنانيرهم ، الإنسان اليوم يخاف على ماله ، من أن يفقد قيمته ، يحاول أن يستثمره ، يحاول أن ينقله من جهة إلى أخرى ، من أجل الحفاظ عليه ، كان أجدادنا رحمهم الله تعالى يحافظون على أوقاتهم ، لأنها أخطر شيء في حياتهم ، كما يحافظ الناس اليوم على أموالهم ، يبحثون عن مصادر أمينة يستثمرونها ، يبحثون عن المردود الأفضل في الوقت الأقل ، إن هذا الاهتمام في تنمية المال والحفاظ عليه ، يقابله عند الأجداد اهتمام في الحفاظ على الوقت واستثماره .
يا أيها الأخ الكريم ؛ أنت بين رجلين ، أو أنت أحد رجلين ، إما أنك تستهلك الوقت استهلاكًا رخيصاً ، وإما أنك تستثمره .
الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم ، أدركت أقواماً - والإمام الحسن البصري من أئمة التابعين ، الصحابة الكرام سمعوا من رسول الله ، والتابعون سمعوا من أصحاب رسول الله ، وتابعو التابعين سمعوا ممن سمع من رسول الله ، هؤلاء هم جماعة المسلمين الذين ينبغي أن نقتدي بهم - يقول الإمام الحسن البصري : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على الدراهم والدنانير .
ضعف الإنسان بعد قوته تنبيه لطيف ليعود إلى صوابه :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ لسيدنا عمر بن عبد العزيز كلمة رائعة ، يقول : " إن الليل والنهار يعملان فيك - يعملان في الإنسان ، يكبر الإنسان ، يشيب شعره ، يضعف بصره، يحتاج إلى نظارة ، تضعف قوته ، تضعف فاعلية أجهزته ، يشعر بالوهن - إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما أنت " ، أي اعمل في الليل والنهار العمل الصالح ، إن لم تعمل في الليل والنهار العمل الصالح ، عمل الليل والنهار فيك ، فهما يعملان فيك ، فاعمل فيهما ، هما يعملان فيك ، هذه الخلايا تضعف ، هذه الأجهزة تضعف فعاليتها ، هذه المقاومة تضعف ، هذه القوة تضعف ، هذا البصر الحاد يضعف ، هذا السمع المرهف يضعف ، هذه الذاكرة تضعف ، الأجهزة التي خلقها الله فيك لحكمة أرادها تضعف شيئاً فشيئاً ، وكأن ضعف الأجهزة إشارة لطيفة ، تنبيه لطيف من المولى جل وعلا أن يا أيها الإنسان قد اقترب اللقاء ، فهل أنت مستعد له ؟ اقترب اللقاء . عبدي شاب شعرك ، وانحنى ظهرك ، وضعف بصرك، فاستح مني فأنا أستحي منك ، الله سبحانه وتعالى يجعل له من بعد القوة ضعفاً ، هذا الضعف تنبيه - كما قلت قبل قليل - لطيف كي يعود الإنسان إلى صوابه .
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
إلى متى ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال بديـع
لو كان حبك صـادقاً لأطعتـــه إن المحب لمن يحب مطيع
***
من علامات المقت إضاعة الوقت :
قال بعض العلماء : من علامة المقت إضاعة الوقت ، من علامة المقت ، أي من علامة مقت الله لهذا الإنسان أن يضيع وقته .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
[ سورة الصف : 2 ـ 3 ]
كبر مقتاً ، هذا الذي يستهلك أوقاته في القيل والقال ، في المعاصي ، في الترهات ، في الأباطيل ، في الأعمال الفارغة ، في أعمال لا تقدم ولا تؤخر ، هذا يمقته الله عز وجل ، لذلك احفظوا هذه الحكمة : من علامات المقت إضاعة الوقت .
الشيء الذي يلفت النظر أنه لو ضربنا على إضاعة الوقت مثلاً : لو أن ممرًّا متحركاً ، عليه أناس يتحركون أيضاً ، إذا ترك الإنسان هذا الممر ووقف ، يبدو أنه واقف ، ولكنه قد سبق ، هؤلاء الذين يتحركون قد سبقوه ، فأنت لمجرد أن تقف ، أن يقف علمك ، أن يقف عملك ، أن يقف إقبالك ، فقد سُبقت ، من هنا ورد في الخبر أن المغبون من تساوى يوماه، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، إذا كنت واقفًا على رصيف متحرك نحو الأمام ، ونزلت من هذا الرصيف وبقيت واقفاً فأنت مسبوق ، لأن هذا الركض متحرك ، وأنت واقف ، فالوقت يجري ، ويمضي الأسبوع تلو الأسبوع ، والشهر تلو الشهر ، والفصل تلو الفصل ، والعام تلو العام ، وهكذا تمضي الأيام ، وكأن العمر ساعة ، الدنيا ساعة اجعلها طاعة ، ألم أقل لكم في الخطبة السابقة إن الصلوات الخمس ميزان اليوم ، وإن صلاة الجمعة ميزان الأسبوع ، مضى أسبوع على اللقاء السابق بيننا ، ماذا حصّلت في هذا الأسبوع ؟ ماذا غنمت في هذا الأسبوع من عمل صالح ؟ هل ارتقى علمك في هذا الأسبوع ؟ هل طبقت الذي سمعته في الأسبوع الماضي؟ الصلوات الخمس ميزان اليوم ، وصلاة الجمعة ميزان الأسبوع ، وشهر الصوم ميزان العام ، والحج ميزان العمر .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ قال بعضهم : " من كان يومه كأمسه فهو مغبون ، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون " ، كان مبتعداً عن الربا ، فأقنعه زملاؤه التجار أن هذا لابد منه ، كان ممتنعاً فارتكب معصية الربا ، هذا يومه أسوأ من أمسه فهو ملعون ، كانت زوجته ملتزمة في ثيابها ، شرع الله عز وجل ، فتفلتت من هذا الالتزام ، فهو ملعون ، من كان يومه كأمسه فهو مغبون ، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون .
الحرص على العلم النافع و العمل الصالح :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ يجب أن تحرص على علم نافع ، أو على عمل صالح، أو على مجاهدة النفس والهوى ، أو على إصلاح ذات البين ، أو على أمر بمعروف ، وعلى نهي عن منكر ، حتى لا يستهلك الوقت هذا الإنسان فيصبح نادماً على ما فات .
الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ، ولم يزدد فيه عملي .
أيها الأخوة الأكارم ؛ بعض العلماء يرفعون إلى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث ، وبعضهم يوقفونه على أصحاب النبي :" لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله علماً يقربني من الله عز وجل" .
لا بورك لي في يوم ، هذا اليوم غير مبارك ، هذا اليوم يوم نحس ، هذا يوم ضائع ، هذا يوم خاسر ، هذا يوم لا قيمة له ، أي يوم لم تزدد فيه من الله قرباً بعمل صالح ، أو لم تزدد فيه من الله علماً ، بتحصيل علم ، فهذا اليوم ليس من عمرك ، بل ضياع في ضياع، من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه فقد عق يومه ، وظلم نفسه . ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة . ما من يوم يمضي من غير حق يقضيه ، أو فرض يؤديه ، أو حمد يحصله ، أو خير يؤسسه ، أو علم يقتبسه ، فقد عقّ ذلك اليوم ، وظلم نفسه .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ هناك أناس وما أكثرهم ، يقتلون الوقت ، إنهم ينتحرون ، ولكن انتحارهم هو انتحار بطيء . أحد العلماء الصالحين كان يمشي في الطريق مع أحد تلاميذه فرأى مقهى يعج برواده ، فقال : آه لو أن الوقت يشترى من هؤلاء ، لو أن الوقت يباع لاشتريته من هؤلاء .
بذل المال أهون من بذل النفس :
أثمن شيء تملكه هو الوقت ، إنه رأس مالك ، حياة كل منا مجموعة أيام ، كيف يستهلكها ، إما أن يستهلكها ، وإما أن يستثمرها ، إن استهلكها في طلب الدنيا ، وجاء الموت ، ندم على ما فعل ، وإن استثمرها في عمل صالح وجاء ملك الموت ، شعر بالنجاح ، شعر بالتفوق ، شعر بالفوز ، شعر بالتوفيق ، شعر بأنه إنسان عرف ربه ، وعرف مهمته ، وعرف نفسه .
قلت لكم سابقاً إن الذي يمسك الأموال بيده ويلقيها في الطريق هذا ما اسمه بالشرع ؟ اسمه سفيه ، أي أحمق ، وهذا السفيه يحجر عليه شرعاً ، الذي ينفق ماله جزافاً من غير تبصر ، من غير حكمة يسمى في الشرع سفيهاً ، والسفيه يحجر عليه .
مقدمة ثانية : إذا تعطلت أحد أجهزة الإنسان ، وكان ثمن تطبيبه ، أو زرع عضو آخر مكانه ثروةً لا تملك غيرها ، أي إنسان يضحي بماله كله من أجل أن يبقى حياً ، هكذا طبيعة الحياة ، هكذا فطر الإنسان ، إذا اقتضى أن يدفع الإنسان ماله كله من أجل زرع كلية ، أو شراء صمام قلب ، ما تردد ثانية ، ماذا يفهم من هذا ؟ يفهم من هذا أن الحياة أغلى على الإنسان من المال ، يؤكد هذا أن الله سبحانه وتعالى في ثماني عشرة آية قدم بذل المال على بذل النفس .
﴿جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾
[ سورة التوبة : 88 ]
معنى ذلك أن بذل المال أهون من بذل النفس ، أهون بكثير ، إذاً الحياة أغلى من المال ، إذاً الذي يبدد ماله من غير حكمة يعد عند المجتمع سفيهاً ، ويجب أن يحجر عليه، فكيف بالذي يبدد وقته وهو أغلى من المال ؟ إن الذي يبدد وقته من دون طائل لهو أحق من أن يحجر عليه من هذا الذي يبدد ماله ، الوقت ثمين ، لا تنسَ هذه الكلمة ، أنت وقت ، أنت بضعة أيام ، بضعة سنين وأعوام ، أنت بضعة دقائق وثوان ، دقات قلب المرء قائلة له ، القلب يدق ، إذاً أنت حي ، فإذا توقف القلب انتهت الحياة ، وهذا القلب له أجل .
دقات قلب المرء قائلة لــــــــــــه إن الحياة دقائق و ثــــوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
***
الفرق بين الوقت و المال :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ فرق دقيق بين الوقت والمال ، المال إذا ضاع يعوض ، ولكن الوقت إذا ضاع لا يعوض ، عقارب الزمن لا ترجع إلى الوراء . ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها ، الذي يجلس على مائدة النرد يقتل وقته ، الذي يجلس مع صديقه على رقعة الشطرنج يقتل وقته ، الذي يلعب الورق يقتل وقته ، الذي يجلس وراء الملهيات ليتابع المسلسلات يقتل وقته ، هذا الذي يقتل وقته ينتحر انتحاراً بطيئاً وهو لا يدري ، لأنك وقت ، لأنك بضعة أيام ، ولك مهمة خطيرة ، إن هذه المهمة يبنى عليها سعادة الآخرة ، يبنى عليها سعادة الأبد وأنت في هذا الوقت الحرج .
مثلاً : طالب يجلس على طاولة الامتحان ، وهناك وقت محدود ، فإذا أمضى هذا الوقت في ألعاب ، أو في حركات ، أو في كتابات لا طائل منها ، ونسي أن يكتب الإجابات ، هذه الساعات الثلاث ، ساعات الامتحان خطيرة جداً ، يبنى عليها النجاح أو الرسوب ، والله الذي لا إله إلا هو ما وقتنا بأقل خطورة من هذه الساعات الثلاث التي يمضيها الطالب وهو على طاولة الامتحان ، نوع الإجابة ، دقة الإجابة ، صحة الإجابة ، تنظيم الوقت ، ربما يسهم في نجاحك .
الوقت والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ شيء آخر يتعلق بالوقت : الآن هناك نعمة لا يعرفها معظم الناس نعمة الفراغ ، أن يبقي لك عملك وقت فراغ ، هناك أعمال تستغرق أوقات الإنسان كلها ، هذا العمل لو درّ عليك مئات الألوف في كل شهر فهو خسارة ، العمل الذي يستغرق الوقت كله خسارة محققة ، لأن هذا العمل لن يبقي لك وقتاً تفكر فيه بمهمتك ، هذا العمل ، وهذا الدخل الكبير لم يبقِ لك وقتاً تعرف فيه نفسك ، تعرف فيه ربك ، تعرف فيه لماذا أنت في الدنيا هذا شيء خطير ، لذلك من أبقى له عمله نعمة الفراغ فهذه نعمة لا تقدر بثمن .
الإمام البخاري رضي الله عنه ورحمه الله تعالى أورد حديثاً في صحيحه عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال :
((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ؛ الصحة والفراغ))
[البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]
وفي تفسير سورة التكاثر في قوله تعالى :
﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾
[ سورة التكاثر : 8]
قال بعض المفسرين : النعيم هو الصحة والفراغ ، كلمة مغبون تستعمل في البيع والشراء ، كلمة تجارية ، كأن النبي عليه الصلاة والسلام شبه هذا الإنسان الذي جاء إلى الدنيا بتاجر ، وعدّ رأس ماله الوقت ، فمن أطاع الله عز وجل ربحت تجارته ، ومن أطاع الشيطان خسر تجارته فصار مغبوناً ، فالوقت والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس .
والحديث المشهور الذي تعرفونه جميعاً ، والذي لشدة وروده على مسامعكم ربما لا تفكرون فيه:
((اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ))
[ الحاكم في المستدرك والبيقهي في شعب الإيمان عن ابن عباس وأحمد في مسنده ]
اغتنم الفراغ ، يا أيها الشباب الإنسان قبل الزواج عنده وقت فراغ كبير ، اغتنمه في معرفة الله عز وجل ، يا أيها الأزواج في مطلع العمر هناك وقت كبير :
((اغتنم خمساً قبل خمس ))
اغتنم الشباب قبل الهرم ، والصحة قبل السقم ، والغنى قبل الفقر ، والفراغ قبل الشغل ، والحياة قبل الموت .
من أحسن استغلال فراغه ارتقى عند الله عز وجل :
الشيء الذي يلفت النظر أن الفراغ اسم على غير مسمى الفراغ نظري ، لكن الفراغ لا يبقى فراغاً لابد من أن يملأ ، إما أن يملأ بخير ، وإما أن يملأ بشر ، فنفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر أبداً ، ابنك إن لم تشغله بالخير شغلك بالشر ، زوجتك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، إذا كان الوقت أثمن شيء في حياة الإنسان فإن الوقت نفسه أخطر شيء في حياة الإنسان ، هذه النعمة نعمة الفراغ ، إذا الإنسان كفر بها شغلها الله عز وجل بالهم والحزن ، نعمة الفراغ إما أن تستغلها في معرفة الله ، وإما أن تستغلها في طاعة الله، وإما أن تستغلها في العمل الصالح ، وإما أن تستغلها في طلب العلم ، وإما أن تستغلها في فعل الخيرات ، في الأمر بالمعروف ، في النهي عن المنكر ، في الإصلاح بين الناس ، وإما أن يملأها الله بالمشاغل ، والمتاعب ، والمشكلات ، والخصومات ، والدعاوى ، هذه النعمة الكبيرة التي منحك الله إياها من أجل أن ترقى إليه إن لم تحسن استغلالها سوف تكون عبئًا عليك ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .
يقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى في كتابه الشهير الحكم العطائية: " الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه ، وأن تقل العوائق ، ثم لا ترحل إليه " ، هذا هو الخذلان ، هذه هي الخسارة ، هذا هو الحمق ، هذا هو الغبن ، أن تكون فارغاً وتلعب النرد ، أن تكون فارغاً وتمضي سهرة في معصية الله عز وجل ، في الغيبة ، في النميمة، أن تمضي وقتك في قراءة شيء تافه ، في متابعة شيء تافه ، في حديث تافه ، في كلام فارغ ، في شيء لا يسعدك لا في الدنيا ولا في الآخرة ، الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ، ثم لا تتوجه إليه ، وأن تقل العوائق ، ثم لا ترحل إليه .
السلف الصالح رحمهم الله تعالى كانوا يكرهون من الرجل الفراغ إن في أمر دنياه أو في أمر دينه ، قال بعض العلماء : الفراغ للرجال غفلة ، وللنساء غلمة ، المرأة الفارغة ربما فكرت في غريزتها ، ربما تطلعت إلى غير زوجها ، ربما خانت زوجها ، الفراغ للرجال غفلة ، وللنساء غلمة ، ويشتد خطر الفراغ إذا أضيف إليه الشباب ، ويشتد خطر هذين الشيئين إذا أضيف لهما المال ، لذلك أخطر شيءٍ في الحياة أن يكون المرء شاباً ، وفارغاً ، ومقتدراً مالياً ، الفراغ ، والشباب ، والمال ، مفسدة للمرء أي مفسدة ، فراغ ، وشباب ، ومال ، لابد من السقوط، لابد من الانحراف ، كان سيدنا عمر يقول : " إنني أسمع بالرجل ليس له عمل فيسقط من عيني" ، سيدنا علي يقول : " قيمة المرء ما يحسنه " يجب أن يكون لك عمل تتقنه ، تعيش منه.
أيها الأخوة المؤمنون ؛ موضوع الوقت طويل ، ولابد من العودة إليه في خطبة أخرى ، لكن أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا ، لأن العلم من دون عمل كالشجر بلا ثمر ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((تعلموا ما شئتم ، فوالله لن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم ، وكل علم وبال على صاحبه ما لم يعمل به ، والعلم ما عمل به ، فإن لم يعمل به كان الجهل أفضل منه ))
[ورد في الأثر]
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
العدوى :
أيها الأخوة الأكارم ؛ حديث له علاقة بالموضوع السابق ، موضوع العدوى ؛ كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر قرناً وزيادة ، قال في حديث صحيح رواه البخاري :
((لا عدوى))
[ البخاري عن أبي هريرة]
النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى ، وكلامه وحي يوحى ، يقول :
((لا عدوى))
والعدوى ثابتة ، ألم يقل في حديث آخر :
((إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها))
[ المعجم الكبير عن زيد بن ثابت]
لماذا ؟ من أجل العدوى ، إن أحدث بحثٍ في علم الجراثيم هو أنه لا عدوى ، فالجرثوم قد ينتقل من مريض إلى صحيح ، ولا يمرض الصحيح ، وقد ينتقل من صحيح إلى صحيح فيمرض الصحيح الثاني ، وقد ينتقل من مريض إلى صحيح فتسبب هذه الجرثومة للصحيح مناعة يزداد قوة ، وقد ينتقل من صحيح إلى صحيح أول ، وصحيح ثان ، وثالث ، ورابع ، وخامس ، وعاشر ، فيصاب الصحيح العاشر .
من مريض إلى صحيح لا مرض . من صحيح إلى صحيح مرض . من مريض إلى صحيح قوة ونشاط . من صحيح إلى صحيح إلى صحيح ، الصحيح العاشر يمرض . فحينما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
((لا عدوى))
أي إن العدوى لا تمرض ، ولكن العدوى تهيئ أسباب المرض ، هذا معنى قول النبي ، وفي منتهى الدقة ، إن العدوى تهيئ أسباب المرض لذلك ، قال في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري :
((لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة ، وفر من المجزوم ، فرارك من السبع ))
[ أخرجه البخاري]
فر منه ، ليس في هذا الحديث تناقض أبداً ، العدوى وحدها لا تمرض ، ولكن العدوى تهيئ أسباب المرض .
شيء آخر :
((تنكبوا الغبار ، فمنه تكون النسمة))
[ ورد في الأثر]
النسمة كما فسر هذا الحديث علماء الحديث حيوانات صغيرة دقيقة تسبب للإنسان ضيق النفس ، أي الجراثيم تنكبوا الغبار ، فمنه تكون النسمة ، وقد سئل بعض العلماء علماء الجراثيم : ما المنطقة في الإنسان التي يكثر فيها العدوى ؟ فقال : الأطراف الأربعة والوجه ، وما الوضوء ؟ يجب أن تغسل يديك ، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نغسل أيدينا لا في الإناء ، ولكن في ماء منتزع من الإناء ، فإذا كان في الأيدي جراثيم لا ينتقل هذا الجرثوم إلى ماء الإناء ، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا هذه المنافذ التي ينفذ منها الجرثوم إلى الجسم كالأنف ، والفم ، والأذنان ، هذه يجب أن تغسل في اليوم والليلة خمس مرات ، الوضوء أكبر وقاية من العدوى ، الوضوء وحده ، المضمضة والاستنشاق ، وغسل الوجه ، واليدين ، والرجلين.
شيء آخر : النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالسواك ، وفي أحدث بحوث السواك أن فيه مادة قاتلة للجراثيم ، لذلك بعض المعاجين الآن تستخدم مسحوق السواك في المعجون .
شيء آخر : العدوى تنتقل عن طريق جهاز التنفس ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام ، قال لأحد أصحابه وهو يشرب :
((أبن القدح عن فيك -أبعده عن فمك - لئلا يكون النفس فيه))
[ البيهقي عن أبي سعيد]
ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يتنفس الإنسان في الإناء ، إذا شرب من الإناء لا ينبغي أن يتنفس فيه ، لذلك هذه التوجيهات النبوية التي قالها النبي عليه الصلاة والسلام قبل ألف و أربعمئة عام تنطبق مع أحدث الموضوعات المتعلقة بالعدوى والجراثيم .
يا أيها الأخوة الكرام ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((لا يورد ممرض على مصح))
[مسلم عن أبي هريرة ]
أي المريض لا ينبغي أن يزور صحيحاً ، وإذا زار الصحيح مريضاً لا ينبغي أن يأكل عنده شيء ، لعل في طعامه هذا الجرثوم ، وإذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها . أعرابي سأل النبي عليه الصلاة والسلام : ما بال الإبل تكون في الرمل فيدخل فيها الجمل الأجرب ، فيجربها كلها ، فقال عليه الصلاة والسلام :
((من أعدى الأول ؟ ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
النبي لا ينفي العدوى ، ولكن ينفي أن تكون العدوى سبباً للمرض ، أمرنا أن نأخذ الوقاية ، ولكن العدوى وحدها لا تكفي ، لنقل المرض ، لأن هناك حالات كثيرة ، لا تكفي العدوى فيها للمرض ، هذه التوجيهات النبوية من أدق التوجيهات العلمية لأنه لا ينطق عن الهوى ، لأن في تعليماته تعليمات الصانع .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .
والحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» خطبه الجمعة - الخطبة 0292 : خ1 - الوقت3- حديث القرآن والسنة عن الوقت ، خ2 - معنى عميق.
» خطبه الجمعة - الخطبة 0293 : خ1 - الوقت4- لكل وقت عمل
» خطبه الجمعة - الخطبة 0294 : خ1 - الوقت5- أسباب طول العمر
» خطبه الجمعة - الخطبة 0289 : خ1 - الوقت1- أهميته وخصائصه ، خ2 - الجراثيم.
» أهمية الوقت في حياة الفرد والمجتمع
» خطبه الجمعة - الخطبة 0293 : خ1 - الوقت4- لكل وقت عمل
» خطبه الجمعة - الخطبة 0294 : خ1 - الوقت5- أسباب طول العمر
» خطبه الجمعة - الخطبة 0289 : خ1 - الوقت1- أهميته وخصائصه ، خ2 - الجراثيم.
» أهمية الوقت في حياة الفرد والمجتمع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى