قوانين القرآن الكريم - الدرس (10- 21) : قانون العزة
صفحة 1 من اصل 1
قوانين القرآن الكريم - الدرس (10- 21) : قانون العزة
مقدمة لقانون العزة والذِّلّة:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس سنن الله في خلقه، والقانون اليوم قانون العزة، وقانون الذلة، أيْ: متى يكون الإنسان عزيزاً ؟ ومتى يكون ذليلاً ؟
ثلاثة دوافع أساسية في الإنسان:
الحقيقة أيها الإخوة، أن في الإنسان دوافع ثلاث أساسية، دافع إلى الطعام والشراب حفاظاً على الفرد، ودافع إلى المرأة أو إلى الجنس الآخر حفاظاً على النوع.
فلو أن الإنسان حقق الدافع الأول والثاني، فهناك دافع ثالث سماه علماء النفس تأكيد الذات، يمكن أن تسميه الاعتزاز بالكرامة، فقد يكون الإنسان طاعماً وناعماً، لكنه يهان، فلا يحتمل هذه الإهانة، ولعل من أشد أنواع العقوبات أن يصغر الإنسان، أو أن يهان، لذلك كانت الحاجة أساسية إلى أن تكون عزيزاً، إلى أن تكون كريماً، إلى أن تكون في موضع لست مهاناً فيه، ولست ذليلاً، فما القانون في ذلك ؟
قانون العزة والكرامة:
1 – الإحسان:
الآية الكريمة:
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾
( سورة يونس الآية:26 )
الإحسان مطلق:
كلمة ( أحسنوا ) مطلقة، فإن كان طبيبا فلا بد أن تكون محسنا، وإن كان محاميا فلا بد أن تكون محسنا، وإن كان مدرس فلا بد أن تكون محسنا، والأب محسن، والابن محسن، والطالب محسن، والموظف محسن.
أوضح مثل لهذا: إذا تأخر الموظف على عمله مرات متكررة، وتفاقمت هذه الظاهرة فقد يُسمِعه مدير الدائرة كلاماً لا يحتمل، ما الذي سبب له هذا الصغار وهذه الملاحظة القاسية ؟ تأخره، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( إياك وكل أمر يعتذر منه ))
[السيوطي عن ابن عمر بسند حسن ]
العمل الذي تضطر أن تعتذر عنه إياك أن تفعله، حتى تكون رافع الرأس، عزيز النفس، موفور الكرامة، وكل إنسان كائناً من كان يُسحق إذا أذيته، يكاد يخرج من جلده إذا صغرته، إذا عريته عن كل الفضائل، إذا كشفت أنه يكذب، إذا كشفت أنه يخون، فكل أنواع الصغار، والضيق، والتطامن، والشعور بالذل، والشعور بالندم، والشعور بالذنب، والشعور بعقدة النقص تتأتى من عدم الإحسان.
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى﴾
( سورة يونس الآية: 26 )
الجنة.
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
الحسنى هي الجنة.
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
( سورة يونس الآية: 26 )
ما هي الزيادة ؟ هي النظر إلى وجه الله الكريم، وقد ورد في بعض الآثار أن المؤمنين ينظرون إلى وجه الله الكريم فيغبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة، وقال بعضهم: وفوق هذه الزيادة ورضوان من الله أكبر، والجنة:
(( مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
والنظر إلى وجه الله الكريم، ورضوان من الله أكبر،
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾
﴿ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ ﴾
( سورة يونس الآية: 26 )
قد يكون الإنسان مستخدَما، حاجبا، لكنه يؤدي عمله بالتمام والكمال، يشعر بعزة لا يشعرها مدير الدائرة إذا اكتُشِف أنه يختلس بعض الأموال، وتكف يده عن العمل، ويساق للتحقيق، ثم يسرّح بسبب عدم النزاهة، أو ضعف النزاهة، ومهما تكن المرتبة صغيرة تكن بها عزيزا إذا كان فيها استقامة، وفيها صدق.
لذلك بطولة الإنسان ألاّ يعمل عملاً يريد أن يعتذر منه، قيل لعمرو بن العاص: " ما بلغ من دهائك ؟ قال: والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه، فقال له سيدنا معاوية: << يا عمرو، لست بداهية، أما أنا والله فما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه >>.
حينما تؤدي واجبك بالتمام والكمال تكون رافع الرأس، عزيز النفس، موفور الكرامة، مهما يكن عملك، وبكل مكان، وبكل مجال، وبكل حقل، وبكل دائرة، وبكل مؤسسة، وبكل جامعة، وبكل حقل، حينما يؤدي الإنسان واجبه كاملاً لا يستطيع رؤساءه أن ينطقوا بكلمة تسيء إليه.
فيا أيها الإخوة، أن تشعر بكرامتك الموفورة، وبمكانتك المحفوظة شيء مريح جداً، لكن هذا يحتاج إلى جهد.
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾
أيْ: خجل،
﴿ وَلاَ ذِلَّةٌ ﴾
﴿ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
( سورة يونس )
أيها الإخوة، مرة قرأت كتاباً صُدِّر بأدعية تركت أثراً في نفسي، من هذه الأدعية:
" اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ".
أنت تعلمت شيئاً، وشرحته، وبينته، وفصلته، وأتيت بالأدلة، والشواهد والقصص، وجاء إنسان استمع إلى درسك، استوعب هذا الحديث، وطبّقه، فقطف ثماره ، والذي حفظه، وشرحه لم يطبقه، يكون هذا الذي تعلم منك أسعد منك بهذا الحديث.
" اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ".
الدعاء الثاني:
" اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ".
هناك مَظهر، مظهر صلاح، مظهر تقى، ثيابه بيضاء، معطر، سبحته في يده، متوجه إلى المسجد، شيء جميل، هذا مظهر صلاح، لكن أين كان يسهر البارحة ؟ وماذا فعل في الليل ؟
" اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ".
" اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك ".
قد يقول الإنسان كلمة الحق، يريد بها الباطل، آخر واحدة وهي أصعبها:
" اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك " أن أكون أنا قصة، تروى بالمجالس، لذلك قال تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 44 )
﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
( سورة يونس )
2 – الاستقامة:
انظر إلى وجه اللص حينما يقبض عليه، وحينما يصور مع المسروقات، انظر إلى عينيه خاشعا من الذل، لا ترى في الوجه ضياءً، ولا تألقاً، تراه مكدَّراً، عليه غبار الخيانة.
لذلك أيها الإخوة، ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، يحيى بكرامته، يحيى بعزته.
اجعل لربك كـل عز ك يـستـقر ويثـبت
فإذا اعتززت بمن يمو ت فإن عـزك مـيت
***
أيها الإخوة:
(( ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة ))
[ أخرجه السيوطي وابن سعد عن أبي البجير ]
إذا كان الكسب حراماً، وإذا كان هذا التسلم لهذا المكان على حساب مبادئك وقيمك، قد تكون بهذا المكان ناعماً طاعماً عزيزاً في الدنيا، لكن البطولة أن تكون يوم القيامة طاعماً ناعماً، لذلك:
(( ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا، طاعمة ناعمة يوم القيامة ))
بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف:
1 – المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف:
لذلك أقول لكم أيها الإخوة: إن المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، المال قوة، والمنصب قوة، والعلم قوة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، لماذا ؟ لأن فرص العمل الصالح متاحة للقوي مالاً، أو علماً، أو منصباً ليست متاحة لغيره، ولأن علة وجودك في الدنيا هي العمل الصالح، والعمل الصالح يحتاج إلى قوة، إلى قوة في المال، وقوة في العلم، وقوة في المنصب، لذلك ينبغي أن تكون قوياً بعلمك، أو بمالك، أو بمنصبك، ولكن:
2 – لابد من أن تكون القوة مشروعة:
إذا كان هذا الطريق سالكاً، ولكن على حساب دينك وقيمك فأن تكون ضعيفاً أو فقيراً فهما وسامان شرف لك، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله، وأنت محافظ على عقيدتك، وعلى إيمانك، وعلى قيمك، وعلى استقامتك، وعلى أداء عباداتك فمرحباً بالقوة، لأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
إن الإنسان بالمال يملأ قلوب الناس محبة له، ينفق المال في سبيل الله، فيرضى الله عنه، ويضاعف له الأموال أضعافاً مضاعفة، وإذا كان قوياً فبجَرة قلم يحقّ حقاً، أو يبطل باطلاً، يقرّ معروفاً، ويزيل منكراً، يقرّب مخلصاً ناصحاً، ويبعد فاجراً منافقاً، فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون قوياً، أما إذا كان طريق القوة سالكاً على حساب مبادئك وقيمك ودينك فنقول: الضعف وسام شرف لك، والفقر وسام شرف لك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
[ أخرجه مسلم ]
﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾
هذه الآية تعد قانون العزة والذلة، أنت باستقامتك، وبعملك الصالح، بإتقان عملك بأداء الأمانة، بالانضباط تكون عزيزاً، وحينما تقصّر في أداء واجباتك، حينما تقصّر في اختصاصك، حينما لا تطوّر عملك تكون مفتقراً إلى خبرات جديدة، وتسيء في التعامل مع مَن حولك، ويفتضح الأمر فتصغر، وهذا شيء لا يحتمل، لذلك قال تعالى:
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾
( سورة فاطر الآية: 10 )
العزة لله فطلبوها عنده:
دققوا في الدعاء الذي ندعوه جميعاً: سبحانك، إنه لا يعز من عاديت، ولا يذل من واليت، مستحيل وألف ألف مستحيل أن توالي ربك وأن تذل، أو تعادي منهج الحق وأن تعز أبداً.
حينما انتهت معركة بدر خاطب النبي كفار قريش بأسمائهم واحداً وَاحداً فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ، فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ:
(( يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا ؟ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا، وَأَنَّى يُجِيبُوا، وَقَدْ جَيَّفُوا، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ))
[ متفق عليه، واللفظ لمسلم ]
أيها الإخوة، هؤلاء الذين وقفوا مع النبي في أيام الشدة أين هم الآن ؟ في أعلى عليين، أسماءهم تكتب بماء الذهب في لوحات الشرف، والذين خاصموا النبي، وردوا دعوته، وكذبوه أين هم ؟ في مزابل التاريخ.
لذلك العبرة بالنهاية، والعبرة في الخاتمة.
أيها الإخوة.
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾
بالمناسبة، الله عز وجل قال:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
( سورة الشرح )
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
والله الذي لا إله إلا هو مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون مؤمناً،صادقاً ،مستقيماً، محباً، مخلصاً، وألا يرفع الله لك ذكرك.
1 – الآية عامة:
هذه الآية مع أنها للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن تنسحب على جميع المؤمنين، بقدر استقامتهم وإخلاصهم، المؤمن له مكانة في الدنيا، المؤمن عزيز النفس، الله عز وجل بطريقة أو بأخرى يرفع ذكر هذا الإنسان، بل الأصل في ذلك أن الله إذا أحب عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق، إن كنت مع الله خدمك عدوك، وبجلك عدوك.
2 – المستقيم يحترمه الصديق والعدوُّ:
لي صديق في دائرة، وله مَن فوقه بعيد عن الدين بُعد الأرض عن السماء ، يقترف معظم المعاصي والآثام، سافر معه في مهمة، ودخلوا إلى مطعم، ولم يأتِ بمنكر من أجل هذا الموظف، وقال له: هل انتبهت إلى أننا لم نقدم شيئاً محرما على المائدة ؟ قال: بلى، قال له: من أجلك، لأن دينك صحيح، المتفلت الذي يشرب الخمر، ويرتكب المعاصي والآثام قدّر هذا المؤمن، فإكراماً له لم يضع على المائدة شيئًا محرما، لأن دينك هو الصحيح.
صدقوا أيها الإخوة، أنك إذا كنت مستقيماً فمعظم عند أعداء الدين، والأمور واضحة جداً، لكن هناك من يتاجر بالدين، هناك من يدعي أنه مؤمن، وهو ليس كذلك، هناك من يرى أن الدين طريق للدنيا، لذلك ينافق، لكن المؤمن الصادق مقدر، ومحترم حتى عند أعدائه.
الذي فعله صلاح الدين الأيوبي شيء لا يصدق مع قادة الجيوش الأوربية، ففي المعركة شيء، وبعد المعركة، أو قبلها شيء آخر، كان يعالجهم، لذلك لحقبة طويلة جداً كان الأجانب إذا قدموا إلى دمشق زاروا قبر صلاح الدين، وقدموا له آيات التبجيل والاحترام.
صدقوا ولا أبالغ، حينما تكون مخلصاً ومستقيماً تنتزع إعجاب أعدائك.
الشهيد يوسف العظمة، طبعاً أَبَتْ عليه مكانته، وشهامته، ومروءته، ودينه أن يسلم البلاد، وهو يعلم علم اليقين أنه لا قِبَل له بجيش فرنسا، فلما جرت المعركة في ميسلون قُتل، وقف كبار الضباط له مبجلين، ومحترمين، وحيّوه تحية عسكرية، لأنه إنسان أبت عليه شجاعته ومروءته أن يسلم البلاد، بل ضحى بحياته من أجل أن يؤدي واجبه تجاه ربه، وتجاه أمته، لذلك قال الشاعر:
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى كي لا يرى في جلق الأغراب
***
عظماء الأرض ماذا فعلوا ؟ ضحوا بدنياهم من أجل مبادئهم، فكانوا في أعلى عليين، هؤلاء عظماء المجتمعات.
خاتمة:
فلذلك أيها الإخوة، قضية العزة والكرامة، وقضية الذلة والمهانة بيدك، بأي مكان بأي ظرف، بأي عمل، بأي حقل، بأي جامعة، بأي مؤسسة، بأي دائرة، بأي تجارة إذا كنت مستقيماً تُحتَرَم.
حدثني أخ ذهب إلى أوربا ليشتري بضاعة، لأنه ضبط نفسه عن أن ينظر إلى محاسن النساء، انتبهوا لذلك، فعاملوه معاملة خاصة.
فيا أيها الإخوة الكرام، الاستقامةَ الاستقامة، والإحسانَ الإحسَانَ، فهما سبب عزتك وكرامتك في الدنيا.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس سنن الله في خلقه، والقانون اليوم قانون العزة، وقانون الذلة، أيْ: متى يكون الإنسان عزيزاً ؟ ومتى يكون ذليلاً ؟
ثلاثة دوافع أساسية في الإنسان:
الحقيقة أيها الإخوة، أن في الإنسان دوافع ثلاث أساسية، دافع إلى الطعام والشراب حفاظاً على الفرد، ودافع إلى المرأة أو إلى الجنس الآخر حفاظاً على النوع.
فلو أن الإنسان حقق الدافع الأول والثاني، فهناك دافع ثالث سماه علماء النفس تأكيد الذات، يمكن أن تسميه الاعتزاز بالكرامة، فقد يكون الإنسان طاعماً وناعماً، لكنه يهان، فلا يحتمل هذه الإهانة، ولعل من أشد أنواع العقوبات أن يصغر الإنسان، أو أن يهان، لذلك كانت الحاجة أساسية إلى أن تكون عزيزاً، إلى أن تكون كريماً، إلى أن تكون في موضع لست مهاناً فيه، ولست ذليلاً، فما القانون في ذلك ؟
قانون العزة والكرامة:
1 – الإحسان:
الآية الكريمة:
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾
( سورة يونس الآية:26 )
الإحسان مطلق:
كلمة ( أحسنوا ) مطلقة، فإن كان طبيبا فلا بد أن تكون محسنا، وإن كان محاميا فلا بد أن تكون محسنا، وإن كان مدرس فلا بد أن تكون محسنا، والأب محسن، والابن محسن، والطالب محسن، والموظف محسن.
أوضح مثل لهذا: إذا تأخر الموظف على عمله مرات متكررة، وتفاقمت هذه الظاهرة فقد يُسمِعه مدير الدائرة كلاماً لا يحتمل، ما الذي سبب له هذا الصغار وهذه الملاحظة القاسية ؟ تأخره، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( إياك وكل أمر يعتذر منه ))
[السيوطي عن ابن عمر بسند حسن ]
العمل الذي تضطر أن تعتذر عنه إياك أن تفعله، حتى تكون رافع الرأس، عزيز النفس، موفور الكرامة، وكل إنسان كائناً من كان يُسحق إذا أذيته، يكاد يخرج من جلده إذا صغرته، إذا عريته عن كل الفضائل، إذا كشفت أنه يكذب، إذا كشفت أنه يخون، فكل أنواع الصغار، والضيق، والتطامن، والشعور بالذل، والشعور بالندم، والشعور بالذنب، والشعور بعقدة النقص تتأتى من عدم الإحسان.
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى﴾
( سورة يونس الآية: 26 )
الجنة.
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
الحسنى هي الجنة.
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
( سورة يونس الآية: 26 )
ما هي الزيادة ؟ هي النظر إلى وجه الله الكريم، وقد ورد في بعض الآثار أن المؤمنين ينظرون إلى وجه الله الكريم فيغبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة، وقال بعضهم: وفوق هذه الزيادة ورضوان من الله أكبر، والجنة:
(( مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
والنظر إلى وجه الله الكريم، ورضوان من الله أكبر،
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾
﴿ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ ﴾
( سورة يونس الآية: 26 )
قد يكون الإنسان مستخدَما، حاجبا، لكنه يؤدي عمله بالتمام والكمال، يشعر بعزة لا يشعرها مدير الدائرة إذا اكتُشِف أنه يختلس بعض الأموال، وتكف يده عن العمل، ويساق للتحقيق، ثم يسرّح بسبب عدم النزاهة، أو ضعف النزاهة، ومهما تكن المرتبة صغيرة تكن بها عزيزا إذا كان فيها استقامة، وفيها صدق.
لذلك بطولة الإنسان ألاّ يعمل عملاً يريد أن يعتذر منه، قيل لعمرو بن العاص: " ما بلغ من دهائك ؟ قال: والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه، فقال له سيدنا معاوية: << يا عمرو، لست بداهية، أما أنا والله فما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه >>.
حينما تؤدي واجبك بالتمام والكمال تكون رافع الرأس، عزيز النفس، موفور الكرامة، مهما يكن عملك، وبكل مكان، وبكل مجال، وبكل حقل، وبكل دائرة، وبكل مؤسسة، وبكل جامعة، وبكل حقل، حينما يؤدي الإنسان واجبه كاملاً لا يستطيع رؤساءه أن ينطقوا بكلمة تسيء إليه.
فيا أيها الإخوة، أن تشعر بكرامتك الموفورة، وبمكانتك المحفوظة شيء مريح جداً، لكن هذا يحتاج إلى جهد.
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾
أيْ: خجل،
﴿ وَلاَ ذِلَّةٌ ﴾
﴿ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
( سورة يونس )
أيها الإخوة، مرة قرأت كتاباً صُدِّر بأدعية تركت أثراً في نفسي، من هذه الأدعية:
" اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ".
أنت تعلمت شيئاً، وشرحته، وبينته، وفصلته، وأتيت بالأدلة، والشواهد والقصص، وجاء إنسان استمع إلى درسك، استوعب هذا الحديث، وطبّقه، فقطف ثماره ، والذي حفظه، وشرحه لم يطبقه، يكون هذا الذي تعلم منك أسعد منك بهذا الحديث.
" اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني ".
الدعاء الثاني:
" اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ".
هناك مَظهر، مظهر صلاح، مظهر تقى، ثيابه بيضاء، معطر، سبحته في يده، متوجه إلى المسجد، شيء جميل، هذا مظهر صلاح، لكن أين كان يسهر البارحة ؟ وماذا فعل في الليل ؟
" اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ".
" اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك ".
قد يقول الإنسان كلمة الحق، يريد بها الباطل، آخر واحدة وهي أصعبها:
" اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك " أن أكون أنا قصة، تروى بالمجالس، لذلك قال تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 44 )
﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
( سورة يونس )
2 – الاستقامة:
انظر إلى وجه اللص حينما يقبض عليه، وحينما يصور مع المسروقات، انظر إلى عينيه خاشعا من الذل، لا ترى في الوجه ضياءً، ولا تألقاً، تراه مكدَّراً، عليه غبار الخيانة.
لذلك أيها الإخوة، ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، يحيى بكرامته، يحيى بعزته.
اجعل لربك كـل عز ك يـستـقر ويثـبت
فإذا اعتززت بمن يمو ت فإن عـزك مـيت
***
أيها الإخوة:
(( ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة ))
[ أخرجه السيوطي وابن سعد عن أبي البجير ]
إذا كان الكسب حراماً، وإذا كان هذا التسلم لهذا المكان على حساب مبادئك وقيمك، قد تكون بهذا المكان ناعماً طاعماً عزيزاً في الدنيا، لكن البطولة أن تكون يوم القيامة طاعماً ناعماً، لذلك:
(( ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا، طاعمة ناعمة يوم القيامة ))
بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف:
1 – المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف:
لذلك أقول لكم أيها الإخوة: إن المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، المال قوة، والمنصب قوة، والعلم قوة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، لماذا ؟ لأن فرص العمل الصالح متاحة للقوي مالاً، أو علماً، أو منصباً ليست متاحة لغيره، ولأن علة وجودك في الدنيا هي العمل الصالح، والعمل الصالح يحتاج إلى قوة، إلى قوة في المال، وقوة في العلم، وقوة في المنصب، لذلك ينبغي أن تكون قوياً بعلمك، أو بمالك، أو بمنصبك، ولكن:
2 – لابد من أن تكون القوة مشروعة:
إذا كان هذا الطريق سالكاً، ولكن على حساب دينك وقيمك فأن تكون ضعيفاً أو فقيراً فهما وسامان شرف لك، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله، وأنت محافظ على عقيدتك، وعلى إيمانك، وعلى قيمك، وعلى استقامتك، وعلى أداء عباداتك فمرحباً بالقوة، لأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
إن الإنسان بالمال يملأ قلوب الناس محبة له، ينفق المال في سبيل الله، فيرضى الله عنه، ويضاعف له الأموال أضعافاً مضاعفة، وإذا كان قوياً فبجَرة قلم يحقّ حقاً، أو يبطل باطلاً، يقرّ معروفاً، ويزيل منكراً، يقرّب مخلصاً ناصحاً، ويبعد فاجراً منافقاً، فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون قوياً، أما إذا كان طريق القوة سالكاً على حساب مبادئك وقيمك ودينك فنقول: الضعف وسام شرف لك، والفقر وسام شرف لك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
[ أخرجه مسلم ]
﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾
هذه الآية تعد قانون العزة والذلة، أنت باستقامتك، وبعملك الصالح، بإتقان عملك بأداء الأمانة، بالانضباط تكون عزيزاً، وحينما تقصّر في أداء واجباتك، حينما تقصّر في اختصاصك، حينما لا تطوّر عملك تكون مفتقراً إلى خبرات جديدة، وتسيء في التعامل مع مَن حولك، ويفتضح الأمر فتصغر، وهذا شيء لا يحتمل، لذلك قال تعالى:
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾
( سورة فاطر الآية: 10 )
العزة لله فطلبوها عنده:
دققوا في الدعاء الذي ندعوه جميعاً: سبحانك، إنه لا يعز من عاديت، ولا يذل من واليت، مستحيل وألف ألف مستحيل أن توالي ربك وأن تذل، أو تعادي منهج الحق وأن تعز أبداً.
حينما انتهت معركة بدر خاطب النبي كفار قريش بأسمائهم واحداً وَاحداً فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ، فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ:
(( يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا ؟ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا، وَأَنَّى يُجِيبُوا، وَقَدْ جَيَّفُوا، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ))
[ متفق عليه، واللفظ لمسلم ]
أيها الإخوة، هؤلاء الذين وقفوا مع النبي في أيام الشدة أين هم الآن ؟ في أعلى عليين، أسماءهم تكتب بماء الذهب في لوحات الشرف، والذين خاصموا النبي، وردوا دعوته، وكذبوه أين هم ؟ في مزابل التاريخ.
لذلك العبرة بالنهاية، والعبرة في الخاتمة.
أيها الإخوة.
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾
بالمناسبة، الله عز وجل قال:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
( سورة الشرح )
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
والله الذي لا إله إلا هو مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون مؤمناً،صادقاً ،مستقيماً، محباً، مخلصاً، وألا يرفع الله لك ذكرك.
1 – الآية عامة:
هذه الآية مع أنها للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن تنسحب على جميع المؤمنين، بقدر استقامتهم وإخلاصهم، المؤمن له مكانة في الدنيا، المؤمن عزيز النفس، الله عز وجل بطريقة أو بأخرى يرفع ذكر هذا الإنسان، بل الأصل في ذلك أن الله إذا أحب عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق، إن كنت مع الله خدمك عدوك، وبجلك عدوك.
2 – المستقيم يحترمه الصديق والعدوُّ:
لي صديق في دائرة، وله مَن فوقه بعيد عن الدين بُعد الأرض عن السماء ، يقترف معظم المعاصي والآثام، سافر معه في مهمة، ودخلوا إلى مطعم، ولم يأتِ بمنكر من أجل هذا الموظف، وقال له: هل انتبهت إلى أننا لم نقدم شيئاً محرما على المائدة ؟ قال: بلى، قال له: من أجلك، لأن دينك صحيح، المتفلت الذي يشرب الخمر، ويرتكب المعاصي والآثام قدّر هذا المؤمن، فإكراماً له لم يضع على المائدة شيئًا محرما، لأن دينك هو الصحيح.
صدقوا أيها الإخوة، أنك إذا كنت مستقيماً فمعظم عند أعداء الدين، والأمور واضحة جداً، لكن هناك من يتاجر بالدين، هناك من يدعي أنه مؤمن، وهو ليس كذلك، هناك من يرى أن الدين طريق للدنيا، لذلك ينافق، لكن المؤمن الصادق مقدر، ومحترم حتى عند أعدائه.
الذي فعله صلاح الدين الأيوبي شيء لا يصدق مع قادة الجيوش الأوربية، ففي المعركة شيء، وبعد المعركة، أو قبلها شيء آخر، كان يعالجهم، لذلك لحقبة طويلة جداً كان الأجانب إذا قدموا إلى دمشق زاروا قبر صلاح الدين، وقدموا له آيات التبجيل والاحترام.
صدقوا ولا أبالغ، حينما تكون مخلصاً ومستقيماً تنتزع إعجاب أعدائك.
الشهيد يوسف العظمة، طبعاً أَبَتْ عليه مكانته، وشهامته، ومروءته، ودينه أن يسلم البلاد، وهو يعلم علم اليقين أنه لا قِبَل له بجيش فرنسا، فلما جرت المعركة في ميسلون قُتل، وقف كبار الضباط له مبجلين، ومحترمين، وحيّوه تحية عسكرية، لأنه إنسان أبت عليه شجاعته ومروءته أن يسلم البلاد، بل ضحى بحياته من أجل أن يؤدي واجبه تجاه ربه، وتجاه أمته، لذلك قال الشاعر:
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى كي لا يرى في جلق الأغراب
***
عظماء الأرض ماذا فعلوا ؟ ضحوا بدنياهم من أجل مبادئهم، فكانوا في أعلى عليين، هؤلاء عظماء المجتمعات.
خاتمة:
فلذلك أيها الإخوة، قضية العزة والكرامة، وقضية الذلة والمهانة بيدك، بأي مكان بأي ظرف، بأي عمل، بأي حقل، بأي جامعة، بأي مؤسسة، بأي دائرة، بأي تجارة إذا كنت مستقيماً تُحتَرَم.
حدثني أخ ذهب إلى أوربا ليشتري بضاعة، لأنه ضبط نفسه عن أن ينظر إلى محاسن النساء، انتبهوا لذلك، فعاملوه معاملة خاصة.
فيا أيها الإخوة الكرام، الاستقامةَ الاستقامة، والإحسانَ الإحسَانَ، فهما سبب عزتك وكرامتك في الدنيا.
مواضيع مماثلة
» قوانين القرآن الكريم - الدرس (15- 21) : قانون العدل
» قوانين القرآن الكريم - الدرس (01- 21) : مقدمة - قوانين لا بد من السير عليها
» قوانين القرآن الكريم - الدرس (02- 21) : سنة الأمن - ينشأ الأمن من استقامة الإنسان ، وينشأ الخوف من تفلت الإنسان
» العقيدة - حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس (28-30) ب : قانون السببية والغائية والتناقض - الخلية
» الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم.
» قوانين القرآن الكريم - الدرس (01- 21) : مقدمة - قوانين لا بد من السير عليها
» قوانين القرآن الكريم - الدرس (02- 21) : سنة الأمن - ينشأ الأمن من استقامة الإنسان ، وينشأ الخوف من تفلت الإنسان
» العقيدة - حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس (28-30) ب : قانون السببية والغائية والتناقض - الخلية
» الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى